برجه «الحمل» فهل يفعلها مع «الأسد»؟

كوفي أنان، جهوده أهلته للحصول على جائزة نوبل للسلام، لكنه الآن أمام مهمة مستحيلة في الملف السوري

TT

أنظار العالم ستتوجه اليوم إلى مجلس الأمن، وإلى ما سيقوله موفد الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان حول الأزمة السورية، فبعد لقاءات ماراثونية، أجراها في دمشق، مع الرئيس السوري بشار الأسد، وفي الدوحة وأنقرة وعواصم غربية أخرى، في مستهل مهمته العسيرة، لإيجاد مخرج للعنف في سوريا، ينتظر الكل ما سيقوله. أنان قدم «مقترحات ملموسة» للأسد كما قال، وتلقى إجابات، وقال إنها لم تكن كافية، ويريد مزيدا من الإيضاحات، قبل التوجه إلى منصة مجلس الأمن للإدلاء بتقريره المنتظر، والذي يتوقع على ضوئه أن يتخذ المجلس، خطوة جديدة تجاه العنف في سوريا.

المجتمع الدولي، ومن خلفه الجامعة العربية، يبدو أنه عاجز عن فعل شيء، لذلك ألقى بعبء المهمة على كاهل أنان، مستندا إلى خبرته الدولية الطويلة، كأمين عام سابق للأمم المتحدة، ومساهماته السابقة في الأزمة العراقية. روسيا مثلا رأت فيه الرجل الهادئ، الذي قاد نجاحات في قضايا سياسية حساسة خلال العقدين الماضيين، وفي الوقت نفسه تعتبره شخصية ذات استقلالية ولا تتبع الأجندة الأميركية. دمشق لم تتأخر كثيرا في قبوله، وزيارتها، ولم تتلكأ كما فعلت مع مفوضة حقوق الإنسان، فاليري أموس. ويعول آخرون على حنكته ويعتبرون أن قوته تكمن في هدوئه ووداعته، وفئة ثالثة تشير إلى تاريخه وأعماله خلال السنوات الأخيرة، والتي أهلته للحصول على جائزة نوبل للسلام، فهو إذن الأجدر بالمنصب الجديد كموفد دولي لأعقد مهمة وأصعبها في العقد الأخير.

مهمة أنان في سوريا تقتضي مهارات قد لا يملكها، كما يقول مراقبون، فهو يحتاج لمهارات الممثل توم كروز، في فيلم «المهمة المستحيلة»، مثل القفز فوق أعلى ناطحات السحاب، وعليه أن يقفز إذن فوق المعوقات والصعاب والتحديات التي تجعل من الأزمة السورية عصية على الحل. وفي هذا الإطار يرى كبار الخبراء السياسيين في واشنطن أن إمكانات النظام السوري في المراوغة واللف والدوران عالية، وأن نظام الأسد لا يلتزم بأي تفاهمات أو اتفاقيات، وهو ما يجعل مهمة أنان معقدة أكثر ويضع أسئلة استفهام حول الواقعية والحل السلمي اللذين تحدث عنهما أنان في التعامل مع الوضع في سوريا.

ويستبعد هؤلاء أن يحقق الدبلوماسي الغاني العجوز، 73 عاما، نجاحا في الحصول على حلول بين المتضادات السورية والإقليمية والدولية.

الجامعة العربية تدفعه باتجاه تغيير النظام وتسليم الأسد السلطة لنائبه، والدول الغربية تطالبه بتوحيد المعارضة والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى السوريين. وبقناعاته الشخصية، فهو يعارض تسليح المعارضة أو أي شكل من أشكال التدخل العسكري الخارجي بما يجعله أقرب إلى مواقف روسيا والصين أكثر من مواقف الدول الغربية. ويبحث أنان لنفسه عن مساحة وسط هذه المواقف المتناقضة، ويبدو كلاعب سيرك يسير فوق حبل مشدود من الطرفين، وتحته حقل مليء بالألغام، فأي خطوة يخطوها قد توقع انفجارا ما.

