«لورانس العرب».. الأميركي

كروكر السفير الأميركي الجديد لدى أفغانستان خدم في العديد من البلدان العربية والإسلامية.. ويقول من يعرفه إن فهمه للمنطقة وثقافتها أعمق من الكثير من الدبلوماسيين الآخرين

TT

يصف المجتمع الدبلوماسي الغربي داخل إسلام آباد السفير ريان كروكر بالخبير الدبلوماسي الماهر الذي يستطيع التعامل مع الأزمات بالإدارة الأميركية. ويقولون إن مهمته هي حل المشكلات السياسية الكبيرة التي تواجهها الإدارات الأميركية في الدول التي تدخلوا فيها عسكريا أو يلعبون فيها دورا سياسيا مسيطرا. ومضى ريان كروكر من إسلام آباد إلى بغداد وبعد ذلك عاد إلى كابل.

شغل سفير واشنطن الجديد في كابل ريان كروكر منصب السفير الأميركي لدى العراق وباكستان إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش. ويذهب كروكر إلى أفغانستان ليحل محل كارل إيكنبري، الذي شهدت مدته في كابل خلافات مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي وتوترا مع واشنطن بشأن عملية زيادة أعداد الجنود التي أعلن عنها في 2009. وقال مسؤول دبلوماسي باكستاني بارز إن السفير كروكر سيكون رئيسا لأكبر بعثة دبلوماسية في العالم والتي ارتفع عددها من 200 فرد خلال 2008 إلى أكثر من 1100 شخص في 2011.

وقال السفير كروكر في تصريح عارض فيه الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان: «يجب أن نتعامل مع الأمر بحذر.. بصراحة، تركنا (أفغانستان) بصورة خاطئة في التسعينات، وجميعنا يعرف تبعات هذه القرارات».

بعد تقاعد كروكر أصبح رئيس مؤسسة تعليمية أنشأها الرئيس السابق بوش للدراسات في قضايا الحكم. وفي أبريل (نيسان) 2011 اختاره الرئيس الأميركي باراك أوباما سفيرا للولايات المتحدة داخل أفغانستان.

ولا يعد كروكر غريبا على أفغانستان. ففي يناير (كانون الثاني) 2002، أرسل إلى أفغانستان ليعيد فتح السفارة الأميركي بكابل. وبعدها حصل على جائزة بوبرت فراسور التذكارية لتحليه بـ«قيادة وشجاعة استثنائية» داخل أفغانستان. وفي سبتمبر (أيلول) 2004، منحه الرئيس بوش لقب السفير، وهو الأعلى في الخدمة الخارجية الأميركية، بحسب ما جاء في السيرة الذاتية الرسمية للسفير كروكر.

ويعد كروكر السفير الأميركي السادس لدى أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان عام 2001. ويتصادف التغيير في منصب السفير مع تغيير في القيادة العسكرية، حيث تولى الجنرال جون آلان قيادة الحرب داخل أفغانستان من الجنرال ديفيد بترايوس في يوليو (تموز) 2011.

وقد كانت مدة كروكر في منصب السفير داخل باكستان خالية تقريبا من نقاط الخلاف، ويعد ذلك أمرا استثنائيا بالنسبة لأي سفير أميركي. وبعد أيام قليلة من ترشيحه لمنصب السفير الأميركي لدى العراق عام 2007، قال كروكر لحشد باكستاني إنه لن يعلق على الوضع السياسي الداخلي لباكستان في وقت كانت قضية الديمقراطية تحظى فيه باهتمام متنامٍ في العلاقة بين إسلام آباد وواشنطن.

وأضاف كروكر: «الديمقراطية قضية داخلية خاصة بباكستان، ولن أعلق على ذلك». وعلى الرغم من أن مسؤولين أميركيين بارزين داخل الإدارة الأميركية كانوا يضغطون على حكومة مشرف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة عام 2007، فقد امتنع كروكر عن الدخول إلى مساحة تعتبر حساسة بالنسبة للوضع السياسي الداخل في باكستان، حيث كانت الحكومة والمعارضة تسعيان بجد من أجل ضمان الدعم الأميركي لأجنداتهما السياسية الخاصة.

وظل السفير كروكر بعيدا عن الساحة السياسية الداخلية في باكستان خلال مدته بمنصب السفير لثلاثة أعوام، على الرغم من ضغوط من كافة الاتجاهات على السفير الأميركي ليتدخل في الساحة السياسية الداخلية. وأصبحت هذه سمة شخصية لكروكر، حيث ظل ينأى بعيدا عن الأمور السياسية الداخلية في دولة يرى المواطنون فيها أي تغيير سياسي سببه ضغوط أميركية.

