الرصيف العربي

تختلف طبيعته من مكان لآخر ولم يعد صديقا للمشاة

TT

رغم أن الرصيف مهمته تنصب على توفير الراحة والاطمئنان للناس، فإن هذه المهمة الإنسانية النبيلة، أصبحت اعتبارية في معظم بلداننا العربية، فبدا الرصيف وكأنه لا علاقة له بالبشر، ويسير في عكس اتجاهاتهم؛ فليس سلسا ولينا تحت خطواتهم المتعبة، كما أنه يضيق وينحسر وتنتهك حريته، ويتحول إلى مجرد مزق، ملتبسة الملامح والهوية تحت فوضى الإهمال والجور والعشوائية.

فلو كنت زائرا للعاصمة المصرية القاهرة أو لإحدى المحافظات، فإنك حتما ستتوقف أمام ظاهرة «الرصيف»، فالأرصفة على جوانب الشوارع تعكس مؤشرات مختلفة من الحياة المصرية، كما تتميز الأرصفة في مناطق بعينها ببعض الملامح والسمات المتباينة عن أرصفة أحياء وميادين أخرى.

من الناحية الشكلية، أغلب الأرصفة في مصر لا تخضع لارتفاع واحد. وبحسب مسؤولي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري فإنه «لا يتم الالتزام بالمقاييس الدولية عند إنشاء الأرصفة». ويترك إنشاء الأرصفة في مصر إلى إدارات المحليات، كما أن ألوان «بلوكات» الرصيف غير موحدة، فهي إما بيضاء وسوداء، أو صفراء وسوداء. وبصفة عامة، تختفي الأشجار من على الأرصفة إلا فيما ندر، فيما تظهر أعمدة الإنارة كل بضعة أمتار.

وتختلف طبيعة الرصيف في مصر بطبيعة المكان الموجود فيه؛ ففي العاصمة القاهرة، التي يسكنها نحو 16 مليون فرد، لن يكون غريبا وأنت تمر فوق أرصفتها أن تسمع عبارة «ده رصيف الحكومة». وتقال هذه الجملة اعتراضا من جانب بعض المشاة، على ازدحام الرصيف بالبضائع والسلع، بعد أن تحول إلى «ملكية خاصة» للباعة، خاصة في المناطق الشعبية، رغم أنه من المفترض أن يخصص للمشاة، لكي يجنبهم مخاطر السير في عرض الطريق.

وتستقطع المقاهي حصصا من الرصيف إن لم يكن الرصيف بأكمله، حيث يدخل ضمن محيط المقهى، ويجلس من يدخن الشيشة أو يرتشف فنجانا من القهوة أو يحتسي كوبا من الشاي، وبجوارهم تجد باعة الخبز، وتجار الخضراوات والفاكهة وغيرهم.

عربات الفول، علامة أخرى مميزة للرصيف المصري، فهناك المئات من أصحاب هذه العربات يتخذون من أرصفة الشوارع، خاصة في الفترة الصباحية من اليوم، مكانا لهم لتقديم أطباق الفول إلى المصريين المتوجهين إلى أعمالهم. وحول العربة يتخلق العشرات، مما يجعل مشهد عربات الفول وزبائنها سمة من سمات الرصيف المصري.

في منطقة وسط البلد التجارية بالقاهرة، تتميز الأرصفة بالزحام الشديد، حيث يكثر عليها وجود الباعة سواء من يقف بعربة خشبية أو بفرش بضاعته على الرصيف، أما محتويات «تجارة الرصيف» فهي كل ما يخطر على بالك من أنواع الملابس للكبار والصغار والتي تباع بأسعار أقل من نظيرتها بالمحلات التجارية، كما يمكن لأي فرد أن يكمل احتياجاته من الإكسسوارات حيث ينتشر باعة الجوارب والنظارات ورابطات العنق، ولا مانع من أن تجد باعة يفترشون الرصيف لبيع الكتب القديمة والمجلات، أو لعب الأطفال، أو لبيع ماركات غير معروفة من العطور أو حتى الأحذية.

