شرطي الولايات المتحدة

سمعة براتون تخيف العصابات من شرق أميركا إلى غربها

TT

ويليام براتون، بات اسمه مرادفا للحزم والانضباط في مدن أميركية رئيسية، خصوصا للأوساط المختصة بتنفيذ القانون مثل الشرطة والمحاكم.. بالإضافة إلى العصابات التي أصبحت تخشاه خلال العقدين الماضيين. واشتهر براتون خلال التسعينات من العقد الماضي بعد أن استطاع أن يخفض نسبة الجريمة في مدينة نيويورك ويعيد إليها قدرتها على السيطرة الأمنية، ومنذ ذلك الحين تبوأ مناصب مختلفة لينتقل مؤخرا إلى القطاع الخاص. إلا أن خلال الأيام الماضية، ومنذ أن اختاره رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ليستشيره في تطوير أساليب مكافحة الشغب والعصابات في المملكة المتحدة، سطع نجم براتون مجددا.

ويتباهى براتون بحمل لقب «الشرطي - السوبر» وكأنه يحمل قدرات خارقة جعلته جوهريا في حل أزمات ضربت بكل من بوسطن ونيويورك ولوس أنجليس بسبب تفشي الجريمة وانعدام الأمن. وفي المدن الأميركية الرئيسية الثلاث كانت هناك تكتيكات خاصة ببراتون، على رأسها الحزم الصارم وسياسة «عدم تسامح الكلي» (وبالإنجليزية هي «نسبة صفر للتحمل»)، مما جعله يغضب الكثيرين ويخيف الآخرين. فبراتون يؤمن بأن أية جريمة، إذا كانت نتائجها صغيرة أو كبيرة، يجب أن يحاكم مرتكبها وأن تحرص الشرطة على ملاحقته. وبراتون عمل في نيويورك على ملاحقة ومحاكمة واعتقال أي شخص يخرق القانون، حتى إذا كان فقط كسر نافذة لإحدى المباني. واستراتيجية براتون ترتكز على أن أي خرق للقانون لم يتابع فإنه يؤدي إلى خروقات أكبر وأكثر ضررا.

ومن بين أبرز خصال براتون أنه أول شرطي أميركي تولى قيادة شرطة نيويورك ولوس أنجليس، ليجمع بين شرق الولايات المتحدة وغربها. وفي كل من بوسطن ونيويورك ولوس أنجليس استطاع براتون تحطيم أرقام قياسية في خفض نسبة الجريمة في المدن الأميركية الرئيسية. ويعتمد براتون على أهمية التواصل مع الشباب الذين ينخرطون في العصابات التي تساهم في دفع نسب الإجرام، وحرص على بناء روابط مع الجاليات في مناطق فقيرة أو لديها نسب عالية من الإجرام، بهدف تقوية ثقة تلك الجاليات والمجتمعات بالشرطة. ومزج براتون الحزم مع المجرمين مع التساهل والتعاون مع ضحاياهم، والأخذ بعين الاعتبار البيئة التي تولدهم.

وبدأ براتون مشواره مع الشرطة عام 1970، عندما كان عمره 22 عاما، عندما التحق بشرطة بوسطن كضابط مبتدئ. وسرعان ما أدت شخصيته الجدية ولكن الجذابة إلى كسبه احترام رفاقه ومسؤوليه، ليترفع بشكل تدريجي وسريع ليصل بعد عشر سنوات إلى منصب مفتش الشرطة، وهو أعلى رتبة ممكنة من دون تعيين سياسي. وبينما السبعينات من القرن الماضي شهدت تدرج براتون داخل قسم شرطة بوسطن، فالعقد المقبل شهده يقود وكالتي شرطة إضافيتين، وهما «شرطة نقل ماساتشوستس باي» و«شرطة مقاطعة ماساتشوستس المدنية». وحصل براتون على «وسام الإخوة شرودر» من قسم شرطة بوسطن، وهو الوسام الأرفع من الشرطة. ولكن الوسام الذي جعله معروفا لدى البريطانيين هو الوسام الذي منحته إياه الملكة إليزابيث الثانية عام 2009، بسبب جهوده لتحسين الترابط والتعاون البوليسي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وبعد أن لمع نجمه في بوسطن تم جذبه إلى نيويورك ليقود قسم شرطتها، فاختاره عمدة نيويورك حينها رودي جولياني في عام 1993 ليقود شرطة نيويورك الشهيرة. وفي مقابلة مع المذيع ستيفن كولبير هذا العام، قال براتون: «نيويورك كانت فوضى وجحيما عندما وصلت»، ناسبا إلى نفسه الفضل في تخفيض الجريمة فيها. وكان هذا الموقف مصدر خلاف بينه وبين جولياني، الذي يعتبر نفسه المسؤول الأول عن تنظيف شوارع نيويورك من السارقين وتجار المخدرات. وشهدت حقبة براتون في نيويورك صعود نجمه على مستوى فيدرالي في الولايات المتحدة. وكان براتون من أول مسؤولي الشرطة الذين فكروا بطرق مبتكرة لاستخدام التقنيات الإلكترونية لمساعدة الشرطة، خصوصا في المراقبة ومنع الجريمة. فهو من قاد جهود تطوير نظام «كومب سات» الذي طور في نيويورك ونقل إلى كل المدن الأميركية. والهدف من «كومب سات»، الذي طور في التسعينات من القرن الماضي، رصد كل الجرائم ووضعها على خارطة إلكترونية متطورة تتحدث كلما حدثت جريمة كي يمكن رصد المناطق التي تشهد أحداثا إجرامية محددة ورصد الأنماط فيها. كما أن النظام الإلكتروني استطاع رصد جميع معلومات الجريمة والاعتقالات حسب طبيعة الجريمة ومنطقتها، مما جعل الشرطة قادرين على تركيز جهودهم في مناطق محددة وبأساليب محددة حسب طبيعة الجريمة في منطقة معينة.

