هل تكشف فضيحة «يو بي إس» خفايا ذئاب المضاربة؟

الكاتبة البريطانية ديفز رسمت صورة بشعة للمضاربة في كتاب «عش الخبثاء»

TT

لم يكد بنك «يو بي إس» العريق يخرج من كارثة أذون الرهونات العقارية الأميركية وفضيحة الحسابات الأميركية التي انتهت بتسوية في محكمة نيويورك الفيدرالية، دفع بموجبها غرامة مالية بمئات الملايين من الدولارات للسلطات الأميركية، حتى دخل في كارثة جديدة وهي فضيحة الخسائر التي اتهم فيها وسيط التعامل كويكو أدوبلي. حسب تقديرات البنك السويسري بلغت خسائره من العملية حتى الآن 2.3 مليار دولار، خسرها في عمليات مضاربة أخفاها المتهم أدوبلي عن البنك طوال ثلاث سنوات. وبنك «يو بي إس» من البنوك الاستثمارية العريقة والكبرى في عالم الاستثمار وقد أجرى مؤخرا عمليات تغيير واسعة في نظم الإدارة والاستثمار بما في ذلك تعيين رئيس تنفيذي جديد لجذب العملاء وتقوية عملياته الاستثمارية في أعقاب ما تعرض له من خسائر وخدش بسبب إخفاء حسابات الأثرياء الأميركيين من مصلحة الضرائب.

ورغم أن الرئيس التنفيذي الجديد عمل في السابق في الوساطة المالية، فإن المتهم أدوبلي تمكن من إخفاء خسائره والاستمرار في المضاربة دون أن يكتشف منذ عام 2008. وتمنح فضيحة «يو بي إس» التي لا تزال قيد التحقيق، دليلا جديدا على أن خطايا المضاربة في أسواق المال تتواصل وأن الجرائم المالية المتعلقة بالمضاربة في أسواق المال من الصعب السيطرة عليها بواسطة الأنظمة الداخلية للمصارف من ضوابط رقابية وحدود مخاطرة وبرامج كومبيوتر. وربما يكون الضابط الوحيد الذي سيوقف مثل هذه الجرائم هو الضابط الأخلاقي. وهو معيار مفقود في غابة المضاربة الشرسة على المال في أسواق الصرف. وكما سيكون من المستحيل أن تمنح مجموعة من المقامرين مبالغ معينة من المال للمقامرة وتطلب منهم التقيد بالحدود في كازينوهات القمار، وتأمل أن ينفذوا جميعا التعليمات والتقيد بحدود المخاطرة. فلا بد من أن يفلت أحد المقامرين ويتسبب في كارثة، سيكون من المستحيل أيضا أن يتقيد المضاربون بضوابط المخاطرة وحدود المضاربة التي ينص عليها البنك في أسواق المال المتسمة بالتقلب الشديد والسريع في معادلات الأسعار والقرارات المالية والسياسية التي تحكمها.

وعادة ما تضع البنوك خططا حسابية يشرف عليها عباقرة في الرياضيات والعلوم المالية لحساب هوامش المضاربة الدنيا والعليا وتشتري برامج ذكية وأجهزة كومبيوتر سريعة وترسم حدودا صارمة للمخاطرة. ولكن حينما يشرع المتداول ويبدأ التعامل الفعلي في عمليات المضاربة تصبح النظرية شيئا والتنفيذ شيئا آخر، حيث يجد المضاربون أنفسهم في وسط معركة قاسية وشرسة تنهار فيها الأعصاب ويسيطر عليهم القلق والخوف والرعب في حال الخسائر، والطمع والجشع والزهو في حال الربح. وعادة ما تنجم عمليات الاحتيال المالي من فشل المضارب في منعطف الخسائر. حيث يسيطر القلق والخوف الشديد على المتعامل ويعتقد المضارب أنه ربما يتمكن من تغطية خسائره بالربح في اليوم التالي، وبالتالي يقوم بإخفاء تعاملاته الحقيقية التي تسببت في الخسارة ويفتح حسابا وهميا.

