الأردن.. ومشكلة السلفيين

أحداث الزرقاء تطرح تساؤلات حول تغيير في التكتيك المتبع.. ومراقبون يتخوفون من أعمال انتقامية بعد حملة الاعتقالات الأخيرة

أحد المتظاهرين السلفيين في الأردن يلوح بسكين في مظاهرة الأسبوع الماضي في الزرقاء (أ.ب)
TT

شكلت المشاهد القادمة من الأردن، الأسبوع الماضي، التي أظهرت عشرات السفليين يشتبكون مع قوات الأمن، بالسكاكين والسيوف والعصي، صدمة للكثيرين. وقد أزهرت تلك المشاهد عودة السلفيين التكفيريين إلى صدارة المشهد السياسي الأردني من جديد، من خلال الحراك الشعبي، واتخذوا من الاحتجاجات والمظاهرات وسيلة للظهور وتغيير استراتيجيتهم التي كانت تقوم على العمل السري، مستفيدين من قانون الاجتماعات العامة الذي جرى تغييره.

كان الظهور الأول العلني للسلفية التكفيرية في الأردن، في المظاهرة السلمية التي نظمت في مطلع شهر مارس (آذار) أمام المسجد الحسيني بوسط عمان. حينها طالبوا بالإفراج عن سجناء جماعتهم في الأردن، وعلى رأسهم منظرهم أبو محمد المقدسي، وغيرهم من أتباع هذا التيار الذين يصل عددهم إلى أكثر من 300 عنصر. وقد تبعتها مظاهرات لهم خلال شهر مارس أمام رئاسة الوزراء. وخرجوا إلى الناس بملابسهم المعروفة التي يغلب عليها الطابع الأفغاني والباكستاني، وجددوا مظاهراتهم في مدن السلط ومعان وأربد خلال الشهر الحالي.

وبعد مظاهرة مدينة أربد، شمال الأردن، في الثامن من أبريل (نيسان)، قرروا تغيير تكتيكاتهم، وطرح أفكارهم علنا عبر المواقع المتاحة لهم، ومن خلال مناصريهم. وفي توجههم الجديد، قرروا أنه لم يعد يكفي أن يقوموا بإلقاء الدروس بعد الصلوات أو بالنشر الإلكتروني أو النهي عن المنكر، بل عليهم أن يخرجوا إلى «ميادين الجهاد».

دعوا في المظاهرة الأخيرة إلى «أسلمة النظام»، واستمرار الضغط بهذا الاتجاه حتى إذا ما انحاز الجمهور المتظاهر لهذا الشعار وهتف به وازداد عدد الهاتفين، تقدم التكفيريون وأشهروا قدراتهم بما في ذلك الرغبة في الصدام واستعمال الأسلحة المتوفرة من سيوف وعصي وسكاكين وبلطات.

ولكن السؤال، لماذا مدينة الزرقاء عن غيرها من المدن الأردنية التي جرت بها مواجهات بين التيار السلفي التكفيري وقوات الأمن الأردنية؟ علما أنهم نظموا أكثر من اعتصام ومسيرة في أكثر من مدينة، وكانت في معظمها سلمية تحت أنظار رجال الأمن، وتركزت مطالبهم في الإفراج عن معتقلي هذا التيار الذي بدأ ينتشر بسرعة كبيرة، إضافة إلى الدعوة إلى تطبيق شرع الله في الأرض.

وإذا كانت المطالب في اعتصام الزرقاء الأخيرة لم تختلف عن المطالب في الاعتصامات الأخرى، فإن ما اختلف أن عناصر التيار كانوا مستعدين لمواجهة أي استفزاز يصدر من أي طرف يواجههم. وبحسب مدير الأمن العام حسين المجالي، فإن الأمن كان يعرف أن لديهم أسلحة وأدوات حادة وتم رصدهم منذ بداية التجمع في صباح يوم الجمعة الماضي. إلا أن الأمن لم يعرف أن هذه الأسلحة بهذه الحدية التي أصابت 83 رجل أمن و8 مواطنين.

ويرى المراقبون أن التيار اشتبك مع الأمن في مدينة الزرقاء، كون معظم سكانها من أصول فلسطينية، وأنهم اختاروا منطقة الاشتباك بجوار مخيم الزرقاء لإشعال فتنة واستدراج سكان المخيم إلى مواجهة مع قوات الأمن. إلا أن السحر انقلب على الساحر، حيث يقول أحد سكان المخيم إن لجان المخيم وممن لهم علاقة تنظيمية مع السلطة الفلسطينية، لديهم تعليمات من القيادة الفلسطينية بعدم الاعتصام أو التظاهر وزج المخيمات الفلسطينية في الحراك الشعبي الذي يشهده الأردن.

