أكراد سورية.. صحوة متأخرة

يمنعون من تعليم لغتهم في المدارس ويشكلون نحو 15 % من السكان

TT

مع هبوب عاصفة التغيير على سورية في الفترة الأخيرة، طغت القضية الكردية على المشهد السياسي، وأصبحت تحتل عناوين بارزة في ذلك المشهد، وباتت جزءا من الحراك السياسي الساعي إلى التغيير في سورية، بعد عقود طويلة من التستر وراء عباءة قوى المعارضة في الخارج.

واللافت أن معظم القوى السياسية الكردية التي ظهرت إلى العلن بالداخل، في ظل الحكم الاستبدادي لنظام حزب البعث القائد للدولة والمجتمع، لم تتجرأ طوال تاريخها النضالي السلبي سوى على طرح بضعة مطالب متواضعة لا تتجاوز حدود منح هذا الشعب بعض الحقوق الثقافية، بل إن كثيرا من تلك الأحزاب لم تتجرأ على المطالبة حتى بالتحدث بلغة الأم القومية، على الرغم من أن معظم الأحزاب الكردية تدعي أن عدد السكان الأكراد في البلد يربو على ثلاثة ملايين نسمة، وهذا حجم كبير لا يتناسب مع تلك المطالب المتواضعة، على الرغم من أن معظم تلك الحقوق مكفولة بالقوانين والمعاهدات الدولية.

ولكن تلك الأحزاب التي كانت تعيش في الظل خوفا من سطوة الأجهزة الأمنية، بدأت بعد انكفاء طويل، تسعى لركوب موجة التغيير التي عمت مؤخرا المنطقة برمتها، خصوصا بعد أن أصبحت معظم الحكومات والأنظمة الاستبدادية عاجزة تماما عن التعامل بالقمع والاستبداد، كما في العقود الماضية، مع التطلعات الشعبية والقومية داخل حدودها. فالانتفاضة التي فجرها أكراد سورية في مارس (آذار) 2004، والتي قمعت بالحديد والنار وانتهت بقتل واعتقال المئات من شبابهم، تركت آثارا عميقة في ذاكرة الشعب الكردي هناك، وزرعت الرعب من معاودة فكرة الانتفاضة مرة أخرى. ولكن المظاهرات الحالية التي تعم معظم المدن السورية شجعت الأكراد للخروج مجددا، بل ورفع سقف مطالبهم القومية التي سكتوا عنها طوال عقود الحكم البعثي بسورية.

لقد كانت القضية الكردية السورية هي الحلقة الأضعف في نضال الحركة التحررية الكردية بالمنطقة، ففي حين كان شعار حزب العمال الكردستاني بتركيا الذي قاد نضال الشعب الكردي هناك هو تأسيس دولة كردستان الكبرى بأجزائها الأربعة، تعامل أكراد العراق وهم يقودون أعرق الحركات النضالية في عموم المنطقة، مع واقعهم المقسوم بحنكة سياسية. ورضوا في البداية بالحكم الذاتي الذي تطور بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين إلى الفيدرالية وقيام إقليمهم المستقل عن المركز. في حين ظلت الحركة النضالية الكردية بإيران وما زالت متمسكة بحق الحكم الذاتي لمناطق كردستان إيران. أما الحركة النضالية الكردية في سورية فلم تتجاوز حدود مطالبها إلى حين اندلاع المظاهرات الأخيرة في المدن السورية بعض الحقوق الثقافية.

ولكن مع ظهور مظاهر الاحتجاج بالشارع السوري، تجرأ الأكراد هناك إلى رفع سقف مطالبهم لتتجاوز كثيرا حدود المكاسب التي لم يكونوا أصلا يحلمون بها؛ فإعطاء حق الجنسية لمئات الألوف من الأكراد السوريين، الذي تحول عبر نصف قرن من الزمن إلى حلم كردي بعيد المنال، ولكن مع رضوخ السلطة السورية لهذا المطلب تحت ضغط الأحداث الراهنة وإصدار مرسوم جمهوري بإعطائهم هذا الحق لم يعد يرضيهم الآن، بل إنهم تقدموا بمطالب أكبر تجاوزت حدود فهم السلطات السورية ذاتها، فأصبحت هناك مطالب بالاعتراف الدستوري بالكرد كقومية ثانية في البلاد، وإطلاق حرية الأحزاب، وتأسيس إدارة ذاتية في المناطق الكردية (الحكم الذاتي وصولا إلى الفيدرالية على غرار إقليم كردستان العراق)، بل وحل مجلس الشعب الحالي والمطالبة بمجلس وطني جديد، وغيرها من المطالب التي باتت تخيف الكثير من القوى القومية السورية، التي تخشى أن تعرض تلك المطالب الكردية وضع سورية إلى التقسيم.

