«روبي».. الراقصة المغربية.. تؤثر على سمعة إيطاليا

هل يبقى برلسكوني في حكم «الديمقراطية المتصدعة».. وتتحول إلى دولة اتحادية فيدرالية.. أم تتفتت إلى دويلات

TT

انتهت إجازات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وما بعدها.. «عيد الساحرة» و«الأسبوع الأبيض».. ثم عاد الإيطاليون للعمل بعد توقف يقارب ثلاثة أسابيع ليجدوا المشكلات الداخلية نفسها وقد تفاقمت وهي تنتظر الحلول العاجلة في حين أن الأحزاب السياسية في تناحر وتشرذم، والجميع يدورون في حلقة مفرغة. ولكي تدخل التسلية والإثارة إلى عالم السياسة الإيطالية الداخلية المعقدة، عادت قصة الراقصة المغربية الحسناء «روبي» للظهور من جديد لتدمير سمعة رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني بعد أن طلب القضاء في ميلانو التحقيق معه الأسبوع المقبل بتهمة تيسير الدعارة.

مضى شهر على نجاح برلسكوني في الحصول على ثقة البرلمان بفارق ثلاثة أصوات إثر توقعات كثيرة بسقوط حكومته، وعادت حملة إضعافه إلى العناوين حين قررت المحكمة الدستورية العليا منذ أيام السماح بمحاكمته في بعض الحالات، ناقضة الحصانة التي أحاط بها نفسه قانونا أثناء ممارسته لمنصب رئاسة الوزارة. قامت النيابة العامة في مدينة ميلانو الشمالية مسقط رأس برلسكوني على الفور بوضعه تحت التحقيق بشبهة دفعه نقودا لفتاة قاصر مقابل خدماتها الجنسية العام الماضي، ولم تكن تلك الفتاة سوى الراقصة المغربية كريمة المحروق المعروفة في إيطاليا باسمها الفني «روبي» (أو الياقوتة) التي شاركت في حفلات الملياردير الثري برلسكوني وادعت أنها قبضت سبعة آلاف يورو (نحو 9200 دولار) مقابل ذلك. كما أشيع أنها طلبت 5 ملايين يورو للسكوت عما تعرفه.

* هجوم مضاد

* غضب برلسكوني وهاجم القضاة قائلا إنهم يحاولون تلطيخ صورته وقذفه بالطين ويجربون شتى أنواع الانتقام منه لأنه يعتبرهم منحازين لقوى اليسار ولا يتمتعون بالنزاهة الكافية، وأضاف أن الاتهامات سخيفة والحكومة باقية رغم مؤامرات الحاقدين عليه ولن يقع في فخ الانتخابات المبكرة، وكان يقصد جانفرانكو فيني رئيس مجلس النواب وحليفه السابق الذي يقود حزب التحالف الوطني (الفاشي سابقا)، الذي يسعى لتجميع قوى الوسط ضد برلسكوني ويقترب شيئا فشيئا إلى قوى اليسار المعتدل.

وتساءل أحد زعماء المعارضة اليسارية بيير لويغي برساني زعيم الحزب الديمقراطي (الشيوعي سابقا) والوزير السابق في حكومة رومانو برودي التي سبقت حكومة برلسكوني الأخيرة إلى متى ستطغى قضايا برلسكوني الشخصية على المشكلات الاقتصادية التي تهدد البلاد. بدأت الأزمة مجددا وتطايرت شرارة الهجوم في الصحافة، فقد صرح برلسكوني لوسائل الإعلام أنه لن يحضر التحقيق وسيقرر موقفه النهائي بعد التشاور مع محاميه قبل يوم الجمعة (اليوم) وأردف: «لم أدفع في حياتي نقودا لامرأة ولدي الآن خطيبة ثابتة»، مشيرا إلى انفصاله عن زوجته وطلاقهما، وتأكيده أن الحفلة التي شاركت فيها روبي كانت عبارة عن سهرة عادية، وكان تعليق رئيس مجلس النواب فيني: «لماذا لا يدافع عن نفسه أمام القضاة»، وتساءل البعض: من هي تلك الخطيبة السرية؟ وأشيع أنها عارضة أزياء جميلة القوام، أما صحيفة «لا ريببليكا» المعارضة فكتبت في عنوانها على الصفحة الأولى: «عرض برلسكوني الترفيهي على التلفزيون يثير الضجر والكآبة»، وأضافت أن حفلات برلسكوني في الفيلا التي يملكها في جزيرة سردينيا تحفل دائما بوجود الحسناوات ومنهم - بالإضافة إلى روبي وكان عمرها 17 سنة - ملكة جمال إيطاليا عام 2009 ايريس بيراتي وعدد من المختصات بمرافقة الزوار الذكور أو الإناث الذين تقدمهم وكالات مختصة بخدمات المرافقة (اسكورت)، وكان آخر ظهور علني لعشر من أولئك الحسناوات بشكل علني أثناء زيارة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين وإقامته في فيلا صديقه برلسكوني في الربيع الماضي حين تحول حفل العشاء الرسمي إلى حفل خاص بعد ذلك. من ناحيته، نصح اومبرتو بوسي زعيم حزب «رابطة الشمال» المشارك في الحكومة والداعي إلى تحويل إيطاليا إلى دولة اتحادية فيدرالية، رئيس الوزراء للابتعاد عن تجريح القضاء ومهاجمته، أما رئيس تحرير جريدة «ليبيرو» الموالية لبرلسكوني فكتب قائلا: «خنزير عجوز أفضل من منافق شاب» (ويقصد فيني).

