ليبيا.. في قبضة الميليشيات

نجحت «الثورة» في إنهاء حكم القذافي لكن الأزمة في كل ركن

TT

في الليل تسمع انفجارات ووميض طلقات المدفعية يمرق في الظلام. هنا، حيث مفترق الطرق، تسأل قبل أن تمضي إلى وجهتك. هل هذا قتال جديد بالقذائف المدمرة بين متخاصمين، أم حفل زفاف أم بهجة بفوز فريق ريال مدريد.

لا أحد في هذه المدينة يريد أن يتخلى عن أسلحته وعتاده من سيارات دفع رباعي ومدرعات وشاحنات عسكرية مخيفة تعبر الشوارع وسط السيارات الخاصة المحملة بالعائلات والأطفال. رائحة البارود تعبر أمام أنفك من تقاطع إلى تقاطع. يا إلهي.. ألم تنته الحرب. يقول حسين بن عبد الله الذي يبيع المرطبات في شارع طرابلس بمصراتة ثالث أكبر المدن الليبية التي كان لها اللمسات الأخيرة في القضاء على حكم العقيد الراحل معمر القذافي: نحن اعتدنا على هذا، لكن أصابنا الملل. الدولة لم تعد دولة.

وتشعر غالبية القيادات الليبية، سواء كانت في الحكومة أو من القبائل والأحزاب والتيارات الدينية كجماعة الإخوان، إن الوضع خطير. ولهذا ترى نشاطا وحركة لا تتوقف، سواء من جانب الذين يسعون لوضع الحلول أو من جانب الذين يسعون لوضع مزيد من العراقيل أمام استقرار ليبيا ووحدتها واستعادة مكانتها وهيبتها كدولة في أعين أبنائها قبل أعين العالم الخارجي الذي يراقب الأوضاع الغامضة فيها عن كثب.

وستجري أول انتخابات لاختيار الجمعية الوطنية في الشهر المقبل، من المفترض أن الليبيين ينتظرونها بفارغ الصبر، لكن توجد شكوك أيضا في نجاحها أو مرورها بسلام. ويضيف بن عبد الله الذي حمل السلاح وحارب في آخر معاقل القذافي في مدينة سرت جنوب مصراتة، قبل أن يسلم أسلحته ويعود لمتجره: أي عابر من هنا، سيرى كما نرى في عموم المناطق والمدن الليبية أنه لا توجد يد للسلطة المركزية.

ويعني بن عبد الله بالسلطة المركزية المجلس الوطني الانتقالي التي تشكل على عجل في بداية الانتفاضة ضد حكم القذافي في 17 فبراير (شباط) من العام الماضي، ويرأسه وزير العدل السابق في نظام القذافي، المستشار مصطفى عبد الجليل، وكذا الحكومة التي شكلها هذا المجلس برئاسة عبد الرحيم الكيب. وتقول الحكومة إنها تبذل جهودا مضنية للعبور بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان، لكن يبدو أن هذه الجهود لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، كما يقول سائق سيارة أجرة من أبناء طرابلس مازحا.

وفي المرابيع (أي في غرف الضيافة كما يطلقون عليها في ليبيا)، بدا أن الليبيين ليسوا قلقين فقط على مستقبل بلادهم فقط، بل هم يعرفون أهم المشكلات ويضعون لها الحلول فورا، لكن ما هي الجهة المخول لها الاستماع إلى هؤلاء، وهل لديها إمكانية التنفيذ. هكذا هو الحال في «مرابيع» مصراتة وغيرها من المدن وفي المقاهي وفي سيارات الأجرة. وجد الليبيون أنفسهم، بعد نحو ستة أشهر من مقتل القذافي، بين ثلاث قوى رئيسية.. هناك المجلس الوطني الانتقالي وهناك الحكومة المؤقتة وهناك الثوار.. وبين هؤلاء هناك قوى صغيرة أخرى تمارس ضغوطها، بما فيها قوى خارجية، وبما فيها ربما بقايا عناصر النظام السابق.