ويتحدث الكاتب والسياسي الكردي شلال كدو، وهو عضو قيادي في الحزب اليساري الديمقراطي الكردي السوري، عن مطالب شعبه في سورية بالقول: «إن سورية هي وطن للكرد، كما هي للعرب وللمكونات السورية الأخرى، وإن الشعب الكردي لن يدخر وسعا من أجل أن يحصل كل ذي حق على حقه في سورية، من خلال مواصلة النضال، وأن جل المطالب الكردية تنحصر في النهاية، بالاعتراف الدستوري بوجود القومية الكردية في البلاد، وإجراء إحصاء سكاني شفاف في عموم البلاد، وبالتالي منح الكرد كل الحقوق التي تترتب على ثقلهم السكاني وواقعهم الديموغرافي بما يضمن تمثيلهم في كافة مؤسسات البلاد حسب هذه النسبة، ووفقا لآليات ديمقراطية عادلة متفقة أو متوافقة عليها مسبقا، إضافة إلى إزالة كافة المشاريع العنصرية التي طبقت بحق الأكراد، وتوالت منذ عشرات السنين».

وعبر كدو عن قناعته «بأن لا أحد يستطيع الوقوف أمام المد الشبابي الكردي العارم، ويثنيهم عن المطالبة بحقوق شعبهم العادلة، طالما أنهم محرومون من أبسط حقوقهم القومية والديمقراطية وكذلك الوطنية، ويتعرضون في سورية منذ عشرات السنين إلى الذل والإهانة والتفرقة العنصرية بسبب عرقهم وأصولهم القومية ليس إلا، على الرغم من أنهم لم يبخلوا يوما واحدا بالدفاع عن هذا الوطن والذود عن حياضه، ويعاملون طيلة ما يقارب النصف قرن من الزمن، كمواطنين من الدرجة الثانية، إن لم نقل الثالثة أو الرابعة، وأن مرسوم إعادة منح الجنسية للكرد المجردين منها، لا تختزل القضية الكردية في كردستان - سورية البتة، وهو لا يشكل سوى خطوة صغيرة جدا لا تسمن ولا تغني من جوع بأي شكل من الأشكال، لذلك فإن الشباب الكردي سيواصل نضاله حتى انتزاع كامل حقوقه القومية والوطنية والديمقراطية المشروعة».

أما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهو حزب متعاطف مع حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، ويصفه البعض من المراقبين السياسيين بأنه (جناح لحزب العمال الكردستاني في سورية) ويرأسه صالح محمد مسلم، ومن بين مطالبه بشأن حل القضية الكردية، الاعتراف دستوريا بالهوية الكردية ومتطلباتها من لغة أم وثقافة وخصوصيات كالتعلم والتعليم والتنمية الثقافية، وإلغاء الإحصاء الاستثنائي الذي حدث في عام 1962 ونتائجه، وإعادة الجنسية السورية إلى كل المجردين منها والمكتومين وتعويض المتضررين منها.

إضافة إلى إلغاء كافة المراسيم والقوانين والتعاميم السرية الصادرة بحق الأكراد، ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الأولى متساويين في الحقوق والواجبات مع كل مكونات الشعب السوري من حيث التوظيف والاستخدام والالتحاق بكل مؤسسات الدولة.

وترى معظم الأحزاب والقوى السياسية الكردية السورية، أن المطالب الكردية جزء لا يتجزأ من مطالب الشارع السوري، لذلك فهم يعلنون دائما بأن مطالبهم تلتقي مع مطالب بقية مكونات الشعب السوري، لذلك فإنهم بموازاة رفع مطالبهم القومية يؤكدون تمسكهم بالمطالب الشعبية والوطنية. ويرون أن إصلاح النظام السياسي، وهو الهدف الأساسي للمحتجين في الشارع السوري، يشكل ضمانة أساسية لحقوقهم القومية، بل إنهم يشاركون بقية السوريين حتى في رفع سقف مطالبهم الإصلاحية بإسقاط النظام الحالي. وكما يقول القيادي شلال كدو «إن دائرة الاحتجاجات في سورية أخذت تتسع يوما بعد آخر لتشمل معظم مناطق ومحافظات البلاد، ابتداء من سهل حوران (محافظة درعا)، في أقصى الجنوب السوري على حدود إسرائيل والأردن، ومرورا بالعاصمة دمشق وبمحافظات الداخل كحمص وحماه، وكذلك بالساحل السوري في الغرب، وانتهاء بدير الزور والجزيرة (المدن الكردية)، الواقعة في أقصى الشمال الشرقي على الحدود العراقية - التركية».

