انتفاضة.. «ائتلاف الشباب»

عباءتها ضمت «كلنا خالد سعيد» و«6 أبريل» و«حملة البرادعي» و«شباب الإخوان» و«ائتلاف شباب الانتفاضة».. وحلم مصر الجديدة

متظاهر يرفع العلم المصري في ميدان التحرير وسط القاهرة (رويترز)
TT

رغم أن خبرتهم بالعمل السياسي محدودة للغاية، حيث إن معظمهم لم ينخرط في ذلك المجال سوى لأعوام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فإنهم تمكنوا بفضل عنفوان الشباب وإصرارهم على التحدي، أن يحققوا خلال أيام معدودة ما لم تستطع المعارضة المصرية بكل أطيافها، بما فيها الأحزاب الرسمية والقوى غير الرسمية، أن تحققه خلال أكثر من ثلاثين عاما من وقوفها في وجه النظام المصري القائم، وعلى رأسه الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم).

إنهم أعضاء ائتلاف شباب الثورة المصرية، الذين قادوا الاحتجاجات والمظاهرات في مصر منذ 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، وصمدوا إلى الوقت الحالي من أجل إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك. يدفعهم في ذلك الأمل في التغيير واستعادة مكانة مصر، عبر التحول إلى الديمقراطية الحقيقية التي رأوها عبر شاشات الفضائيات وعلى صفحات الإنترنت في الدول المتقدمة، لكن لم يتذوقوا طعمها بعد.

البداية كانت عبارة عن دعوات إلكترونية عبر موقعي «فيس بوك» و«تويتر» الاجتماعيين ومنشورات ورقية، تدعوا إلى يوم احتجاج ضد ممارسات الشرطة المصرية والأوضاع الاجتماعية السائدة في مصر، من نشطاء سياسيين وبعض شباب الأحزاب والجماعات السياسية والحركات الاحتجاجية في البلاد، وحددوا لها 25 يناير الماضي، يوم احتفال الشرطة المصرية بعيدها السنوي. لم يتوقع معظم الداعين إلى الاحتجاج في البداية أن تقودهم دعواتهم المتفرقة إلى ما يحدث اليوم، لكن الأحداث تفاعلت بشكل غير مسبوق وتحول الاحتجاج إلى «ثورة شعبية» تعم البلاد، بشكل ألهب حماسهم ورفع سقف مطالبهم وفرض عليهم الصمود حتى تتحقق أمانيهم.

وتتشكل خريطة هؤلاء الشباب أو كما أطلق عليهم «المعارضون الجدد»، من أطياف كثيرة متنوعة من الناشطين السياسيين وشباب المدونين على الإنترنت، بمختلف توجهاتهم الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية.. ويرفضون أن تنقض عليهم الأحزاب التقليدية لتحصد ما قاموا هم بزراعته في الأيام الماضية.

تقول إسراء عبد الفتاح، إحدى قيادات الشباب في حركة 25 يناير، لـ«الشرق الأوسط»: «الشباب هم من بدأوا الاحتجاجات ولا يجب على الأحزاب السياسية العتيقة أن تركب الثورة وتأخذ مكاسبها، القول النهائي لنا فقط.. وهناك توافق بيننا كمنظمين لهذه المظاهرات، والحوار القائم الآن بين الأحزاب والنظام لا يعنينا قبل رحيل الرئيس مبارك». خالد عبد الحميد، القيادي اليساري في الاحتجاجات، قال إنه «علم أنه سيأتي يوم ويجني فيه نضاله الذي بدأه منذ سنوات، وأن العديد من المظاهرات ضد النظام ستعم الجمهورية في يوم من الأيام».

وتأتي حركة «كلنا خالد سعيد»، كأبرز هذه الحركات الشبابية، حيث تعد التجسيد الواقعي لمجموعة «كلنا خالد سعيد» الافتراضية على موقع «فيس بوك». وحتى أيام قليلة مضت لم يكن معروفا أن الناشط الشاب وائل غنيم، المفرج عنه منذ أيام فقط من أمن الدولة هو المسؤول عن إنشاء هذه الصفحة، وهو الداعي للاحتجاجات من خلالها. وتأسست هذه الحركة أو الصفحة احتجاجا على مقتل شاب يدعى خالد سعيد بمدينة الإسكندرية في 6 يونيو (حزيران) الماضي، قال مناصروه «إن رجال الشرطة قتلوه بعد عملية تعذيب» واستجواب دون وجه حق، لكن الحكومة قالت إنه توفي نتيجة ابتلاعه لفافة بانجو، في محاولة منه لإخفائها عن الشرطة. وانتشرت قصة خالد في الشارع السكندري والمصري وعلى صفحات الإنترنت، واعتصم آلاف الشباب في الإسكندرية والقاهرة وطالبوا بالكشف عن أسماء المتورطين. وقال غنيم في تعريفه لهذه الصفحة إنها «تهدف للتعريف بقضايا وهموم المصريين، خاصة اللي له علاقة بقضايا حقوق الإنسان وأي انتهاكات لهذه الحقوق اللي كفلها الدستور المصري، وده مش هيحصل إلا لما نتحد كلنا ونكون إيد واحدة وينضم لينا أكبر عدد من المصريين على الإنترنت وخارجها من خلال النشاط اللي كلنا بنشارك فيه». وقد وصل عدد المنضمين للصفحة حتى الآن إلى أكثر من نصف مليون شخص (563.679).