تقرير لاتحاد الغرف التجارية المصرية خلص في صيف العام الماضي، إلى أن «تجارة الرصيف» في البلاد بلغت قيمتها أكثر من 15 مليار جنيه (نحو 2.5 مليار دولار)، ويعمل فيها أكثر من 9 ملايين شاب، وتمثل نحو 45 في المائة من حجم التجارة الرسمية للدولة.

أما في المناطق الراقية في القاهرة، فتختلف سمة الأرصفة عن بعضها بعضا، لأن أغلبها يستغل في عملية صفّ السيارات بجوارها. فيما تحتل بعض الأكشاك الخشبية أو المعدنية مساحة صغيرة من بعض هذه الأرصفة، تتخصص غالبا في بيع الصحف أو السجائر أو الفاكهة أو السلع الغذائية البسيطة.

ويعتبر الرصيف المجاور لكورنيش النيل أطول الأرصفة المصرية التي لا تعاني من عوائق كثيرة، ولهذا السبب يتخذها كثير من المصريين وسيلة آمنة للجري وممارسة الرياضة في الساعات الأولى من الصباح. وفي أمسيات فصل الصيف تتخذ العديد من الأسر المصرية رصيف كورنيش النيل مكانا للالتقاء وللسمر والهرب من حر البيوت.

من الناحية السياسية، لعب الرصيف دورا خلال السنوات القليلة الماضية، حين اتخذه آلاف العمال والموظفين مكانا لاحتجاجاتهم «الفئوية»، التي يرى المحللون أنها مهدت الطريق لقيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، فالأرصفة المواجهة لمبنى البرلمان ومجلس الوزراء كانت ملاذا لأعداد كبيرة من المتظاهرين المتضررين من تدني أوضاعهم المعيشية، بينما كانت أرصفة دار القضاء العالي ونقابتي الصحافيين والمحامين، اللسان المعبر عن الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بالديمقراطية وحرية التعبير التي تخرج بين حين وآخر.

ومع انطلاق الثورة المصرية التي أطاحت بحكم الرئيس السابق حسني مبارك، كانت أرصفة ميدان التحرير هي مكان مبيت المتظاهرين على مدار نحو عشرين يوما من أيام الثورة، وعليها تأسست العيادات الطبية الشعبية لعلاج المصابين في المواجهات مع قوات الأمن و«البلطجية»، بل كانت أرصفة الميدان هي المكان المفضل لفناني الثورة حيث تحولت إلى ما يشبه معرضا حرا يزخر بلوحات تدين النظام وأعوانه أو لافتات تشيد بالثورة وشهدائها أو رسومات كاريكاتورية تسخر من الأوضاع السائدة، وعليها أيضا جلس بعض المطربين والعازفين الشباب لتقديم ما لديهم من إبداعات تدور في فلك الثورة، ولم يجد المنصتون إليهم إلا أن يشاركوهم الرصيف هم أيضا.

وكان رصيف ميدان التحرير أيام الثورة يتسع للباعة الذين كانوا يعرضون الأعلام والقمصان وميداليات الثورة. أما الطريف، على هذه الأرصفة أيضا، فهو قيام بعض الباعة ببيع وثائق تسربت من جهاز مباحث أمن الدولة بعد اقتحامه من جانب المتظاهرين، وذلك مقابل جنيهين مصريين للوثيقة الواحدة (أقل من نصف دولار).

والملاحظ أنه في أعقاب الثورة المصرية ومع حالة ضعف الوجود الأمني، زاد انتهاك الرصيف، بعد أن أضحى كثير من الأرصفة محتلا من جانب الباعة خاصة في بعض الميادين الشهيرة بالازدحام مثل ميدان رمسيس، ولم تعد الأرصفة حكرا على بضائع معينة، بل اتسع نطاق تجارة الرصيف، لتشمل نوعيات أخرى من السلع مثل السلع الغذائية والأطعمة والمشروبات، وبيع الأدوات المنزلية، أو التحف الفنية المقلدة.

