غاريث بيرس.. «قِبلة» الأصوليين

دافعت عن مؤسس «ويكيليكس» وانتصرت لأبي قتادة وسجناء غوانتانامو وعناصر الجيش الجمهوري الآيرلندي

TT

غاريث بيرس محامية يهودية وناشطة حقوقية دافعت عن المظلومين وغيرت وجه العدالة في أكثر من قضية شهيرة في تاريخ القضاء البريطاني.

مكتبها اليوم بات الملاذ الأخير وقبلة لعدد كبير من الإسلاميين الذين يخافون الترحيل إلى بلدانهم الأصلية أو الولايات المتحدة. وكان دورها كمحامية، انتصرت للحق في الدفاع عن عناصر الجيش الجمهوري الأيرلندي، الذين أخرجتهم بعد 17 سنة من السجن والحبس الانفرادي. مضمون أحد الأفلام، الشهير مثلته ايمي واتسون. ومن زبائنها في الذاكرة القريبة جوليان أسانج مؤسس «ويكيليكس» الذي منعت ترحيله إلى الولايات المتحدة، وعميل المخابرات البريطانية السابق ديفيد شايلر، وأبو قتادة الإسلامي الأردني الذي تتهمه المخابرات الغربية بأنه السفير الروحي لأسامة بن لادن في أوروبا، وياسر السري القيادي المصري مدير «المرصد الإسلامي» بلندن، (هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم) الصادر ضده حكمان غيابيان من محاكم عسكرية بمصر بالإعدام والسجن المؤبد، وكذلك الإسلامي المصري عادل عبد المجيد عبد الباري، المتهم في تفجير السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي، عام 1988، وهاني السباعي مدير مركز «المقريزي» للدراسات الصادر ضده حكم بالسجن المؤبد بمصر في قضية «العائدون من ألبانيا»، وإبراهيم عيدروس زعيم خلية «الجهاد» بلندن، الذي اتهم في تفجير سفارتي أميركا في شرق أفريقيا، وتوفي بعد إطلاق سراحه عام 2008، ودفن في بلده الزقازيق. ودافعت أيضا عن الإسلامي محمود أبو ريدة، المكنى «أبو رسمي الفلسطيني»، الذي قتل في غارة أميركية في أفغانستان عام 2010، وكان أبو رسمي يقيم في بريطانيا منذ عام 1995 حيث احتجز في سجن «بيلمارش» ومستشفى «برودمور» للأمراض النفسية والعصبية من دون تهمة بين ديسمبر (كانون الأول) 2001 ومارس (آذار) 2005 في إطار قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2001.

ويعتبر مكتب المحامية البريطانية اليهودية غاريث بيرس في منطقة كامدن تاون قبلة الإسلاميين في بريطانيا، وكثير من الأصوليين انتقلوا بقضاياهم إلى مكتبها من مكاتب محامين مسلمين بسبب شهرتها واستماتتها في إرجاع الحق وإخراج المظلومين من غياهب السجون ومنع ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، حيث هناك مخاوف من تعرضهم للتعذيب».

وحصدت بيرس شهرتها المدوية في كواليس القضاء البريطاني، من خلال دفاعها عن عناصر الجيش الجمهوري الأيرلندي، ونجاحها في إسقاط قضيتين مهمتين والإفراج عن موكليها، وهما قضيتا جيلفورد 4 وبرمنغهام 6، وكانت إحدى القضيتين سيناريو لفيلم مشهور عن عناصر الجيش الجمهوري الأيرلندي.

وأول دخول لغاريث بيرس إلى بوابة الأصوليين كان عبر قضية الإسلامي الجزائري رشيد رمضة، الذي حكم عليه بالسجن المؤبد في فرنسا العام الماضي، بتهمة المشاركة في التحضير لاعتداءات باريس عام 1995، بعد أن ظلت أكثر من خمس سنوات تدافع ضد طلب ترحيل موكلها إلى العاصمة باريس، ثم حققت بيرس شهرة كبيرة في عملية التحدي الشهيرة عام 1998 في تمثيل موكليها، وأبرزهم الإسلامي المصري هاني السباعي، بعد أن قبضت شرطة اسكتلنديارد بالتعاون مع المخابرات البريطانية على مجموعة من الأصوليين المصريين وسعودي، هو خالد الفواز المعتقل حاليا في بريطانيا.