وكثفت الصفحة من حشدها لتجمع 25 يناير، حين أوردت 30 نقطة تجمع في القاهرة الكبرى، اعتبرتها أماكن للمظاهرات، كما تم الاتفاق على العديد من الهتافات الموحدة للشباب في هذا اليوم منها «عيش - حرية - كرامة إنسانية»، و«ارفع صوتك قول للناس - إحنا كرهنا الظلم خلاص».

وإذا كانت حركة «كلنا خالد سعيد» هي الأحدث، فإن «حركة شباب 6 أبريل» هي الأشهر والأكثر تفاعلا بين الحركات الشبابية السياسية، نظرا لطول فترة وجودها في الشارع المصري المعارض نسبيا. حيث تعمل الحركة منذ ثلاث سنوات، مليئة بالنشاط السياسي وتنظيم الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بعزل الرئيس حسني مبارك والتوقف عن محاولات توريث نجله جمال، قبل أن تكون لاعبا أساسيا في التأجيج والدعوة لمظاهرات 25 يناير. وتكونت الحركة من مجموعة شباب سياسيين ناشطين، عبر مواقع الإنترنت وخاصة موقع «فيس بوك»، عام 2008. وقد اتخذت من (6 أبريل) اسما لها، نتيجة للدور الذي قامت به في شحذ المواطنين على الإضراب العام يوم السادس من أبريل عام 2008، احتجاجا على غلاء الأسعار وصعوبة الحياة المعيشية. وقد كان هذا اليوم فارقا في تاريخ مصر بالفعل حيث نجحت الدعوة التي تلقاها المواطنون عبر «فيس بوك»، وعمت الإضرابات عموم مصر، خاصة في مدينة المحلة الكبرى، حيث شهدت المدينة احتجاجات واسعة شهدت أعمال عنف بين المتظاهرين وقوى الأمن سقط خلالها قتلى وأكثر من 100 مصاب.

ولا يستطيع أحد حصر أتباع الحركة الشبابية أو تقدير أعدادهم، فهم يتكونون من جميع الأطياف السياسية والأحزاب المعارضة والمدونين على الإنترنت، ويمثل حركة شباب 6 أبريل في القيادة الموحدة أحمد ماهر، منسقها العام، ومن أبرز قيادييها «محمود سامي، وإنجي أحمد، وهيثم ربيع، وأسماء محفوظ».

تقول أسماء محفوظ (26 عاما)، الناشطة في الحركة، لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن لي أي علاقة بالعمل السياسي قبل المشاركة في الحركة»، لكنها أكدت أن «الحركة بدأت بتنظيم دورات تدريبية للأعضاء، الذين ليست لديهم تجربة سياسية، وكان يحاضر فيها الأعضاء ممن يمتلكون الخبرة، تعلمت على أثرها أشياء كثيرة من خلال الممارسة والاحتكاك بالناس وبالنشطاء السياسيين». مشيرة إلى أنها «عندما وزعت بيانات تدعو فيها المصريين إلى المشاركة في احتجاجات 25 يناير كان أقصى ما يمكن أن تحلم به أن يصل عدد المشاركين إلى 10 آلاف»، و«كنت أقوم بطباعة وتوزيع بيانات في المناطق الشعبية تدعو المواطنين إلى المشاركة، ونزلت إلى ميدان التحرير بصحبة عدد من أعضاء الحركة، وحاولنا التظاهر بشكل عشوائي احتجاجا على تكرار حوادث حرق المواطنين لأنفسهم، لكن قوات الأمن قامت بمنعنا وإخراجنا من الميدان، مما دفعني إلى تصوير مقطع فيديو بصوتي وصورتي دعوت فيه إلى الاحتجاج يوم 25 يناير». محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليس بعيدا عن الأحداث كما قد يعتقد البعض، خاصة بعد إقصائه من الحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان. حيث تعد «الحملة المصرية لدعم البرادعي» عضوا رئيسيا لائتلاف شباب الثورة. وتشكلت «الحملة» عبر مجموعة من الشباب قاموا بتوجيه دعوة إلى الدكتور البرادعي، للمشاركة بفعالية في الحياة السياسية في البلاد، والترشح لمنصب رئاسة الجمهورية بعد تعديلات دستورية جرت عام 2005، ومع عودة البرادعي إلى القاهرة مطلع العام الماضي.. ثم تبلورت الحملة في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي وأطلقت موقعها الإلكتروني، ويقوم بالتنسيق لها الناشط الشاب زياد العليمي.

