تركيا وإيران.. المواجهة على الساحة الثالثة

تختلفان حول إسرائيل وأرمينيا وأذربيجان والعراق.. وتوازن رعب يجمعهما ومصالح تجارية.. لكن العلاقة الآن على «المفترق السوري»

TT

تقف أنقرة وطهران على مفترق طرق في العلاقات الثنائية بينهما المستقرة منذ عام 1639 بعد عقود من المواجهات والحروب بين الدولتين، حيث أبرمت المعاهدات لتثبيت حدود البلدين واعتراف كل منهما بالآخر.. إيران للشيعة والدولة العثمانية للسنة، وهو الأمر الذي تم في معاهدة زهاب الموقعة عام 1639، ليتحول الصراع على النفوذ «عقائديا» في المنطقة بين الدولة الإيرانية الشيعية والدولة العثمانية السنية، ومن بعدها وريثتاهما؛ الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العلمانية التركية. تفاوتت العلاقات بين البلدين في مسارها من الاقتتال إلى الصداقة والتحالف، فتوازن الرعب القائم حاليا الذي يجعلهما دولتين جارتين لا تتقاتلان، لكنهما لا تتحالفان.. أما «تنفيس» الخلافات فيتم عادة في «الساحة الثالثة».

يتفق البلدان على عدم المواجهة، لكنهما يختلفان في العديد من الملفات المتعلقة بالصراع على النفوذ بدءا من جمهوريات آسيا الوسطى وصولا إلى العالم العربي، حيث تشكل الأزمة السورية عنوانا فارقا في العلاقات بين بلدين يتحالفان ويتصارعان في الوقت نفسه. لكن يبدو أن المؤشرات الأخيرة توحي بأن على البلدين اتخاذ قرار ما، فإيران لن تسكت على «ضياع سوريا» باعتبارها حجر زاوية سياساتها في المنطقة، فيما أن تركيا ترى أن الساحة أصبحت جاهزة لعودتها إلى العالم العربي بعد سنوات من الاتجاه غربا.

ولهذا، تحافظ تركيا على علاقاتها الاقتصادية والتجارية الحيوية مع إيران، وتدعم طموحاتها النووية السلمية، لكنها في المقابل لا تبدو راضية عن «التمدد المذهبي» لإيران في العراق وسوريا. أما إيران فهي لم تنظر بارتياح إلى موافقة أنقرة على استضافة رادارات الدرع الصاروخية الأطلسية، كما تبدي انزعاجا متزايدا من الدور التركي في سوريا. فقد قالت صحيفة «كيهان» اليومية التي تعكس وجهات نظر المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي «لن نسمح للمؤامرات التي تحاك ضد سوريا أن تنجح، ومن يتخذ من سوريا هدفا له، إنما يستهدف بمخططاته تلك الثورة الإسلامية في إيران». وأضافت محذرة: «وعلى تركيا أن تعي جيدا بأن الجمهورية الإسلامية ستبذل ما بوسعها، مستخدمة كل إمكانياتها لإحباط كل المؤامرات التي تحاك ضد الحكومة السورية»، وهو ما رأت فيه دوائر غربية تهديدا مبطنا بالسعي إلى تفعيل نشاط الجماعات التي تحارب تركيا، أي حزب العمال الكردستاني المعروف بـالـ«ب ك ك».

ويرى أستاذ العلوم السياسية والكاتب التركي برهان كور أوغلو أن «المشاكل الإيرانية - التركية كثيرة، لكن المصالح المشتركة بين البلدين كبيرة». ويقول كور أوغلو لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارب الإيراني - التركي تحتمه علاقة الجوار والمصالح المشتركة والعلاقات التجارية والنفط والغاز». لكن الكاتب التركي يرى أن «الضغوط الدولية مستمرة على أنقرة لفك عرى علاقاتها مع طهران في ضوء تطورات الملف النووي الإيراني»، مشيرا إلى أن ما يساعد على هذا هو الدور الإيراني في سوريا والعراق حيث تكبر هوة الاختلاف بين الطرفين. ويضيف: «لغاية الآن إيران لم تتراجع في الملف السوري والعراقي، فيما تركيا تتشدد». ويرى أنه في المستقبل القريب فإن المشكلة الأكبر في العلاقات بين البلدين ستكون في سوريا.

