رئيس الوزراء يريد الاستعانة بقيادات أجنبية لشرطة لندن لمكافحة الشغب

الاقتراح يصب في «ثقافة الخدمات» والبعض يرد عليه بطلب تعيين أجنبي رئيسا للوزراء لحل المشكلات الاقتصادية

TT

«ما رأيكم في تعيين رئيس أجنبي للوزراء»، كتبت المحللة البريطانية سارة ساندس في عمودها هذا الأسبوع، في صحيفة «ايفنينغ ستاندرد» اللندنية المسائية ترد فيه على رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي يريد تعيين أميركي رئيسا لشرطة لندن للاستعانة بخبراته في مكافحة الجريمة في المدن الأميركية للتعامل مع حالات الشغب التي اندلعت الأسبوع الماضي في بريطانيا خصوصا في عدد من أحياء العاصمة لندن. ساندس تعتقد أن الاقتراح، أي اقتراحها، مثله مثل اقتراح رئيس الوزراء، ولا غبار عليه، إذا أخذنا في الاعتبار أن بريطانيا تعاني من مشكلات جمة، ليس فقط من حالات الشغب وإنما أيضا من أوضاع مالية واقتصادية سيئة وتريد مثل غيرها معالجة جذرية.

العديد من المحللين السياسيين والاقتصاديين البريطانيين يعتقدون أن بلدهم فقدت قاعدتها الصناعية وتحولت إلى دولة خدمات، خصوصا في نشاطاتها المصرفية، إذ أصبح قطاعها المالي الأكبر في العالم، ومن أجل المحافظة على هذا التفرد، عليها استقطاب أفضل العقول والخبرات ليس فقط من سوقها المحلية وإنما من أي مكان في العالم. بنوك الاستثمار ترى أن الاستحواذ على أفضل العقول في القطاع البنكي هو قضية تتعدى الحدود الوطنية من أجل أفضل النتائج.

في السابق كانت بريطانيا تعتمد كليا على إنتاجها المحلي من مهندسين بعد أن سبقت غيرها في الثورة الصناعية وكانت تعتبر الأفضل في العالم.

أما الآن فلا تجد خجلا في اعتمادها على خبرات من دول أخرى في تسيير بعض أمورها، وتستورد العمالة الآسيوية والقادمة من أوروبا الشرقية في قطاعاتها المختلفة مثل الزراعي والصحي، مما أرسى خلال السنوات الأخيرة ثقافة جديدة تقبل بالاعتماد على الخبرات الأجنبية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها بريطانيا إلى هذا النوع من الخبرات الأجنبية.

ففي عهد رئيس بلدية لندن العمالي كن ليفينغستون تمت الاستعانة بخدمات مستشار أميركي لتنظيم المواصلات في داخل العاصمة وكان يتقاضى هذا أكثر من ربع مليون جنيه استرليني سنويا (375 ألف دولار) إضافة إلى المصاريف والسكن. وكانت تعاني شبكة لندن الكثير من المشكلات. وعندما انتخب ليفينغستون دافع عن قراره تعيين روبرت كيلي لمعالجة المشكلات التي كانت تعاني منها لندن مثل شبكة القطارات الأرضية في نيويورك، وقال إنه لا يجد أي مشكلة في الاستعانة بخبرات أجنبية في هذا المجال.

لكن تعيين بيل براتن له دلالات سياسية قد تكون أكبر ومحرجة للمؤسسة السياسية البريطانية التي كانت تصدر خبراتها إلى الخارج، أما أن تصبح مستوردة لهذه الخبرات فهذا أمر محرج لها.

براتن يسمي «السوبر كوب» (أي شرطي فوق العادة) يعتبر ضليعا في معالجة ثقافة عصابات الإجرام في نيويورك وبوسطن ولوس أنجليس، لكن النقاد يعتبرون أن ثقافة الإجرام والعصابات التي تغلب عليها الشرطي الأميركي تختلف عن ما حدث من حالات شغب في المدن البريطانية، التي شهدت آلافا من المراهقين غير المنتمين إلى عصابات الجريمة يجوبون الشوارع ويحطمون ويحرقون كل شيء أمامهم، ولهذا فقد وصف، غاري يونغ المحلل الذي يعمل في صحيفة «الغارديان»، المشهد بأنه مداهمات وحالات نهب للمحلات وهذه لا تنتمي إلى أنواع السرقات المعتادة.

