كيف يفكر إرهابي النرويج؟

سفاح أوسلو كتب 1500 صفحة على مدى 3 سنوات حدد فيها أفكاره وخططه لمواجهة «المد الإسلامي»

صورة للمانفستو الذي كتبه بريفيك والذي يحوي 1500 صفحة (رويترز)
TT

كشفت الساعات الماضية عن الكثير من الخبايا المثيرة وراء الاعتداءين اللذين هزا النرويج ومن خلفها أوروبا والعالم‏، ‏ فقد أكد محامي أندرس برييفيك منفذ مذبحة أوسلو، أن المتهم كان يسعى لإشعال «حرب صليبية ضد المسلمين» داخل المجتمع النرويجي.

ومن أصل 1500 صفحة من كراس أشبه بـ«مانفستو»، كرس سفاح أوسلو برييفيك الذي يسعى إلى تطهير أوروبا من المسلمين بحلول 2083، عشرات من الصفحات كتبها على مدى 3 سنوات وبثها قبل تنفيذ مجزرته بساعات، حملته ضد الإسلام والمسلمين. ويجمع الكراس الطويل ما بين المفكرة ودليل صناعة القنابل والاستشهادات التاريخية بالمسيحيين المتطرفين والدعاية السياسية. ويعرف النرويجي البالغ من العمر 32 عاما عن نفسه في الـ«مانفستو» الإرهابي على أنه «قائد فرسان الحق». وفي الشهادة التي كتبها بالإنجليزية تحت عنوان «إعلان استقلال أوروبي - 2083» ووقعها باسم «أندرو بيرويك»، بحسب ترجمة إنجليزية لاسمه، تنبأ المشتبه به بأنه «سوف ينعت بأكبر وحش (نازي) منذ الحرب العالمية الثانية».

وشرح برييفيك في نص الـ«مانفستو»، تفاصيل الهجمات، قائلا إنه «سيتنكر كضابط شرطة»، وإن الناس «ستصاب بالذهول»، وكتب في الملف بأن «هناك حالات تكون فيها القسوة ضرورة، وأنه من الأفضل قتل الكثير (من الناس) عوضا عن قتل عدد غير كاف».

وبث منفذ المجزرة أيضا شريط فيديو مدته 12 دقيقة على موقع «يوتيوب»، وذلك يوم الجمعة الماضي، أي قبل ساعات من وقوع الهجومين الداميين. وأظهر شريط الفيديو الرجل وهو يحمل سلاحا آليا ويرتدي حلة غوص زينت بشارة عليها نقش «الصياد الماركسي» وحمل شريط الفيديو عنوان «فرسان الهيكل 2083». ويصف سفاح أوسلو الإسلام بأنه «الآيديولوجيا الرئيسية للإبادة الجماعية»، وكتب أيضا: «قبل البدء في حملتنا الصليبية علينا أن نقوم بواجبنا بالقضاء على الماركسية الثقافية». فيما تضمن المنشور الذي بث على الإنترنت وصفا لمخططات وكيفية صنع المتفجرات وفلسفة عنيفة، وحمل توقيعه، وبرر فعلته بـ«استخدام الإرهاب وسيلة لإيقاظ الجماهير».

ويرى برييفيك أنه في عام 2083 ستشهد أوروبا حربا أهلية شاملة سيباد فيها الماركسيون ودعاة التعددية الثقافية وسيتم طرد المسلمين من القارة الأوروبية. وحسب نظريته، فإن الحرب ستجري على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى ستستمر حتى عام 2030، وهي عبارة عن حرب تشنها خلايا عسكرية سرية وتعزيز القوى المحافظة، وفي المرحلة الثانية المستمرة من عام 2030 حتى 2070 ستشهد مقاومة مسلحة تمهيدية لانقلابات أوروبية، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة ستتم الإطاحة بجميع القادة الأوروبيين لتسيطر على أوروبا أجندة سياسية محافظة.

ويزعم برييفيك أن الدافع لجرائمه هو مشاركة بلاده في هجمات التحالف الأطلسي (الناتو) في صربيا في عام 1999 التي تم خلالها على حد قوله «مهاجمة إخواننا الصربيين الذين أرادوا طرد الإسلام من خلال طرد مسلمين ألبان عن أراضيهم». كما ينتقد حكومة بلاده على معالجة قضية الرسوم المسيئة للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وتقديمها اعتذارا للمسلمين. كما تطرق إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهاجم حكومة بلاده لمنحها إياه جائزة نوبل للسلام. ويدعو أيضا إلى طرد «الخونة الانتحاريين»، في إشارة إلى اللاجئين المسلمين.