يقول خبراء في هذا الصعيد، كما توظف المصارف أذكى العقول والخبرات لتحقيق الأرباح من عمليات الاستثمار في أسواق المال، يوظف هؤلاء الموظفون خبراتهم ومهاراتهم وذكاءهم في اختراق النظم البنكية لإخفاء خسائرهم، بهذا المنظور حدثت عمليات الاحتيال التي نفذها مصرفيون أذكياء ضاربوا لتحقيق أرباح وانتهوا بخسائر أفلست مؤسساتهم وهزت أسواق المال. المضارب جيرومي كيرفيل كبد مصرف «سوسيتيه جنرال» 6.7 مليار دولار، وقد كان جيرمي يراهن بنحو 750 مليار دولار على حركة العملات في أسواق الصرف وتمكن من إخفاء خسائره لسنوات وكشف عن أن مصرف «سوسيتيه جنرال» كان يغض الطرف عن عملياته حينما كان يحقق أرباحا للمصرف. وهنالك المضارب البريطاني نيك ليسون الذي أفلس بمصرف بيرنغز الاستثماري واضطره إلى البيع في المزاد بجنيه إسترليني واحد. والمضارب جون روزناك الذي كبد مصرف «آلايد آيرش بنك» نحو 700 مليون دولار. وكان أصدقاء روزناك يرون فيه «الشخصية الأميركية» النموذجية، لكن المضارب المقيم في بالتيمور حكم عليه بالسجن في أعقاب إخفاء خسائره من المضاربة التي بلغت ما يقرب من 700 مليون دولار. وعلى الرغم من ندرة عمليات الاحتيال الفعلية التي تم الإعلان عنها بشكل كبير، فإن هناك الكثير من المضاربين الآخرين الذين منوا بخسائر ضخمة نتيجة المضاربات الفاشلة في السوق. ومن بين هؤلاء بريان هنتر، مضارب الطاقة في صندوق تحوط أمارانث، الذي حقق أرباحا ضخمة من التكهن على أسعار الغاز الطبيعي ووصلت خسارته إلى 6.6 مليار دولار في عام 2006 في أعقاب الرهان على ارتفاع أسعار الغاز. ولسوء حظه، هبطت أسعار الطاقة في أعقاب موجة الحرارة التي أسهمت في خفض أسعار عقود الغاز الآجلة. ومضارب النفط في «مورغان ستانلي» ديفيد ريدموند الذي جازف بعشرة ملايين دولار في سلسلة من المضاربات الخطرة في أعقاب الغداء الذي أسرف فيه في تناول الكحول. ونجح ريدموند في استعادة غالبية خسائره في اليوم التالي لكنه لا يزال ممنوعا من العمل.

فالمضاربة في أسواق المال سباق شرس في غابة من الأموال، سباق يتسم بالجشع والشراهة والرغبة العارمة في تدمير الآخرين والثراء السريع وتملك النفوذ والسلطة. وبالتالي فالمضارب ينظر إلى القوانين ونظم المخاطرة على أساس أنها حواجز تمنعه من تحقيق مطامعه وبالتالي يجب تخطيها. المضاربون لا يتورعون في فعل كل شيء لتحقيق الأرباح. ليندا ديفز التي عملت سبع سنوات في المضاربة على العملات في لندن لخصت تجربتها في كتاب أطلقت عليه اسم «عش الخبثاء». تقول ديفز كنت أتاجر بأموال المصرف الذي أعمل فيه ولدي حليف وهو وزير مالية في مجموعة السبع وكنت أبتزه في الحصول على المعلومات حول خطط مجموعة السبع في التدخل في أسواق الصرف وسعر الفائدة وتحت تصرفي مئات ملايين الدولارات أضارب بها. ويمكنني أن أضارب لصالح مصرفي والحصول على حوافز كما يمكنني كذلك المضاربة من حسابي الخاص وجمع ثروة شخصية. تقول ديفز إن وسطاء المضاربة عصابة لا تؤمن بالوطنية والأخلاق والآيديولوجيا والاستقرار والسلام، وعلى عكس الساسة ورجال القانون تماما، تحب هذه العصابة عدم الاستقرار في الأسواق والحروب والاضطراب والأجواء العكرة التي تساعد على الاقتناص. وتضيف أنهم مثل «ذئاب في الغابة تنتظر فريستها». وعليك أن تتخيل أن المضارب جيرمي كارفيل الذي كبد مصرف «سوسيتيه جنرال» كان يضارب بـ750 مليار دولار في أسواق الصرف، وعليك أن تعرف أن حجم التعاملات اليومية في سوق الصرف العالمية 6 تريليونات دولار. ولكي يدرك القارئ حجم لعبة المضاربة ومخاطرها، عليه أن يعرف أن الملياردير جورج سورس قد حقق أرباحا مليار دولار في يوم واحد، وهو يوم الأربعاء الأسود، من المضاربة على الجنيه الإسترليني، حيث أخرج الجنيه بهذه المضاربة من آلية نظام النقد الأوروبي وبطريقة شرعية، فتصور كم سيحقق المضاربون بطرق غير شرعية من المضاربة على حركة أسعار العملات والأسهم والسلع.