وقالت شبكتا «إن بي سي» و«إيه بي سي نيوز» إن براتن تلقى اتصالا هاتفيا من كاميرون الأسبوع الماضي ليطلب منه العمل مستشارا لدى الشرطة البريطانية (اسكوتلنديارد). وأكد براتن لشبكة «إن بي سي» أنه يتوقع أن يتولى مهامه هذه قريبا لكنه لا ينوي الإقامة بشكل دائم في بريطانيا.

واعتبر كاميرون أعمال الشغب تلك نقطة تحول في التاريخ البريطاني، بينما يدور جدل يشارك فيه الشرطة والسياسيون والرأي العام حول طريقة الرد على الخارجين عن القانون الذين يقفون خلف موجة العنف غير المسبوقة التي هزت إنجلترا الأسبوع الماضي.

وأشار مفوض نيابة شرطة سكوتلنديارد تيم غودوين إلى «التناقضات في المواقف بشأن مدى الصرامة التي يفترض أن تعتمدها الشرطة خصوصا بعد أخطاء التي ارتكبت في احتجاجات قمة العشرين في 2009». وأوضح أن «وجهات النظر التي نسمعها الآن مختلفة قليلا عما كنا نسمعها منهم من قبل». وقالت الشرطة البريطانية إنها اعتقلت أكثر من 2140 شخصا بينهم نحو ألف شخص وجهت إليهم اتهامات رسميا.

وقال غودين «وجدنا أن حجم وانتشار العنف والسلوك الإجرامي كان أكبر بكثير مما يمكن أن يتصوره أي شخص». وكان براتن من المسؤولين الرئيسيين في التعامل مع النشاط الإجرامي وأسهمت سياسته القائمة على «عدم التسامح إطلاقا» مع المخالفين للقانون في خفض معدلات الجريمة في نيويورك. كما ساهم في خفض مستوى الجرائم بعد أعمال الشغب التي دارت في لوس أنجليس في 1992.

ويقال إنه في أول يوم عمل له في نيويورك منع شخصيا وجود المتسولين في محطات القطارات في شبكة نيويورك وطرد قيادة الشرطة بكاملها، ووعد بأنه يعيد السيطرة على المدينة من خلال تحريرها بناية بناية. لكن هذه الأساليب قد لا تتماشى من الثقافة البريطانية في التعاطي مع المجرمين والأقل حظا في المجتمع.

ورد هيو أوردي رئيس هيئة قادة الشرطة في العاصمة على المقترحات قائلا إن اللجوء إلى السياسة الداخلية (أي الاعتماد على القدرات المحلية) سيكون أفضل لبريطانيا، في انتقاد واضح لتوظيف براتون. وأضاف أوردي لصحيفة «الانديبندنت» «لست على يقين من أنني أريد أن أعرف شيئا عن عصابات في منطقة في أميركا لديها 400 منها». وأضاف «يبدو لي أن وجود 400 عصابة يعني أنك لست فعالا جدا. وإذا نظرتم إلى أسلوب الشرطة في الولايات المتحدة ومستويات العنف فهي تختلف اختلافا أساسيا عن هنا».

وعاد الهدوء إلى إنجلترا بعد أربعة أيام من أعمال الشغب وموجة العنف التي ضربت لندن وبرمنغهام ومانشستر وليفربول ونوتنغهام ومدنا بريطانية أخرى عديدة. وحذر براتن من أن التعامل مع المشكلة أكثر تعقيدا من مجرد اعتقال مثيري الشغب. وقال براتن، الذي وافق على زيارة بريطانيا «لا يمكن حل المشكلة بمجرد القيام باعتقالات وتوقيف أشخاص». وقال إن الحل للمشكلة يكمن في شرطة قوية إلا أنها تستند إلى المجتمعات المحلية لاستئصال ثقافة العصابات من جذورها. ونقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» قوله إن التعامل مع تلك المشكلات «يتطلب الكثير من سياسات التدخل والاستراتيجيات الوقائية وأساليب تدارك الأحداث». وقال براتن إن الحكومة البريطانية يمكنها الاستفادة من «الخبرة الأميركية في التعامل مع مشكلة العصابات، والوسائل التي أثبتت نجاحها وتلك التي لم تنجح ومن ثم كيفية تطبيقها».