والمحاماة مثل مهنة الصحافة المثيرة للمتاعب، بل وخطرة إلى حد الموت.. ففي السنوات الأخيرة قتل عشرات الصحافيين في سعيهم وراء الحقيقة والخبر والمعلومة، واشتهر بعضهم وصاروا نجوم مجتمع، ونالت مهنة المحاماة الحظ نفسه.. فكثير من المحامين واجهوا السجون والمتاعب، وأحيانا القتل وإن كان بدرجة أقل. لكن كثيرين منهم صاروا نجوما معروفين من خلال قضايا مثيرة للجدل دافعوا عن أصحابها في مجالات مختلفة، أهمها قضايا الإرهاب. ومن أبرز هؤلاء على الساحة البريطانية الناشطة الحقوقية غاريث بيرس، ومدثر آرني، التي ارتبط اسمها بالدفاع عن أبي حمزة المصري، مسؤول منظمة أنصار الشريعة، التي تعرضت أخيرا للتحقيق بتهم تقديم رشوة لأحد المتهمين في قضية تفجيرات لندن الفاشلة عام 2005. وفي الولايات المتحدة توجد لين ستيوارت، التي دافعت عن عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية المصرية المحتجز في سجن كلورادو على خلفية التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، ودخلت المحامية لين السجن بسببه، بعد إدانتها بمساعدته في تسريب رسائل إلى أتباعه في مصر، فيما يقف منتصر الزيات كأبرز محام للأصوليين في مصر، إلى جانب نبيل الهلالي، المحامي البارز ابن رئيس آخر حكومة ملكية، الذي اشتهر بالدفاع عن الفلاحين والفقراء والعمال مجانا، بل باع أملاكه كلها ليتساوى معهم، فقد كان يؤمن بمبادئ الاشتراكية.

وعودة إلى الناشطة الحقوقية غاريث بيرس التي غيرت تاريخ القانون من خلال المعارك التي خاضتها ضد إساءة تطبيق العدالة. ولعل غاريث بيرس من القلائل على هذه القائمة الذين يؤثرون الابتعاد عن دائرة الضوء، فعلى الرغم من تاريخها الطويل في مجال المحاماة في المملكة المتحدة، لا تزال بيرس تتحاشى الأضواء.

يقول أحد الذين دافعت عنهم وهو الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن لـ«الشرق الأوسط» إن المحامية بيرس تدافع عني منذ اعتقالي عام 1988، وخلال فترة احتجازي في سجن بيل مارش لمدة عشرة شهور، وبعد إطلاق سراحي وحتى اليوم لرفع اسمي الذي وضع ظلما على قائمة تجميد الأموال الصادرة عن الأمم المتحدة». ويضيف السباعي أن بيرس تطمئن موكلها وتشعره بالأمن والأمان بأن هناك سندا قانونيا يحميه من التعسف، ومع محامية وقامة عظيمة مثل بيرس: «كنت أشعر أنني ما زلت في أيد أمينة ورحيمة». ويوضح الإسلامي المصري أن مكتبها في منطقة كامدن تاون بوسط لندن، كان يشعرني أنه مجند لرفع الظلم عن كاهلي، حتى في فترة احتجازي، كانت تسأل عن زوجتي وأطفالي، ومن داخل السجن كان من حقي أن أتصل بها، حتى لو كانت خارج بريطانيا، لأشكو لها وجيعتي من أمر ما.