ويقول حسن الأمين، وهو معارض فر من نظام القذافي قبل 28 سنة، إلى بريطانيا، وعاد إلى بلاده في خضم عمليات القتال منتصف العام الماضي: نحن في ليبيا لم نصل بعد إلى مرحلة الدولة ولم نصل إلى مرحلة أن وجود حكومة قوية تفرض إرادتها على كافة مناطق ليبيا وعلى كافة مناحي الحياة في البلاد.. هذا غير موجود وما زلنا نتعثر في الوصول إلى هذا الأمر.. الوضع في ليبيا في رأيي ما زال على كف عفريت والرؤية غير واضحة.

ومن كثرة من يمكن أن تلتقي بهم في ليبيا، من الفارين السابقين من نظام القذافي، تدرك إلى أي حد كان الهروب من النظام القمعي طوال الـ42 سنة الماضية أمرا شائعا وواسع النطاق كخيار لا بد منه أمام هذا الشعب المسالم بطبيعته. وعاد من المعارضين السابقين أبناؤهم الذين يحملون جنسيات وثقافات الدول الغربية التي ولدوا وكبروا فيها، من حب للقراءة والاطلاع وقدرة على التعايش في ظل الاختلاف السياسي، والاستعداد لخوض تجربة الديمقراطية بما لها وما عليها.

وتصطدم هذه الثقافة وهذه الرغبة في المشاركة في بناء الدولة الجديدة بالكثير من العقبات. ولذلك فإن جلسات المرابيع المسائية تزخر بكمية كبيرة من العقول التي لديها القدرة على تشخيص أمراض المرحلة الانتقالية والقدرة على كتابة الوصفات العلاجية لها. لكن على أي حال ليس هذا هو الموضوع.. المشكلة، كما يشير امحمد، وهو ابن معارض ليبي كان يعيش في النمسا، هي أن تكون هناك دولة أولا، حتى يمكن لأي ليبي أن يعرف ما يمكنه القيام به سواء كان من أبناء العائدين أو من الذين تحملوا نار القذافي في الداخل طيلة أربعة عقود.

الحلول العملية على أرض الواقع، التي تستنفذ وقت وجهد الكثير من الليبيين سواء كانوا قبائل أو أحزابا أو ناشطين (محليين وعائدين من المنفى) أو حتى ثوارا مسلحين، تكمن في مسائل صغيرة لا يمكن تخيلها.. مثلا: أمضى قادة محليون من قبائل وغيرها، ثلاثة أشهر في سبيل التوصل لاتفاق على حق عائلة في تسلم رفات ابنها الذي دفن في مقبرة على مشارف بنغازي بعد أن قتله الثوار (ويصر ذووه على القول بأنه استشهد) ممن تم قتلهم من عناصر كتائب النظام السابق.

مثال آخر: أسابيع طويلة من الذهاب والإياب بين سرت ومدينة الخمس.. اتصالات هاتفية واجتماعات لمسؤولين، من أجل الاتفاق على إعادة مصوغات ذهبية تقول عائلة من سرت إنه تم مصادرتها من جانب مسلحين من الخمس أثناء القتال هناك خريف العام الماضي. مئات وربما ألوف الجلسات التي تنعقد يوميا في أنحاء متفرقة في ليبيا في مجالس شبه عرفية لحل الكثير من المسائل العالقة منذ انتهاء نظام القذافي، بداية من مطالب برد أموال ومجوهرات، وردع كتائب متهورة، إلى تسويات بخصوص الثأر بين عائلات وقبائل.

نعم.. لا توجد محاكم ولا نيابات ولا أقسام شرطة.. كل هذه المشكلات يقوم الشعب الليبي صباح كل يوم باستقبال أطرافها والدخول في مفاوضات لوضع نهاية لها. أما السلطة الحكومة وسلطة المجلس الوطني الانتقالي، فلا وجود لها على الأرض إلا فيما ندر، ويبدو أنها بعيدة تماما عن مداواة جروح الانتقال النازفة حتى الآن.

وعاد حسن الأمين إلى مصراتة في شهر يونيو (حزيران) الماضي على متن مركب صيد قادمة من تونس، تاركا أسرته وراءه في بريطانيا. وظل يتحرك مع الثوار إلى أن دخل معهم باب العزيزية في أغسطس (آب)، لكنه يرفض شغل أي موقع سياسي. يقول: أريد أن أشعر بالاستقلالية.. هذا يجعلني أخدم وطني بشكل أفضل. لا أريد قيودا على آرائي وتحركاتي ومواقفي.