أما الخبير في العلاقات التركية - الإيرانية الأستاذ الجامعي اللبناني محمد نور الدين فيرى أن عوامل الصدام بين البلدين لا تترجم على المستوى الثنائي المباشر بين البلدين، فهما يختلفان على إسرائيل وأرمينيا والعراق وسوريا.. يختلفان على كل شيء تقريبا، لكن هذا لا يترجم مواجهة مباشرة. ولهذا فلا بد أن تترجم هذه الخلافات في ساحة أخرى، كآسيا الوسطى والقوقاز لجهة التحالف التركي مع أذربيجان وجورجيا، وتحالف إيران مع أرمينيا وروسيا. أما أبرز ساحات الصراع، فهي «الساحة الثالثة» أي المنطقة العربية، كالعراق وسوريا ولبنان، حيث يوجد نفوذ إيراني قوي يقابله حراك تركي قابل لأن يؤسس إلى نفوذ. ففي القوقاز هناك نوع من التوازن، لكن في المنطقة العربية يظهر الخلاف لأن هذه الساحة يوجد فيها حضور محلي قوي يوجد فيها الطرفان، لأن العرب خارج اللعبة بسبب اختلافاتهم. والفراغ العربي يجعل تركيا وإيران ادخلان ضد بعضهما في هذه الساحة وهذا ما يحصل الآن، يساعد في ذلك أن وراء كل من البلدين محور وكل منهما لديه مشروعه المتماسك الآيديولوجي.

يتحدث البعد التاريخي في العلاقة بين العثمانيين والدولة الصفوية التي أعلن الشاه عباس تشيعها «نكاية» بالعثمانيين لإعطاء الصراع بين الدولتين بعدا عقائديا، ففي العام 1514 استطاع السلطان العثماني سليم الأول حسم الموقعة الاستراتيجية مع الدولة الصفوية. في معركة «جال ديران» الشهيرة التي منحته السيطرة على بلاد الأناضول وفتحت أمام العثمانيين الأبواب إلى المنطقة العربية. وكانت هذه المعركة، هي المعركة الفاصلة، فانتهت من بعدها الصراعات الدموية الكبرى بين الدولتين، فيما وضعت معاهدة زهاب حدا نهائيا للقتال المباشر بينهما.

وبعد انهيار الدولة العثمانية ووصول العلمانيين إلى السلطة في تركيا بقيادة أتاتورك، تحولت العلاقة بين الطرفين إلى الدفء الشديد الذي انتهى تحالفا بين الطرفين المتمثلين بأتاتورك وخلفائه والشاه الإيراني رضا شاه في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات. وفي 22 أبريل (نيسان) 1926، وقع البلدان في طهران «معاهدة صداقة» تنص مبادئها على الصداقة والحياد وعدم الاعتداء على بعضهما البعض. ونصت المعاهدة على إمكانية القيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد «المجموعات في أراضي البلدين التي تسعى لتعكير صفو الأمن أو تحاول تغيير نظام الحكم في أي من البلدين». في إشارة إلى الأقلية الكردية في البلدين. وفي 23 يناير (كانون الثاني) 1932 وقع البلدان في طهران معاهدة ترسيم حدود نهائية. وفي 16 يونيو (حزيران) 1934 زار الشاه تركيا لمدة أسبوعين مصطحبا وفدا عسكريا رفيع المستوى قام بزيارة العديد من المناطق التركية، إذ وجد الشاه في «النموذج التركي» مثالا يحتذى.

وقد تقارب البلدان في مواجهة «الخطر السوفياتي» ووقفا سدا أمام «التمدد الشيوعي» في المنطقة ووثقا تحالفهما مع الولايات المتحدة وتنامت قوتهما العسكرية إلى حد كبير ليصبح كل منهما «شرطيا» في منطقته يهدد البلدان المجاورة، اعترفا معا بإسرائيل ووثقا علاقتهما بها. وفي عام 1955 انخرطا معا في تأسيس منظمة الحلف المركزي أو «حلف بغداد». وبعد فشل حلف بغداد، تأسس في عام 1964 مجلس التعاون الإقليمي للتنمية بهدف إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة بين تركيا وإيران وباكستان.

