مصر منقسمة حول الانتخابات

استطلاع للمعهد الجمهوري الأميركي يكشف عن أن 71% لا يستخدمون الإنترنت

TT

تجاوز الاهتمام بالأوضاع الداخلية على الساحة السياسية المصرية المحلية ليعبر الحدود متجها إلى الولايات المتحدة، حيث أجرى المعهد الجمهوري الدولي (أميركي)، استطلاعا للرأي حول الأوضاع الداخلية المصرية، بتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، شمل المصريين فوق 18 عاما، في الفترة من 13 - 27 أبريل (نيسان) الماضي.

وأثار الاستطلاع جدلا بين القوى السياسية التي اختلفت حول رفض أو قبول نتائجه، فيما تحفظ آخرون عليه مطالبين بالكشف عن الإجراءات المنهجية التي أُجري على أساسها الاستطلاع، والاطلاع على صحيفة الاستطلاع لمعرفة كيفية صياغة الأسئلة، بالإضافة إلى الكشف عن نوعية العينة التي جرى استطلاع رأيها.

وضمت العينة التي تم استطلاع رأيها 1200 شخص، 50 في المائة منهم من الذكور ومثلهم من الإناث، وتنوع التقسيم الجغرافي لهم بنسبة 43 في المائة من الحضر و57 في المائة من الريف (18 في المائة القاهرة الكبرى، و6 في المائة الإسكندرية، والدلتا 42 في المائة، والصعيد 34 في المائة)، وتراوحت أعمار الذين شملهم الاستطلاع بين 77 في المائة دون الخامسة والأربعين، و23 في المائة أكثر من 45 عاما.

وتنوعت المستويات الاقتصادية للذين شملهم الاستطلاع بين 30 في المائة دخلهم أقل من 1000 جنيه شهريا (الدولار يساوي 5.96 جنيه) و40 في المائة منهم من ألف إلى خمسة آلاف جنيه و4 في المائة أكثر من 5 آلاف و20 في المائة رفضوا الإجابة.

وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 94 في المائة يوافقون بشدة على تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة، بينما أبدى 5 في المائة رفضهم لتلك الخطوة، التي اتخذها الرئيس السابق في 11 فبراير (شباط) الماضي، بعد 18 يوما من الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت القاهرة والمحافظات المصرية، فيما أعرب 89 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم أن مصر تسير في هذه الأيام (بعد ثورة 25 يناير) في الطريق الصحيح وقال 9 في المائة إن مصر تسير في الاتجاه الخاطئ.

وأعرب 77 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع عن ثقتهم في قدرة الحكومة الحالية، التي يرأسها الدكتور عصام شرف، على معالجة القضايا الأساسية التي تواجه مصر حاليا، فيما قال 21 في المائة إنهم لا يثقون في ذلك.

وقال الدكتور محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين: «أعتقد أن تلك النسبة معبرة بالفعل عن التأييد الشعبي لحكومة الدكتور شرف»، فيما اعتبر الدكتور عبد الحليم قنديل المنسق السابق للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) أن تلك النسبة ربما كانت صادقة وقت إجراء الاستطلاع في شهر أبريل الماضي، مضيفا «أعتقد أن تلك النسبة انخفضت الآن».

وقال 51 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع «إن إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، كما هو مقرر، مناسب من حيث الناحية الزمنية»، بينما رأى 46 في المائة أن الموعد أقرب من اللازم. بينما أكد 95 في المائة أنهم سيدلون بأصواتهم في تلك الانتخابات، مقابل 3 في المائة قالوا إنهم غير مهتمين بذلك، وجاء حزب الوفد والمستقلون على رأس القوى السياسية التي ستحصد أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة بنسبة 6 في المائة، بينما تقاسمت بقية القوى والأحزاب والحركات السياسية نسبا قليلة تتراوح بين 1 و4 في المائة.