واعتقل السباعي في عملية «التحدي» بلندن التي شنتها اسكتلنديارد ضد سبعة من الأصوليين المصريين في أغسطس (آب) 1998، وكان ضمن المعتقلين الراحل إبراهيم عيدروس قيادي «الجهاد» المصري المطلوب أميركيا، وسيد معوض، وسيد عبد اللطيف، وأسامة حسن الذي حصل على إقامة مؤقتة بعد الإفراج عنه ثم اختفى وسافر فجأة مع قيادي الجهاد المصري (أبو جهاد) محمد خليل الحكايمة الذي أسس ما يعرف بـ«القاعدة في أرض الكنانة» إلى إيران ومنها إلى أفغانستان عام 2001.

وكانت المحامية والناشطة بيرس ما زالت تزور الإسلاميين وغيرهم من زبائنها في السجون، واتصلت بها «الشرق الأوسط» على مدار يومين الأسبوع الماضي، ولكنها كانت في زيارات ميدانية للسجون حيث يحتجز بعض موكليها. ويقول السباعي: «كانت تأتي إلينا في سجن بيل مارش وتستمع إلى شكاوانا، وكانت ترسل محامين آخرين لمتابعة أحوالنا، وكانت ترسل هيئات حقوق الإنسان لمتابعة أحوال السجناء، وكنا نتلقى بطاقات من منظمات حقوقية وأخرى محلية وبريطانيين عاديين يتواصلون معنا داخل السجون».

ويشير السباعي إلى أنه «مع المحامية غاريث بيرس كنت أشعر أنني أمام أختي أو والدتي أو فرد مهم في عائلتي أوكلت إليه أمري، والإنسان العادي معها في مواجهة القانون حقوقه مصونة، ورغم أنها ليست على ذات الملة، فإنها تحترم عقيدتنا وديننا، وتذهب إلى السجون وتحل كثيرا من المشاكل وتبحث عن حقوق الإسلاميين من جهة تأمين الطعام الحلال والمصاحف وأئمة لصلوات الجمعة والأعياد».

ويقول الدكتور السباعي لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كنت في الحبس في قضية (التحدي) في سجن مركز شرطة بادنغتون غرين بوسط لندن قبل تحويلي إلى سجن بيل مارش شديد الحراسة، سألوني عن اسم المحامي الذي سيدافع عني، فقلت على الفور غاريث بيرس». ودافعت بيرس عن السباعي وإبراهيم عيدروس وعادل عبد المجيد عبد الباري، والأخيران اعتقلا على ذمة التورط في تفجير سفارتي أميركا في شرق أفريقيا عام 1988، وكذلك خالد الفواز المعتقل في بريطانيا على ذمة نفس القضية، والمطلوب ترحيله مع عبد الباري إلى أميركا، وما زالا في انتظار قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ويقول السباعي إن إسلاميين كثيرين حولوا قضاياهم إلى بيرس ليس بسبب شهرتها فقط، ولكن أيضا لطريقة عملها.. «فمكتبها يحوي مجموعة من المساعدين المتخصصين وفريق عمل متكاملا، في الهجرة والجوازات والشؤون الجنائية والمالية والأسرة». وأضاف: «لم أشعر أنها يهودية على الإطلاق، بل إن قصة الديانة تشعرنا باحترامها العميق لمبادئ الدين الآخر، وهي لا تسلم باليد، احتراما لعقائدنا وتشعرنا فقط باهتمامها بحقوق الإسلام والجميع من الإخوة يحبونها».

ودافعت بيرس مرارا لحصول الإسلاميين على حقوقهم في السجون، فيما يتعلق بالأكل الحلال والعبادات وصلاة الجمعة. ويقول السباعي: «حتى اليوم هي محاميتي المفضلة». ويقول السباعي: «ما زلت أتذكر مواقفها الإنسانية الخاصة بإرسال محامين إلى منزلي بعد اعتقالي للسؤال عن زوجتي وأطفالي وتوفير بعض الحاجيات، والسؤال عن إمكانية توصيل ملابس وأغراض لي في سجن بيل مارش، مع رعاية الأسرة خلال فترة غيابي».