ورغم أن خفايا فضيحة «يو بي إس» لم تتكشف بعد وربما تترك لمحكمة لندن للكشف عن تفاصيلها، فإن معظم المحللين الماليين يعتقدون أن هذه الجريمة لن تكون الأخيرة، كما أنها لا تختلف عن عمليات الاحتيال السابقة التي تمت في عالم المتاجرة في أسواق المال عبر المضاربات. يقول كريس روبك البروفسور الزائر بجامعة «كاس بيزنس سكول» للأعمال في لندن، في تعليقات تلفزيونية إن الرغبة في دفع حدود المخاطرة بالنسبة للمضاربين ستتواصل في بنوك الاستثمار والأمر متروك للمصرفيين للحد من المخاطرة. وأضاف أن الأخبار التي تحدثت عن أن الوسيط أدوبلي تمكن من تكبيد «يو بي إس 2.3 مليار دولار» هو اختبار فعلي، للأنظمة الذكية التي استثمرت فيها البنوك ودليل على أنها لن توقف موظف من تخطيها إذا أراد ذلك. وأضاف أن هذه الفضيحة تشير إلى أن إيقاف عمليات الاحتيال في المضاربة لا يمكن أن يحدث فقط بتوفير الأجهزة الذكية وإحكام نظم الرقابة المالية ولكن يحتاج من القيادات المصرفية في البنوك إلى تبني موجهات أخلاقية للمتعاملين حول ما هو الصحيح وما هو الخطأ حتى يعرف كل شخص حدوده. وأن مثل هذه الحدود الأخلاقية هي التي تؤكد أن الممارسات الرديئة في عمليات المتاجرة ستتوقف.

وتظهر عملية الاحتيال التي حدثت في مصرف «يو بي إس» وما سبقها من عمليات احتيال في مصارف أخرى أن اكتشاف المتعامل المحتال أمر صعب جدا ولا يتم عادة إلا بعد أن يحدث الكثير من الخسائر أو يعترف بالخطأ. وبالتالي تصبح عملية مراقبة المتعاملين والتقيد بحدود المخاطر المضاربة عملية شاقة ومعقدة، إن لم تكن مستحيلة. وحسب محاكمات عمليات الاحتيال السابقة، فإن الكثير من المضاربين اعترفوا أن بنوكهم تغض الطرف عن التجاوزات في حال تحقيق أرباح ولكنها تحقق في حال الخسائر. وفي حديث لمجلة «تايم» الأميركية يقول المضارب الياباني توشيهيدي أوغوتشي الذي كلف مصرف «دايوا بنك» الياباني خسائر بلغت 1.1 مليار دولار: «أعتقد أن كل المضاربين لديهم ميل للسقوط في نفس الفخ. فهناك دائما طريق لاستعادة تلك الخسائر». ولكن رغم ذلك يعتقد الدكتور ريتشارد بنتلي نائب الرئيس التنفيذي في شركة «بروغرس سوفتوير» في تعليقات تلفزيونية أن على البنوك أن تستثمر الكثير من المال والوقت في مكافحة عمليات الاحتيال في المتاجرة المالية.