* مشكلات إيطاليا

* أول المشكلات المزمنة في إيطاليا هي البطالة، خاصة في أوساط الشباب، حيث تزيد في جنوب البلاد عن شماله، وقد ازدادت تفاقما بعد الأزمة المالية العالمية منذ سنوات، ووصلت مؤخرا إلى نحو 9 في المائة حسب الإحصائيات الرسمية، ويكرر الساسة من مختلف الاتجاهات الحديث عنها، لكن المشكلة تبقى على حالها. لذا، مل الناس منها؛ بل من الطبقة السياسية أجمعها، ومن فضائح أهل اليمين وأهل اليسار، ولولا الاقتصاد الخفي في إيطاليا غير المسجل في الأرقام الرسمية، لكان الوضع أسوأ مما يقال.

المشكلة الثانية هي الهجرة الأجنبية، خاصة غير الشرعية، فالسياسة الحالية تتبع التشدد في إعطاء إذن العمل وإعاقة وصول المهاجرين الجدد رغم حاجة البلاد لليد العاملة البسيطة، لذا نمت السوق السوداء للعمل. في لقاء مع الوزيرة السابقة ليفيا توركو من الحزب الديمقراطي المعارض، قالت الوزيرة لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة برلسكوني لا تمنح أي مخصصات لدمج المهاجرين القانونيين في المجتمع الإيطالي؛ بل إنها تطرد من لا يتقن اللغة الإيطالية بعد ثلاث سنوات من إقامته، وأردفت قائلة: «إيطاليا هي الدولة الأسوأ في أوروبا لمنح جنسيتها للمهاجرين؛ إذ تطلب إقامتهم المتواصلة فيها لمدة عشر سنوات، كما تطلب من المولدين فيها البقاء 18 سنة يمكنهم بعدها طلب الجنسية خلال عام واحد، أي قبل إكمالهم العام 19».

في حين ستحتفل إيطاليا هذا العام بالذكرى 150 لإنشائها كدولة موحدة، تصبح المشكلة الكبرى الآن فكرة تحويلها إلى دولة اتحادية فيدرالية على غرار ألمانيا أو الولايات المتحدة، ويهدد حزب «رابطة الشمال» حليف برلسكوني القوي في الحكومة بانفصال الشمال أي المقاطعات التي تشمل مدن ميلانو والبندقية (فينيسيا) وتورينو وجنوا فتصبح القضية مجال تهديد حقيقي بتفتيت إيطاليا إلى دويلات كما كانت الحال قبل 150 سنة.

أكثر الساسة شعبية في الشمال هو بوسي وليس برلسكوني ابن ميلانو، والأفكار المتداولة حول تبديل حكومته بحكومة تكنوقراط برئاسة وزير المالية الحالي جوليو تريمونتي تقلق برلسكوني لأن تريمونتي رغم خبرته الاقتصادية الواسعة ونجاحه النسبي في احتواء الأزمة المالية كي لا تطال إيطاليا مثلما جرى في اليونان أو غيرها، قريب في تفكيره المحافظ اليميني من تفكير بوسي، ويفضل سياسة التقشف على النمو، خاصة أن أغلب الدخل الحكومي يأتي من مقاطعات الشمال الغنية التي تصب في خزائن روما دون أن يستفيد منها الشمال، بل «تهدر» في العاصمة وفي مناطق الجنوب، مما حدا برفع شعار امتناع الشماليين عن دفع الضرائب وإطلاق بوسي لكلمته الشهيرة «روما السارقة».

المعارضة في إيطاليا منقسمة على نفسها ولا تتكلم اللغة نفسها؛ إنما تتفق على عدائها لبرلسكوني، وهي معارضة يمكن وصفها بالناعمة مع استثناء حزب «إيطاليا القيم» برئاسة أنطونيو دي بيترو المدعي العام السابق الذي قاد تحقيقات الفساد في أوائل التسعينات وبعض التنظيمات اليسارية المتطرفة الصغيرة، أما المعارضة اليسارية الرئيسية مثل الحزب الديمقراطي فهي لا تقدم برنامجا واضحا يختلف كثيرا عن ما تقدمه أحزاب الوسط، حيث يغازل رئيس مجلس النواب السابق بيير فرناندو كاسيني ورئيسه الحالي فيني وربما عمدة روما السابق فرانشيسكو روتيللي المنشق عن الحزب الديمقراطي ليكونوا تيارا ثالثا يقرر مصير التحالفات المقبلة.

في هذا الجو المنقسم المتعدد الأصوات وفيه 16 حزبا رئيسيا والعديد من التنظيمات السياسية الصغيرة التي يزيد عددها على 50 تنظيما يسمي البعض الوضع السياسي الإيطالي «الديمقراطية المتصدعة» حيث تحتل إيطاليا المرتبة 29 بين الدول الأكثر ديمقراطية في العالم، ويبقى برلسكوني مطمئنا إلى حد معقول على بقائه في الحكم حتى عام الانتخابات النيابية سنة 2013 أو عودته مجددا إذا اضطر لإجراء انتخابات مبكرة في الربيع المقبل. صورة إيطاليا من الخارج تأثرت سلبا بأحداثها السياسية وفضائح رئيس وزرائها وتصفها بعض الصحف الأجنبية بالنكتة المضحكة، لكن لا يوجد من يفهم إيطاليا جيدا لأن تعقيداتها وتلوناتها وتعاريج سياستها الداخلية تتعصى على الإدراك العميق وتحفل بالمؤامرات والتقلبات، ومن لا يعرف ذلك عليه الرجوع إلى كتاب «الأمير» لميكيافيللي الصادر عام 1532، ولا بد أن برلسكوني يقرأه كل مرة تشتد فيها الحملات ضده خاصة الفصل المتعلق بـ«الحظ في سياسة الأمير».