رئيس «أوبك».. الـ«باسدراني»

مراقبون يعتقدون أن تعيين رستم قاسمي وزيرا للنفط في إيران يعكس تنامي الدور السياسي للحرس الثوري في طهران

TT

بتعيين الجنرال رستم قاسمي القائد الأعلى لمجمع «خاتم الأنبياء» في الحرس الثوري وزيرا للنفط في إيران، أصبح لمنظمة «أوبك» لأول مرة في تاريخها رئيس ذو خلفية عسكرية «باسدراني» (أي قادم من الحرس الثوري) تابع لمؤسسة تخضع لعقوبات دولية ويخضع هو لعقوبات غربية. وكان الجنرال قاسمي حتى تعيينه رئيسا للمجمع يعد الذراع الاقتصادية الأبرز للحرس الثوري الإيراني، وتعتقد أوساط إيرانية داخل النظام أن قاسمي أحد أبرز قادة الحرس الثوري الذين يتأهبون لتسلم السلطة بعد وفاة المرشد.

وجاء اختيار البرلمان الإيراني للجنرال رستم قاسمي ليصبح وزيرا للنفط خلفا لمسعود مير كاظمي، وبالتالي رئيسا لمنظمة «أوبك» بحكم أن إيران تتولى رئاسة المنظمة البترولية حاليا، ليطرح الكثير من الأسئلة حول اختيار رجل عسكري متمرس كقاسمي في هذا المنصب الاقتصادي الحرج في دولة يشكل القطاع النفطي 80 في المائة من مواردها من العملات الأجنبية، لكن أصعب الأسئلة على الإطلاق هو المتعلق بكيفية مزاولة قاسمي عمله كرئيس لمنظمة «أوبك» ومقرها فيينا، حيث إنه من الشخصيات التي فرضت عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا عقوبات بسبب ضلوعها في البرنامجين النووي والصاروخي الباليستي الإيرانيين المثيرين للجدل، مما قد يجعل الوزير الإيراني الذي يحمل جواز السفر الإيراني رقم A2463775 عرضة لمضايقات أمنية، بحسب قرار العقوبات الأميركية.

ولد قاسمي في 5 مايو (أيار) 1950، في رشت، بمحافظة گيلان، لأب برز كرجل أعمال وسياسي مرموق حيث عمل والده محافظا لگيلان من 1980 إلى 1988، ونال قاسمي درجة علمية رفيعة، حيث تخرج في جامعة أريامهر للتكنولوجيا في الهندسة المدنية في إدارة مشاريع النفط والغاز، ويعتبر أحد المهندسين القادة في جيش الحرس الثوري الإيراني، خلال السنوات الثماني لحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران 1980-1988. تدرج قاسمي في العديد من المناصب القيادية العسكرية في إيران على مدار الثلاثين عاما الماضية، فمن قائد الوحدات القتالية إبان فترة حرب العراق وإيران إلى قائد سلاح الهندسة البحرية ثم قائد بناء معسكر نوح فقائد المحطة المركزية لإنشاء «خاتم الأنبياء» إلى قائد وكبير مهندسي قاعدة العمليات البحرية المسماة بـ«خاتم الأنبياء» ثم القائد الأعلى لـ«خاتم الأنبياء» من 2007 إلى 2011، وهي مجموعة قابضة تابعة لـ«الباسدران» وفاعلة بقوة في القطاع النفطي، ليصبح مؤخرا تاسع وزير للنفط في عهد الجمهورية الإيرانية.

المناصب العسكرية لقاسمي ليست كل شيء.. فبالإضافة إلى ذلك، فلقاسمي بعض المناصب الإدارية الأخرى كعضو غرفة التجارة والصناعة والمناجم في إيران وطهران والمدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركت مهندسي الطاقة والنفط، كذا تعيينه رئيسا مجلس إدارة شركة «إيران للصناعات البحرية» (صدرا) ثم رئيسا لشركة بناء سفن الخليج الفارسي «ايزوايکو»، وهو ما أهله ليكون الأمين العام لمجلس الصناعة البحرية.

ولا يعتبر قاسمي بعيدا عن دهاليز السياسة، فقد كان برلمانيا لثلاث دورات متتالية بدءا من انتخابات عام 1988 وحتى عام 2000 حيث انتخب دورتين أخريين في انتخابات 1992 و1996 عن بلدته شيراز، وهو ما أكسبه مهارة سياسية كبيرة وبلاغة خطابية مؤثرة في مستمعيه، وبالتالي فتعيينه في منصب وزير النفط الإيراني الجديد هو بمثابة إعادته مجددا لمضمار السياسة الداخلية وربما العالمية بحكم منصبه الدولي.