ويضيف أن فلول التكفيريين هربوا إلى المخيم، إلا أن الأهالي قاموا بمطاردتهم وتسليم الذين تم إلقاء القبض عليهم للأمن بعد مطاردات استمرت حتى وقت متأخر من الليل. ويرى أحد السكان أن التكفيريين «أرادوا خلق فتنة إقليمية من خلال زج المخيمات بما يجري على الساحة الأردنية»، مؤكدا أن هناك «وعيا تاما لسكان المخيمات بالابتعاد عما يجري من حراك شعبي..».

ويتخوف مراقبون من إقدام عناصر هذا التيار على خطوة «انتقامية»، إثر الاشتباكات الأخيرة.

ويتحدث متابعون للحركات الإسلامية عن «خلايا نائمة» للتيار من شأنها أن تقود «عمليات انتقامية» في عمان، بعد حملة المداهمات والاعتقالات التي تعرضت لها قيادات بارزة في «السلفية الجهادية».

ويقول الخبير في الحركات الإسلامية الدكتور محمد أبو رمان إنه «من الطبيعي أن تكون هناك محاولات من قبل شباب التيار للانتقام؛ ردا على أحداث الجمعة». ويضيف أن «المشكلة الأبرز، أنه تم اعتقال قيادات بارزة في التيار، دائما ما عرفت بالعقلانية».

لكن أبو رمان يقلل في الوقت ذاته من رد فعل «الجهاديين»، قائلا إن «أعضاء التيار وأنصاره معروفون في الأردن، وهم مراقبون من قبل الأجهزة الأمنية، كما أن التيار لا يمتلك القاعدة الاجتماعية التي تكسبه المتعاطفين». ويتحدث عن فتاوى صدرت مؤخرا للتيار، يدعو فيها أنصاره «للدفاع عن النفس والأعراض حتى لو تعرضوا للموت»، مؤكدا أن ما جرى في الزرقاء يعزز اتجاه «التيار المتشدد داخل السلفية الجهادية، أو من يوصفون بيمين اليمين في التيار».

أما الخبير في التيارات السلفية حسن أبو هنية، فيقول: «ليس من مصلحة الحكومة بالتأكيد استفزاز التيار، فهناك خلايا نائمة في السلفية الجهادية لا يستبعد أن تلجأ إلى عنف أكبر، ردا على استهدافها». ويضيف: «السلفية الجهادية منقسمة على نفسها في الأردن، فهناك تيار دعوي، وآخر يتبنى المواجهة المسلحة. ما جرى سيعطي التيار الأخير الذريعة الكاملة للمضي قدما نحو التطرف»، متابعا: «كنا نراهن على دمج التيار في المجتمع، لكن الحكومة على ما يبدو لا تريد ذلك».

ويرى أبو هنية أن الجهات الرسمية تتعامل مع التيار منذ نشأته كملف أمني، داعيا الحكومة إلى إدخال الوساطات للحوار مع قادة «السلفية الجهادية» بهدف سحب فتيل الأزمة على حد وصفه، وقال: «الحكومة أجرت بعض الحوارات في وقت سابق مع هؤلاء القادة، لكن الأمور عادت إلى المربع الأول، وعاد الملف الأمني ليسيطر على الحالة من جديد».

ويرى الباحث في الشؤون الإسلامية مروان شحادة أن مفهوم «السلفية» على الرغم من انتشاره وتداوله «يعتبر من أكثر المفاهيم التباسا وغموضا، وتختلف الأنظار في تبيان دلالته، حيث إن هذا المفهوم يضم عدة مدارس فكرية في محتواه، وتقسم المدارس السلفية، إلى 3 هي: المدرسة السلفية التقليدية أو ما يطلق عليها (السلفية العلمية)، والمدرسة السلفية الإصلاحية، والمدرسة السلفية الجهادية». ويضيف أنه «على الرغم من اتفاق المدارس السلفية المختلفة في الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الدعوة السلفية بتياراتها المختلفة فإن هذه المدارس تختلف فيما بينها في استراتيجيات التغيير وأولويات العمل».

ويقول إن البعض كـ«السلفية الجهادية»، «قد آثر انتهاج طريق القوة باسم (الجهاد)، وتبنى آخرون منهج الإصلاح السياسي والتغيير السلمي، واختار البعض طريق الدعوة والإصلاح الثقافي، بحيث أصبحت السلفية تحتوي على تيارات جهادية، وتيارات حركية سياسية، وتيارات دعوية».

