حالات الطوارئ.. في عالمنا العربي

عادة تفرض في حالات الكوارث أو الحروب ولكن الأنظمة العربية غالبا ما تستعملها لحماية نفسها من المعارضة

TT

يمكن القول إن الحكم في ظل حالة الطوارئ ظاهرة عربية، لكن في الشهور الأخيرة تمكنت الاحتجاجات الشعبية الواسعة من إلغائها في بعض البلدان، فيما تسببت احتجاجات أخرى في إعادة العمل بها. وفي كل دولة من دول العالم يوجد قانون استثنائي يتم اللجوء إليه في حالة وقوع خطر على البلاد، سواء من الداخل أو من الخارج. ويعرف هذا القانون باسم «قانون الطوارئ». وتسمى المدة التي يستمر فيها فرض هذا القانون «حالة الطوارئ».

وجرى فرض حالة الطوارئ في الكثير من البلدان التي تعرضت لزلازل أو تسونامي أو أوبئة أو لحرب من عدو خارجي. لكن حالة الطوارئ التي فرضتها دول عربية عدة لم تقترن في أغلبها بوجود حدث استثنائي يهدد الدولة وشعبها، ولكن اقترن فرض هذه الحالة ولمدة سنوات طويلة، بحماية نظام الحكم من المعارضة. ولهذا كانت على رأس مطالب ملايين المتظاهرين العرب في الشهور الأخيرة الدعوة لإلغاء حالة الطوارئ التي استمر تطبيق بعضها إلى مدة تقارب نصف القرن.

ومن شأن حالة الطوارئ تحديد أو منع مرور الأشخاص والسيارات في أماكن وأوقات معينة، وكذا العمل على تنظيم نقل المواد الغذائية والسلع ذات الضرورة وتوزيعها، وإنشاء مناطق الإقامة المنظمة لغير المقيمين، وكذا المنع من الإقامة أو وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية.

كما تعطي حالة الطوارئ للسلطات الحق في الكثير من الصلاحيات غير المحدودة التي تمس صميم الحياة اليومية لملايين المواطنين، منها على سبيل المثال الاحتجاز دون عرض المحتجز على جهات التحقيق، والتوقيف للاشتباه، ومنع المظاهرات والإضرابات ومصادرة الصحف أو الوسائل التي من شأنها الإضرار بالدولة من وجهة نظر السلطات الحاكمة، كقنوات التلفزيون والمطابع.

وتحت الضغوط الشعبية سارعت عدة بلدان برفع حالة الطوارئ بالفعل، كان آخرها الجزائر وسورية، فيما وعدت عدة دول أخرى بإنهاء حالة الطوارئ خلال الفترة القليلة المقبلة. أما عن حالة الطوارئ في الجزائر فقد بدأت عام 1992، وهو العام الذي شهد صعودا كبيرا للتيار الإسلامي. وتم تمديد العمل بحالة الطوارئ مرة أخرى عام 1993 دون تحديد مدة لنهاية العمل به. وتحسبا لتصاعد الاحتجاجات داخل الجزائر، خاصة بعد تزايد المظاهرات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، سارعت السلطات الجزائرية إلى رفع حالة الطوارئ كنوع من إبداء حسن النيات تجاه عمليات الإصلاح التي يطالب بها المعارضون. وأعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رفع حالة الطوارئ في فبراير (شباط) من هذا العام.

وتعتبر سورية ثاني دولة ترفع حالة الطوارئ بعد الجزائر استجابة للمطالب الشعبية. وعرفت سورية قوانين الطوارئ منذ عهد الانتداب الفرنسي أواسط عشرينات القرن العشرين، ثم صدرت مجموعة أخرى من القوانين، لكن أبرزها وآخرها كان المرسوم التشريعي رقم 51 الصادر عام 1962. وبموجب هذا القانون أعلنت في سورية حالة الطوارئ إثر انقلاب عسكري قاده حزب البعث العربي الاشتراكي، على يد ناظم القدسي الذي تولى منصب رئيس الجمهورية السورية في حكومة الانفصال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) عام 1961 حتى مارس (آذار) عام 1963، حيث أعلنت الأحكام العرفية بالأمر العسكري رقم 2، وظلت نافذة حتى قيام الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، بالمصادقة على قانون لإنهاء حالة الطوارئ في بلاده.

وكان قانون الطارئ السوري الذي استمر العمل به منذ 48 عاما يخول للحاكم العرفي أو الحاكم العسكري وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أوقات معينة، وتوقيف المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفا احتياطيا، والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال، إلى جانب مراقبة الرسائل والمخابرات أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمؤلفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.

كما ينص القانون على تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها، وسحب تراخيص الأسلحة والذخائر والمواد القابلة للانفجار والمفرقعات على اختلاف أنواعها، والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة، والاستيلاء على أي منقول أو عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات، وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة التي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليها.

كما يجيز قانون الطوارئ السوري الذي جرى تعطيل العمل به أمس، لمجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية توسيع دائرة القيود والتدابير عند الاقتضاء، بمرسوم يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له، ويجوز لهذا المجلس تضييق دائرة القيود والتدابير المشار إليها بحسب الحالة التي استدعت إعلان حالة الطوارئ، على أن تستمر المحاكم العسكرية، بعد إنهاء حالة الطوارئ، في نظر القضايا الداخلة في اختصاصها سواء أكانت محالة إليها أم لا.