واعتبر الدكتور محمود حسين أن النسب التي أظهرت أن الإخوان لن يحصدوا الأغلبية في البرلمان القادم منطقية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا ما أكدته الجماعة قبل أن يُجرى الاستطلاع، فقد أعلنا أننا سننافس في الانتخابات البرلمانية بنسبة 45 - 50 في المائة، وتوقعنا الفوز بنسبة تتراوح بين 25 إلى 35 في المائة، أي أن البرلمان سيكون به 65 في المائة من المستقلين والأحزاب الأخرى، لذلك النتيجة ليست غريبة بالنسبة لنا».

إلا أن الدكتور عبد الحليم قنديل اعتبر أن تقارب نسب الموافقة أو رفض إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر (أيلول) المقبل (52 في المائة مقابل 46 في المائة) يعكس وجود خلاف في الشارع المصري إزاء تلك الانتخابات. وقال «أرى أن نسب التصويت المتوقعة بالنسبة للأحزاب والقوى السياسية عشوائية ومحابية ودعائية ولا أساس لها في الواقع». وأضاف: «أعتقد أن تلك النتيجة أقرب إلى المنطقية، فهناك فريق يطالب بالانتخابات البرلمانية أولا، بينما يطالب فريق ثان بالانتخابات الرئاسية أولا، فيما يرى فريق ثالث وضع دستور جديد أولا».

وفيما قال 68 في المائة إنهم سيعطون أصواتهم للأحزاب الجديدة التي تأسست بعد ثورة 25 يناير، قال 14 في المائة إنهم سيصوتون لصالح الأحزاب الموجودة على الساحة قبل الثورة، فيما أوضح 18 في المائة أن أصواتهم ستذهب إلى قوى أخرى كالمستقلين مثلا.

واعتبر الدكتور محمود حسين أنه «لا يمكن القطع بأن الأحزاب القديمة في طريقها للزوال، مشيرا إلى أن النظام السابق كان يضغط على أحزاب المعارضة التي كان أغلبها كرتونيا، ويحاول إحداث انشقاقات وخلافات داخلها، ومنعها من ممارسة الكثير من الأنشطة، مما أدى إلى غيابها الفعلي عن الشارع المصري».

وأضاف: «السؤال الآن هو هل ستعود تلك الأحزاب إلى الشارع لتمارس دورها الصحيح أم لا؟ والفيصل هنا هو برامجها وقبول الشارع لها».

وكشف 72 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع أنهم صوتوا بالموافقة على التعديلات الدستورية في الاستفتاء الذي جرى في شهر مارس (آذار) الماضي، بينما قال 9 في المائة إنهم صوتوا بالرفض عليها، وقال 71 في المائة إن التصويت في الانتخابات كان أول تجربة انتخابية لهم، مقابل 28 في المائة شاركوا في الانتخابات من قبل.

واعتبر الدكتور محمود حسين أن القائمين على استطلاع الرأي وقعوا في الخطأ عندما وضعوا هذا السؤال، لأن إجابته حسمت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى في شهر مارس الماضي.

وقال حسين: «عندما يظهر أن 77 في المائة من الشعب المصري يؤيدون إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر فالمسألة منتهية، وسؤال مثل هذا يعكس عدم احترام رأي الأغلبية».

وجاء انخفاض مستوى المعيشة والبطالة على رأس قائمة أسباب المشاركة في الثورة بنسبة 64 في المائة، تلاها غياب الديمقراطية بنسبة 19 في المائة ثم الأحداث الأخيرة في تونس وتشجيع الأصدقاء والأسرة بنسبة 6 في المائة لكل منهما، ثم وفاة الشاب السكندري خالد سعيد بنسبة 3 في المائة.

وقال الدكتور إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية لـ«الشرق الأوسط»: «إن نسبة 64 في المائة منطقية تماما»، مضيفا «هذه النسبة صحيحة إلى حد كبير، عانى الكثيرون من مستوى معيشة متدن بالإضافة إلى قلة فرص العمل، مما خلق حالة من السخط العام، بينما النسبة الباقية هي من الأشخاص ذوي مستوى المعيشة المتوسط والمرتفع الذين ينادون بالديمقراطية والحرية».