وقال في الـ«مانفستو» إنه قضى 9 سنوات في الإعداد لهجوميه، وحمل البيان عنوان «إعلان استقلال أوروبي - 2083»، ويشير إلى كيفية تمكين أوروبا من تخليص نفسها من المهاجرين والمسلمين بشكل خاص. كما دعا لطرد سكان قطاع غزة والضفة الغربية من أراضيهم، ووصف فكرة إقامة دولة فلسطينية بالفكرة «الغبية».

وشرح في الـ«مانفستو»» أنه تم تجنيده على يد اثنين من المتطرفين البريطانيين أثناء اجتماع في لندن في أبريل (نيسان) عام 2002، «وكان اجتماعا شبه مغلق حيث لم يشارك فيه أكثر من 8 أشخاص». وكان الهدف من الاجتماع إنشاء رابطة من «فرسان الهيكل» تكون مكرسة للتبشير بقيام «ثورة محافظة في أوروبا».

وفي موضع آخر، يقول إنه «كانت له علاقات صداقة مع أكثر من 600 من قادة وأعضاء رابطة الدفاع البريطانية، وتحدثت مع العشرات من أصحاب الفكر المماثل». ويتحدث برييفيك عن الرابطة البريطانية باعتبارها «منظمة لتحريك مظاهرات الشوارع»، ولكنه يؤكد أنها كانت «ساذجة بدرجة خطيرة»، ولا تفكر على «نفس الموجة الآيديولوجية التي يفكر هو بها».

ووصف السفاح نفسه بـ«صليبي في وجه مد إسلامي»، وطلب من محاميه الحصول على فرصة لشرح دوافعه التي يصفها بالوحشية ولكن ضرورية. وحدد أسماء مسؤولين بريطانيين ومنهم رئيسا الوزراء السابقان غوردون براون وتوني بلير، وولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، ووصفهم بأنهم خونة وأهداف مشروعة يستحقون القتل.

ووضع صورة غوردون براون رئيس وزراء بريطانيا السابق بجانب هتلر وآخرين سماهم «مجرمي الحرب»، وقال عن براون إنه «فشل في وقف انتشار الإسلام»، وإنه حول لندن إلى «عاصمة للمصرفية الإسلامية العالمية». وخص جاك سترو وزير خارجية بريطانيا السابق من 2001 إلى 2006، وتوني بلير بكثير من العداء والكراهية لأنهما سمحا بمزيد من هجرة المسلمين إلى بريطانيا، وكانا وراء مشاريع التعددية الثقافية والاندماج العرقي. ووجه انتقادات حادة إلى الأمير تشارلز لأنه دشن مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بتمويل سعودي. واعتبر نحو 100 رئيس حكومة أهدافا مشروعة للهجمات، منهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي علقت على المذبحة بقولها: «الكراهية هي عدونا المشترك». ودعت في تصريحات أول من أمس إلى مواجهة الكراهية في المجتمع، وأضافت «إن الكراهية كانت الدافع وراء ما جرى، وهي كراهية الآخر، وكراهية كل من هو مختلف».

وصنف ما سماهم بـ«الخونة»، إلى درجات، لكن يجب التخلص منهم جميعا. وسمى عددا من الإعلاميين في بريطانيا في الصحف الكبرى أغلبهم كتاب في صفحات الرأي، باعتبارهم أعداء، ويجب أيضا التخلص منهم. واعتبر أن هناك 100 حزب سياسي في أوروبا تساند على نحو مباشر أو غير مباشر، ما يسمى «أسلمة أوروبا» بما فيها أحزاب المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار. وقام برييفيك بوضع قائمة لعدد من البريطانيين الذين يجب قتلهم قائلا «إن بريطانيا وحدها تضم ما يقرب من 62 ألف شخص يجب التخلص منهم». كما وضع قائمة لعشرات من كتاب الأعمدة والمقالات الصحافية الذين شجعوا على الهجرة إلى بريطانيا.

وجاء في وثيقته أن لديه 600 عضو من «رابطة الدفاع الإنجليزية» اليمينية المتطرفة كأصدقاء له في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وأنه كانت لديه اتصالات مع قادة المنظمة.