وقال براتن لصحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية إن مثيري الشغب صغار السن يجب أن يخافوا من الشرطة ومن إمكانية مواجهة عقاب خطير. وأضاف الرجل البالغ من العمر 63 عاما «يجب العمل على ردعهم عن الجريمة بتوقيفهم وملاحقتهم (قضائيا) وحبسهم». وتابع «تجربتي علمتني أن الأحداث من المجرمين لا يخافون الشرطة بل ينزعون لتحديها»، موضحا أنه «يجب أن يعوا منذ صغرهم أنه لن يتم التسامح مع هذا السلوك المقيت المعادي للمجتمع».

ودعم وزير المالية البريطاني جورج اوزبورن ما ذكره براتن عن أهمية التركيز عن القضايا الاجتماعية بينما قال إنه لن يتراجع عن الاستقطاعات المخطط لها من ميزانية الشرطة والتي انتقدتها المعارضة ومسؤولون كبار بجهاز الشرطة. وقال اوزبورن لـ«بي بي سي» «نحن ملتزمون بالخطة التي وضعناها لإصلاح الشرطة.. نريد الاستفادة من نصائح شخصيات مثل بيل براتن للتعامل الجدي مع القضايا الاجتماعية المتجذرة مثل النشاط الإجرامي». واستمرت المحاكم في العمل على مدار الساعة للنظر الفوري في القضايا المتعلقة بأعمال الشغب التي نفذها أشخاص من خلفيات متعددة وإن كان خمسهم دون الثامنة عشرة من العمر.

وقد أفاد استطلاع للرأي نشرت نتائجه السبت أن واحدا من كل بريطانيين اثنين يرى أن كاميرون لم يحسن معالجة أعمال الشغب التي هزت بريطانيا هذا الأسبوع.

وكان قائد الشرطة البريطانية بول ستيفنسن استقال من منصبه في 17 يوليو (تموز) الماضي في إطار فضيحة التنصت على الاتصالات الهاتفية من قبل «نيوز أوف ذي وورلد»، بعد الكشف عن علاقات بين ضباط والصحيفة، إلا أنه تمت في الأول من أمس تبرئته من أي مخالفات. وتبحث حاليا لندن عن قائد جديد للشرطة خلفا لرئيسها السابق بول ستيفنسن، وانقضت الأربعاء أول من أمس مهلة تقديم الطلبات لتولي أعلى منصب في شرطة لندن وقيادة أكبر قوة في البلاد. لكن الضجة التي تسبب بها رئيس الوزراء، بطلب الاستعانة بشرطي أميركي لإدارة الأزمة في بريطانيا، قد انتهت أمس مع تصريحات وزيرة الداخلية تريزا ماي التي ركزت فيها على أن المسؤوليات الرئيسية التي سيناط بها أي قائد في الشرطة ستأخذ في الحسبان «الأمن القومي» وهذا يعني عدم إدخال أي عناصر أجنبية في جهاز الشرطة الذي فتح باب الترشيحات لاختيار قيادة له.

ويتنافس أربعة مرشحين لتولي منصب ثالث قائد لشرطة لندن منذ سنوات عديدة، وهي مهمة ستتطلب مكافحة الجريمة بصلابة بالتوازي مع حنكة سياسية لرفع الروح المعنوية للشرطة بعد فضيحة شوهت صورتها. ومع بقاء أقل من عام على أكبر مهمة أمنية سلمية في تاريخ بريطانيا مع الألعاب الأولمبية في لندن، سيصل الرئيس الجديد لمنصبه في أحد أصعب الأوقات في تاريخ الشرطة منذ 180 عاما.

ويقول بلير جيبس، رئيس وحدة الجريمة والعدالة اليميني في مركز أبحاث تبادل السياسات «بوليسي اكسشينغ» لوكالة الصحافة الفرنسية «في أي وقت كان، دور مفوض شرطة سكوتلنديارد هو الأكثر شهرة وتحديا في العالم». ويضيف «علاوة على ذلك، لدينا تحدي الألعاب الأولمبية ومستوى غير مسبوق من تدقيق وسائل الإعلام الدولية ومخاوف مبررة حول سلوك ونزاهة القيادة العليا».

ويعتقد أن المرشحين الأربعة هم قائد شرطة شمال آيرلندا السابق هيو اوردي والقائم بأعمال المفوض في شرطة المدينة تيم غودوين وستيفين هاوس رئيس الشرطة المساندة في غلاسكو وبرنارد هوغان هوي نائب مفوض شرطة العاصمة.