من أضواء القصور.. إلى ظلمات السجون

من شاوشيسكو وصدام حسين إلى موشيه كتساف وألبيرتو فوجيميري

TT

تحاط حياة بعض الرؤساء بكثير من الإجلال والعظمة.. ولم لا؟ وهم يسكنون القصور الرئاسية الفخمة، ويسيرون في مواكب رئاسية يحميها حراس أشداء، ويسافرون فيحظون باستقبالات رسمية رفيعة.. يتحدثون فتفرد لهم الصحف، ويخطبون فتهتف الشعوب فداء لهم، وقد يحملونهم على الأعناق.. حياة مهيبة تغلفها القوة أحيانا؛ فيشعرون بأنهم فوق الحساب مهما اقترفوا من جرائم وأخطاء.

وإذا كان بينهم من يخرج من قصور الحكم من باب واسع، حيا معافى بعد أن يسلم دفة الحكم لغيره، مكملا حياته كرئيس سابق، فإن آخرين يخرجون من الحكم إلى قفص الاتهام، وراء القضبان نفسها التي وقف خلفها معارضوهم وخصومهم السياسيون، بعضهم يلقى محاكمة عادلة، ومعظمهم يتلقى أحكاما بالسجن المؤبد أو الإعدام. إنها قصة خروج مثيرة من أضواء قصور الرئاسة إلى ظلمات قفص الاتهام.

الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، المحبوس لـ15 يوما على ذمة التحقيقات في قضية قتل المتظاهرين أثناء الثورة المصرية الأخيرة، ليس أولهم، وربما لن يكون الأخير، في طابور الرؤساء الذين انتهت حياتهم السياسية في قفص الاتهام. أعنف قصص خروج الرؤساء تخص الرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي استمر حكمه 25 عاما. عرف عن شاوشيسكو - صانع الأحذية، قليل التعليم - ترفه المبالغ فيه والذي يتناقض بحدة مع الحياة اليومية والواقع المرير الذي كان يعيشه الشعب الروماني؛ حيث كان الناس يصطفون في طوابير ساعات للحصول على ما يحتاجونه من طعام. فيما فرض عليهم – من خلال بوليسه السري - أن يعيشوا فى ذعر دائم.. وأخيرا انتهي حكمه فجأة بانفجار المظاهرات في رومانيا في 20 ديسمبر (كانون الأول) عام 1989، وبشكل لم يكن متوقعا. وأدى قتل بوليسه للطلبة المتظاهرين إلى خروج معظم الشعب الروماني في مظاهرات فشل جهازه الأمني في السيطرة عليها.

واستطاع المتظاهرون حصار القصر الرئاسي، فهرب الرئيس السبعيني العجوز بواسطة طائرة هليكوبتر حطت به هو وزوجته خارج المدينة، استقل بعدها سيارة سرقها أعوانه من إحدى المزارع للبحث عن مخبأ سري، ولسوء حظه استطاع الفلاحون القبض عليه وتسليمه للسلطة، فعقدت له محاكمة شكلية سريعة، أظهر خلالها شاوشيسكو وزوجته جنون العظمة. فقاموا بشتم القضاة، مما استفز هيئة المحكمة التي قررت تنفيذ حكم الإعدام فيهما فورا. وحين اكتشف شاوشيسكو جدية الموضوع أخذ يبكي كالأطفال، خصوصا حين قام الجنود بتقييده قبيل إطلاق الرصاص عليه. فيما قامت زوجته البالغة من العمر ثلاثة وسبعين عاما بضرب أحد الجنود على وجهه حين حاول تقييدها قبل تنفيذ حكم الإعدام، الذي أذاعته محطة فرنسية، وهو ما كان مثار جدل كبير، نظرا لوحشيته المفرطة. ولا تقل نهاية الرئيس العراقي صدام حسين دموية عن شاوشيسكو؛ فالرئيس العراقي الذي حكم بلاد الرافدين بالحديد والنار 24 عاما، والذي سقطت أركان دولته صباح التاسع من أبريل (نيسان) 2003، نتيجة الغزو الأميركي لبلاده. أعدم فجر السبت الثلاثين من ديسمبر 2006 بعد إدانته من قبل المحكمة الجنائية المختصة في العراق بتهم انتهاك حقوق الإنسان الذي تعرضت له بلدة الدجيل عام 1982 بعد تعرض موكبه الرئاسي لمحاولة اغتيال فاشلة نظمت من قبل حزب الدعوة الإسلامية في العراق.

استمرت المحاكمة التي تم بثها متلفزة (بتأخير تقني لمدة عشرين دقيقة) أربعة عشر شهرا، وحظيت بمشاهدة كبيرة وأثارت جدلا واسعا حول شرعيتها أساسا؛ لأنها تشكلت بقرار من مجلس الحكم في العراق الذي كان تحت هيمنة سلطة الائتلاف الموحدة، وحاكمها بول بريمر. وكان العراق في تلك الفترة الزمنية دولة محتلة حسب تعريف الأمم المتحدة؛ حيث أبدت منظمة هيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية ملاحظات قوية حول معايير المحكمة الجنائية المختصة، وأكدتا أن المحكمة لا ترتقي إلى مستوى المعايير الدولية. فيما أبعدت الأمم المتحدة نفسها كليا عن إجراءات المحاكمة لنفس الأسباب، وكذلك لاحتمالية صدور حكم بالإعدام.