ومن أبرز الذين تدافع عنهم اليوم، أبو قتادة الإسلامي الفلسطيني المحتجز حاليا لدى السلطات البريطانية، بزعم أنه الزعيم الروحي لـ«القاعدة» في أوروبا. وتدافع أيضا عن ياسر السري الإسلامي المصري مدير «المرصد الإسلامي» في لندن، الذي اتهم من قبل في قضية اغتيال أحمد شاه مسعود، الزعيم الأفغاني قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول)، قبل تبرئته من المحكمة البريطانية، وأبو ضحى الأصولي الجزائري، وعدد من الإسلاميين الليبيين.

يقول ياسر السري (أبو عمار المصري) مدير «المرصد الإسلامي» بلندن لـ«الشرق الأوسط»: «لقد دافعت عني عام 2001، وفي سجن مركز شرطة بادنغتون غرين بعد اعتقالي على خلفية طلب الشرطة مني تقديم تفسيرات لقضية في اليمن، مكثت تحت الأرض لمدة سبعة أيام، ولم تكن هناك تدفئة، وعندما رأتني استأذنت وذهبت واشترت لي سترة صوفية». ويضيف كسبت غاريث بيرس القضية، وحققت سابقة قضائية، في عدم تمكن الشرطة من الضغط على المعتقلين لتقديم تفسيرات معينة عن حدث ما».

ويوضح السري: «كان في البداية يتولى الدفاع عني في قضايا الهجرة والإقامة محامي باكستاني مسلم، ولأسباب كثيرة انتقلت إلى مكتب المحامية بيرس، وأبرزها الإخلاص الشديد في الدفاع عن زبائنها ونيل الحق لهم، بالإضافة إلى أن المحامين الآخرين يفتقدون المصداقية والعمل المنظم». ودافعت بيرس، في ثمانينات القرن الماضي، عن المتهمين الأربعة في تفجير حانة في غيلدفورد والمتهمين الستة في تفجير حانة في برمنغهام، وهم ضحايا للاضطهاد الذي عانى منه الأيرلنديون في أوج فترة الاضطرابات. وأصبحت بيرس مؤخرًا من المشاركين الرئيسيين في الحرب على تدابير مكافحة الإرهاب الوحشية، حيث مثلت عائلة جين تشارلز دي منزيس، الذي قُتل بالرصاص في محطة مترو أنفاق ستوكويل في هجوم أخرق في إطار مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى معظم بيغ، والذي تم اعتقاله في سجن غوانتانامو. وأدى دفاعها عن هؤلاء الأشخاص الذين يقعون على طرف النقيض تماما مع سلطة الدولة إلى وصفها من قبل الكثيرين من نشطاء حقوق الإنسان بـ«صنو الحقوق المدنية». وتقول إحدى زميلاتها وتدعى السيدة هيلينا كنيدي: «عملت بيرس، على مدار 30 عاما، في المنطقة التي كانت تواجه فيها الفئات المستضعفة سلطة الدولة الباطشة». ودافعت بيرس عن كثير من الموكلين مثل ثلاثي تيبتون (ثلاثة شبان مسلمين من بلدة تيبتون بوسط إنجلترا اعتقلوا في أفغانستان عام 2002)، والجاسوس السابق ديفيد شايلر.

ويقول معظم بيغ سجين غوانتانامو السابق: «تتخصص بيرس في الدفاع عن الأشخاص المنبوذين في المجتمع. أنا أعلم هذا جيدا لأنني أحد هؤلاء المنبوذين». وفي الوقت الذي تتزايد فيه وتيرة ما يسمى الحرب على الإرهاب لتصبح على أشدها، تجد بيرس نفسها الآن تدافع عن عدد من المشتبه بتورطهم في جرائم إرهاب ممن يتم اعتقالهم لأجل غير مسمى في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى هؤلاء الأشخاص الذين عادوا إلى البلاد من معتقل خليج غوانتانامو. وتظل وجهات نظر بيرس حازمة وحماسية كما كانت دومًا، حيث توبخ بيرس الساسة لموافقتهم على ما تراه إجراءات غير مقبولة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، قائلة: «إنكم تستخدمون كلمة الإرهاب لتبرير كل شيء».