وغالبية من فروا من جبروت القذافي قديما، مثل الأمين، عادوا من الخارج، لكن تقدم بهم السن، ولذا تجد غالبيتهم يؤسسون أحزابا ومنظمات أهلية على عجل. أما أبناؤهم الشباب، ومنهم من عاد لحمل السلاح ضد القذافي وسط حفاوة من الثوار، فهم يشعرون الآن بالإحباط. بل البعض من الليبيين المحليين ينبذهم باعتبار أنهم ليسوا ليبيين كاملين، خاصة بعد أن حرمهم القانون، وحرم آباءهم، من تقلد المناصب العليا في الدولة باعتبار أنهم من مزدوجي الجنسية.

ولا يتوقف الأمر على المشكلات الموروثة من أيام القذافي ومن أيام الحرب. الآن كل يوم توجد مشكلة. وأنت تسير عبر الطرق الصحراوية الطويلة في هذا البلد المترامي الأطراف (نحو 1.8 مليون كيلومتر مربع)، قد تتعثر في نقطة تفتيش نصبها قطاع طرق فيسلبونك سيارتك ومتاعك.. وقد يعاكس شاب فتاة من ضاحية مجاورة فتشتبك لهذا السبب كتيبتان عدة أيام بالمدفعية الثقيلة ويقتل من يقتل ويصاب من يصاب.

وتسأل حسن الأمين وهو يجلس في المساء في قاعة الرسم الخاصة بشقيقه الفنان محمد الأمين في وسط مصراتة. ماذا يحدث في هذه البلاد؟ فيقول لك: إذا تكلمنا عن الحكومة والمجلس الوطني الانتقالي فهما لا يعملان وفق منظومة واضحة المعالم منهجية لتسيير الأمور بشكل واضح وشفاف.

ويضيف أنه توجد العديد من القرارات التي تؤخذ بارتجال، ربما بعض الأمور تأخذ في الاعتبار قضايا شخصية أو تسويات قبلية، حتى بعض الحلول التي نراها بين الحين والآخر لمعالجة بعض الأمور نراها حلولا تلفيقية.. حلولا مسكنة، وليست حلولا حاسمة. لماذا؟ لأن هذا ببساطة يرجع إلى أنه لا توجد سلطة مركزية قوية تمتلك الشجاعة للتعامل مع الأمور بحسم وأن تكون قراراتها سارية المفعول على الجميع.

داخل سيارة مرسيدس انطلقت من بين مدرعات ومدافع الكتائب التي تحرس نطاق مطار طرابلس الدولي، وصولا إلى «مربوعة» عيت عبد الكافي، ناحية الشمال من مصراتة، ومرورا بالعديد من المدن والقرى، كان السؤال بين الليبيين من مشارب وانتماءات مختلفة هو ما العمل تجاه الأوضاع والمطالب اليومية الملحة في المحافظات والمدن والتي تحتاج إلى تدخل فوري وعاجل من السلطة المركزية.. هنا توجد مشكلة فيدرالية إقليم برقة وهناك توجد مشكلة تأمين الطرق وهنا مشكلة انقطاع للمياه.. وغيرها. من يتصدى للمشكلات القومية التي تحتاج إلى تدخل السلطة المركزية. ثم أين ممثل السلطة المركزية في المناطق المحلية؟

وفي الحقيقة تتباين الحلول بين منطقة ومنطقة.. هناك مناطق وبمبادرات من أهاليها وقياداتها تجد أن وضعها أحسن بكثير من وضع أماكن أخرى. لكن، بشكل عام، إذا تكلمنا عن الحكومة، والمجلس الوطني الانتقالي، فالإجابة الشائعة تقول هنا إنهم لا يشتغلون وفق أولويات معينة. هناك على المستوى السياسي مثلا، توجد أولويات مثل قضية الأرصدة في الخارج ومتابعة الأموال وقضية إحضار عناصر النظام السابق الهاربين والذين يقومون بنشاط معادٍ للثورة الآن ربما في مناطق قريبة من ليبيا، وكذلك قضية توقيع الاتفاقيات مع الجهات الخارجية لتنفيذ مشروعات ضخمة في البلاد.