أواخر السبعينات تعرض البلدان لـ«ثورة» من جهة و«انقلاب» من جهة أخرى، فقد انتصرت الثورة الإسلامية في طهران عام 1979 وتصادم النظام الإيراني الجديد مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. وفي عام 1980 جاء الانقلاب العسكري في تركيا بقيادة كنعان إرين الذي أصبح رئيسا للجمهورية التركية لتعود العلاقات إلى مرحلة الفتور، لكن العلاقات عادت لتشهد نوعا من الانتعاش بسبب الحرب العراقية - الإيرانية واضطرار إيران إلى استعمال تركيا كرئة تتنفس من خلالها اقتصاديا، فعمدت إلى تمرير صادراتها ووارداتها عبر حدودها مع تركيا، والتي تمتد من شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا بطول 499 كيلومترا.

ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق وظهور الدول الآسيوية المستقلة عنه في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، ظهر صراع إقليمي جديد بين إيران وتركيا على مناطق النفوذ هناك. فهذه المنطقة الممتدة من كازاخستان شرقا وأذربيجان غربا تشكل امتدادا جغرافيا وثقافيا للبلدين، وفيها ثروات نفطية وغازية كبيرة، فسارعت تركيا إلى توقيع اتفاقات اقتصادية وثقافية عدة، توجت باعتماد الصيغة التركية للأبجدية اللاتينية كأبجدية رسمية لدول آسيا الوسطى بدلا من الأبجدية الروسية السلافية مع الاستبعاد النهائي للأبجدية الفارسية العربية التي تنازعت إيران مع تركيا عليها. في المقابل ترتبط إيران بعلاقات تاريخية مع تلك المناطق التي كان بعضها جزءا من الإمبراطورية الفارسية التي فقدتها في حروبها مع روسيا كحال جمهورية جورجيا الحالية ومناطق كبيرة في أذربيجان. أما معاهدة «كلستان» سنة 1828 فقد سلخت من إيران كل الأراضي الواقعة شمال نهر آرس على تخوم القوقاز، ومنها يريفان عاصمة أرمينيا.

ولهذا كله لم يكن غريبا أن ينفجر الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على الأرض، فكان اللافت أن إيران الإسلامية وقفت إلى جانب أرمينيا المسيحية في حربها ضد أذربيجان المسلمة المدعومة تركيا.

في المقابل، أدى احتلال العراق لزيادة نفوذ إيران في المنطقة بتحكمها في العراق عبر الحلفاء. وهكذا استطاعت إيران تعويض خسائرها بعد أن كانت الكفة تميل لمصلحة أنقرة بعد أن حسمت الصراع على طرق نقل أنابيب النفط من بحر قزوين وآسيا الوسطى لمصلحتها. ويأتي دور سوريا التي تراها إيران معبرا استراتيجيا لها إلى مواجهة إسرائيل والوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، فيما ترى فيها تركيا بوابة إلى العالم العربي تجاريا واقتصاديا وسياسيا في ظل الحذر الذي قابلت به الدول العربية الأخرى العودة التركية إلى المنطقة.

ويرى برهان كور أوغلو أنه في العراق يتجه الموقف التركي أيضا إلى التشدد «لأن أنقرة ترى أن ما يحصل ضد السنة في العراق غير مقبول. فالمالكي يتخذ قرارات غير شرعية من منظور الحكومة التركية التي لا تريد أن تسير الأمور هناك إلى مشكلة عويصة. وتركيا ترى أن الأمور في العراق تتجه نحو صراع طائفي جديد، ويقال إن لإيران يدا في ذلك، ولو بطريقة غير مباشرة، لذلك تحاول تركيا أن تكثف جهودها مع الإيرانيين».

ويؤكد كور أوغلو أن موضوع الدرع الصاروخية «أمر جانبي»، مشددا على أن المشكلة الأساس هي الآن في سوريا، فإذا استمرت إيران بدعم النظام، فإن تركيا ستنزعج كثيرا، وقد تتخذ خيار الدعم المباشر للمعارضة، وهو ما لم تفعله حتى الآن، وهذا يتعارض مع المصالح الإيرانية، وقد يسيء إلى العلاقات بين الطرفين. أما في الملف العراقي، فإنه إذا تأزم الوضع هناك واتخذت إيران موقفا طائفيا، فإن تركيا بدورها سوف تتخذ موقفا من إيران، وإذا بدأت الحرب الطائفية، فإن تركيا لن تبقى هذه المرة محايدة كما في السابق». ووضح أن أنقرة فتحت باب الحوار مع السيد الحكيم في بغداد «لأنها لا تريد أن تأخذ الآن موقفا طائفيا، لكن الأمر لن يبقى كذلك إذا استمرت إيران في موقفها الطائفي».