ويلاحظ أن عمليات احتيال المضاربين واختراقهم للنظم المصرفية لا تتسبب فقط في الخسائر المالية ولكنها تقود تدريجيا إلى فقدان ثقة المستثمرين في السوق المالية وربما تقود إلى إفلاس المؤسسات المصرفية، كما حدث في عملية الاحتيال التي تعرض لها مصرف «بيرنغز» البريطاني في التسعينات، حيث أفلس البنك وتم بيعه بجنيه إسترليني واحد. ومنذ الإعلان عن الخسائر وتوجيه الاتهام للمتداول أدوبلي يلاحظ أن أسهم بنك «يو بي إس» هبطت في البورصات العالمية، وحسب تقديرات مصرفيه فإن خسائر البنك السويسري ربما تكون قضت على كل أرباحه في الربع الثالث. وبالتالي فإن مصرف «يو بي إس» يواجه عمليات تخفيض جديدة في الوظائف كما يواجه موظفيه احتمالات الحصول على حوافز ضئيلة في نهاية العام مقارنة مع نظرائهم في مصارف «جي بي مورغان» و«غولدمان ساكس».

قبل الأزمة كان المصرف في وضع جيد، بعد أن تعافى تماما من مشاكله في عامي 2008 و2009. وحسب تقديرات مصرف «جي بي مورغان» فإن المصرف كان في طريقه لتحقيق أرباح لا تقل عن 10 مليارات فرنك بنهاية العام الحالي، كما أن موظفيه كانوا سيحصلون على حوافز لا تقل عن 1.9 مليار فرنك. ولكن هذه الضربة الموجعة ستقود البنك إلى إعادة حساباته في نظم المراقبة وكيفية تغطية الخسارة. وليس معروفا كيفية توزيع هذه الخسارة ومن سيتحملها، هل يتحملها المساهمون أم الموظفون. ولكن على صعيد المساهمين يلاحظ أن البنك لم يمنح مساهميه توزيعات مالية منذ سنوات، وبالتالي سيكون من الصعب عليه تحميل خسارة الـ2.3 مليار دولار للمساهمين هذا العام الذين كانوا يتوقعون الحصول على توزيعات هذا العام، كما أنه سيكون من الصعب على البنك تحميل الموظفين كل الخسائر، خاصة أنه عانى من هجرة خبرات مصرفية خلال العامين الماضيين. وفي هذا الوضع الحرج يعتقد خبراء مصارف أن أفضل طريقة هي أن يقوم المصرف بتوزيع الخسائر على الموظفين والمساهمين. من هذا المنطلق فإن عملية الاحتيال قد أحدثت اضطرابا كبيرا في مسيرة مصرف «يو بي إس» وخططه المستقبلية.

صحيح أن الشركات المالية المتعاملة في الاستثمار تسعى بشكل مستمر إلى تفادي المخاطر العالية في عمليات المضاربة التي تعتبر حيوية لزيادة ثرواتها، كما أن المصارف الاستثمارية منذ الأزمة المالية الأخيرة وما كشفت عنه من تجاوزات وجرائم مالية عمدت إلى تقوية نظم إدارة المخاطر الاستثمارية، ولكن رغم ذلك تبرز هنا وهنالك عمليات احتيال كبرى ينفذها وسطاء التداول في المضاربة على حركة الأسهم وأسعار الصرف، ولا تكتشف هذه العمليات إلا بعد مرور سنوات عليها. وحتى الآن تركز معظم التحقيقات التي أجريت على عمليات الاحتيال على الثغرات الداخلية في البنوك التي يستغلها المتداولون للقفز فوق حدود المخاطرة المسموح بها لإخفاء خسائرهم أو تسجيل أرباح كاذبة والحصول على عمولات عليها. ولكن السؤال الذي يحير الباحثين ورجال مكافحة الجرائم البيضاء في أسواق المال هو الكيفية التي يتمكن بها هؤلاء الوسطاء من إخفاء أخطائهم لفترات طويلة دون أن يتمكن المسؤولون في البنك أو المؤسسة المالية من معرفة هذه الجرائم أو التجاوزات. وحتى الآن لم تمنح عمليات الاحتيال السابقة أي دلائل على الوسائل التي يستخدمها المضاربون في إخفاء عمليات الاحتيال وإنشاء الحسابات الوهمية التي يخدعون بها المراقبين الماليين. في محاكمة المتهم أدوبلي الذي يدعى أنه كلف مصرف «يو بي إس» 2.3 مليار دولار، تنوي المحكمة على استخدام بيوت خبرة مستقلة من بينها مؤسسات محاسبية ومكاتب محاماة متخصصة في الجرائم المالية. الأمل أن تكشف المحاكمة عن خفايا ذئاب المضاربة في غابة أسواق المال العالمية.