وقال نعمان بن عثمان القيادي السابق بالجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، كبير محللي مؤسسة «كويليام» البريطانية: «إن هناك نقاطا كثيرة بين (مانفستو) الإرهاب المسيحي وأدبيات (القاعدة) التي حفظها الأصوليون عن ظهر قلب في جبال ومعسكرات أفغانستان، وأولها أن التصورات دينية محضة في كلا الجانبين، وكذلك اتفاق الجانبين سواء اليمين المتطرف في أوروبا أو (القاعدة) على الغلو والتشدد، وهي مسألة حساسة جدا قد تبدأ بالتطرف وتنتهي بارتكاب عمل إرهابي دام كما رأينا في النرويج». وأكد بن عثمان لـ«الشرق الأوسط»، أن «كلا الطرفين لديه قالب ومسطرة لمن يجب أن يعيش في فسطاطهم، فالعالم لديهم مقسم إلى فسطاطين، أي فسطاط (الموالاة)، وفي مواجهته (فسطاط الأعداء)، أي إن كل معسكر له ملامحه الخاصة». وقال إن المعسكرين تشابها في عدم القبول بالآخر، فمثلا «القاعدة في جزيرة العرب» في بياناتها تريد أن تطرد ما زعمت أنهم «مشركون» من جزيرة العرب، وسفاح النرويج على الطرف الآخر يريد أن يطرد المسلمين من أوروبا، وحدد موعدا لهذا بعام 2083 وسماه «عام الاستقلال الأوروبي»، بل إنه أعلن حربا مفتوحة على الساسة الأوروبيين الذين يشجعون على هجرة المسلمين إلى داخل القارة، وكذلك المسؤولين البريطانيين الذين يرحبون بالبنوك المصرفية الإسلامية وجعلوا من لندن عاصمة للمال الإسلامي.

ويشير بن عثمان إلى أن اليمين المتطرف و«القاعدة»، «كلاهما لا يكترث بالروح البشرية، حيث إن كلا الطرفين يعتبر أنه بالإمكان قتل وإزهاق الأرواح البريئة، للتعبير عن مواقف سياسية معينة، وهو ما فعلته (القاعدة) في الهجوم على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام في أغسطس (آب) 1998، حيث سقط أكثر من مائتي قتيل وأربعة آلاف جريح»، بعد شهور من إعلان «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين» في فبراير (شباط) 1998، وكذلك في هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 التي خطط لها بن لادن زعيم «القاعدة» السابق، حيث قتل 3 آلاف شخص قبل 10 سنوات من مذبحة النرويج. إلا أن الناشط السياسي أسامة رشدي المتحدث الأسبق باسم «الجماعة الإسلامية» المصرية، ركز في حديثه مع «الشرق الأوسط» على كم الكراهية والعنصرية والحقد الذي يتشابه بين «القاعدة» واليمين المتطرف في أوروبا، فـ«الأخير يسعى إلى طرد المسلمين والتضييق عليهم، بينما (القاعدة) بررت استهداف، على مدار سنوات منذ الإعلان عن أدبياتها، المخالفين للدين الإسلامي من الغربيين وبصفة خاصة الأميركيون، باعتبارهم من دافعي الضرائب، فيستحقون القتل، ولذا أرسل بن لادن فرقته الانتحارية في هجمات سبتمبر فقتلت نحو 3 آلاف أميركي».

وأشار إلى أن سفاح النرويج «وصف نفسه في (مانفستو) التعصب الإرهابي بأنه من (فرسان الهيكل)، وهي جماعة صليبية مارست أبشع أنواع الجرائم ضد المسلمين، وهي حروب قام بها أوروبيون من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، وكانت في الأصل بهدف احتلال القدس». وقال الشيخ أسامة رشدي إن «مرتكب مجزرة أوسلو أشاد في الـ(مانفستو) بخيرت فيلدرز زعيم اليمين المتطرف في هولندا، الذي قال من قبل إنه لو سقطت القدس فستسقط أمستردام ونيويورك». وأضاف: «هؤلاء اليمينيون المتطرفون يصرون على تخويف المواطن الأوروبي بإحصاءات زائفة حول ديموغرافية الإسلام في أوروبا، وكذلك بمزاعم كاذبة بأن كثيرا من الدول الأوروبية ستتحول إلى بلدان إسلامية خلال العقود المقبلة». وقال إن مرتكب المجزرة كتب الـ«مانفستو» باللغة الإنجليزية، وليس بالنرويجية حتى يحقق أكبر قدر من الانتشار لأفكاره المتطرفة. وقال: «من بين 1500 صفحة من (مانفستو) الإرهاب، يمكن أن نجد تأييدا مفاجئا بالذات لإسرائيل، الدولة التي يصفها سفاح أوسلو بحماسة، ربما بسبب كراهيته الشديدة للمسلمين».