وحتى قبل التعيين أعلن قاسمي نيته زيادة دور «الباسدران» و«خاتم الأنبياء» في تنمية صناعتي النفط والغاز في إيران وهي ثاني أكبر منتج للنفط داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بعد المملكة العربية السعودية، حيث يبلغ إنتاجها اليومي ما يقرب من 3.5 مليون برميل، كما يعد البترول هو عماد اقتصاد الدولة الإيرانية حيث ينتج القطاع النفطي 80 في المائة من موارد إيران من العملات الأجنبية بالإضافة إلى امتلاكها ثاني أكبر مخزون للغاز الطبيعي في العالم وهو ما لم يتم استغلاله حتى اللحظة إلى حد كبير.

وأنشئت مجموعة «خاتم الأنبياء» الضخمة بعد الحرب على العراق (1980- 1988) كي يسهم «الباسدران» في جهود إعادة إعمار البلاد ثم تطورت إلى قطاع بناء الطرقات والبنية التحتية ونوعت نشاطاتها في السنوات الأخيرة لتشمل الأبنية الميكانيكية وصناعة التعدين والاتصالات وصناعات الدفاع إضافة إلى قطاعي النفط والغاز حيث تنفذ حاليا عقودا جارية بقيمة 25 مليار دولار بحسب نائب وزير النفط أحمد قالباني ووفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.

وتولت المجموعة عام 2010 جزءا من تطوير حقل غاز «فارس» الجنوبي في عرض الخليج بعد انسحاب المجموعات الغربية الكبرى، ولا سيما «شل» و«توتال» نتيجة العقوبات الدولية التي استهدفت قطاعي الطاقة والمصارف الإيرانيين بشكل خاص.

وأدرجت «خاتم الأنبياء» وفروعها الرئيسية على لائحة المؤسسات الإيرانية الخاضعة لعقوبات الأمم المتحدة التي عززت في 2010 بحصار صارم من القوى الغربية، كما يتولى حرس الثورة برنامج الصواريخ الباليستية في إيران الذي أدين في الأمم المتحدة واستهدفته عقوبات دولية.

ويأتي تعيين قاسمي في هذا المنصب ليثير الجدل حول مغزى تعيين مسؤول عليه عقوبات دولية في هذا المنصب الحساس ذي البعد الدولي خاصة مع وجود بدائل أخرى، لكن رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ضرب بتلك الحجة عرض الحائط قائلا «التصويت تم بأغلبية ساحقة بـ216 صوتا من أصل 246 نائبا لصالح قاسمي، وهو يثبت أن مجلس الشورى لا يهتم لهذه الأمور»، في إشارة صريحة منه إلى العقوبات. وتابع لاريجاني قائلا «لو لم يكن ناجحا لما تم وضع اسمه على لائحة العقوبات»، حيث إن أرصدة الجنرال قاسمي في الخارج مجمدة بموجب قرار سابق لوزارة الخزانة الأميركية، لكن هذه العقوبات الفردية ذات الطابع المالي في أغلب الأحوال لم تحل دون سفر المسؤولين الإيرانيين إلى الخارج بما في ذلك أوروبا.

وبالإضافة إلى قاسمي يخضع 3 مسؤولين رفيعين في الحكومة الإيرانية لعقوبات دولية فرضت لعلاقتهم بالبرنامج النووي هم وزير الخارجية علي أكبر صالحي الموضوع على لائحة الاتحاد الأوروبي، ووزير الدفاع أحمد وحيدي الذي تعرض لعقوبات أميركية وأوروبية، ونائب الرئيس فريدون عباسي - دواني رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية المدرج على لائحة المسؤولين الذين فرضت عليهم الأمم المتحدة عقوبات بعد أن أدانت البرنامج النووي الإيراني في 6 قرارات منذ عام 2006.

ولا يبدو واضحا حتى اللحظة إلى أي مدى ستمنع العقوبات الأوروبية المفروضة قاسمي من السفر لمقر «أوبك» في فيينا لمباشرة عمله كرئيس للمنظمة الدولية، وفي حال تم منعه فسيكون أول رئيس لمنظمة دولية بحجم «أوبك» يمنع من السفر ورئاسة منظمته، فقاسمي ممنوع من السفر وممنوع من التملك في أوروبا بموجب وضعه على لائحة العقوبات الأوروبية في يوليو (تموز) 2010، وهو القرار الذي جاء عقب قرار أميركي مشابه صدر في فبراير (شباط) 2010 منعه من السفر أو التملك في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ثاني قرار أميركي بحقه بعد قرار سابق جمد أي أرصدة مفترضة له في بنوك الولايات المتحدة الأميركية. لكن ما يجعل الأمور أكثر لطفا وأقل توترا هو أن رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية فريدون عباسي - دواني تمكن من السفر إلى فيينا لحضور مؤتمر حول السلامة النووية في العاصمة النمساوية في يونيو (حزيران) الماضي رغم أنه ممنوع من السفر لوجوده تحت طائلة قرار أممي.

