إسرائيل أيضا.. تتظاهر

تحت عنوان «الشعب يريد عدالة اجتماعية».. شابة مصابة بالصرع تقود المظاهرات الضخمة فيها

TT

من يراجع ما جرى في إسرائيل خلال الأيام الـ55 الماضية، يصعب عليه أن يصدق أن دولة غنية مثلها تضم في داخلها هذا العدد الضخم من الغاضبين بسبب أوضاعهم الاقتصادية. ومن يتعرف على المجموعة التي تقود حملة الاحتجاج، التي نجحت في إنزال أكثر من 450 ألف شخص إلى الشوارع، في أضخم مظاهرات تعرفها الدولة العبرية منذ تأسيسها قبل 63 عاما، لا يصدق أن هيئة كهذه، مليئة بالخلافات والصراعات، قادرة على قيادة هذه الجماهير والصمود في مواجهة ماكينة المؤسسة الحكومية اليمينية.

ولكن ما يبدو خياليا تماما في هذا المشهد، هو شخص تلك الصبية التي كانت أول المبادرين لحملة الاحتجاج وتقف اليوم على رأس قيادتها. هي دفني ليف، شابة لا يتجاوز عمرها 25 عاما ومصابة بمرض الصرع. هي ليست فقيرة. والدها ملحن موسيقي معروف في إسرائيل. نمت وترعرعت في أحد أغنى أحياء القدس الغربية، رحافيا، على مرمى عصا من بيت رئيس الحكومة. عندما بلغت السادسة عشرة من العمر، انتقلت العائلة إلى منطقة تل أبيب. وقد استقلت دفني في بيت خاص بها استأجرته من دخلها المحدود. في الثاني عشر من يوليو (تموز) الماضي، كان عليها أن تسلم البيت الذي تؤجره، ولكنها لم تجد بيتا آخر بإيجار معقول. فقررت أن تحتج. فتحت صفحة على موقع «فيس بوك».. فكانت هذه الشرارة التي أشعلت نيران الثورة في نفوس مئات الآلاف من الإسرائيليين.

فوجئت دفني، كما فوجئت الحكومة والمعارضة والبرلمان والسياسيون والمثقفون والنقابيون وسائر المواطنين في المجتمع الإسرائيلي، من التجاوب الهائل للجمهور مع دعوتها لإقامة خيمة احتجاج. وإذا كان عدد الخيام في أول يوم (14 يوليو الماضي) خمس خيام فقط، فقد ارتفع العدد إلى ألفي خيمة خلال خمسة أيام فقط، انتشرت في جميع أنحاء البلاد. ثم أقيمت ندوات حوار واجتماعات شعبية ثم مظاهرات ومهرجانات استقطبت مئات الألوف.

عندما وقفت دفني ليف قرب المسرح، لتلقي أول خطاب لها أمام الجمهور بعد أسبوع من بداية الاحتجاج، كانت ترتجف. بكت كثيرا. توترت. خافت. ترددت. وكما تعترف بنفسها: «كنت أخشى من أن تأتي نوبة الصرع وأنا على المسرح». فاتصل والدها بطبيبها المختص، فأجابه بطريقة لا تترك مجالا للشك: «قل لها إنها تحمل على كتفيها مسؤولية جبارة عن مستقبل إسرائيل. قل لها إنها إنسانة رائعة تصنع التاريخ. قل لها إنني معجب بها. ولا تكترث. فحتى لو أصيبت بنوبة الصرع وسقطت أرضا، فماذا في ذلك. ستمر النوبة بعد دقائق وتعود للنهوض. فلتصعد إلى المسرح وتؤدي واجبها، كلنا نقف وراءها، تحت قيادتها، فإلى الأمام».