وينظر الليبيون لمثل هذه الملفات السياسية باعتبارها «ملفات حيوية جدا»، لكن هم لديهم أولويات أخرى ملحة على رأسها ملف جرحى الثورة وعددهم بالآلاف، وهو ملف مهم يرى البعض أنه يجري العبث به حتى أصبح ملفا شائكا ومؤلما.. وأيضا قضية الخدمات، التي عانى منها الليبيون على مدى 42 عاما من حكم القذافي.. «الخدمات والبنية التحتية المنهارة.. وقضية إعادة الإعمار أيضا».

ويقول حسن الأمين: للأسف هذه الحكومة وهذا المجلس لا يعملان وفقا لأولويات ملحة، وبالتالي نجدهم يبعثرون في جهودهم هنا وهناك وهذا بالطبع ينعكس على الوضع العام في ليبيا الذي نراه الآن. وعن السبب وراء ذلك، يقول الأمين: توجد عدة أسباب.. أولا علينا أن نقر ونعترف أن هذا المجلس الوطني الانتقالي الذي أيدناه بكل قوة منذ البداية، على اعتبار أن المرحلة في ذلك الوقت اقتضت وجود إجماع حول هذه الهيكلية وحول شخص مصطفى عبد الجليل، لكن واقع الأمر يقول إن هذا المجلس الوطني جاءت غالبية أعضائه على طريق الخطأ.. يعني مثلا هناك أعضاء في المجلس لم يكونوا داخل ليبيا حين تم تشكيل المجلس الوطني، وتم اختيارهم بشكل غير معروف بحيث يكونون ممثلين لمدنهم ومناطقهم غير المحررة.. وهذا الأمر الآن وضعنا في إشكالية كبيرة. اليوم أصبح لديك مجلس تنقصه الكفاءة من جميع النواحي، ويضم عناصر غير متجانسة أو غير كفؤة، وتفتقر للخبرة السياسية.

وفي الفترة الأخيرة ظهر أن هناك خلافات عميقة تجري تحت السطح بين المجلس الانتقالي والحكومة.. مما طرح العديد من الأسئلة في الأوساط العامة منها هل المجلس الانتقالي يرى أنه مكمل لحكومة الكيب أم أنه يرى نفسه تكتلا ضد الحكومة. لكن يبدو أن الخطوط الفاصلة بين المجلس والحكومة لم تعد واضحة.. والمتابع من الليبيين يلاحظ أن هناك تداخل بينهما..

ويعلق الأمين قائلا: هناك نزعة لدى المجلس الانتقالي وبعض عناصره بأن يقحموا أنفسهم في كل شيء.. يوجد خلل في طبيعة العلاقة بين الحكومة والمجلس الوطني الانتقالي.. العلاقة غير محددة وغير واضحة..

ويضيف: «نحن نعلم أنه خلال الأسبوع الماضي تمت بالفعل عملية تصويت داخل المجلس الوطني وصوت ثلثا أعضائه بإقالة الكيب، وبالتالي هذا الأمر يبدو أنه حين خرج للإعلام كان رد الفعل غير ما يرغب فيه المجلس الوطني من جانب الكيب.. تراجعوا في هذا وهناك احتمال أن تكون هناك تعديلات في ثلاث وزارات سيادية وهذا سيتضح ربما في الفترة القادمة، وبالتالي يوجد خلل في طبيعة العلاقة بين الطرفين، وهناك تجاوزات من قبل المجلس الوطني لصلاحياته وبالتالي هذا انعكس بالضرورة على أداء الحكومة».

وما بين انشغال المجلس والحكومة بعلاقاتهما المتشابكة، أصبحت توجد علاقة فرضها الأمر الواقع، وهو مشكلة كتائب الثوار.. وهذه المشكلة لها عدة جوانب.. فبعد أن وضعت الحرب أوزارها وجد الليبيون أنفسهم أمام كتائب للثوار لديها أسلحة مسيطرة حتى على أماكن وأجهزة مهمة في الدولة الليبية، وهناك أيضا أعداد كبيرة من الثوار رجعوا إلى أعمالهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وانتهت بالنسبة لهم مرحلة حمل السلاح..