واعتبر الدكتور عبد الحليم قنديل أن كل ما سبق شكل الدافع الرئيسي للثورة، وقال «النظام السابق كانت له مساوئ كثيرة عانى منها الشعب كله، من لم يعان من البطالة عانى من التعنت الأمني، ومن لم يعان من الرشوة والفساد المالي عانى من تزوير الانتخابات، ومن لم يعان من أجل توفير لقمة العيش عانى من تردى الرعاية الصحية».

وعن أحداث ثورة 25 يناير أعرب 95 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع عن تأييدهم للثورة، فيما رفضها 5 في المائة، وتوقع 89 في المائة أن تؤدي الثورة إلى تحسن الأوضاع في مصر، فيما قال 5 في المائة إن الأوضاع ستظل كما هي وقال 5 في المائة إن الأمور ستسوء أكثر.

وقال 28 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع إنهم شاركوا في المظاهرات خلال الثورة، مقابل 72 في المائة قالوا إنهم لم يشاركوا، وجاء يوم 28 يناير (كانون الثاني) الماضي (جمعة الغضب) على قائمة أكثر الأيام مشاركة، حيث شارك به 40 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع.

وعن علاقات مصر بالدول الأخرى، أبدى 79 في المائة من الذين جرى استطلاع رأيهم تأييدهم للتقارب المصري السعودي، مقابل 15 في المائة أيدوا التقارب المصري الإيراني، وأبدى 75 في المائة رغبتهم في التقارب المصري السعودي، مقابل 18 في المائة أيدوا التقارب المصري مع سوريا.

واعتبر الدكتور عبد الحليم قنديل أن هذه النتيجة طبيعية، مشيرا إلى ما تمثله السعودية للمصريين من مكانة دينية، نظرا لقيام مئات الآلاف من المصريين بأداء شعائر الحج والعمرة كل عام، كما أن السعودية تمثل سوقا رائعة للعمل بالنسبة للمصريين الذين يعانون من البطالة في بلدهم. وقال «بالطبع السعودية في نظر المصريين أفضل كثيرا من سوريا أو إيران، كمستقبل للعمالة المصرية ولا ينطوي الأمر على أي تفضيل سياسي، رغم أن الرأي العام المصري معجب سياسيا بإيران ويريد التقارب معها من وجهة نظري».

وحول الشأن الاقتصادي، قال 49 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع إن الوضع الاقتصادي في مصر سيئ جدا، وقال 32 في المائة إن الوضع الاقتصادي سيئ إلى حد ما، و14 في المائة قالوا إن الوضع الاقتصادي جيد إلى حد ما، بينما أعرب 5 في المائة فقط عن اعتقادهم أن الوضع الاقتصادي جيد.

وقال الدكتور إيهاب الدسوقي: «أرى أن هذه النسب متماشية تماما مع أرض الواقع لأننا في مرحلة عدم استتباب الأمن في مصر وبالتالي عدم الاستقرار الأمني ينعكس على الاقتصاد، بالإضافة إلى ضبابية الملامح الاقتصادية، نتيجة عدم وضوح الملامح السياسية، وهذا يشكل مشكلة لدى الأفراد». وأضاف «الشعب المصري علق آمالا وطموحات كبيرة على قيام الثورة، ولكنهم وجدوا أن الأمور كما هي، ولم يحدث تغيير جذري في الاقتصاد بعد الثورة، فخلق هذا الأمر لديهم إحباطا جعلهم في أزمة أكبر مما سبق».

وكشف 41 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن لديهم مشكلات في توفير الطعام والمتطلبات الأساسية لأنفسهم وأسرهم، فيما قال 37 في المائة منهم إنهم بالكاد يستطيعون توفير تلك المتطلبات، بينما أفصح 17 في المائة عن أنهم يستطيعون توفير بعض الكماليات في أغلب الأوقات. ورغم ذلك أبدى 80 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع أن العام المقبل سيكون أفضل نوعا ما بالنسبة لميزانية المنزل.