وهكذا، انطلقت دفني إلى الأمام.. طيلة الوقت إلى الأمام. تصاب بالتوتر قبل كل خطاب، ولكن عندما تتكلم تلهب الجماهير. ترفض أن يقال عنها قائدة – «أنا مجمعة للنشيطين في حملة الاحتجاج»، ولكنها تضع الخط النضالي المسؤول بشكل حازم. تحبط ثم تنتفض. تبكي حزنا وخوفا ثم تضحك فرحا وإشراقا. وفي كل ما تقول لا تتخلى عن الجانب الإنساني في شخصيتها - «ما يهمني أمران: الحرية والرحمة». لكن هذا لم يمنع المؤسسة الإسرائيلية اليمينية من محاولة تصفية شخصيتها وتحطيمها. في اليوم الأول استدعتها الشرطة وأبلغتها أن الخيام ممنوعة وفي إقامتها اعتداء على حرمة الآخرين. نشطاء اليمين هاجموها بدعوى أنها لم تخدم في الجيش، علما بأن الجيش أعفاها بسبب مرض الصرع الذي تعانيه. اكتشفوا أنها قبل ثماني سنوات كانت قد وقعت على رسالة أطلقها مجموعة من الطلاب الثانويين يعلنون فيها رفضهم الخدمة العسكرية في الضفة الغربية لأنها مناطق فلسطينية محتلة. وخلال قيادتها المعركة، حاربها اتجاهان من داخل قيادة الاحتجاج: تيار يطرح توجها سياسيا معتدلا يطالب بالتفاهم مع الحكومة ويبدي استعدادا للحوار معها، ويقود هذا التيار رئيس اتحاد الطلبة الجامعيين، ايتسيك شمولي الذي حضر خصيصا من خارج البلاد لدى سماعه بحملة الاحتجاج، فانضم إليها وأصبح أحد أركانها، وتيار يساري راديكالي يطالب بتصعيد الكفاح بطرح شعارات تطالب بإسقاط الحكومة ووقف سياسة الاحتلال والاستيطان والخروج إلى الشوارع وإغلاقها بالقوة.

وكانت ليف، وما زالت، تناور بذكاء وحكمة بين التيارين. فمن جهة تعرف أن رئيس اتحاد الطلاب الجامعيين هو من معسكر اليمين، وهي تريد الحفاظ على الاحتجاج فوق الحزبية يضم اليمين واليسار على السواء، وتريد وحدة كل من يعارض سياسة الحكومة ويعارض «مبدأ الرأسمالية المتطرفة ذات النهج الخنزيري»، كما اعتادت أن تقول. ومن جهة ثانية، تريد لليسار أن يأخذ قسطه من هذه المعركة التي يرفع فيها الشعار: «الشعب يريد عدالة اجتماعية». هدفها تجنيد أوسع القوى في إسرائيل تحت لواء العدالة الاجتماعية وترى في ذلك مهمتها الأساسية، قائلة: «هذه الحملة أخرجت إلى النور المواطن الإسرائيلي الجديد، الذي قرر التمرد على واقعه وإحداث تغيير جذري في سياسة الحكومة الاقتصادية الاجتماعية وقلب سلم الأولويات». وعندما تسأل: كيف تريدين ذلك ولماذا لا تطلب إدارة سياسة سلام مقابل الفلسطينيين حتى يتاح تقليص الميزانية الحربية وإزالة عبء المستوطنات، ترد ليف قائلة: «نحن نطلب التغيير وعلى الحكومة أن تختار السياسة المناسبة لإحراز هذا التغيير». الهدف من تهربها هو الأمل في أن تبقى حملة الاحتجاج مستمرة بهذه الضخامة، تضم اليمين واليسار، اليهود والعرب، سكان المدن وسكان الريف، الاشكناز والشرقيين، المتدينين والعلمانيين. فهذه التشكيلة من الناس هي مصدر قوتها الأساسي. وبعد 55 يوما من هذا النشاط المثير للإعجاب، يطرح السؤال: ما هو سر حملة احتجاج كهذه؟ وهل يوجد أمل في نجاحها؟

السر في تجند أعداد هائلة من الإسرائيليين وراء تلك الصبية، يعود لأمرين: الهبة الشعبية في الدول العربية، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل نفسها. فمنذ خروج ملايين المصريين، وقبلهم التونسيون، وبعدهم الليبيون واليمنيون والسوريون، إلى ميادين التحرير، والإسرائيليون يتساءلون إن كان ممكنا لهم أن يخرجوا ويطرحوا مطالبهم. في الحكومة كانوا مقتنعين بأن أمرا كهذا لن يحدث في إسرائيل. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وغيره من الوزراء قالوا: «الإسرائيليون لا يحتاجون إلى هبات جماهيرية. فهم يستطيعون تغيير أي حكومة بواسطة الانتخابات». وقد عاشوا هذا الوهم شهورا طويلة. قالوا: «نحن الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة». وقالوا: «إسرائيل هي الدولة الوحيدة المستقرة في الشرق الأوسط».

