«نجمة» الحزب الجمهوري

ميشيل باكمان لفتت الأنظار منذ إعلانها ترشحها للانتخابات الرئاسية وهي أكثر ميلا من بالين لليمين المتطرف

TT

بدأ الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة معركة انتقاء منافس يمكنه أن يقف في وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وعلى الرغم من عدم بروز مرشح مفضل بعد يمكنه أن يمثل الحزب الجمهوري، فإن المناظرة التلفزيونية التي جرت يوم الاثنين الماضي، واشترك فيها سبعة مرشحين، سلطت الضوء على أحدهم بشكل خاص.

كانت ميشيل باكمان، عضو الكونغرس من ولاية مينيسوتا، الأكثر بروزا بين المرشحين السبعة، التي أخذت أكبر حيز من التعليقات الصحافية في اليوم التالي. وربما ساعدها في تسليط الأضواء عليها، غياب ساره بالين، محبوبة الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري، وكون باكمان نفسها، صديقة لبالين التي لم تعلن ترشحها لخوض معركة الرئاسة بعد، وأيضا كونها المرأة الوحيدة التي ناظرت 6 رجال.

باكمان مثل بالين، من قادة الجناح اليميني في الحزب، كانت أكثر من تحدث عن السياسة الخارجية خلال المناظرة، خاصة عن الشرق الأوسط. وعارضت التدخل العسكري الأميركي في ليبيا، ليس من ناحية المبدأ، ولكن بسبب الطريقة التي تدخل بها الرئيس باراك أوباما، قالت: «سياستنا في ليبيا خرقاء أساسا، حتى قادة حزبه، قالوا إن أوباما جعلنا نلعب دور التابعين، وليس دور القادة في عملية ليبيا، فقد تنازل أوباما لفرنسا وأعطاها قيادة العملية». وفي أفغانستان، عارضت «الانسحاب المتعجل» للقوات الأميركية، وقالت إن قتل أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، «ليس نهاية الحرب ضد الإرهاب».

وأثناء المناظرة، كانت باكمان على النقيض من زميلها عضو الكونغرس رون بول، فقد قال بول: «عندما أصبح رئيسا للجمهورية، لن أنتظر آراء الجنرالات (عن الانسحاب من أفغانستان)، أنا سأصدر الأوامر بأن تعود القوات بأسرع فرصة ممكنة، وأيضا، القوات في العراق، ولن أتدخل في ليبيا. وسأوقف الضرب الجوي فوق اليمن، وسأوقف ضرب باكستان، وسأركز على الصرف المالي هنا في الولايات المتحدة، لأننا نحتاج إلى خدمات كثيرة بدل أن نصرف مليارات الدولارات على مغامرات أجنبية». وأضاف: «يجب أن نتعلم من التاريخ، فوجودنا هناك لن يحمي الأمن القومي الأميركي، فمجرد وجودنا هناك يخلق لنا أعداء».

لكن بول يمثل أقلية تقدمية داخل أقلية معتدلة داخل الحزب الجمهوري، بينما تمثل باكمان الجناح اليميني داخل الحزب، الذي يكاد يسيطر على الحزب، خاصة بعد انتخابات الكونغرس العام الماضي عندما فاز الحزب بأغلبية في مجلس النواب، وكانت أغلبية الذين فازوا من الجناح اليميني الذي يعرف باسم «تي بارتي» (حزب «حفلة الشاي»).

وكما قال مراقبون في واشنطن، كان أهم من تصريحات باكمان في المناظرة عن السياسات الخارجية والداخلية، هي أنها أعلنت «رسميا» ترشحها لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. وقال المحللون إن هذا يدل على ذكاء من جانب باكمان، وأيضا دهاء سياسي.

في اليوم التالي لمناظرة القادة الجمهوريين، كتبت صحيفة «بوليتيكا» (يومية صغيرة تغطي أخبار الكونغرس): «كانت هناك ميشيل باكمان مختلفة جدا عن ميشيل باكمان التي نعرفها، فقد كانت دقيقة ومركزة ومصقولة، لا الشخصية الكاريكاتورية التي تصرخ يمينيا وشمالا». وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «في المناظرة، أجبرت ميشيل باكمان زملاءها ليس فقط على وضع اعتبار لها، ولكن، أيضا، على إعادة النظر في استراتيجياتهم». وقالت صحيفة «يو إس إيه توداي»: «رفعت المناظرة درجة ميشيل باكمان إلى مرتبة أعلى». وقالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «كنا نعتقد أن سارة بالين هي نجمة الحزب الجمهوري، حتى شاهدنا ميشيل باكمان في مناظرة يوم الاثنين».