واعتبر الدكتور الدسوقي أن هذه النسبة قد تكون معبرة في حالة إجراء الاستطلاع على سكان العشوائيات الذين يعيشون تحت خط الفقر، أما إذا أجريت على جميع طبقات المجتمع فتكون غير حقيقية».

وقال: «معدل الفقر لم يزد بعد الثورة، ولا يمكن قياس زيادة معدل الفقر أو تراجعه في هذه الفترة القصيرة، منذ يناير الماضي وحتى يونيو (حزيران) الحالي، لأن الأمر يحتاج لنحو عام من الدراسات». وأضاف: «حتى العمالة اليومية لم تقف عن العمل سوى 18 يوما بسبب حظر التجوال أغلب أوقات اليوم، لكن بعد تقليصه إلى ثلاث ساعات، عادت الأمور إلى طبيعتها بنسبة 95 في المائة».

واعتبر الدسوقي أن العام المقبل سيكون أفضل، لأن العام المقبل سيشهد انتخاب رئيس جديد، يأتي بحكومة جديدة ديمقراطية ونزيهة تقدم رؤية سياسية واقتصادية واضحة، بالإضافة إلى عودة الأمن إلى طبيعته، وبالتالي مع عودة الأمن ووجود رؤية سياسية واقتصادية واضحة، ستتحسن الأوضاع الاقتصادية.

وقال الدكتور عبد الحليم قنديل: «أعتقد أن التفاؤل بالنسبة للفترة المقبلة في محله، ولكن السؤال هو كم تبلغ تلك الفترة؟ لا أحد يعرف».

واحتلت قضية البطالة الصدارة في ترتيب المشكلات الكبرى التي تعاني منها مصر بحسب الاستطلاع، تلتها أزمة الأمن، ثم الفساد المالي، فالرواتب والأجور، ثم الفقر، ثم الديمقراطية، والاقتصاد، والانتخابات الحرة، ثم القيم الأخلاقية بالمجتمع، ثم الحكومة الانتقالية فحقوق الإنسان، وأخيرا الإسكان.

واعتبر دكتور الدسوقي أن نسبة البطالة ربما تكون زادت بنسبة صغيرة بسبب توقف نشاط السياحة الذي تأثر بشكل كبير نتيجة حظر التجوال والانفلات الأمني. وقال: «لكن مع عودة الاستقرار الأمني ورفع حظر التجوال ستعود الأمور إلى طبيعتها».

وأضاف: «من الطبيعي والمنطقي أن تتقدم مشكلة الأمن على مشكلة الأجور والرواتب أو الإسكان، لأن أيا منا يحتاج الأمن أولا قبل أن يفكر في العمل أو الطعام والشراب».

وتصدر التعليم قائمة القضايا التي تحتاج إلى دعم وزيادة الاستثمارات فيها، تلتها الرعاية الصحية، ثم القطاع الخاص، فالمحليات ومشاريع البنية التحتية، وأخيرا الديمقراطية.

وكانت المفاجأة أنه رغم أن الإنترنت ينظر إليه كمحرك رئيسي لأحداث الثورة المصرية، فإن 71 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم لا يستخدمونه، مقابل 29 في المائة يتواصلون عبر الشبكة العنكبوتية، بل إن 76 في المائة منهم لا يمتلكون حسابات على موقع «فيس بوك» الذي انطلقت منه الدعوة للثورة.

وأبدى الدكتور عبد الحليم قنديل تحفظه على نتائج الاستطلاعات بشكل عام لأنه لا أحد يعرف كيف تم إجراؤها. وقال: «صدر مؤخرا استطلاعان أميركيان للرأي عن فرص القوى والأحزاب السياسية المصرية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وظهر بهما تناقض كبير».