تناوب على رئاسة المحكمة ثلاثة قضاة، بدأ رزكار محمد أمين الذي تمت تنحيته لاحقا، لتنتقل المنصة إلى سعيد الهماشي الذي نحي هو الآخر بسبب الانتقادات التي وجهت له حول مزاعم بانتمائه لحزب البعث السابق، وانتهى المطاف بالمحكمة إلى يد القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن - الذي اتهمه البعض بأنه غير حيادي ومتحامل على المتهمين لكونه من مدينة حلبجة التي تعرضت إلى قصف كيماوي من صدام حسين - وهو القاضي الذي أعلن في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 حكم المحكمة الجنائية العراقية العليا بالإعدام شنقا على الرئيس العراقي الأسبق، وهو الحكم الذي ثبتته الهيئة التمييزية في المحكمة الجنائية العراقية العليا في السادس والعشرين من ديسمبر 2006 ليعدم صدام حسين شنقا علي أيدي أربعة رجال ملثمين صبيحة أول أيام عيد الأضحى.

ولم يكن حال موشيه كتساف، الرئيس الإسرائيلي الثامن، أفضل من سابقيه؛ الروماني والعراقي، فالرئيس الإسرائيلي (تولي منصب وزير في حكومة مناحيم بيغن عام 1981، وحافظ على حقيبة وزارية في كل الحكومات منذ ذلك الحين حتى انتخابه للرئاسة، ما عدا حكومة إسحاق رابين عام 1990). وعلى أثر اعترافه بتحرش جنسي وأعمال مشينة، استقال من منصبه، ثم حكم عليه بالسجن سبعة أعوام. تسلم كتساف منصب رئيس دولة إسرائيل في الأول من أغسطس (آب) 2000 بعد انتخابه من قبل الكنيست الإسرائيلي خلفا لعيزرا فيتسمان الذي كان قد قرر الاستقالة من منصب الرئيس، حينها تغلب كتساف بشكل مفاجئ على منافسه شيمعون بيريس الذي رشح نفسه من جديد عند نهاية فترة رئاسة كتساف. ولكن في عام 2006، وقبيل نهاية فترة رئاسته، قدمت بعض الموظفات في الديوان الرئاسي اتهامات لكتساف بالاغتصاب والاعتداء والتحرش الجنسي. وانتهت تحقيقات الشرطة بتقرير قاس ضد كتساف، مما أدى إلى مطالبته بالاستقالة من قبل رئيس النيابة العامة الإسرائيلية (المستشار القانوني الحكومي). وحسب القانون الإسرائيلي فإن محاكمة الرئيس مستحيلة ما دام في منصبه. وقد توصل كتساف إلى «صفقة قضائية» مع رئيس النيابة الإسرائيلية العامة؛ يعترف بموجبها كتساف أمام المحكمة بتنفيذ مضايقات جنسية وأعمال مشينة مقابل حذف اتهامه بالاغتصاب والحكم عليه بأحكام خفيفة نسبيا، مثل السجن المشروط والتعويضات المالية، وهو ما تراجع عنه لاحقا.

ولكن الضغط الشعبي تواصل أمام كتساف؛ حيث عارضت جمعيات أهلية نسائية كثيرة الصفقة القضائية، مطالبة رئيس النيابة العامة بالانسحاب من الصفقة القضائية باعتبارها غير معقولة. وفي 8 أبريل (نيسان) 2008، دخل كتساف، الرئيس السابق والوزير الدائم، قفص الاتهام في المحكمة اللوائية بالقدس، وقدمت إحدى السيدات الشاكيات دعوى مدنية ضد كتساف. وتوالت جلسات محاكمة أرفع مسؤول إسرائيلي منذ قيام دولة إسرائيل، وهي القضية التي شغلت الرأي العام، ثم أدين في الثلاثين من ديسمبر 2010 بتهمة الاغتصاب والتحرش بموظفات عملن معه، وفي صباح الثاني والعشرين من مارس (آذار) الماضي، أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية على الرئيس السابق «موشيه كتساف» حكما بالسجن الفعلي لمدة سبع سنوات، وسنتين تحت المراقبة، ودفع غرامة مالية تقدر بـ125 ألف شيكل لإحدى الموظفات المجني عليها، في محاكمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ إسرائيل.

وإذا كان شاوشيسكو وصدام وكتساف خرجوا مباشرة من سدة الحكم وقصورهم الرئاسية إلى قفص الاتهام، فإن آخرين استمتعوا بقدر ضئيل من حريتهم قبل أن يقفوا خلف القضبان متهمين بقضايا فساد واختلاس. حيث أصدرت المحكمة العليا في تايوان حكما نهائيا في سبتمبر (أيلول) 2009 بالسجن 19 عاما على الرئيس التايواني السابق شين شوي بيان وزوجته؛ بسبب قبولهما الرشوة. وجاء قرار المحكمة بعد سلسلة من مساعي الاستئناف منذ إصدار حكم بسجنه هو وزوجته 20 عاما في يونيو (حزيران) 2009 بتهم أخرى. وكان تشين الذي استقال من منصبه الرئاسي عام 2008 قد أدين بتهم فساد مالي تتعلق باختلاس ملايين الدولارات وغسيل أموال، كان أبرزها تلقيه رشوة بعد 8 سنوات من توليه هذا المنصب.

وفي أميركا اللاتينية، واجه الرئيس ألبيرتو فوجيميري، رئيس ألبيرو في الفترة من 1990 حتى 2000، حكما بالسجن لخمسة وعشرين عاما، وذلك في السابع من أبريل 2009 على خلفية اتهامه بإصدار أوامر بقتل واختطاف معارضين سياسيين ومدنيين في بداية التسعينات خلال قمع حركات يسارية متطرفة، ويتهم فوجيميري بأن فترة حكمه شهدت انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان. كما أدين فوجيميري، الذي تم تسليمه من اليابان إلى بيرو عام 2007 بالفعل، في قضيتين منفصلتين في 2007 و2009، حيث صدر عليه حكمان بالسجن ستة أعوام وتسعة أعوام، إثر إدانته بالفساد واستغلال السلطة.