الرهان إذن يأتي على شخصية أنان ومهاراته، وما يمتلكه من ثروة من الخبرات الفنية لإدارة أزمات سياسية طوال 30 عاما من العمل في منظمة الأمم المتحدة، فهو أول أمين عام للأمم المتحدة يأتي من صفوف موظفي الخدمة المدنية الدولية. فقد التحق بالعمل في الأمم المتحدة عام 1962 وخدم في أديس أبابا والقاهرة وجنيف، وله معرفة بأنشطة الأمم المتحدة على أرض الميدان وبآراء الموظفين في جميع المستويات. فعمله في مناصب متنوعة داخل المنظمة الأممية أكسبه مهارات تنظيمية وإدارية من خلال عمله في مكتب إدارة الموارد البشرية (1987 – 1990) ومدير الميزانية في مكتب الخدمات المالية (1984- 1987) ورئيس شؤون الموظفين في مفوضية شؤون اللاجئين بجنيف (1980- 1983)، كما اكتسب خبرة الاحتكاك المباشر بالقضايا الإنسانية من خلال اضطلاعه بعدد من المهام الدبلوماسية الحساسة ومنها قضايا اللاجئين وحفظ السلام.

حقق أنان خلال عمله بمنظمة الأمم المتحدة عدة نجاحات لكنه أيضا عانى من عدة إخفاقات. فقد نجح في إطلاق سراح الرهائن الغربيين في العراق عقب غزو العراق للكويت في عام 1990، وقام بإعادة 900 موظف يعملون مع الأمم المتحدة إلى بلدانهم. وأدار مناقشات مثمرة في اتفاق النفط مقابل الغذاء مع صدام حسين للتخفيف من الأزمة الإنسانية في العراق عام 1995. وأشرف على عملية الانتقال من قوة الأمم المتحدة للحماية في يوغسلافيا السابقة إلى قوة التنفيذ الدولية بقيادة حلف شمال الأطلسي عقب إبرام اتفاق دايتون للسلام في عام 1995.

لكن أنان والأمم المتحدة وقفا عاجزين أمام مجازر سربرنيتشا التي ارتكبها الجنود الصرب ضد الشعب البوسني. فعلى الرغم من نجاح الذراع العسكرية للأمم المتحدة، ممثلة في حلف الناتو، في وقف الحرب ببلاد البلقان، فإن النظام الصربي وجيشه «وضعا كرامة الأمم المتحدة في الوحل». ويرى بعض الدبلوماسيين بالأمم المتحدة أن أنان بدا عاجزا أمام أزمات أخرى، خصوصا في الشرق الأوسط، مثل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إضافة إلى الفشل في الكونغو والصومال ودارفور وسيراليون.

يقول سفير فلسطين السابق بالأمم المتحدة رياض منصور «أنان حاول أن يعطي الصراع العربي الإسرائيلي مساحة كبيرة من اهتمامه خلال ولايته الأولى وتراجع في ولايته الثانية بعد الهجمات التي تعرض لها وأدت إلى تكبيل بعض مواقفه وأثرت على صنع القرار في الأمم المتحدة».

شغل أنان منصب الأمين العام للأمم المتحدة خلفا لبطرس بطرس غالي في عام 1997، واستمر في منصبه لدورتين متتاليتين حتى عام 2006، ليصبح الأمين العام السابع للمنظمة. ويؤكد بعض الدبلوماسيين أن أنان حقق إنجازات في إصلاح أجهزة الأمم المتحدة وتطوير رؤية للأمم المتحدة في مسؤوليتها لحماية المدنيين عندما تفشل حكوماتهم عن حمايتهم. عقيدة الدبلوماسي الغاني في عمله تركزت على تحسين مهام عمليات حفظ السلام وتحقيق أفضل استخدام لها، والاهتمام بمجالات مثل التعليم والتدريب.

وأثناء سنوات عمله العشر تم نشر أكثر من 115 ألف فرد من قوات حفظ السلام في مناطق مختلفة من العالم، كما بذل جهودا كبيرة من أجل إنشاء هيئتين حكوميتين هما مجلس حقوق الإنسان ولجنة الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام. ولعب أنان دورا محوريا في إنشاء الصندوق العالمي للإيدز والصحة لمكافحة السل والملاريا خاصة في أفريقيا، واعتمد استراتيجية لمكافحة الإرهاب اعتمدتها الأمم المتحدة بعد أن وافقت عليها الدول الأعضاء، وأكد على مسؤولية المنظمة في حماية الشعوب من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، كما أصدر أنان كتابه «الميثاق العالمي» عام 1999 وركز فيه على تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات. كل هذه الجهود أهلته للحصول على جائزة نوبل للسلام عام 2001.