أكبر عمليات الاحتيال في عالم المضاربة

* جيرومي كيرفيل كبد مصرف «سوسيتيه جنرال» الفرنسي6.7 مليار دولار - كشف مصرف «سوسيتيه جنرال» في عام 2008 عن أن مضاربا محتالا تسبب في خسارة المصرف 6.7 مليار دولار. وقال المصرف إن جيرومي كيرفيل، الذي كان في الحادية والثلاثين آنذاك، أجرى معاملات غير مصرح بها على مستقبل الأسهم. وأشارت أوراق القضية إلى أن كيرفيل كان يراهن بنحو 750 مليار دولار من أموال المصرف على الأوراق المالية. وأكد كيرفيل أن المصرف غض الطرف عن ذلك عندما كانت مضارباته تحقق أرباحا.

عمل كيرفيل وفق قواعد المصرف، وأكد رؤساء المصرف على أنه نجح في إخفاء خسائره عبر تجنب مراجعات عملياته. وحكم على كيرفيل بالسجن ثماني سنوات في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وأمرته المحكمة برد الأموال التي خسرها، وهي الإدانة التي تخضع في الوقت الراهن لاستئناف. ولم يكن لهذه الأزمة تأثير واضح على السوق بشكل عام نظرا لوقوعها في وسط الأزمة المصرفية، وخسائر الولايات المتحدة من قروض الرهن العقاري وهو ما أدى إلى التقليل من الجريمة المالية وتأثيرها بالنسبة للسوق ككل.

* نيك ليسون أفلس «بارينغز بنك» البريطاني بعد خسارة 1.3 مليار دولار - أطاح نيك ليسون، أشهر مضارب محتال في التاريخ، بواحد من أكبر الأسماء في الصيرفة البريطانية. وحقق ليسون في بداية عمله في فرع بارينغز سنغافورة أرباحا ضخمة لصالح المصرف عبر التعامل في المشتقات المالية والمضاربات على مستقبل الأسهم. لكنه في أعقاب تعرضه للخسارة قام بإخفاء المضاربات الفاسدة في حساب واحد عام 1992. وتزايدت تلك الخسائر على مدار سنوات عدة، ما أجبره على القيام بسلسلة من المحاولات اليائسة والفاشلة لاسترداد أموال المصرف. وأخيرا فر ليسون في فبراير (شباط) بعد خسارة رهاناته على تحسن سوق أسهم طوكيو. وفي أعقاب اكتشاف النطاق الكامل للخسارة بيع مصرف بارينغز إلى مصرف «إي إن جي الهولندي» مقابل جنيه إسترليني واحد. ووجهت الانتقادات إلى مديري ليسون على منحه الكثير من الحرية في القيام بهذه الأعمال، فقد سمح له بإنهاء مضارباته الخاصة والسماح له بإخفاء أعماله. وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 1995 تم الحكم على ليسون بالسجن ست سنوات في سنغافورة، وأفرج عنه في عام 1999. وفي أعقاب خروجه من السجن تولى إدارة نادي غالواي يونايتد الآيرلندي لكرة القدم، ويقدم حاليا محاضرات حول أسواق المال.

* جون روزناك كبد مصرف «آلايد آيرش بنك» 700 مليون دولار - كان أصدقاء وزملاء جون روزناك يرون فيه «الشخصية الأميركية» النموذجية، لكن المضارب المقيم في بالتيمور حكم عليه بالسجن في أعقاب إخفاء خسائره من المضاربة التي بلغت ما يقرب من 700 مليون دولار.