وفي تصريحات خاصة لوكالة «مهر نيوز» الإيرانية، أكد قاسمي رئيس منظمة «أوبك» ووزير النفط الإيراني أن بلاده ستسعى لإيجاد أسعار متعادلة للنفط، وهي دولة مؤثرة في منظمة البلدان المصدرة للنفط.

وأضاف قاسمي أننا نسعى إلى تطوير الحقول النفطية والغازية في البلاد وهذا الأمر يعتبر من أولويات الوزارة وسنعمل قريبا جدا على تطوير الحقول المشتركة مع العراق وكذلك حقل «فارس» الجنوبي، في إشارة واضحة إلى أن لدى قاسمي رؤية واضحة لملف النفط في بلاده ومشروعا قوميا لتطويره حيث أكد سعيه لتأمين الموارد المالية لهذه المشاريع عبر ميزانية الدولة وجذب الاستثمارات المالية.

كما قال قاسمي في مقابلة نشرتها صحيفة «إيران» اليومية المملوكة للدولة «يتطلب البدء في خطط التطوير المعلنة (للحقول المشتركة) استثمارا بأكثر من 40 مليار دولار في السنة (الفارسية) الحالية».

ويرى مراقبون أن تعيين قاسمي سيزيد من مخاوف الغرب حول الدور المتنامي والمتزايد للحرس الثوري الإيراني، كذا القوى العسكرية الإيرانية في صنع السياسة في إيران، وهو ما قد يزيد طهران عندا وصلابة في مفاوضاتها مع الغرب بخصوص ملفها النووي المعقد، ما يزيد قلق الغرب هو توسيع المؤسسة العسكرية الإيرانية لأنشطتها الاقتصادية وهي الآن بصدد السيطرة على مصدر الدخل القومي الرئيسي لإيران بتولي رجل بقوة قاسمي للمنصب الرفيع.

فالدور الذي يلعبه الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني تعاظم بشدة خاصة مع تولي أحمدي نجاد مقاليد الحكم في طهران عام 2005، وليس أدل على ذلك من إسهامه في مشاريع الطاقة والمواصلات العملاقة في البلاد. ولعل المشهد الأبرز الذي يمكن الاستناد إليه جاء قبيل تعيين قاسمي في منصبه الوزاري الجديد بأسبوع، حين افتتح أحمدي نجاد برفقة قاسمي مشروع «من المقام للمقام» في احتفالية ضخمة، فالمشروع الضخم عبارة عن تشييد طريق بطول 600 كلم بعرض ست حارات مرورية ليربط مدن قم ومشهد وطهران بتكلفة ضخمة تتجاوز الـ13 مليار دولار أميركي، وتشارك «خاتم الأنبياء» في نصف المشروع برفقة «بنك ملي إيران»، بينما تتكفل وزارة المواصلات بالنصف الآخر من التكاليف. حينها خطب قاسمي قائلا «الحرس الثوري سيستمر في الانخراط في مشاريع تنمية البلاد»، وهي الكلمات التي تؤكدها حقيقة أن «خاتم الأنبياء» تشرف الآن وتحت قيادة قاسمي على تشييد 3500 ميل من الطرق البرية عبر إيران وما يقرب من الألف ميل من السكك الحديدية.

في هذا الإطار ما يزيد التوتر حول الدور الذي سيلعبه قاسمي هو حديث أحمدي نجاد عنه مؤخرا في خطاب ترشيح وزيره الجديد لمجلس الشورى حيث مدح نجاد قاسمي قائلا «إنه ابن الثورة بخبرة صناعية تضاهي خبرته العسكرية الرفيعة»، وتابع نجاد في خطابه قائلا «سيأتي لوزارة النفط بتفوقه وعلمه الكامل حول صناعة النفط وبإرادة حديدية لتطويرها بما يتماشى مع المصالح القومية».