ويطلق مصطلح السلفية الجهادية، وفق أبو رمان، «على تيار موجود على الساحة العربية، ومن ضمنها الأردن، يعلن فيه موقفة السياسي المتشدد ضد أنظمة الحكم ويكفر الحكام والدساتير والمؤسسات السياسية والأفراد ويرفض العمل تحت مظلة الدولة ويصر على اتخاذ طريق العمل المسلح كاستراتيجية، بهدف تحكيم الشريعة الإسلامية، ويرون أن أي نظام لا يحتكم إلى الشريعة هو نظام كافر».

ويقول أبو رمان إن «تصور هذا التيار لتطبيق الشريعة الإسلامية هو قريب من تصور حركة طالبان في أفغانستان في موقفها من الحريات الشخصية والفنون والحداثة الاجتماعية عموما».

ويشير إلى أن تطور التيار الجهادي «يعود إلى ما سمي تنظيم بيعة الإمام ومن ثم إلى منظر التيار أبو محمد المقدسي وصولا إلى أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق وكان قائدا لتنظيم القاعدة في العراق»، مبينا أنه خلال الأعوام 1994 - 1999 كان التيار الجهادي في مرحلة التكون والتعريف بالأفكار. ويشير إلى أنه خلال الأعوام 1999 - 2003 انتقل عدد من الشخصيات السلفية إلى أفغانستان والعراق واستمر دفق العناصر إليها خلال هذه الفترة.

ويبين أبو رمان أنه في الأعوام 2003 - 2006 كانت مرحلة بروز تنظيم تيار «القاعدة» في العراق وتحول إلى مركز إقليمي بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، مشيرا إلى أن الأعوام 2006 - 2010 كانت مرحلة ما بعد مقتل الزرقاوي وحدث خلاف ما بين أبو محمد المقدسي والزرقاويين الجدد حول إعلان أبو محمد المقدسي عدم قبوله بالعمل المسلح واقتصاره على الدعوة فيما تمسك اتباع الزرقاوي بالنهج المسلح كمسار لهم.

ويكشف أبو رمان عن أن أعداد التيار الجهادي تقدر بنحو ألف فرد، وهم ناشطون في مجال النوافذ الإعلامية بمتابعتها، وخصوصا التواصل عبر شبكة الإنترنت. إلا أن أبو رمان يؤكد أن هذا التيار ليس له أي قاعدة اجتماعية أو حاضنة اجتماعية، ويقول إن أحداث الزرقاء كانت بالنسبة لهم بمثابة «انتقام وثأر».

وعن الذين خرجوا يوم الجمعة في مسيرة الزرقاء، يقول أبو رمان «هم حصريا أتباع السلفية الجهادية وكعادتهم يأتون من كافة أنحاء المملكة»، مؤكدا أن التيار التقليدي أصدر بيانا أدان فيه ما أقدم عليه تيار السلفية الجهادية، وقال إن سماح الأردن لهم بالتجمع والتعبير عن رأيهم لم يحدث في أي دولة من دول العالم.

وقد عمدت جماعة السلفية على تنظيم عدد من المسيرات خلال الفترة الأخيرة في مدينة السلط ومعان وأربد، لتطالب فيها الحكومة بالإفراج عن معتقلين في السجون، قالوا إن هؤلاء المعتقلين هم من أنصار التيار السلفي، علما أن هؤلاء المعتقلين هم محكومون ومتهمون في عدد من القضايا التي تمس أمن الأردن. إلا أن الأشخاص الذين تطالب جماعة السلفية بالإفراج عنهم بعضهم محكومون في قضايا تهدد الأردن ومؤسساته وتزعزع الأمن والاستقرار، والبعض الآخر متورط بقتل مدنيين أبرياء في الأردن، فضلا عن مخططات ينفذوها لمصلحة جماعات في الخارج هدفها النيل من الاستقرار والأمن الذي ينعم به الأردن. وقد صدرت بحقهم أحكام قطعية من قبل محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية، فيما لا تزال قضايا أخرى منظورة أمام محكمة أمن الدولة ومحكمة التمييز.

هذه الجماعات التي ترفض الصلاة في المساجد تعلم أن الإمام فيها هو موظف تابع لوزارة الأوقاف، وتتجه النية لديهم في الذهاب إلى مساجد تفتقر إلى وجود الإمام حتى يتسنى لهم الانفراد بالمصلين في هذه المساجد مما يساعدهم على إعطاء «دروس» فيها، معتبرين أن «ذلك هو الهدف الأساسي من دعوتهم لعدم الصلاة وراء الأئمة في المساجد».