وإذ يرى الكاتب التركي أن العلاقات بين البلدين «متميزة إلى الآن»، يشير في المقابل إلى أن «الخطر موجود». ويقول إن اجتماع دول الخليج الأخير مع تركيا في اسطنبول «له مدلولات قد تؤشر إلى أن تركيا تريد أن تعمل على احتمالات مستقبلية، وبناء مصالح مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي».

ويؤكد كور أوغلو أن أنقرة لا تزال حريصة على العلاقة بين البلدين، ولهذا أعلنت مؤخرا أنها غير ملزمة بالعقوبات الأوروبية على طهران، ولا الأميركية»، لكنه يشير إلى أنه فيما لو اتخذت الأمم المتحدة قرارا بعقوبات على طهران، فإن أنقرة سوف تلتزم بها بكل تأكيد. ويخلص إلى أن تركيا «تريد أن تبقي علاقاتها مميزة مع إيران، لكن إذا لم تجد استجابة، فلن يبقى أمامها أي خيار». ويشير إلى أن أنقرة دافعت في أكثر من مناسبة عن حق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، لكن هذا لا يعني أن التحالف يبقى إلى الأبد في حال تضاربت المصالح».

ويؤكد كور أوغلو أن أنقرة تقع تحت ضغط عربي شديد لاتخاذ موقف مما يجري في المنطقة لـ«الدفاع عن السنة»، لكن تركيا لا تزال محافظة على موقفها بعدم اللجوء إلى الطائفية لأنها تؤدي إلى حروب أهلية، وهي ترى أن ما يحصل في العراق أسوأ دليل على الطائفية». لكنه يضيف: «إذا اضطرت، فإن لأنقرة دورا تاريخيا منذ الدولة العثمانية كدولة سنية، فيمكن لها أن تدافع عن السنة، لكن من منظور غير طائفي.. بل من أجل العدالة فقط»؟

ويرى أنه يمكن تفسير موقف إيران تجاه الحركات الشعبية المعارضة لحكومة النخبة النصيرية في سوريا، بحرصها على حماية أهدافها المتعلقة بالمحور الشيعي، حيث سعت الحكومة السورية الحالية إلى تطوير علاقاتها مع إيران التي من شأنها أن ترقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، مشيرا إلى أنه في حال الإطاحة بالحكومة الحالية فإن تشكيل حكومة سورية جديدة تكون فيها الطائفة النصيرية أقل نفوذا، يعني أن النفوذ الإيراني في سوريا سيتعرض لضرر كبير، وبدوره سيؤدي ذلك إلى حد كبير إلى إضعاف جسور التواصل بين إيران وشيعة لبنان. وقد أدى الدعم الذي تقدمه إيران لحكومة الأسد إلى تعثر مساعي الشعب لتشكيل حكومة ديمقراطية ممثلة له، مما سيؤدي إلى تصعيد حدة التوتر المذهبي السني - الشيعي في المنطقة.

ويشير كور أوغلو إلى أن المواقف الإيرانية الأخيرة كشفت استعداد طهران للتضحية بعلاقاتها الجيدة مع تركيا لسنوات طويلة، من أجل إنقاذ حليفها الاستراتيجي سوريا، مشيرا إلى أنه في المرحلة المقبلة، سيتوجب على إيران اتخاذ قرار حاسم، وبما أن تركيا لن تغير موقفها، وستجد دعما كبيرا لها من المجتمع الدولي والدول العربية على حد سواء، فعلى إيران إما الضغط على سوريا لتحقيق انتقال سلس وسلمي للسلطة، أو أنها ستستمر في مواقفها الحالية، ضاربة عرض الحائط بتلك الشعارات التي طالما رددتها، فيما يتعلق بحريات الشعوب وبحقها في اختيار حكومة تمثلها.

منبها إلى أنه في حال قامت سوريا وإيران بدعم تنظيم «العمال الكردستاني» وبدعم العمليات التي تهدد أمن تركيا الحدودي وغيرها من الأساليب التكتيكية، ردا على موقف تركيا، فإنهما في هذه الحالة ستعرضان أمن واستقرار المنطقة للخطر، وذلك لدخولهما في حالة صراع مع دولة قوية تعتبر من أهم دول المنطقة. وسيؤدي ذلك إلى خسارة كلتا الدولتين لتركيا التي لطالما كانت تحميهما وتقف إلى جانبهما للحيلولة دون فرض عقوبات دولية عليهما، وإن أنكرتا تلك الحقيقة، فإنه لن يتبقى لإيران وسوريا في المستقبل أي قوة إقليمية تحميهما من فرض مثل تلك العقوبات.