وبراتون عيّن رئيس شرطة لوس أنجليس في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2002، مكلفا بذلك برئاسة ثالث أكبر قسم شرطة في الولايات المتحدة، وهو منصب احتفظ به حتى عام 2009. وبراتون يقود فريقا من 9800 ضابط بوليسي و3 موظفين مدنيين لدى قسم شرطة لوس أنجليس الذي يخصص له ميزانية بقيمة مليار دولار سنويا. وبعد 6 سنوات من تولي براتون منصبه رئيسا لشرطة لوس أنجليس انخفضت نسبة جرائم القتل بنسبة 41 في المائة.

وكان براتون واثقا منذ صغره بأنه يريد أن يكون شرطيا، فحصل على شهادة بكالوريوس في «تطبيق القانون» من كلية بوسطن التابعة لجامعة ماساتشوستس. وعمل براتون على دراسات عليا بعد ذلك وخلال عمله في الشرطة، فقد انضم بعدها إلى معهد مكتب المباحث الفيدرالي «إف بي آي» وتلقى تعليما عاليا في جامعة هارفارد.

ويعي براتون تماما كيفية استغلال شهرته، ويتمتع بها كثيرا. ويحرص على إجراء المقابلات الصحافية، بالإضافة إلى التواصل مع معجبيه من خلال موقع «فيس بوك». وقد نشر كتابا طموحا حول فترة توليه قسم شرطة نيويورك عام 1998 حمل عنوان «ترن أراوند» (التحول) حول قدرته على تحويل الشوارع الأميركية من الخوف إلى الاستقرار. وكل ذلك اعتمادا على استراتيجية «عدم التسامح الكلي» وملاحقة كل جريمة صغيرة كانت أم كبيرة.

وأسس براتون شركة «أغريتي» في نيويورك مؤخرا، بهدف نقل استراتيجيته إلى دول أخرى. واشتهر براتون بقدرته على إعادة ترتيب النظام الداخلي لقسم الشرطة الذي يتولاه وتقوية عزيمة عناصر الشرطة التي يتولى مسؤوليتها، وهذا ما يحاول تعليمه لغيره من القياديين في أقسام الشرطة حول العالم.

وقد حرص على إبقاء نفسه في مقدمة الأسماء المعروفة بضبط القانون حول العالم منذ سنوات، فيقوم باستشارات مدفوعة الأجر منذ سنوات، وخصوصا بعد أن أسس شركته الخاصة «ذا براتون غروب» عام 1996 التي تعمل في 4 قارات مختلفة وتركز على أميركا الجنوبية. وقد عمل براتون أيضا مع مؤسسة «كرول» العالمية الخاصة للأمن ليقدم استشارات لدول عدة حول ضبط الأمن.

ولدى براتون علاقات وثيقة مع مجموعات يهودية - أميركية. وكرمته مجموعة «اي دي ال» اليهودية - الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «بسبب قيادته الرائدة» في مجال تطبيق القانون ومكافحة الإرهاب. ويذكر أن براتون قام بزيارات عدة إلى إسرائيل ودرب شرطتها.

وحياة براتون الخاصة لم تكن مستقرة ولكنها تعتبر ناجحة، مثل حياته العملية. فقد تزوج 4 مرات، ولديه ولد وحيد اسمه ديفيد.