من الناحية الاجتماعية، يتخذ البعض الأرصفة كسرير ومأوى لهم، وتحديدا فئة «أطفال الشوارع»، الذين تقدر أعدادهم بما يقرب من ‏3 ملايين طفل، تحتضنهم الأرصفة والشوارع، وأصبحت مأواهم الوحيد في ساعات الليل، يشاركهم في ذلك بعض الرجال والسيدات المسنين والمسنات، أو بعض المتسولين.

في الإسكندرية، تختلف طبيعة الرصيف باختلاف طبيعة المدينة الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، فرصيف الكورنيش له خصوصية لدى المصريين في فصل الصيف، فعليه يصطف الآلاف يوميا لرؤية مشهد غروب الشمس، أما على الجانب الآخر وفوق الرصيف المواجه للبحر، وفي ساعات الليل، يكثر مرتادو المقاهي الذين يفضلون السهر أمام شاطئ البحر.

ومثل غالبية المدن المصرية، يوجد مستويان من الأرصفة من حيث نظافتها وإتاحتها للمارة من جانب السلطات المحلية؛ ففي المناطق الراقية من مدينة الإسكندرية خاصة من ناحية الكورنيش ومحطة الرمل وحتى أرصفة شارع بورسعيد، والأرصفة المحيطة بشريط «ترام» الإسكندرية الشهير، يمكن أن تستمتع بالتمشية على هذه الأرصفة دون أن تخشى الاصطدام بمناضد المقاهي أو أكوام القمامة أو أكشاك الباعة.

وعلى النقيض من أرصفة المناطق الشمالية والوسطى من مدينة الإسكندرية، تجد أرصفة المناطق الجنوبية الأكثر إهمالا. ومن الصعب أن تتمكن من رؤية امتداد الرصيف، بسبب كثرة الإشغالات التي عليه، من طاولات بيع الخضراوات والفاكهة. كما يتخذ بعض أصحاب السيارات الخاصة من هذه الأرصفة مكانا لصف سياراتهم، طالما كان ارتفاعها مقاربا لسطح نهر الطريق.

وباستثناء بعض الشوارع في قلب القاهرة وفي منطقة وسط الإسكندرية، فمن النادر أن تجد على التقاطعات الداخلية في شوارع المدن المصرية، إشارات لعبور المشاة. ويتم عادة الاكتفاء بإشارات مرور السيارات. لكن التفكير في إشارات مرور المشاة يعد نوعا من الترفيه مقارنة بحالة الأرصفة من الجوانب الإنسانية عموما. فكبار السن يصعب عليهم التنقل من أرض الطريق إلى الرصيف بسبب ارتفاع هذا الأخير في العديد من المناطق عن سطح الشارع.

ولوحظ بعد ثورة 25 يناير اهتمام رجال الشرطة بمد يد العون، أكثر من السابق، لكبار السن والأطفال والنساء وبعض الغرباء، لعبور الطريق من هذا الرصيف إلى الرصيف المقابل، والعكس.

وفي لبنان يضطر المواطن اللبناني الذي قرر التنقل مشيا، وفي كثير من الأحيان، إلى سلوك الطريق العام المخصص للسيارات عوضا عن استخدام الرصيف، وحفاظا على سلامته وتجنبا لأية مفاجآت غير سارة. فللأرصفة، وبالتحديد في العاصمة بيروت وضواحيها، مفهوم جديد بعيد كل البعد عن المتعارف عليه، هي مواقف سيارات، ومراكز للبائعين المتجولين، وفي معظم الأوقات تتحول ملكا خاصا لأصحاب المحال التجارية المقابلة الذين ينقلون إليها قسما من بضائعهم لترويج أسرع أو يخصصونها مواقف للأقارب والزبائن.