وداخل العراق لم يلعب كروكر الدور الكبير المعتاد لدبلوماسي أميركي من خلال التدخل في كل قضية. وبعيدا عن ذلك، ركز على توحيد الجهود العسكرية الأميركية وجهود إعادة الإعمار من وراء الستار، وقد كان ذلك دورا غير علني بالصورة المعتادة مما حقق نفعا في دولة تعاني من الفتن مثل العراق.

وقبل غزو العراق عام 2003، بعث كروكر مذكرة إلى وزير الخارجية حينها كولين باول يحذر من أن الإطاحة بصدام حسين يمكن أن تفضي إلى أعمال عنف طائفية. وبعد أن أصبح سفيرا، أصبح واحدا من أقوى الأصوات داخل الحكومة الأميركية التي تدافع عن أن الوجود العسكري القوي والمستمر ضروري لوقف التردي السريع إلى حالة الفوضى التي توقعها.

ولعب كروكر دورا هاما في الدبلوماسية الأميركية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر داخل باكستان وأفغانستان والعراق. وبعد سقوط حركة طالبان اختير للذهاب إلى أفغانستان. وكان جزءا من فريق أسس هياكل الإدارة الأميركية في العراق بعد سقوط صدام حسين. وجاء في سيرته الرسمية: «في الفترة من مايو حتى أغسطس 2003، ذهب إلى بغداد كأول مدير للحكم في سلطة التحالف المؤقتة».

يقول زملاؤه في السفارة إن خبرته بالمجتمعات الإسلامية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا تختلف عن معظم المسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية الذين يخدمون في دول إسلامية بمنطقة الشرق الأوسط، حيث تعلم جميعهم اللغة العربية في معهد اللغات الأجنبية التابع لوزارة الخارجية وأخذ دورات تدريبية في ثقافات محلية من مؤسسة تعليمية لاحقة. ولكن كان السفير كروكر مختلفا، حيث لديه معرفة مباشرة بالشرق الأوسط وجنوب آسيا، بحسب ما يقوله دبلوماسي غربي في إسلام آباد. حتى إن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن كان يلقبه بـ«لورانس العرب» الخاص بالأميركيين، في إشارة إلى الضابط البريطاني توماس ادوارد لورانس، الذي عرف في ما بعد بـ«لورانس العرب»، بسبب دوره في دعم الثورة العربية ضد السلطنة العثمانية.

كما أنه يجيد التحدث باللغة العربية ويعرف الحساسيات الثقافية للمجتمعات الإسلامية التي خدم داخلها وكلف بأداء مهمات فيها مثل إيران وقطر والعراق ومصر خلال ثلاثين عاما من العمل الدبلوماسي. ويقول وزير خارجية باكستاني سابق: «أعتقد أن السفير كروكر يعرف الحساسيات الثقافية للمجتمعات المسلمة أكثر من أي سفير أميركي سابق خدم داخل باكستان خلال العقد الماضي».

عادة ما يعتبر السفير الأميركي داخل باكستان شخصية بارزة تسعى وراءها وسائل الإعلام من أجل الحصول على تعليق بشأن كل قضية عامة هامة سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية، بل والقضايا الدينية في بعض الأحيان. ولكن خلال مدته داخل إسلام آباد، حصر كروكر تعليقاته على القضايا غير المشكلة مثل العلاقات التجارية بين باكستان والولايات المتحدة.

وعلى الرغم من ذلك لم تكن مدته خالية من نقاط الخلاف تماما، وفي وقت كانت السفارة الأميركية داخل باكستان محل جدل له علاقة بحملة إعلامية لتغيير قوانين إسلامية مثيرة للجدل جرى تفعليها خلال رئاسة الحاكم العسكري السابق ضياء الحق. واتهمت القوى الدينية اليمينية داخل البلاد صراحة السفارة الأميركية والسفير كروكر بتمويل قنوات تلفزيونية باكستانية خاصة لتدشين حملة توعية عامة لإلغاء قوانين إسلامية لها علاقة بجرائم خاصة بالنساء والجنس خلال الأشهر الستة الأخيرة. ولم يدل السفير كروكر بتعليق على ذلك.

وقد وصفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس كروكر بأنه دبلوماسي استثنائي وله خبرة واسعة في شؤون الشرق الأوسط. وقالت رايس إنه يعرف لغة وثقافة المنطقة، بالإضافة إلى الزعماء والمجتمعات التي يحكمونها.

ويتذكر الكثيرون داخل الحكومة والجيش الباكستاني السفير كروكر عندما قدم مساعدات للحكومة الباكستانية خلال عمليات إغاثة في أعقاب زلزال مدمر ضرب الأجزاء الشمالية من باكستان في أكتوبر (تشرين الثاني) 2005. وقال مسؤول بارز من إدارة إعادة الإعمار والإغاثة بالحكومة الباكستانية: «أقنع السفير كروكر السلطات العسكرية الأميركية في أفغانستان بجعل مروحياتهم تساعد السلطات الباكستانية في عمليات الإغاثة. وعلى الرغم من المشاعر المعادية لأميركا المنتشرة داخل المجتمع الباكستاني، لا يزال مواطنو شمال باكستاني يتذكرون مروحيات شينوك كـ(ملائكة الرحمة) ويتذكرون السفير كروكر الذي كان في بعض الأحيان يصحب الجرحى الذين جاءوا من مناطق تضررت بالزلزال إلى المستشفيات داخل إسلام آباد على متن مروحيات شينوك».