هناك أيضا كتائب تشكلت بعد التحرير وهذا، كما يقول حسن الأمين أيضا، خطأ كبير ما كان يجب أن يسمح به، فبعد نهاية الحرب خصوصا في طرابلس وجد الليبيون أن هناك كتائب لم تشارك في الثورة ولم تحارب فيها، وإنما تشكلت بعد الثورة، و«هذا بالتأكيد دافعها ليس دافعا وطنيا ولكن إما لحماية نفسها أو حماية جهات أخرى»، وفقا للأمين الذي يضيف أن «هناك نوعا آخر من الثوار، وللحقيقة يمكن أن يطلق عليهم أشباه الثوار، وهؤلاء هم الذين أخذتهم العزة بالنصر.. وفي الأصل ربما دخلوا الحرب ليس بدافع وطني ولكن بعقلية رامبو.. شباب مهمش شباب ضائع.. شباب أجرم في حقه النظام السابق. وبالتالي هذا الشباب لديه إشكاليات نفسية واجتماعية كثيرة؛ عاطلون عن العمل وغيره».

وأكثر من يأتون بمدفعيتهم للتهنئة في الأعراس وعقب مباريات كرة القدم (دوري أوروبا) هذا النوع من الشباب المسلح صغير السن في طرابلس، وقادتهم المنتشين الباحثين عن الاحترام والأهمية. وبمجرد وصولهم يبدأ إطلاق النار لتحية العروسين بطريقة تشبه الحرب لدرجة أن بعض الجدران تهتز من قوة طلقات المدفعية..

يقول الأمين بينما تنطلق أصوات قذائف من ناحية بحر مصراتة ابتهاجا بعرس جديد: حين جاءت هذه الثورة دخل نوع من الشباب الحرب فأعطتهم الثورة صفة جديدة ومكانة جديدة أشعرتهم بأنهم مهمين.. وحين وضعت الحرب أوزارها طبعا يريد كل منهم أن يحافظ على هذا المكسب، لا يريد أن يعود كما كان في السابق وليس لديه حتى عمل يعود إليه. وبالتالي أصبحوا يشكلون عبئا وثقلا وإشكالية كبيرة والعديد من هؤلاء في الحقيقة هم الآن يعيقون مرحلة التحول نحو الديمقراطية.

وتقول مصادر أمنية في بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، إن بعض رجال الأعمال وبعض التيارات السياسية وكذا بعض عناصر من النظام السابق يهمها أن تستفيد من هذا الوضع المتأزم.. «أشباه الثوار يتم استغلالهم في أشياء ربما غير مقبولة.. البعض منهم أصبح مثل العصابات المأجورة».

ويقول حسن الأمين إن الحكومة ليس لديها القوة الواضحة أو السيطرة على أجهزة الدولة، وبالتالي الثوار يشكلون ثقلا عسكريا لا يستهان به.. «أي بإمكان بعض الكتائب أن تعيق قرارا أو تتخذ قرارا من تلقاء نفسها بتنفيذ أمر معين، ونحن رأينا الأضرحة التي تدمر وأيضا قضية حقوق الإنسان والانتهاكات الموجودة.. وقضية الاعتقالات التعسفية.. أمور كثيرة يقوم بها هؤلاء هي في الحقيقة خطأ بجميع المعايير من منظور حقوق الإنسان ومن منظور جنائي أيضا».

أين يوجد الحل إذن لإعادة الأمور إلى نصابها؟ يرى كثير من الليبيين في حوارات ومناقشات «المرابيع» ضرورة إعادة تشكيل المجالس المحلية بالانتخاب الحر المباشر وبالتالي ترسل المدن بممثليها ليحلوا محل ممثليها غير المنتخبين في المجلس الوطني الانتقالي وبالتالي يعيد المجلس الوطني المنتخب تشكيل الحكومة ويعيد النظر في كل القرارات الصادرة منه سابقا.

ويتفق حسن الأمين مع هذه الرؤية، ويزيد قائلا عن العراقيل التي يمكن أن تفشل انتخابات المؤتمر الوطني المقرر لها الشهر المقبل إن «انتخابات المجلس الوطني في يونيو وفي ظل الظروف الراهنة لا أتوقع أنها ستكون في موعدها، بسبب الأوضاع الأمنية الراهنة التي تعرقل حتى دخول الاستثمارات أو الاستقرار المنشود. ليبيا تحتاج إلى سلطة مركزية قوية ومنتخبة، وهذا أمر يبدو بعيد المنال في ظل الأجواء الحالية».