وفي اليوم الأول للاحتجاجات، التقت «الشرق الأوسط» بزياد العليمي الذي كان لا يكاد يصدق ما تحقق، وقال بفخر إنه «بدأ هذه المظاهرات بعشرة أفراد فقط في ميدان التحرير، لكن حماس الشباب ساهم في ضم المئات ثم الآلاف من الموظفين، حتى إن ركاب المواصلات العامة كانوا ينزلون ويدعمونهم». ولا يختلف الأمر كثيرا، بالنسبة إلى «مجموعة العدالة والحرية»، أحد أهم عناصر الائتلاف، وهم شباب مؤسسة الجيل الجديد (العدالة والحرية) إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل وفقا لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتضم مجموعة من المؤمنين بالحرية والعدالة ووجوب تمتع كل إنسان بحقوقه وحرياته الأساسية، بحسب بيانها التأسيسي، وأحد أهم قيادييها الناشط خليل سعيد.

محمد عواد (27 عاما)، منسق الحركة قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه بدأ العمل السياسي عام 2003 خلال الغزو الأميركي للعراق كناشط مستقل، وشارك في العديد من الحركات الاحتجاجية إلى أن دشن حركته التي تولت الدعوة إلى الاحتجاجات القائمة. وقال «إنهم نشروا الدعوة ليوم 25 يناير على شبكة الإنترنت، ووزعوا البيانات على المواطنين في الأحياء والمناطق الشعبية، من أجل تنظيم احتجاج على الأوضاع الحالية المتدهورة في كافة المجالات.. وكان أقصى ما كنت أحلم به أن يشارك في الاحتجاج 50 ألف شخص، لأن المعروف أن المظاهرات التي ننظمها لم يكن يشارك فيها سوى المئات».

«شباب حزب الجبهة»، أحد أعضاء الائتلاف أيضا، وهم مجموعة شباب حزب الجبهة الديمقراطية الذي يترأسه الدكتور أسامة الغزالي حرب، وهو معارض مصري ليبرالي انشق عن الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) اعتراضا على ما قال إنه «حالة الفساد ومحاولات توريث الحكم في البلاد»، وأسس الحزب عام 2007، لكنه قاطع الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وينسق عنه في القيادة الموحدة شادي الغزالي حرب، ابن شقيق الدكتور أسامة الغزالي حرب.

كما يشارك في الائتلاف شباب «الثوريين الاشتراكيين»، وهي حركة مدافعة عن الأفكار الاشتراكية ويرفعون شعار «المجد للشهداء والنصر للثورة». بالإضافة إلى شباب «الحركة المصرية من أجل التغيير» (كفاية)، وهي تجمع فضفاض من مختلف القوى السياسية، ركزت منذ بدايتها على رفض التجديد للرئيس حسني مبارك لفترة رئاسة أخرى، وعدم تولي ابنه جمال مبارك الرئاسة من بعده، فرفعت شعاري لا للتمديد لا للتوريث.

ولا يجب إغفال الدور الذي يقوم به «شباب الإخوان» في الائتلاف، وهم مجموعة من الشباب المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تتعامل معها الحكومة المصرية كجماعة محظورة قبل هذه الأحداث. لكنها نجحت أن تكتسب الشرعية ولو بشكل عرفي كأكثر القوى المعارضة تأثيرا في الشارع وأكثرها تنظيما وعددا.. وينسق عن شباب الإخوان في ائتلاف شباب الثورة كل من الناشطين محمد عباس، ومحمد القصاص. وفي 6 فبراير (شباط) الحالي، ومع تفاعل الأحداث، شكل هؤلاء الشباب ما بات يعرف الآن بـ«ائتلاف شباب الثورة». وقد اختارت هذه المنظمات عددا من الأشخاص ليمثلوها ويشكلوا قيادة تتحدث باسمها وتقود التحركات في المرحلة المقبلة، والتنسيق مع باقي الأحزاب وجماعات المعارضة المؤيدة لاستمرار الثورة ودعم مطالبها. وحتى الآن أعلن الائتلاف أنه يرفض الحوار وفك الاعتصام القائم بميدان التحرير كما يرفض إيقاف أشكال الاحتجاج إلا بعد رحيل مبارك، وقالوا في بيان للشعب «نعاهدكم على أن لا نعود إلى بيوتنا إلا بعد أن تتحقق مطالب ثورتكم الباسلة»، «نحن نريد أن تنتهي هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن وأن تعود الحياة الطبيعية لنا ولأهلنا، ولكننا لا نثق في حسني مبارك لقيادة فترة انتقالية، فهو نفس الشخص الذي رفض على مدار ثلاثين عاما أي إصلاح سياسي سلمي واقتصادي حقيقي».

وطالب الائتلاف باستقالة مبارك وإلغاء حالة الطوارئ، وحل مجلسي الشعب والشورى، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتفق عليها القوى الوطنية لتتولى الانتقال السلمي للسلطة، وإجراء تعديلات دستورية، مع محاسبة المتسببين في حالة الانهيار الأمني وقتل وإصابة الآلاف من أبناء الشعب.