غير أن صحيفة «منيابوليس ستار تربيون»، التي تصدر في ولاية باكمان، قالت: «فوجئنا بإعلان ميشيل باكمان في مناظرة يوم الاثنين بأنها ستترشح لرئاسة الجمهورية، فماذا سيحدث للدائرة السادسة التي تمثلها؟ صار واضحا أنها تفضل العمل الوطني على العمل المحلي». وانتقد تلفزيون «إن بي آر» في الولاية قرار باكمان بترك المسرح المحلي فجأة إلى المسرح الوطني. لكنه، مثل الصحيفة، لم يخف فخره بأن بنت الولاية تريد أن تكون رئيسة لأميركا.

وقال مراقبون في واشنطن إن تركيز باكمان، خلال المناظرة، على مواضيع أفغانستان، والعراق، وليبيا، لم يكن صدفة، وذلك لأكثر من سبب: أولا، كونها الوحيدة التي تمثل «حزب الشاي» رسميا، ووجدت فرصة نادرة لنشر آرائها وآراء «حزب الشاي»، خاصة عن الحرب ضد الإرهاب، أحد موضوعات أجندة «حزب الشاي» الرئيسية. ثانيا، لأنها انضمت مؤخرا إلى لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، وتريد أن تستفيد من المعلومات السرية التي تحصل عليها لصالح حملتها الانتخابية. وثالثا، لأنها تعرف أن زملاءها المنافسين لها في الحزب، وهم معتدلون أو يميلون نحو الجناح اليميني (لكنهم ليسوا أعضاء فيه)، يريدون التقليل من دورها، وفعلا وصفها واحد بأنها «متطرفة». رابعا، لأنها تتمتع بتأييد جون بوينر، رئيس مجلس النواب، ومن قادة الجناح اليميني في الحزب (لكنه ليس عضوا في «حزب الشاي»). وهو نفسه قال بعد المناظرة: «ميشيل كانت رائعة، ولهذا السبب كنت رشحتها لتدخل لجنة الاستخبارات (التابعة لمجلس النواب)».

لكن، ينتقد باكمان كثيرون، من ضمنهم بعض قادة الحزب الذين يعتقدون أنها يمكن أن تكون سياسية من الدرجة الأولى، لكنها تحتاج إلى فترة لتتعلم العمل السياسي في واشنطن، وقال واحد من هؤلاء، بشكل نصيحة أكثر منها نقدا: «تحتاج ميشيل لأن تعد من واحد لعشرة، ثم تقفز» (إشارة إلى مثل أميركي بأن يتمهل الشخص قبل أن يقرر أو يتكلم).

وعندما أعلن بوينر، رئيس مجلس النواب، أنه اختارها لدخول لجنة الاستخبارات، قال نائب جمهوري إن بوينر في الحقيقة، حذرها من كشف الأسرار الاستخباراتية التي تحصل عليها، لعلمه بأنها الوحيدة من بين المرشحين، العضو في اللجنة، بل إن أغلبية المرشحين ليسوا حتى أعضاء في الكونغرس، وأشار النائب إلى ما سماه مرض «فري تونغ» (لسان حر)، وقال إن باكمان مصابة به. ويقصد أنها أحيانا لا تتأكد مما تقول قبل أن تنطق به. وأشار إلى أنه في سنة 2007، قالت باكمان لصحيفة محلية في ولايتها مينيسوتا: «عندي معلومات عن خطة إيرانية لتقسيم العراق، وعندي معلومات بأن إيران تريد أن يكون العراق قاعدة للعمل الإرهابي في المنطقة ضد الولايات المتحدة وأصدقائها». وقال زميلها النائب: «ليس المهم أن هذه المعلومات صحيحة أو غير صحيحة، لكن السياسي المسؤول لا يتحدث هكذا».