ولعل الظاهرة الأغرب هي حين يباغت «ريغار» (مجرى لتصريف المياه) المواطن في منتصف الرصيف، فإن كان محظوظا تعلق رجله في غطائه أو وفي أسوأ الحالات يسقط فيه إذا كان هذا الغطاء مفتوحا! وحين تتحول مساعي البلديات لتجميل المساحات في مسارها المنطقي، تصبح الأرصفة منبتا للأشجار والنباتات التي تنمو بطرق عشوائية قاطعة طريق المواطن ومتحولة بذلك عن هدفها التجميلي إلى عائق يزيد من الأخطار المحدقة به.

وتبقى الدراجات النارية الخطر الأكبر الذي قد يباغت اللبناني السائر على أقدامه، فالرصيف بالنسبة لمستقلي هذه الدراجات هو السبيل الوحيد للهروب من زحمة السير والمعبر الأسرع والأسهل للوصول إلى وجهتهم. هنا يضطر المواطن إلى إفساح المجال لهذه الدراجات وكأنه هو المعتدي على مسارها أو على المكان المخصص لمرورها. وتبقى نسب حوادث السير المرتفعة التي تقع على الأرصفة أكبر دليل على مدى خطورة ما قد يتعرض له المشاة الذين قرروا سلوك الأرصفة المخصصة عادة في دول العالم لمرورهم وتأمين سلامتهم.

وللأرصفة في لبنان أيضا استخدامات أخرى، فهي مركز استراتيجي لحاويات النفايات الضخمة التي لا تتسع لها الطرقات، يتم تثبيتها في وسط الرصيف قاطعة الطريق على المواطن الذي يضطر للركض من جهة إلى أخرى هربا من الأوساخ والروائح الكريهة. وكم خارج لتنشق هواء نقي مشيا، تلقى نصيبه من أكياس نفايات رماها سائقو السيارات الذين لم يصيبوا هدفهم في الحاوية. ولا تقتصر سلبيات ومخاطر الأرصفة اللبنانية على ما سبق ذكره، فأعمال توسيع وتضييق الرصيف في المدن المكتظة عملية دائمة صيفا وشتاء تسعى من خلالها بعض البلديات لإثبات وجودها «الفاعل» أو لإسكات ممولين محليين وأجانب يسألون أين تصرف تبرعاتهم لإنماء المناطق.

تقول باميلا غصن (25 عاما)، إحدى سكان العاصمة بيروت: «سئمنا الاستخفاف الذي يتم التعاطي به معنا من قبل البلديات؛ فيوما يقولون إن الأرصفة بحاجة للتوسيع لتجميل المنطقة، وبعد أقل من شهر يكتشفون أن الطرقات ضاقت كثيرا ولم تعد تتسع للسيارات فيعودون إلى أعمال الحفر مجددا لتضييقها. فإما أنهم أغبياء، أو يتغابون علينا لوضع الأموال العامة في جيوبهم».

وتسرد نائلة الدويهي (45 عاما) حادثة واجهتها في شارع مار إلياس في بيروت حين علقت رجل ابنتها الصغيرة (5 سنوات) في غطاء أحد «الريغارات» مما استدعى تدخل أحد المارة لمساعدتها. هي منذ حينها تسير على الرصيف وعيناها وكما يقال بالعامية «10/10» تحسبا لأي طارئ قد يعترض طريقها.

وبعيدا عن إهمال البلديات وانشغال رجال الدولة بملفات أكبر وبكثير من اهتمامات المواطن اليومية، تبقى الثقافة والتربية اللبنانية في هذا الإطار عنصرا أساسيا في إشكالية الأرصفة. فاللبناني وفي معظم الأحيان يفضل السير بين السيارات وعلى حدود الرصيف على اجتيازه والمرور عليه، لندخل هنا في المشكلات التي تواجه السائق اللبناني والتي ليست أقل وطأة مما يواجه المشاة.