من جهته، يرى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أن دمقرطة سورية تحتاج إلى عدة خطوات لضمان خروج البلاد من أزمتها الحالية، منها: تشكيل لجنة تأسيس دستور ديمقراطي, على أن تضم هذه اللجنة ممثلين عن كافة مكونات المجتمع السوري، وتقوم بوضع دستور جديد يتناسب مع خصوصيات المجتمع السوري وانتماءاته الإثنية والثقافية والعقائدية. إضافة إلى أن يضمن الدستور الديمقراطي الحريات الجماعية كاستخدام اللغة الأم وتعليمها والتعلم بها ونشرها والتنمية الثقافية والاعتراف بها وسن قانون جديد للإعلام والنشر يراعي حق حرية التعبير والنشر والطبع.. وسن قوانين وسياسات اقتصادية جديدة تفسح المجال أمام تكافؤ الفرص وتحقق التوزيع العادل للثروة الوطنية، وتحول دون الاحتكار، وتشجع على الابتكار والاقتصاد الجماعي.

ويعتبر الحزب «أنه من دون حل القضية الكردية في غرب كردستان وسورية لا يمكن حل أي قضية أخرى. بينما حلها سيؤدي إلى حل جميع القضايا الأخرى العالقة».

وكرد سورية هم جزء من الشعب الكردي الموزع على أربع دول بالمنطقة، هي (تركيا وإيران والعراق وسورية)، ويرجح المؤرخون أن تاريخ تواجد الكرد في سورية يعود إلى عهد «إمبراطورية ميديا»، التي شملت منطقة الجزيرة، ويتمتع هذا الشعب بكل سماته وخصائصه القومية. وبعد اتفاقية سايكس - بيكو ودخول الفرنسيين إلى سورية بقي أكراد سورية تحت الانتداب الفرنسي كجزء من البلاد السورية، وأسهم الأكراد منذ ذلك الوقت في المقاومة ضد المستعمر إلى جانب الشعب العربي، وشاركوا في الثورات الوطنية، وبرز عدد من أبطالهم في المقاومة، منهم إبراهيم هنانو، وأحمد البارافي.

ويعيش الأكراد السوريون في مناطق تواجدهم الحالية منذ العصور القديمة، وبشكل رئيسي في مدن محافظة الحسكة التي تقع في الشمال الشرقي من سورية، على الحدود العراقية - السورية - التركية. إضافة إلى أنهم يقطنون في كل من عفرين والقرى المحيطة بها، وكوباني - عين العرب، في محافظة الرقة، ولهم وجود ملحوظ في المدن الرئيسة كدمشق، إذ يقدر عددهم فيها بنحو 300 ألف كردي، موزعين على أحياء وادي المشاريع، وركن الدين، والمزة جبل، إضافة إلى بعض الضواحي الأخرى.

وفي حلب لهم وجود كثيف في الشيخ مقصود والأشرفية، ويبلغ تعداد الأكراد، حسب أكثر الدراسات الكردية 15 في المائة من تعداد السكان، أي ما يقارب 3 ملايين، ويعتبرون القومية الثانية في البلاد.

ويتكلم الكرد السوريون اللغة الكردية وتحديدا اللهجة الكرمانجية، ولكن الدولة تمنع تعلم اللغة الكردية وتمنع تعليمها رسميا، لذلك فإن تعلم الأكراد للغتهم الكردية يتم داخل أسرهم, كما هناك تضييق على ممارسة الكرد لاحتفالاتهم العامة (عيد نوروز)، وحتى الخاصة أحيانا، حيث يحتاجون لموافقة الأمن السياسي لإقامة الأفراح في الصالات ومجمعات الأفراح، وكذلك التضييق على الفرق الفنية الفلكلورية الكردية، ولا يسمح للأكراد بفتح المدارس لتعليم لغتهم الأم أسوة بباقي الأقليات. وقامت الحكومة بإصدار المرسوم الجمهوري رقم 93 بتاريخ 23/8/1962، الذي تقرر بموجبه إجراء إحصاء استثنائي في منطقة الجزيرة، محافظة الحسكة، الذي جرد بموجبه في حينه نحو مائة وخمسين ألف مواطن كردي من الجنسية السورية، وما ترتب على ذلك من معاناتهم وحرمانهم من الحقوق المدنية. وأوردت أسماؤهم في عداد الأجانب أو المكتومين.