قال عنه الرئيس الفنلندي السابق مارتي اهتساري إنه أدار مهمة صعبة للغاية وبطريقة نموذجية، وأسهم في إيجاد حلول لنزاعات في أفريقيا وإيجاد حلول لأزمات أخرى. وقال عنه السفير الباكستاني لدى الأمم المتحدة أكرم منير إن فترة عمل كوفي أنان تميزت بمرحلتين؛ الأولى أطلق عليها فترة شهر العسل التي مثلت الخمس سنوات الأولى من ولايته، حيث كان يتمتع بدعم كل الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وانتهت فترة العسل مع مجيء إدارة جورج بوش الابن خاصة بعد الحرب الأميركية على العراق واندلاع فضيحة النفط مقابل الغذاء والتي كانت من المراحل الصعبة في حياه أنان وكادت تطيح به بعد دعوات من أعضاء الكونغرس الأميركي لتنحيته من منصبه كأمين عام للمنظمة.

الذين عملوا مع أنان أثناء توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة أشادوا بنزاهته ودبلوماسيته، وأسلوب حديثه المهذب وبعده الكامل عن أي استثارة من أي جهة، فهو هادئ الطبع في عمله وحديثه وإدارته للأزمات، وقد قضى عمله في الأمم المتحدة دون أن يُغضب منه أحدا رغم الضغوط التي تمارسها الدول الكبرى خاصة أميركا وروسيا.

كان كوفي أنان معارضا للغزو الأميركي للعراق، وطالب في عام 2003 كلا من بريطانيا والولايات المتحدة بعدم الذهاب إلى الحرب دون موافقة الأمم المتحدة. كما طالب واشنطن بالتخلي عن الانفرادية في سياستها والعودة إلى سياسة التعددية والإجماع. وهذه المواقف هي التي تجعل أنان شخصية مقبولة لدى موسكو وتجعل الروس يطمئنون إليه لأنه لا يخضع لإملاءات أميركية أو يقوم بتنفيذ أجندة واشنطن الخفية.

آخرون يعتبرون هدوءه نوعا من السذاجة، ويقولون إنه «يعتقد أن كل الناس تستجيب لحديثه الهادئ العاقل، والحجج المقنعة، فقد صدق أنان وعود صدام حسين بإعادة المفتشين الدوليين عام 1998 وقد أعادهم صدام حسين لعدة أسابيع ثم طردهم ثانية، الموقف نفسه تكرر مع الرئيس السوداني عمر البشير الذي وعده عام 2004 بعدم إرسال الجنجويد إلى دارفور، لكن البشير امتنع لفترة قصيرة ثم أرسلهم ثانية». ولا تزال فضيحة تورط ابنه (كوجو) في الاستفادة من عقود النفط مقابل الغذاء تطارد أنان. ففي يناير (كانون الثاني) 1998 اختارت الأمم المتحدة شركة «كوتيكنا» التي يعمل بها كوجو أنان لمراقبة السلع التي تدخل العراق في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء، وتلقى نجل أنان مدفوعات مالية، وتم تمديد العقد حتى عام 2003 مما أثار الشكوك حول دور كوفي أنان في هذه الفضيحة.

يقول المتحدث السابق باسم الأمم المتحدة فريد إيكهارد إن اللجنة المختصة بالتحقيق في تلك الفضيحة استجوبت كوفي أنان الأمين العام للمنظمة آنذاك ثلاث مرات وإن أحد الاستجوابات استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة. وقال إيكهارد في كتابه «كوفي أنان» إن سمعة أنان تلوثت ظلما بتلك الفضيحة. واتهم إيكهارد الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا، باختلاق تلك الفضيحة بسبب موقف أنان وإصراره على عدم شرعية الحرب على العراق في 2003.

وقد استمرت الشكوك تلاحق أنان خاصة بعد قيامه بشراء قصر يطل على مضيق جبل طارق في أحد أحياء مدينة طنجة الراقية بمبلغ مليوني دولار - وفقا لصحيفة «ذا نيويورك صن» الأميركية. وقالت الصحيفة أيضا إن الأمين العام السابق قد اشترى قبل فترة قصيرة قصرا يقدر بملايين الدولارات في حي راق بجنيف حيث يقطن به حاليا، مما يزيد من الجدل حول ثروة كوفي أنان منذ اندلاع فضيحة النفط مقابل الغذاء.

وكان أنان قد رفض أثناء عمله بمنظمة الأمم المتحدة التصريح بممتلكاته الخاصة بينما أصر الأمين العام الحالي بان كي مون على الإعلان عن ممتلكاته ودعا جميع الموظفين بالمنظمة إلى الاحتذاء به.