وكانت الاحتجاجات الجماهيرية الكبرى التي تفجرت في تونس مطلع العام الحالي من أسباب انتشار الاحتجاجات في باقي البلدان العربية التي تتشابه حكومات بعضها في العمل تحت ظل حالة الطوارئ. ونادى ملايين المتظاهرين في المدن التونسية بوضع حد لحالة الطوارئ غير المبررة، بعد حادثة انتحار بائع الخضراوات محمد البوعزيزي الذي تعرض للصفع على يد شرطية. ورفعت الحكومة التونسية التي جاءت بعد خروج الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، حالة حظر التجوال التي تم فرضها أثناء الاحتجاجات، لكن حالة الطوارئ نفسها ما زالت مستمرة إلى حين عودة الهدوء إلى البلاد كما تقول السلطات هناك.

وفي أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وعد المجلس العسكري الأعلى المكلف بإدارة شؤون البلاد، بإنهاء حالة الطوارئ. وبدأ فرض حالة الطوارئ في مصر بعد اجتياح إسرائيل لسيناء في يونيو (حزيران) 1967 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. واستمر خلفه الرئيس أنور السادات يمارس حكمه في ظل استمرار فرض حالة الطوارئ التي جرت خلالها حرب تحرير سيناء في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.

ولم يقرر السادات رفع حالة الطوارئ إلا في مايو (أيار) عام 1980، لكن هذه الفترة لم تطل لأكثر من 18 شهرا فقط، إذ سرعان ما عاد الرئيس السابق مبارك الذي تولى حكم مصر عقب اغتيال السادات عام 1981 لفرض حالة الطوارئ على البلاد، طيلة حكمه الذي استمر لنحو 30 عاما، حيث كان البرلمان يعاود التمديد بالعمل بحالة الطوارئ لمدة عام ثم أصبحت تجدد كل عامين، كان آخرها في شهر مايو من العام الماضي، حين قالت الحكومة إن تطبيق قانون الطوارئ سوف يقتصر على ملاحقة الإرهابيين وتجار المخدرات فقط لحين صدور قانون خاص بمكافحة الإرهاب.

ولكن قوى المعارضة احتجت على التمديد، وأعلنت ذلك بشكل واسع في المظاهرات المليونية التي شهدتها المدن المصرية في شهري يناير وفبراير الماضيين. ووعد المجلس العسكري الذي يدير البلاد وكذا الحكومة المصرية الجديدة التي جاءت بعد ثورة 25 يناير برفع حالة الطوارئ بعد أن تستقر الأمور في البلاد.

وعلى العكس من الاتجاه العام بإجراء إصلاحات ورفع حالة الطوارئ وهو ما بدأ ينتشر في بعض الدول العربية، قامت كل من اليمن والبحرين بفرض حالة الطوارئ بسبب ما شهدته البلاد من أحداث دامية تطالب بإجراء تغيير في بعض السياسات. ففي اليمن أعلن الرئيس علي عبد الله صالح حالة الطوارئ يوم 18 من الشهر الماضي للمرة الثانية بعد الوحدة حيث كان تم العمل بالطوارئ للمرة الأولى في عام 1994 عندما اندلعت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.

وقد أعلنت حالة الطوارئ في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات ومعها حظر التجوال بالأسلحة بعد أحداث جمعة «الإنذار» التي نظمتها القوى المعارضة، وقتل فيها أكثر من 52 شخصا. وتقول السلطات اليمنية إن إقرار العمل بالطوارئ جاء بموافقة البرلمان اليمني، ولكن المعارضة اليمنية والنواب المستقلين والمستقيلين من الحزب الحاكم طعنوا في شرعية حالة الطوارئ لعدة أسباب، منها عدم اكتمال النصاب في أعداد نواب البرلمان الذين صوتوا على العمل بالطوارئ. ويقول المعارضون اليمنيون إن قانون الطوارئ الذي جرى التصويت عليه يعود إلى زمن جمهورية اليمن الشمالي، في ستينات القرن الماضي، أي قبل الوحدة مع الجنوب سنة 1990.

وقبل لجوء اليمن لفرض حالة الطوارئ بنحو ثلاثة أيام كان التلفزيون البحريني قد أعلن فرض حالة الطوارئ في البلاد بسبب الاحتجاجات الشعبية. وأصدر هذا القرار ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة من خلال أمر ملكي يقضي بفرض حالة «السلامة الوطنية»، أي الطوارئ، مع إدانة السلطات البحرينية لموقف إيران من تلك الاحتجاجات، وذلك غداة وصول القوات الخليجية (درع الجزيرة) إلى هناك للمساعدة في إرساء الاستقرار.

وكان مجلس النواب في مملكة البحرين قد رحب بقوات درع الجزيرة لدول مجلس التعاون للمساهمة في حفظ الأمن والأمان والاستقرار في المملكة تفعيلا لبنود الاتفاقية الدفاعية الخليجية المشتركة، مؤكدا أهمية فرض القانون واستتباب الأمن وتوقيف الانفلات الأمني قبل البدء في عملية الحوار الوطني.