ورغم التأييد الطاغي الذي لاقاه قاسمي في مجلس الشورى الإيراني وهو ما عكسته نسبة التصويت العالية التي حاز عليها، فإنه كان أيضا مصدر انتقاد البرلماني المحافظ البارز، علي متهاري، الذي انتقد تدخل الحرس الثوري في السياسة والاقتصاد، وأضاف متهاري، الذي عرف عنه انتقاده العلني لنجاد، أنه في الوقت الذي تحجم فيه المؤسسة العسكرية عن المشاركة في السياسة في الدول الإقليمية فإن اتجاها معاكسا بدأ في إيران، وهو ما لا يبدو علامة مبشرة للنجاح في رأيه.

وربما جاء تعيين قاسمي في هذا المنصب للاستفادة من خبراته الاقتصادية البارزة في مجالات عدة تتعلق بالتشييد وبناء البنى التحتية وهو ما تتطلبه البنى التحتية للقطاع النفطي الإيراني المتعثرة في الوقت الراهن مع نضوب الاستثمارات الأجنبية. فلقاسمي خبرات مهنية كبيرة في مجال تشييد خطوط البترول والغاز، حيث أشرف على بناء الموانئ الكبيرة والخدمات النفطية في ماهشار، وتجديد وتركيب منصات النفط في جزيرة سري، وخط أنابيب الغاز من إيران إلى عيلام (الخط 6)، وكذا خطوط الغاز (الخط السابع من الغاز) من عسلويه إلى إيرانشهر، ومجموعة من المشاريع المهمة مثل الطرق والسدود والسكك الحديدية لعل أبرزها في جنوب فارس. ومع توليه منصبه فعلى قاسمي الآن مواجهة النقصان المتزايد في إنتاج حقول النفط الإيرانية القديمة وتطوير مصادر الغاز التي تعاني بشدة من العقوبات التي أبعدت رؤوس الأموال الأجنبية من الاستثمار في هذا المجال.

ولا يمكن تناول أمر تعيين قائد عسكري بحجم قاسمي دون التطرق إلى الخلافات المستعرة في الآونة الأخيرة بين خامنئي من جهة والرئيس أحمدي نجاد من جهة أخرى، وهو ما أرجعه البعض إلى الصراع على السلطة في البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجري عام 2013، فالخلافات بين الطرفين وصلت إلى حد وجود مشروع قرار بالبرلمان الإيراني لسحب الثقة من نجادي على خلفية تلك الخلافات التي يمكن القول إنها وصلت إلى عتبة الصراعات.

ففي مايو الماضي أقال نجاد وزير النفط مسعود مير كاظمي وهو أيضا أحد قادة الحرس الثوري، وذلك لإفشائه أسرارا تتعلق بمصاريف الوزارة للمرشد الأعلى، حسب ما سربه أحد كبار موظفي وزارة النفط، وتابع الموظف المسؤول قائلا «مير كاظمي اعتبر نفسه فوق نجاد ومد جسور علاقة قوية مع المرشد وحلفائه، وعين نجاد حينها أحد أصدقائه المقربين محمود علي عبادي الذي فشل عبر أشهر ثلاثة في كسب ثقة البرلمان».

وربما كانت موافقة نجاد على ترشيح قاسمي القريب من المرشد محاولة منه لترميم موقفه مع خامنئي، فبتعيين قاسمي يكون نجاد قد اعترف مؤخرا بقوة خامنئي، فهو وكجزء أصيل ورئيس لإحدى الأذرع الاقتصادية للحرس الثوري يعد من مطلقي الولاء للمرشد الأعلى، كما أن تعيين قاسمي سيضع حدا لتدخل نجاد في الوزارة التي يعدها البعض المؤسسة ذات الأهمية الطاغية في بلاد فارس، وسيجعل منها رقما سهلا للمرشد وأعوانه الذين أصبحوا أكثر حنقا على نجاد وفريقه.

ووفقا لمحلل سياسي بارز في طهران، تحدث لموقع إلكتروني غربي، شريطة عدم ذكر اسمه، فإن السياسات العامة في وزارة النفط وما يتبعها من مصاريف خاصة مثل البرنامج النووي لا تظهر أبدا في تقارير رسمية.

وتابع المحلل السياسي تفسيره لتعيين قاسمي قائلا «من يعين في منصب وزير النفط، لا بد أن يحظى بثقة المرشد المطلقة، فحتى لو لم يكن على دراية بما يتم في الخفاء فعلى الأقل يدرك المبالغ الضخمة التي تتكبدها وزارته في أنشطة لا تندرج ضمن أنشطتها أساسا»، وهو التحليل الذي يمكن أن يفسر ما الذي أتى بالقائد العسكري إلى الذراع الاقتصادية للمؤسسة الأوسع نفوذا في دولة تبقى دائما متهمة من الغرب بتطوير برنامج نووي لأغراض عسكرية.