مدون السيرة الذاتية لكوفي أنان الكاتب جيميس تروب وصف اختياره مندوبا لسوريا بأنه اختيار منطقي لرجل يتحلى بالهدوء واللباقة لدرجة أن محدثيه يعتقدون ضعفه بينما هو بكل بساطة لم يستسلم للغرور، وحب الذات لم يصبه. ويقول تروب إن برجه الفلكي «الحمل» ينطبق على مواصفات أنان الذي يحمل اسما مركبا؛ الأول كوفي يعني يوم الجمعة (يوم السكينة في غانا) حيث ولد في يوم الجمعة في الثامن من أبريل (نيسان) 1938، والثاني أنان يعني الرابع وهو ترتيبه بين إخوته.

ويرصد ستانلي ميسلر في كتابه «كوفي أنان رجل السلام في عالم من الحروب» الذي صدر عام 2007، مسيرة حياه الرجل من طفولته في غانا، إلى دراسته في كلية ماكاليستر في ولاية منيسوتا الأميركية، إلى وصوله على رأس المنظمة الأممية وحصوله على جائزة نوبل للسلام عام 2001. يقول ميسلر إن أنان حظي بمكانة توازي مكانة نيلسون مانديلا وأدى واجبه كأمين عام للأمم المتحدة كواجب مقدس. وبعد أن ترك أنان منصبه في الأمم المتحدة، واصل جهوده لتلبية احتياجات الفقراء خاصة في أفريقيا واستغل أنان خبرته في التوسط لحل النزاعات في كينيا في أوائل عام 2008 وقاد فريقا تابعا للاتحاد الأفريقي من الشخصيات الأفريقية البارزة للمساعدة على إيجاد حل سلمي للعنف ما بعد الانتخابات.

أسس أنان مؤسسة «كوفي أنان» والتحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا، ويعمل أيضا كعضو فاعل في مجلس الحكماء الذي يضم شخصيات عالمية مثل الرئيس السابق جيمي كارتر وماري روبنسون. ويشغل حاليا منصب رئيس جامعة في غانا، وزميلا في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، ويشارك كعضو فخري في عدد من المنظمات.

ولد كوفي أنان في مدينة كوماسي بغانا وكانت في ذلك الوقت مستعمرة بريطانية. وكانت له أخت توأم هي «افوا عطا» التي توفيت في عام 1991. وينتمي أنان إلى واحدة من العائلات الأرستقراطية في غانا التي تعمل في تجارة الذهب مع البريطانيين. وتعلم أنان في مدرسة داخلية مسيحية أنشئت تحت الحكم البريطاني، حيث كانت غانا تشهد تغييرات جذرية تحت قيادة كوامي نكروما وحركة «من أجل الاستقلال»، وبحلول عام 1957 أصبحت غانا أول مستعمرة بريطانية بأفريقيا تحصل على الاستقلال. وروى أنان في حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» عن فترة صباه قائلا «الناس في جيلي شهدت تلك التغييرات في غانا، ونشأ معها التفكير بأن كل شيء ممكن في الحياة».

وفي سن العشرين غادر كوفي أنان أفريقيا الحارة، للمرة الأولى إلى الولايات المتحدة الباردة، ليدرس بجامعة منيسوتا بعد حصوله على منحة دراسية بكلية ماكاليستر. وفي عام 1961 حصل على شهادة الماجستير من كلية ماكاليستر وانضم في عام 1962 إلى منظمة الصحة العالمية، وأمضى بها ثلاث سنوات قبل أن ينتقل إلى اللجنة الاقتصادية لأفريقيا في أديس أبابا. ورجع أنان إلى الولايات المتحدة مرة أخرى للحصول على شهادة الماجستير في الإدارة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وفي عام 1974 عاد أنان إلى غانا ليعمل مدير تطوير لشركة سياحية لكن الانقلابات العسكرية المتلاحقة التي شهدتها غانا في تلك الفترة جعلته يغادر مرة أخرى إلى الأمم المتحدة ليحقق تقدما مطردا في مسيرته الوظيفية.

وبينما كان أنان يعمل مفوضا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف التقي «ونان لغارغرين»، وهي محامية كانت تعمل مع المفوضية. وتزوجا في كنيسة صغيرة في نيويورك. ولـ«ونان» 3 أبناء من زواج سابق، ولدى أنان ابنة اسمها إيما وابن اسمه كوجو من زواجه الأول.