أما في العاصمة الأردنية عمان، فيلاحظ الزائر أن شوارع المدينة تخلو من أرصفة المشاة المؤهلة للسير عليها، وأن هناك معيقات سواء من حيث البنى التحتية أو ما أقيم عليها من أحواض لزراعة الأشجار.

وقصة الأرصفة تطورت مع تطور المدينة التي بدأت قرية صغيرة في مطلع القرن الماضي وذات الشوارع الضيقة أو ما يعرف بالدخلات أو الزواريب.

وعندما توسعت عمان خلال مائة عام واستقبلت أكثر من أربع هجرات وطرأت عليها طفرات عمرانية سريعة، لم يلتفت مهندسو التنظيم في المدينة إلى قضية الرصيف وأهميته إلا في أوقات متأخرة حيث وضعت مسافات لعرض الرصيف وفق عرض الشارع. ولأن شوارع عمان القديمة معظمها صغيرة، فإن الأرصفة فيها تكون معدومة أو ضيقة.

وتنص تعليمات أمانة عمان على أن الشوارع التي عرضها من 3 إلى 6 أمتار لا يوجد فيها أرصفة وتكون دون رصيف، ولهذا، فإن الزائر إلى وسط المدينة القديمة يرى ذلك بوضوح، وتبدأ أرصفة في الشوارع التي عرضها 8 أمتار فما فوق، حيث حددت التعليمات أنه في الشارع 8 أمتار يكون الرصيف 60 سنتيمترا ويتسع الرصيف مع اتساع الشارع حيث إن شارع 10 أمتار يكون الرصيف فيه 1.10 متر، و12 مترا يكون عرض رصيفه 1.40 متر، و14 مترا يكون الرصيف مترين. و16 مترا يكون الرصيف 2.35 متر، و20 مترا يكون الرصيف 2.60 متر، و24 مترا يكون الرصيف 3 أمتار، و30 مترا يكون الرصيف 3.60 متر.

وعلى الرغم من هذه المقاسات الموضوعة في التنظيم، فإننا نجد هناك من يخالف ويعتدي على الشارع من المواطنين من خلال الاعتداء على الأرصفة سواء بتقديم البناء في الرصيف أو زراعة أشجار الزيتون أو أشجار تمنع المشاة من الحق في المسير على الرصيف.

وما نتحدث عنه ينطبق على سائر المدن الأردنية حتى إن هناك تجاوزات كثيرة في المدن البعيدة.

والرصيف عادة يشيد على نفقة صاحب المنزل أو العمارة، وتكون هناك مواصفات للبلاط، حيث إن البلاط يأخذ اللونين الأحمر والأصفر «المبزر» لمنع الانزلاقات وقت الشتاء، أو البلاط الإسمنتي الأسود أو الزيتي وهناك فواصل بين البلاطات للمياه، وأدخل حديثا البلاط المرصوف الأسود الذي يتحمل الضغط.

ولكن الأمانة تتقاضى رسوما على هذه الأرصفة ويدفع المواطن هذه الرسوم حسب ترخيص البناء إذا كان تجاريا أو سكنا «أ» أو «ب» أو «ج» أو«د». وتبدأ الرسوم للمتر العرضي من دينار وتصل إلى أربعة دنانير.

وأكثر ما يزعج المارة على الأرصفة وجود أشجار كبيرة تغلق الرصيف ويطر المار إلى الركوع أو الانحناء من تحت الشجرة أو اصطفاف السيارات على الأرصفة العريضة كما أن مقاييس الأطراف أحيانا تكون عالية عن الشارع ومرهقة لكبار السن.