عمل روزناك في شركة «أولفرست فاينانشيال»، قسم من «آلايد آيرش بنك»، في منتصف التسعينات كمضارب في العملات الأجنبية. وكانت مراهناته تتم في الأغلب على الين الياباني، واستخدم روزناك عقود خيارات وهمية لإخفاء خسائره على مدار سنوات كثيرة. وقد أبدى بعض المراقبين شكوكا في روزناك بعد ورود تقارير عن رفض «غولدمان ساكس» التعامل معه. لكن الخسارة لم تتكشف أبعادها إلا في عام 2002، قبل كشف المراجعات الدورية في نهاية الأمر عن الطبيعة الحقيقية لموقف المصرف. عند هذه المرحلة، وبدلا من الالتزام بحدود المضاربة بـ2.5 مليون دولار، قام روزناك سرا بالرهان بـ7.5 مليار دولار من أموال شركة «إيه آي بي» على ارتفاع الين مقابل الدولار. وخلال المحاكمة التي تلت ذلك، قال المدعون العامون إنه قام بإنشاء هوية زائفة تحت اسم ديفيد راسل، واستخدم عنوانا في نيويورك لإرسال تأكيدات بمضارباته غير الشرعية. وتم الحكم على روزناك بالسجن سبع سنوات ونصف السنة في صفقة إقرار بالذنب تم التفاوض عليها.

* توشيهيدي أوغوتشي كلف مصرف «دايوا بن» الياباني خسائر بـ1.1 مليار دولار - تلقى رئيس مصرف «دايوا بنك» الياباني على نحو خاص صدمة كبيرة في 13 يوليو (تموز) 1995، عندما اعترف توشيهيدي أوغوتشي، أحد أبرز رؤسائه التنفيذيين الأميركيين، في رسالة من 30 صفحة بأنه خسر 1.1 مليار دولار عبر مضاربات غير مصرح بها. وعلى غرار ليسون وروزناك شهدت مضاربات أوغوتشي خسائر على مدى سنوات كثيرة. تحول أوغوتشي إلى مضارب في عام 1984 بعد ترقيته من الوظائف المكتبية، وكان غياب الانفصال داخل قسمه يعني قدرته على إخفاء خسائره عن رؤسائه في الوقت الذي حاول فيه وفشل في المضاربة مرة أخرى لتحقيق أرباح. وفي أعقاب اعترافه، اتضح أنه قام بعملية تغطية لمضارباته على مدى عقد، وتزوير ما يقرب من 30.000 خطأ ارتكبه.

حكم على أوغوتشي الذي كان يلقب بالفتى الذهبي للقسم في عام 1996 بالسجن أربع سنوات وغرامة بقيمة 2.6 مليار دولار. ولدى محاكمته قال للقاضي إن حياته كانت مليئة بالذنوب، الخوف والخداع بعد 11 محاولة لاستعادة خسارته. وخلال اللقاء معه في السجن قال أوغوتشي إنه ينظر إلى أخطائه السابقة على أنها مجرد انتهاك للقواعد الداخلية للمصرف. وقال في حديث لمجلة «تايم»: «أعتقد أن كل المضاربين لديهم ميل للسقوط في نفس الفخ. فهناك دائما طريق لاستعادة تلك الخسائر». وتعرض مصرف «دايوا بنك» أيضا لعقوبة قاسية، حيث أمره المصرف الاحتياطي بإنهاء كل عملياته في أميركا وهو ما أدى إلى بيع غالبية أصوله في الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) 2006.

ياسو هاماناكا كبد مصرف «سوميتومو كوربورشن» 2.6 مليار دولار - حكم على ياسو هاماناكا بالسجن ثماني سنوات لإدانته بالتحايل والتزوير في عام 1997، بعد اكتشاف قيام ملك سوق النحاس السابق بمضاربات غير شرعية والتحايل لأكثر من عشر سنوات. وخلال أوج قوته، قيل إن هاماناكا كان يسيطر على 5 في المائة من سوق النحاس العالمية. وقد أجبرت مضارباته غير الرسمية على رفع الأسعار والحصول على أرباح ضخمة لسنوات، لكن ذلك كلف «سوميتومو» 2.6 مليار دولار في أعقاب اكتشاف الفضيحة. وبعد عام من إدانته دفعت شركة «سوميتومو» ما يقرب من 150 مليون دولار لتسوية مزاعم المنظمين الأميركيين والبريطانيين. وفي عام 1999 تم تغريم «ميريل لينش» ما يقرب من 16 مليون جنيه إسترليني، للمساعدة في تمويل فضيحة مضاربة النحاس. وقالت بورصة لندن للمعادن إن «ميريل لينش» قدمت الأموال لعملاء للقيام بعمليات كانت تسعى من ورائها إلى التلاعب بالسوق.