حتى صحيفة «منيابوليس ستار»، صحيفة ولايتها، قالت: «أحيانا، ترى ميشيل باكمان أنها نجمة تلفزيونية، لا سياسية. وهناك فرق بين البحث عن شهرة شخصية وبين تمثيل مواطني الدائرة السادسة». لكن، مع اهتمام الأميركيين بالحرب ضد الإرهاب وتركيز «حزب الشاي» عليها، تعتبر عضوية لجنة الاستخبارات فرصة ذهبية لها للحصول على معلومات لا يعرفها بقية الأميركيين وبقية أعضاء الكونغرس. هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، كانت عضوا فيها عندما كانت في الكونغرس. ويقول مراقبون إنه لا بد أن المعلومات التي كانت تحصل عليها، ساعدتها في حملاتها الانتخابية، وتساعدها الآن وهي وزيرة للخارجية، كما أن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، عضو أيضا في لجنة الاستخبارات.

تبلغ باكمان من العمر 55 عاما، وقد ولدت في ووترلو بولاية أيوا، في كنف عائلة من الديمقراطيين ذات الجذور اللوثرية المسيحية النرويجية. تطلق والداها وهي صغيرة، فربتها والدتها التي انتقلت معها إلى ولاية مينيسوتا. وكانت والدتها متدينة جدا، ويعتقد أنها هي سبب تدين ابنتها. لأسباب دينية، وهي في المدرسة الثانوية، درست باكمان اليهودية، وقالت حينها إن «اليهودية أساس المسيحية، ويسوع المسيح كرر رسالة موسى». خلال تلك السنوات، انتقل اهتمامها باليهودية إلى اهتمامها بإسرائيل.

وعندما تخرجت في المدرسة الثانوية، ذهبت إلى إسرائيل حيث قضت فصل الصيف. وفي وقت لاحق، وصفت الزيارة بقولها: «أول مرة ذهبت إلى كيبوتز قرب بئر السبع في عام 1974، أحسست كأني وصلت إلى أرض الميعاد الحقيقية». وأضافت: «في وقت لاحق، زرت إسرائيل ثلاث مرات وأنا عضو في الكونغرس. حبي لإسرائيل بدأ منذ أول يوم زرتها». وتابعت: «كفتاة صغيرة أزور إسرائيل لأول مرة، صدمت لمستوى الأمن المتشدد هناك. وأنا في كيبوتز، كان يرافقنا دائما جنود يحملون أسلحة رشاشة، وكان الجنود يتجولون وهم يبحثون عن الألغام الأرضية». وأضافت: «حقا، تعلمت في ذلك الوقت الكثير في إسرائيل، وصرت أشفق على وضعها الأمني، وصرت أومن بأن أمن إسرائيل مثل أمن الولايات المتحدة، ووجدت إسرائيل وردة تتفتح في الصحراء». وعلى الرغم من أنها ليست يهودية، فإنها قالت: «يشرفني أن أكون في موقف يسمح بأن أساعد إسرائيل. لدي حب كبير لإسرائيل وإعجاب كبير بالشعب الإسرائيلي. أنا مسيحية، وتراثي اليهودي هو أساس مسيحيتي، تراث الإيمان بصفتي مسيحية».

درست باكمان القانون في جامعة وينونا بولاية مينيسوتا، ثم في جامعة روبرتز المسيحية التي أصبحت الآن جامعة ريجنت المسيحية. وفي حين كانت في جامعة وينونا، القريبة من مزرعة والدتها، قابلت زوج المستقبل، ماركوس باكمان، وكان ابن مزارعين أيضا. وقالت في وقت لاحق إنها كانت تحلب بقرة عندما ظهر أمامها يسوع المسيح، وقال لها إن باكمان سيكون زوجا «صالحا». وقالت إن المسيح نصحها أيضا بالسفر إلى إسرائيل للعمل في مستوطناتها، وأيضا بدراسة القانون. لدى باكمان ثلاث بنات، إليزا وكارولين وصوفيا، وولدان هما لوكاس وهاريسون. وقد فتحت هي وزوجها منزلهما لجمعية مسيحية تؤوي الأولاد والبنات الهاربين من ذويهم، أو الذين تعرضوا لمشكلات. وقد آووا خلال عشرين سنة، أكثر من عشرين بنتا وولدا. وتقول باكمان دائما: «عندي ثلاثون ولدا وبنتا». وقبل أن تدخل السياسة، كانت تفرغت لتربية أطفالها والأطفال الذين آووهما. وكان مكتب المحاماة فرعا لمنظمة مسيحية تدافع عن حقوق المسيحيين.