وقد كانت مدة كروكر في منصب السفير لدى باكستان مهمة في العلاقات الباكستانية الأميركية من جانب آخر، فقد كانت هذه الفترة التي استأنفت فيها الولايات المتحدة بشكل كامل المساعدات العسكرية لباكستان وبدأت تعزز من قدرة القوات الأمنية الباكستانية على محاربة الإرهاب. وكانت الإدارة الأميركية قد فرضت عقوبات على باكستان في أعقاب تفجيرات نووية خلال شهر مايو 1998. ولكن خلال العامين الأخيرين قامت الولايات المتحدة بإعطاء باكستان تقنية عسكرية متقدمة للتعامل مع الإرهابيين والمسلحين في المناطق الحدودية ولتأمين حدودها مع أفغانستان ضد عمليات التسلل. ولكن كان لذلك تكلفته. ويقول خبير في الشؤون الباكستانية الأميركية: «مقابل مشاركة باكستان الكاملة في الحرب ضد الإرهاب والحد من المسلحين والمتطرفين داخل أراضيها، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية واقتصادية لباكستان. وكان للسفير كروكر دور في هذه الترتيبات».

وبإقناع من زملائه، عاد كروكر إلى العمل بعد تقاعده وتولي مهمة إنقاذ المساعي العسكرية والدبلوماسية الأميركية في أفغانستان والتي تسعى إلى تحقيق استقرار في الأوضاع داخل البلاد. ومع عودته تبدأ الإدارة الأميركية سحب القوات الأميركية من البلاد، مما يجعل مهمته أكثر صعوبة.

وفي شهادته أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأميركي، حذر كروكر صناع السياسات الأميركيين من أن الانسحاب المفاجئ من أفغانستان يمكن أن يمثل كارثة للمصالح الأميركية داخل المنطقة. وقال إنه بمجرد أن تخلت الولايات المتحدة عن أفغانستان بعد الانسحاب السوفياتي عام 1989، كانت هناك تبعات كارثية أدت إلى ظهور حركة طالبان، ونبّه إلى أنه «لا نستطيع القيام بذلك مرة أخرى».

وفي العديد من المناسبات بعد تعيينه سفيرا، قال كروكر إن المشكلة الرئيسية التي تواجه أفغانستان هي الفساد. ويقول إن هدف واشنطن يجب أن يركز على «حكومة جيدة» قادرة على تحقيق استقرار داخل المجتمع الأفغاني. ولذا يدعو كروكر إلى استقرار الوجود الأميركي داخل أفغانستان.

وقال دبلوماسي أميركي يخدم داخل إسلام آباد إن كروكر من بين الأكثر خبرة في شؤون الشرق الأوسط داخل وزارة الخارجية الأميركية. وقد خدم من قبل كمستشار شؤون دولية في كلية الحرب الوطنية، حيث انضم إلى الكلية عام 2003. وفي الفترة من مايو حتى أغسطس 2003، كان في بغداد كأول مدير للحكم بمجلس الائتلاف الانتقالي. وشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في الفترة من أغسطس 2001 حتى مايو 2003، وشغل منصب السفير داخل سوريا من عام 1998 حتى 2001 ومنصب السفير الأميركي لدى الكويت (1994 - 1997) والسفير لدى لبنان (1990 - 1993). ومنذ انضمامه إلى الخدمة الخارجية عام 1971، كلف بمهمات داخل إيران وقطر والعراق ومصر وواشنطن. وكلف بمنصب السفير الأميركي في بيروت خلال الغزو الإسرائيلي لبنان عام 1982.

وينتمي كروكر إلى عائلة خدم الكثيرون منها في القوات الجوية، ودرس في المغرب وكندا وتركيا والولايات المتحدة. وحصل على درجة عملية في اللغة الإنجليزية عام 1971 ودرجة الدكتوراه في القانون عام 2001 من كلية وايتمان (واشنطن).

وتزوج كروكر من كريستين بارنز، وهي كانت تعمل أيضا في الخدمة الخارجية قبل تقاعدها. وكانا قد تقابلا في بغداد عام 1979.

وحصل كروكر على جائزة الخدمة المتميزة عام 1994 وعلى ميدالية وزارة الدفاع للخدمة المدنية المتميزة عام 1997 وجائزة الخدمة التقديرية عام 1999 و2003. وحصل أيضا على جائزة الشرف المتميزة من وزارة الخارجية وجائزة الشجاعة وثلاث جوائز شرف رفيعة.