وفي وثيقته يذكر برييفيك دولة إسرائيل بما لا يقل عن 300 مرة، وكلها في ضوء إيجابي. وبالتوازي، يهاجم بشدة المؤسسة السياسية في أوروبا، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، لأنها في رأيه «مؤسسة غير مؤيدة لإسرائيل». أما «القاعدة» فقد ورد اسمها 48 مرة، وورد ذكر بن لادن 33 مرة في الـ«مانفستو».

كما امتدح سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، التي في رأيه «على مدى السنين لم تمنح لمعظم السكان المسلمين الذين يعيشون تحت سيطرتها حقوق المواطن، في خلاف تام لأوروبا، التي فتحت بواباتها أمام المسلمين، ومنحتهم المواطنة وحقوقا زائدة». وكرس عشرات الصفحات في وثيقته لدعم «أولاد عمومتنا المتحضرين في إسرائيل»، واعتبر برييفيك إذن أن الحروب الصليبية كانت «دفاعية» لمنع التوسع الإسلامي «الساعي إلى السيطرة على العالم»، ويناشد أوروبا بالعودة إلى إرثها «اليهودي المسيحي» بالتحالف مع إسرائيل لـ«إنقاذ مسيحيي الشرق».

ويفاجئ برييفيك في اطلاعه الواسع على كل ما يتعلق بـ«السياسة الحزبية الداخلية في إسرائيل»، فهو يمتدح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي «شكل ائتلافا يمينيا»، وحليفه الرئيسي هو حزب «إسرائيل بيتنا». ويقول: «أروني بلدا واحدا عاش فيه المسلمون في سلام مع غيرهم وبدون أن يهاجموا من يقولون إنهم كفار إما بالقتل أو الزيادة السكانية!»، وأضاف: «دلوني على نموذج واحد على نجاح المسلمين في الاندماج مع غيرهم. كم من الأوروبيين يجب أن يموتوا، وكم عدد الأوروبيات اللواتي يجب أن يغتصبن، وعدد الأوروبيين الذين يتعرضون للسرقة والنهب حتى تتأكدوا أن التنوع الثقافي والإسلام لا يتعايشان؟!».

وتحدث برييفيك بهوس عن إحصاءات قدمها عن تزايد عدد السكان المسلمين في لبنان وكوسوفو وكشمير وتركيا عبر القرون، لإثبات أن أوسلو، مثل باقي المدن الأوروبية الأخرى، ستواجه المصير ذاته، وأن مثل هذه الأفكار رائجة في أوساط اليمين المسيحي الأوروبي والأميركي.

وأشار إلى أن 95 في المائة من الأوروبيين سيكرهونه لقيامه بما يخطط له ولكنه على ثقة بأنهم سيشكرونه لاحقا. وكان برييفيك قد اشترى في مايو (أيار) 6 أطنان من الأسمدة يعتقد أنه استخدم البعض منها في عملية التفجير. وأكدت الشرطة النرويجية أن برييفيك كان قد وزع «مانفستو» يتضمن لهجة عنيفة مناهضة للإسلام، وذلك قبل ساعات من وقوع الهجومين. ويتضمن المنشور الذي بث على موقع إلكتروني وصفا لمخططات وكيفية صنع المتفجرات وفلسفة عنيفة أدت إلى التفجير الذي وقع في وسط العاصمة أوسلو وإطلاق الرصاص العشوائي في معسكر صيفي سنوي للجناح الشبابي لحزب العمال (الحاكم).

وكشفت مصادر بريطانية عن أن منفذ الهجومين الداميين في العاصمة أوسلو وجزيرة قريبة منها كان مستشارا لـ«رابطة الدفاع الإنجليزية» اليمينية المتطرفة بشأن الكراهية ضد المسلمين. وقالت صحيفة «ديلي إكسبريس» البريطانية إن اليميني برييفيك قدم نصائح لـ«رابطة الدفاع الإنجليزية» بشأن طرق إثارة الكراهية ضد المسلمين، وأضافت أنه كان محط إعجاب الجماعة اليمينية المتطرفة في بريطانيا، وخطط لإنشاء جماعة مشابهة لها في النرويج لمكافحة تنامي عدد السكان المسلمين فيها.