ونتيجة لذلك، يضطر المارة إلى استخدام الشوارع العام المزدحمة بالسيارات، وأحيانا تقع حوادث الدهس جراء عدم استخدام الرصيف غير المؤهل للسير عليه أو يكون مزدحما بالمشاة أو يكون مشغولا من قبل باعة البسطات على الأرصفة، خاصة أيام العطلات في وسط المدينة.

وفي الشوارع التي تخلو من الأبنية أحيانا، لا توجد فيها أرصفة وترى أطراف الطرق والشوارع ترابية في الصيف وطينية في الشتاء ويضطر الإنسان إلى استخدام الشوارع المعبدة حيث تكون مخاطرة عليه من حوادث الدهس.

وحصدت شوارع عمان المركز الثاني على مستوى العالم في كونها أسوأ شوارع للمشاة وفق أحدث تقييم قام به موقع « planning pool». وحظيت شوارع عمان عامة بالمركز الثاني على مستوى العالم حيث ذكر التقرير أنه «نظرا لأن الأرصفة في شوارع عمان يتولى بناءها أصحاب الأراضي والبيوت المجاورة، فإن الأرصفة تتصف بتباين كبير من حيث المقاسات والارتفاعات».

وأضاف التقرير أنه من ضمن الميزات التي رشحت شوارع عمان لتكون من أسوأ شوارع العالم للمشاة أن أصحاب البيوت يستخدمون الأرصفة الملاصقة لبيوتهم لزراعة أشجار ووضع الأحواض الزراعية (القواوير) عليها مما يعوق حركة المشاة.

وقامت الأمانة في السنوات الخمس الأخيرة بنقل الأشجار من الأرصفة التي لا يتجاوز عرضها مترين وإعادة تبليطها دون زراعتها لتوفير مساحة آمنه للمشاة. وحددت الأمانة مواصفات لزراعة تلك الأشجار على الأرصفة بأن تكون سريعة النمو ومتساقطة الأوراق وذات جذور عميقة نسبيا وأغصان متفرعة على ارتفاعات عالية. كما نقلت قرابة 75 ألف شجرة غالبيتها أشجار زيتون كونها تسبب حساسية لمرضى الربو المزمن وأخرى لا تتناسب مع حركة المشاة على الأرصفة.

وتسعى أمانة عمان قدما لجعل العاصمة صديقة للمشاة من خلال توفير مناطق آمنه للمشاة، وتشجيع ممارسة المشي من قبل المواطنين.

لكن مدير مشروع تأهيل أرصفة عمان في أمانة عمان المهندس هشام العمري يؤكد أن الهدف من المشروع تحسين وإعادة تأهيل الخدمات والبنية التحتية في المدينة بما يوفر لسكان العاصمة الأمان والجمال، إضافة إلى إزالة أي آثار سلبية لهذه الأشجار.

ويؤكد أن الأمانة اعتمدت في مشروعها على تقرير اللجنة المختصة من وزارة الصحة حول تأثير غبار الطلع المتطاير من زهر الأشجار المثمرة كشجر الزيتون داخل المدن على صحة المواطنين خصوصا الأطفال، وتسببها في أنواع مختلفة من أمراض الحساسية كالرشح الأنفي والربو.

ويقول إن الأمانة حددت المناطق التي تسعى للتأهيل حسب الأولوية بدءا من الأرصفة في الشوارع الرئيسية وانتهاء بالشوارع داخل الطرق.

ويعاني المارة على الأرصفة في شوارع المدن اليمنية، مشكلات لها بداية وليست لها نهاية؛ فالرصيف في ثقافة معظم اليمنيين هو من حق صاحب المنزل أو الحانوت المطل عليه، وبالتالي يعتقد اليمني أن من حقه أن يستخدمه كما يشاء، فأمام مقهى صغير أو كما يسمى في اليمن «بوفية»، يضع صاحبه الكراسي فوق الرصيف، وهو عبارة عن مساحة صغيرة دائما، ونادرا ما توجد شوارع واسعة بأرصفة واسعة، وتحتل تلك الكراسي المكان المخصص للمشاة.