واعتمدوا كثيرا على حقيقة أن إسرائيل تعتبر من الدول الغنية في العالم. ويوجد في هذا شيء من الحقيقة. ففي إسرائيل توجد انتخابات ديمقراطية وتوجد حرية تعبير. معدل دخل الفرد فيها 28 ألفا و500 دولار (هذا المعدل يقل عندما يجري الحديث عن المواطنين العرب في إسرائيل المعروفين باسم فلسطينيي 48 ليصبح 17 ألف دولار في السنة، بينما عند اليهود 29 ألفا و700 دولار). نسبة البطالة فيها 6.7 في المائة. النمو الاقتصادي بلغ نسبة 4.5 في المائة، أي نحو ضعفي النمو في دول منتدى الدول الصناعية الغنية (2.8 في المائة). قيمة الاستثمارات الأجنبية فيها 5.2 مليار دولار، مقابل 7.2 مليار يستثمرها إسرائيليون في الخارج. معدل الدخل الشهري يصل إلى 2300 دولار والحد الأدنى من الأجور يصل إلى 1200 دولار.

ولكن هناك فوارق كبيرة تتسع باستمرار بين الفقراء والأغنياء والطبقات الوسطى تنقرض شيئا فشيئا، نتيجة للرأسمالية اليمينية المتطرفة وثقافة السوق الجشعة. هذه الفوارق وصلت إلى درجة باتت تؤثر على أدق وأخطر احتياجات الإنسان. وتقول دانا بار، من جمعية حقوق الإنسان والمواطن، إن هناك مئات الأمثلة على هذه الفوارق. وقسمت إسرائيل إلى ثلاث مناطق وفقا للأحوال الاقتصادية فيها: تل أبيب والمركز، التي تعتبر مناطق غنية بغالبيتها، ومنطقة الشمال التي يعيش فيها اليهود والعرب مناصفة وتعتبر أحوالها دون المتوسط ومنطقة الجنوب التي تعتبر فقيرة. وتطرح بعض الإحصائيات التي تبين الفوارق: في سنة 2008 كان معدل عدد الأطباء 5.5 لكل ألف مواطن في منطقة تل أبيب، مقابل 2.1 طبيب لكل ألف مواطن في الشمال و1.6 طبيب في الجنوب. وعلى الرغم من أن التأمين الطبي إلزامي في إسرائيل، فإن 1 في المائة من سكان تل أبيب و23 في المائة من سكان الشمال و31 في المائة من سكان الجنوب غير مؤمنين. و6 في المائة من سكان تل أبيب اضطروا للتنازل عن زيارة الطبيب بسبب عدم توفر الرسوم، وترتفع هذه النسبة إلى 12 في المائة في الشمال و16 في المائة في الجنوب. معدل الأعمار في مدينة غنية مثل رعنانا هو 83.7 سنة، بينما المعدل في مدينة الناصرة العربية في الشمال 75.7 سنة.

وفي مجال التعليم، يحصل 66 في المائة من سكان تل أبيب والمركز على شهادة التحصيل الثانوي الناجح، مقابل 47 في المائة في الشمال و34 في المائة في الجنوب. وبلغت نسبة الطلبة الجامعيين في جيل 20 - 29 عاما في منطقة تل أبيب نحو 20 في المائة، بينما لم تتجاوز 9 في المائة في مناطق الريف.

وفي مجال الفقر، بلغت نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر في مناطق المركز 13 في المائة، و33.7 في المائة في القدس (تشمل النسبة شريحتين فقيرتين، العرب والمتدينين اليهود) و32.3 في المائة في الجنوب و23.6 في المائة في الشمال. وبلغت نسبة العاملين الذين يحصلون على رواتب تقل عن الحد الأدنى 19.4 في المائة في المركز، مقابل نسبة 45 في المائة في القدس والشمال والجنوب.

وإذا كان معدل الراتب الشهري في منطقة المركز يعادل 2560 دولارا، فإن المعدل في الجنوب بلغ 1980 دولارا وفي الشمال 1870 دولارا. ومع أن معدل البطالة يبلغ 6.7 في المائة، فإن النسبة في المركز 3 في المائة وفي الريف 10.4 في المائة وبين العرب 12 في المائة. وفي حين يتوجه 140 مواطنا من كل ألف مواطن في المركز طالبين مساعدات من خدمات الرفاه الاجتماعي، ترتفع النسبة إلى 180 من كل ألف في الريف.