أما نور الدين فيرى أن هناك مستويين في العلاقة بين البلدين، أولهما ثنائي قائم على توازن رعب اقتصادي عسكري وسكاني، أو لجهة وجود ثوابت في العلاقات منها الحدود الجغرافية المستقرة منذ عام 1639، وثبات في تعاطي كل طرف مع «داخل» الآخر، فلا تركيا حاولت تغيير النظام في إيران، ولا إيران حاولت تصدير الثورة إلى تركيا، كما أن الأتراك لم يحاولوا أن يلعبوا لعبة دعم الأقلية السنية - الآذرية في إيران، ولا إيران حاولت دعم الأقلية العلوية في تركيا، خالصا إلى «وجود ثبات في احترام واقع كل بلد كما هو من دون محاولة أي طرف اللعب في داخل الطرف الآخر».

ويعتبر نور الدين أن هذا الواقع «يجعل العلاقات بين الطرفين ثابتة ومستقرة، من دون أن يلغي ذلك الاختلافات، ويضاف إلى ذلك الواقع الجغرافي للبلدين وفائدته للطرف الآخر. فإيران هي باب لتركيا نحو آسيا، وتركيا باب لطهران نحو أوروبا والغرب».

أما العامل الاقتصادي - يضيف نور الدين - فيتجلى في كون تركيا بلد غير نفطي يشترى على الأقل 30 في المائة من طاقته من طهران المجاورة بما في ذلك من فوائد اقتصادية وقلة في كلفة النقل. السوقان مهمان لبعضهما، فهناك استثمارات تركية كبيرة جدا في إيران، وحركة اقتصادية إيرانية في الداخل التركي. واستفادة البلدين من بعضهما اقتصاديا تجعل العلاقة تستمر جيدة مهما حصل من مشاكل في الواقع الإقليمي للبلدين.

أما عوامل الخلاف العديدة بين البلدين، فيحددها نور الدين بوجود غالبية مذهبية مختلفة في البلدين، كما أن طبيعة النظام في البلدين مختلفة بين نظام آيديولوجي ديني في إيران وعلماني - على الأقل رسميا - في تركيا. كما أن تركيا هي جزء من المحور الغربي الإقليمي، بينما إيران هي على نقيض هذا المشروع. أما في الموقف من القضايا الإقليمية، فالبلدان يختلفان لجهة أن تركيا تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية واقتصادية، وتعترف بمبدأ التسوية السلمية مع إسرائيل، فيما أن إيران أيضا على النقيض.

ويقدر نور الدين أن الطرفين «لن يذهبا إلى الصدام المباشر لأنه دمار للاثنين، فمهما ساعد طرف دولي أحدهما ضد الآخر، يبقى كل بلد قادرا على إنهاك الآخر ولهذه الأسباب نجدهما يفضلان التصارع في الساحات الثالثة». ويحذر نور الدين من أن الخطر القائم الآن هو تحول الصراع في «الساحة الثالثة» المشتركة ليتخذ طابعا مذهبيا، وهذا خطير لأن أي توتر أو انفجار للحساسيات المذهبية في بلد لن يقتصر عليه، بل سينتشر في كل المنطقة ومنها تركيا وإيران. ويرى نور الدين أن أخطر ما تقوم به تركيا الآن هو محاولة كسر التوازن المذهبي من خلال إسقاط النظام السوري وإضعاف القوة المسيطرة على السلطة في لبنان وإبعاد المالكي في العراق. ومكمن الخطورة أن التاريخ الإسلامي لا يحتمل كسر التوازنات المذهبية وهو أخطر ما يمكن أن تنتج عنه المرحلة الراهنة لأن التركي - السني لا يمكن أن ينكسر بسبب عامل الغالبية الديموغرافية والجغرافية، ولهذا فإن الطرف الشيعي في الموازنة هو الوحيد المعرض للكسر، وهذا ما يفسر جزءا من التشدد الإيراني وتشدد المالكي المستجد.