صاحب الحانوت يعرض نصف بضاعته فوق الرصيف، يخرجه بداية النهار ويرجعه إلى حانوته في المساء والوقت المتبقي هو للمشاة، وعلى ذلك يمكن قياس معاناة المواطن اليمني البسيط الذي يرغب في أن يقضي بعض التزاماته سيرا على الأقدام، وإضافة إلى تطفل أصحاب المحال بمختلف أنواعها على الأرصفة، تجد الأرصفة في معظم المدن اليمنية، مساحة يفترشها الباعة الجائلون بعرباتهم، بدءا من باعة الأطعمة والوجبات السريعة، مرورا بباعة «الكاسيتات» الدينية والأحذية.. كل شيء، كما أن تلك المساحات البسيطة المسماة أرصفة، تعد ملاذات آمنة للمتسولين والمتسولات من ذوي الأطفال ومن ذوي العاهات الدائمة، وذلك من أجل استعطاف المارة للحصول على المال، وبعض العاهات المعروضة على الأرصفة في شوارع العاصمة صنعاء، مثلا، ذات مناظر مقززة وتجلب الغثيان لمستخدمي الأرصفة.

ويشكو مستخدمو الأرصفة في مدن اليمن من استخدامها من قبل الدراجات النارية هربا من زحمة الطرق، حتى إن كثيرا من سكان صنعاء لا يترددون في ركن سيارتهم فوق الأرصفة المخصصة للمشاة أصلا.

وفي اليمن، لا تعد نظافة الرصيف ثقافة سائدة في مدن عديدة، منها صنعاء، باستثناء القلة من المواطنين الذين يحرصون على تنظيف الأرصفة أمام منازلهم أو محالهم التجارية؛ فالإهمال الحكومي في النظافة عموما، يجعل الشوارع والأرصفة متسخة طوال العام، ويزداد الطين بله في موسم الأمطار عندما تتجمع المياه في الشوارع ويتعرض مستخدمو الرصيف لزخات من المياه المتسخة التي ترمى بها إطارات السيارات المسرعة، وتقول إحدى المواطنات في الشارع الدائري لـ«الشرق الأوسط» إن النساء أكثر عرضة لاتساخ «عباياتهن» أثناء مشيهن على الأرصفة، وأكثر عرضة للمضايقة من قبل تجمعات الشبان المراهقين الذين تصفهم بـ«الصعاليك»، إضافة إلى قولها إن المرأة، أيضا، تدفع ثمن اتساخ ملابس زوجها وأطفالها في الطريق.

ومنذ قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو (أيار) عام 1990، وانتقال كثير من المواطنين الجنوبيين للعيش والعمل في عاصمة دولة الوحدة «صنعاء»، وجد رصيف مختلف في العاصمة؛ إنه يقع في «شارع العدانية» أو «شارع المطاعم» بميدان التحرير في قلب العاصمة، فهناك «بوفيات» تقدم أفضل أنواع «الشاي الحليب» أو «الملبن»، ومساء كل يوم يحتضن رصيف الشارع فئات مختلفة من مختلف أنحاء البلاد، ومن الجنوب تحديدا.. تجد لاعب الكرة والعاطل عن العمل والمقبل إلى صنعاء لاستكمال معاملة توظيف أو أية إجراءات رسمية، كما في السابق، العائدين من كوبا، وهم شبان أرسلوا أطفالا للدراسة في كوبا، ولساعات يتحول ذلك الرصيف في ذلك الشارع الصغير، ساحة نقاشات في الرياضة وشؤون وشجون السياسة وعن البيروقراطية الحكومية وعن كل ما يخطر وما لا يخطر على البال، وهم في مجموعات صغيرة، إما واقفون وإما جالسون على الرصيف بعد افتراش بعض «الكراتين».