ويقول يونتان ليفي، وهو من الشباب العشرة الذين انضموا إلى دفني ليف في بداية مشوار الاحتجاج هذا، إن «هذه الأوضاع كانت مجرد أرقام نتداولها في المجتمع من دون الخوض في تفاصيلها. لم نفكر جيدا في ذلك المريض الذي يمتنع عن الذهاب إلى الطبيب لأنه لا يمتلك بضعة شواقل (الدولار يساوي 3.6 شيقل) يدفع فيها الرسوم وبضعة شواقل أخرى يدفع فيها رسوم الدواء. ولم نفكر بعمق في ظروف العامل الذي لا يجد العمل مع أنه نشيط ويحب العطاء. لم نفكر مليا في ذلك الشخص الذي يعمل في وظيفتين ولكنه لا يحصل ما يكفي لسد معيشة عائلته». ويضيف: «حتى العائلات المتوسطة الحال في إسرائيل، لم تعد قادرة على إكمال الشهر. فإذا لم تدفع أجرة بيت عالية تدفع قرضا سكنيا عاليا. في دولة غنية مثل إسرائيل، من المفترض أن توفر العائلة المتوسطة ما بين 10 و20 في المائة من دخلها، وما يحصل عندنا أننا أصبحنا نستدين المال ونتحول إلى عبيد للبنوك. هؤلاء الناس هم الذين خرجوا معنا إلى الشوارع».

من اللحظة الأولى لحملة الاحتجاج، بدأت الحكومة الإسرائيلية بمحاربتها. لم تطلق الرصاص على المتظاهرين بالطبع، ولكنها وبعقل بارد راحت ترصد مدى قوتها والالتفاف الجماهيري من حولها، وتتخذ المواقف منها. في البداية استدعت الشرطة الشباب العشرة الذين بادروا إلى الحملة وهددتهم بتحمل كامل المسؤولية عما يحدث في الحملة من فوضى وعنف. ثم راحت ماكينة الإعلام الحكومي تستخف بقادة حملة الاحتجاج فتتهمهم بمجموعة من الفوضويين والحشاشين، ثم حرضت عليهم بأنهم يساريون متطرفون يريدون «تحويل إسرائيل إلى دولة فوضى مثل سوريا». وحضر إليهم مجموعة من المستوطنين المتطرفين يطلبون الانضمام إليهم لكي يضموا إلى شعارات الحملة «عدالة اجتماعية في المستوطنات ووقف سياسة التمييز ضد البناء فيها».

ولكن كل هذه الأساليب فشلت، والجمهور المشارك في الاحتجاج ظل يتضاعف يوميا، ولم يعد أحد يستطيع تجاهل الحملة، فلجأ نتنياهو إلى طريقة «الاحتضان». فأعرب عن احترامه للحملة وتأييده لمطالبها العادلة. فوعد بوضع خطة لوقف جشع الاحتكارات. لكن قادة الاحتجاج رفضوا الانتظار وشعروا بأن وعوده ما هي إلا خدعة. فقالوا إن القوانين والأنظمة التي أدت إلى هذا الوضع كانت قد صدرت في زمنه كرئيس حكومة سابق ثم كوزير مالية سابق، وما من حل سوى بتغيير جذري في سياسته. ورد بطرح مشروع لتحسين أوضاع الطلاب الجامعيين على أمل أن يخرجهم من حملة احتجاج، وفي هذا فشل أيضا إذ أعلن رئيس اتحاد الطلبة أنه ورفاقه يواصلون المعركة حتى تتغير سياسة الحكومة بشكل جوهري. \فوضع نتنياهو خطة لمحاربة البيروقراطية في بناء مشاريع السكن، حتى يزيد عدد المباني وتنخفض الأسعار، ورد المتظاهرون بأنهم يريدون شيئا أكثر عمقا وشمولية. وقالوا إن «نتنياهو يبدي قلة فهم فاضحة لطبيعة هذا الاحتجاج». فأقام نتنياهو لجنة من الخبراء في الاقتصاد وخبراء الشؤون اجتماعية لفحص السياسة الاقتصادية والاجتماعية بشكل جوهري، ومنحها 6 أسابيع لتقديم توصياتها، واعدا بأن يقبل التوصيات الجوهرية. وطلب بالمقابل أن يحرص المحتجون على طرح مواقف واقعية: «فالعالم يعيش أزمة اقتصادية شديدة وإسرائيل لم تتأثر بها كثيرا بفضل السياسة المسؤولة للاقتصاد. وعلينا أن لا نضيع البوصلة ونحدث التغيير رويدا رويدا، وفقا لظروفنا وقدراتنا».