ويشير تاريخ هذا التيار إلى محاولات لم تنجح لتنفيذ الكثير من التفجيرات والعمليات الإرهابية كما حدث في عملية ما سمي «تنظيم كتائب التوحيد» بقيادة عزمي الجيوسي، التي تم التحضير من خلالها لهجوم كيماوي كبير يستهدف مبنى المخابرات العامة، والسفارة الأميركية، ورئاسة الوزراء، كان من الممكن أن يقتل 80 ألفا، بحسب عزمي الجيوسي، الذي ظهر على شاشة التلفزيون الأردني.

وفي سبيل إنجاح هذه الهجمات صنع التنظيم عشرين طنا من المتفجرات الكيماوية توضع في حاويات تحملها عدة شاحنات، وقد أشرف الزرقاوي على تنسيق العملية. وفي 20 أبريل 2004، وقبيل تنفيذ العملية، تم القبض على أعضاء التنظيم.

وفي عام 2005 نفذت تفجيرات العقبة بواسطة صواريخ كاتيوشا أسفرت عن مقتل جندي وإصابة آخر، وقد ألقي القبض على بعض المشاركين في هذه العملية، وهم محمد حسن السحلي، وعبد الله محمد السحلي، وعبد الرحمن السحلي، وهم سوريو الجنسية وأمير المجموعة هو العراقي محمد حميد، وقد صدرت عن محكمة أمن الدولة أحكام بالإعدام على السوريين الثلاثة والعراقي.

كما استهدفت تفجيرات 3 فنادق في عمان ونفذتها مجموعة من الانتحاريين بإشراف وتنسيق الزرقاوي، أسفرت عن مقتل 60 شخصا، وإصابة أكثر من 100 شخص. وأعلن تنظيم القاعدة في العراق التابع للزرقاوي عن تبنيه لهذه العملية، ونشر تفصيلات عن المنفذين وهم ثلاثة رجال وامرأة عراقية، إلا أن المرأة وهي ساجدة عتروس الريشاوي فشلت في تنفيذ العملية الانتحارية، وتم القبض عليها لاحقا وحكم عليها بالإعدام.

ويؤكد وزير الداخلية الأردني سعد السرور أن ما جرى في الزرقاء لن يغير في نهج الأردن بحماية المواطنين وحقوقهم في التعبير بالطرق السلمية، وأن مسيرة الإصلاح مستمرة وهي عمل تراكمي قاده الملك عبد الله الثاني والتزمت به الحكومات المتعاقبة كنهج، لا سيما في الأشهر الأخيرة.

ويشير إلى أن عدد الفعاليات التي جرت خلال الأربعة أشهر الماضية بلغ 1062 فعالية توزعت بين اعتصامات ومسيرات ومؤتمرات وإضرابات، وأن جميع هذه الفعاليات مرت بسلام سوى حادثتي الاعتداء على المعتصمين في مسيرة الجامع الحسيني ودوار الداخلية. ويؤكد السرور أن حادثة الزرقاء «متعمدة ومفتعلة من قبل الفئة التكفيرية، وكان القصد منها افتعال عمل إرهابي حقيقي من التكفيريين»، مستندا بذلك على طرحين؛ الأول «عن طريق الآراء والهتافات التي أطلقوها، والثاني عن طريق الأسلحة التي كانوا يحملونها مثل السيوف والخناجر والعصي والهراوات والجنازير والسلاسل والقضبان الحديدية».

واستشهد وزير الداخلية بعدد من الهتافات التي صدرت من فئة التكفيريين والتي نادوا بها مثل «نريد كتاب الله وهم يريدون كتاب الدستور الأسود» وأيضا «يا أمير الشهداء يا أبو مصعب الزرقاوي». ومن الهتافات أيضا «لا بد أن نحقق ما نريد حتى لو أريقت الدماء»، و«إذا وجدتم شرطيا احبسوه».

وأشار السرور إلى أن «التكفيريين بعد أن واصلوا التنديد والوعيد نادوا إلى التواعد لعقد لقاء الجمعة المقبلة في مخيم البقعة، مما يعطي إيحاء إلى الانتقال وبث فتنة إقليمية بين أبناء الوطن الواحد، وفي إشارة منهم إلى أن قاطني مخيم البقعة هم أردنيون من أصول فلسطينية».

ويرى المراقبون أن حملة الاعتقالات التي طالت قيادات وأعدادا كبيرة من هذا التيار قد قلصت من نشاطه العلني، وقد تدفع به إلى العمل السري تحت الأرض مرة أخرى، وهذا ما تضعه الدوائر الأمنية الأردنية نصب أعينها.