في بداية حياتها السياسية، كانت مثل باكمان، عائلتها ديمقراطية، وأعجبها الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر بسبب تدينه، لكنها انتقدته لأكثر من سبب؛ أولا قالت إنه لم يكن متدينا بالدرجة الكافية. وثانيا لأنه أيد الإجهاض، وهي ما تسميه «قتل نفس بريئة». ثالثا لأنه «لم يواجه إيران بصورة حازمة» عندما استولى الإيرانيون بعد ثورتهم سنة 1979، على السفارة الأميركية لدى إيران واحتجزوا دبلوماسيين لأكثر من سنة. وفي وقت لاحق أيدت الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، الذي حول حزبه نحو اليمين، سياسيا واقتصاديا. ودخلت عالم السياسة بعد عملها في لجان محلية في المجالات الآتية: أولا، معارضة الإجهاض، والتظاهر أمام العيادات الطبية التي تمارسه. ثانيا، العناية بالأولاد والبنات الهاربين من عائلاتهم أو المشردين. ثالثا، انتقاد المدارس الحكومية بأنها لم تعد تدرس الدين المسيحي، وتشجيع المدارس الخاصة المسيحية. رابعا، معارضة حقوق المثليين جنسيا في المساواة مع غيرهم. خامسا، معارضة أي زيادة في الضرائب، المحلية أو الفيدرالية.

وفي عام 2000، دخلت الكونغرس في السنة نفسها التي فاز فيها جورج بوش الابن بالرئاسة. وبعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001، اشتركت في مظاهرة لأعضاء الكونغرس أمام مبنى الكونغرس، وقادتهم في أناشيد مسيحية. وكانت من أوائل الذين أيدوا قرارات بوش بغزو أفغانستان، ثم غزو العراق، والحروب ضد الإرهاب.

وفي غير السياسة الخارجية، صوتت مع كل القرارات التي تعكس فلسفة يمين الحزب الجمهوري، مثل: حماية الشركات العملاقة من دعاوى التعويض «التافهة»، ومثل تشجيع التنقيب عن النفط المحلي بدلا عن الاعتماد على التوريد. وعلى طريقة أستاذها الرئيس ريغان، شككت في الاحتباس الحراري، وقالت مثلما قال: «زيادة ثاني أكسيد الكربون بسبب نشر الأشجار والغابات له. إنه ظاهرة طبيعية». ويوم 2 أبريل (نيسان) سنة 2009، يوم الاحتفال بيوم الأرض العالمي، قالت في الكونغرس: «ثاني أكسيد الكربون ليس غازا ضارا. إنه غاز طبيعي، ويجب أن لا نفصل بينه وبين البيئة».

ولأنها تنتمي إلى الجناح اليميني في الحزب الجمهوري، فهي على طرفي نقيض والرئيس باراك أوباما. وبدأت تنتقده منذ أن ترشح لرئاسة الجمهورية سنة 2008. في ذلك الوقت، قالت إن «الناس الذين يشبه بعضهم بعضا يعيشون معا»، في إشارة إلى علاقة أوباما بالقس جرمايا رايت، قس كنيسة أوباما خلال عشرين سنة في شيكاغو. وكانت علاقة أوباما به قد أثارت ضجة في ذلك الوقت، خاصة بسب تصريحات عنصرية للقس (وهو أسود) عن سيطرة البيض على المجتمع الأميركي.

ثم قالت في مقابلة تلفزيونية عن أوباما و«شلته»: «لا بد للإعلام أن يدقق في سجلات مثل هؤلاء الناس، ولا بد أن نعرف هل هم مخلصون للولايات المتحدة». كان واضحا أنها تشكك في ولاء أوباما لأن والده من كينيا. وأغضب هذا كثيرا من الجمهوريين وليس فقط الديمقراطيين، مثل الجنرال كولن باول. وقال باول في وقت لاحق: «كجمهوري، كنت سأصوت مع السيناتور جون ماكين، لكن مثل هذه التصريحات، ولأن الحزب الجمهوري لم يدنها إدانة كافية، جعلتني أقرر التصويت لأوباما».

لكن مع ذلك، لم تغير باكمان من آرائها المتطرفة نحو أوباما، ومرات كثيرة اتهمته بأنه «اشتراكي، إن لم يكن شيوعيا».

كثيرون من المعتدلين في الحزب الجمهوري، كانوا ينتقدون بالين بسبب شدة يمينيتها، ولكنها بالمقارنة مع باكمان، قد تبدو معتدلة.