هنا نجح نتنياهو في إحداث شرخ في قيادة المحتجين. فقد أعلنت دفني ليف أن اللجنة المذكورة جاءت لكسب الوقت وليس لديها صلاحيات وطالبت رئيس اللجنة بأن يستقيل ورفضت دعوته لإجراء حوار حول مطالبهم. ولكن رئيس اتحاد الطلاب الجامعيين رحب باللجنة، وقال إنها فرصة للتغيير وتجاوب مع دعوتها وأجرى حوارا معها. وبدأ بتفكيك خيام الطلبة الجامعيين، بانتظار توصيات اللجنة. وكانت قد نفذت هجمات مسلحة على إيلات لمجموعة مسلحين تسللوا من سيناء المصرية، فبدا أن الحملة الاحتجاجية سوف تخبو وتصبح حدثا ثانويا، وقد وجد فيها نتنياهو فرجا له من المأزق. لكن الحملة عادت إلى طبيعتها عندما عملت مصر على تهدئة الأوضاع.

وتجدر الملاحظة هنا أن الخلافات بين قادة الاحتجاج من جهة، والتدهور الأمني من جهة ثانية، لم يخفضا من التأييد الجماهيري لحملة الاحتجاج. والدليل أن المظاهرات الأخيرة يوم السبت الماضي كانت الأكبر والأضخم في تاريخ إسرائيل، وشارك فيها نحو نصف مليون نسمة. ومع ذلك، ففي ميادين الخيام بدأت عملية تفكيك وإخلاء، حيث إن العطلة الصيفية انتهت وعاد الطلبة إلى المدارس ويقتربون من العودة إلى الجامعات والشتاء يقترب وإذا أمطرت السماء في الأسبوع المقبل فيطرح هذا السؤال: هل تبقى في الشتاء أيضا؟

وقد دخلت قيادة حملة الاحتجاج في نقاشات حادة إزاء هذا الوضع. فالخيام لم تعد الوسيلة المناسبة. وتفكيكها يجب أن لا يفسر على أنه تراجع أو ضعف. وفي الأيام الأخيرة بدأت البلديات (في تل أبيب وغيرها) تخلي الخيام المتبقية خوفا من أن تتحول إلى بيوت ثابتة. وفعلت ذلك بلا رحمة، ومن خلال استقدام قوات الشرطة واستخدام القوة والبطش، وقد أعاد هذا الاعتداء، اللهيب إلى حملة الاحتجاج، ورد الكثيرون من ضحايا الإخلاء بعمليات احتجاج عنيفة، فاعتقلتهم الشرطة وقررت تقديمهم إلى المحاكمة، ووضعت قيادة حملة الاحتجاج من جديد في وضع حرج: فهي لا تريد التخلي عن هؤلاء الضحايا الذين كانوا جزءا من عمليات الاحتجاج من جهة، ولا تريد أن تدمغ بتأييد العنف حتى لا تخسر الجماهير الواسعة من جهة ثانية. وقد وجهت «الشرق الأوسط» إلى ليفي، أحد أفراد هذه القيادة، السؤال حول كيف يرى المستقبل بعد الآن وهل ينجحون في تحقيق التغيير أم إن نتنياهو هو الذي سينجح في إجهاض الحملة؟ فأجاب: «ليس أمامنا إلا أن ننجح». وأضاف: «على الرغم من جبروت الحكومة وأساليبها الخبيثة والدعم الذي تتلقاه من قوى خارجية (يقصد العمليات المسلحة من سيناء وقصف الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة)، فإن الجماهير الإسرائيلية أثبتت أنها تفهم حملة الاحتجاج وتنطلق إلى الشارع عن وعي وإدراك كبيرين. ففي المظاهرات الكبرى يوم السبت الأخير قال هذا الجمهور رسالته، ونحن نأمل أن يكون رئيس الحكومة قد فهم الآن ما لم يفهمه بعد عن مدى جدية هذا الاحتجاج ويحدث التغيير المنشود، فإذا لم يفعل، سيكون لنا كلام آخر معه».

وعندما سألناه ما هو هذا الكلام بشكل عيني؟ رد: «أولا، عليك أن لا تنظر إلى هذه الحملة باعتبارها عملا آنيا. فما تراه في الخيام والمظاهرات هو متحف حي ولكن ليس للماضي بل للمستقبل. نحن نبني جيلا جديدا للإسرائيلي الجديد الذي قرر أن يأخذ زمام الأمور بيديه ولا ينتظر الانتخابات حتى يقرر مصيره فيها بل يؤثر على سير الحياة السياسية خلال فترة الحكم ما بين انتخابات وانتخابات. سنواصل حملة الاحتجاج بأساليب أخرى، لا حاجة للحديث عنها في هذه المرحلة، وسنفكر في خطوات أخرى على صعيد بناء حركة اجتماعية نضالية وربما حزب سياسي، فكل الإمكانيات مفتوحة، المهم أن الجمهور قد صحا على مصالحه ولم يعد مستعدا للعودة إلى الصمت».