وفي كتابها «رسائل من الجانب المظلم: حول التعذيب وموت العدالة»، تؤكد بيرس أن إساءة تطبيق العدالة حفزت على استمرار الصراع في أيرلندا الشمالية، حيث كتبت: «كان الشعور بعدم توفير المحاكم البريطانية للحماية أو العدالة هو ما زاد من حالة الغضب والإحباط التي غذت بدورها هذا الصراع. يجب أن نضع هذا دائمًا نصب أعيننا حين نقوم بتحليل خبرات المجموعة الجديدة المشتبه بها». ويبدو أن خلفية بيرس بعيدة كل البعد عن القضايا التي تتبناها اليوم، حيث تخرجت من كلية شلتنهام للسيدات، وهي الكلية التي تضم صفوة الطبقة العليا في المجتمع البريطاني، ثم درست في جامعة أكسفورد قبل عملها في الولايات المتحدة الأميركية، حيث شهدت الحملة القوية المنادية بالحقوق المدنية في ستينات القرن العشرين. وكانت القيم التي اكتسبتها غاريث بيرس في ذلك الوقت بمثابة حجر الزاوية الذي قامت عليه حياتها المهنية اللاحقة.

وعندما عادت إلى المملكة المتحدة، التحقت بيرس بالدراسات العليا في كلية لندن للاقتصاد، قبل أن يتم تعيينها كمحامية في مكتب محاماة يديره بنديكت بيرنبيرغ. وقال بيرنبيرغ في وقت لاحق إن بيرس قامت «بتحويل مشهد العدالة الجنائية في هذا البلد بمفردها تقريبًا». وسرعان ما لمع اسم بيرس في هذا العالم حين دافعت عن رجلين من منطقة لوتون حكم عليهما بالسجن مدى الحياة لارتكابهما جريمة قتل. وهذا هو السبب الذي كاد أن يجعل مستقبلها المهني مجهولا تقريبا، على الرغم من كونه يستحق التقدير، لولا قيامها بالدفاع عن المتهمين الأربعة في تفجير حانة في غيلفورد. وفي عام 1989، وبعد أن تم الحكم ببراءة الأيرلنديين الأربعة المتهمين بالمشاركة في تفجيرات نفذها الجيش الجمهوري الأيرلندي في عام 1974، والذين دافعت عنهم بيرس بكل حماس، رأت بيرس موكليها الأربعة يتم إطلاق سراحهم في واحدة من أكثر اللحظات الدرامية في التاريخ القانوني البريطاني. وتصدرت براءة الأيرلنديين الأربعة عناوين الصحف حول العالم، وتم تناولها في أحد أفلام هوليوود، ويدعى «باسم الأب». وقد أمضى المتهمون الأربعة في تفجيرات غيلدفورد والذين يشتبه في انتمائهم للجيش الجمهوري الأيرلندي والمتهمين الستة في تفجيرات برمنغهام أعوام طويلة في السجن قبل أن تتمكن بيرس من تبرئة ساحتهم.

وتعلق بقولها في حديث لـ«الغارديان» البريطانية: «أعتقد أن هذه القضايا كانت مليئة بالدروس الخاصة بالسلبية. لقد جاء الفجر متأخرا جدا، حتى أنه من دون دعم المجتمع المحلي بالكامل ومن دون فهم أسباب الصراع والتوصل إلى حل سياسي، ما كان هذا الكفاح المسلح سينتهي أبدا. تم تجاهل هذه الرسالة في الوقت الراهن، حيث إن هناك فشلا تاما محيرا ومرعبا في فهم الدوافع وراء الإسلام السياسي». وعن الدور الذي ينبغي على المحامين القيام به، تقول: «تتضمن مهنة المحاماة عبئا ثقيلا حول تلك التجارب القانونية، إنه حقا أمر مخز. لذلك، ينبغي على المحامين تغيير هذه الأوضاع. إذا رأى المحامون موقفا تتم فيه إساءة استخدام القانون، فينبغي عليهم أن يصرخوا بأعلى صوتهم».

وتقول بيرس إنه في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، قدمت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش «قانون المواطنة»، والذي يضفي الشرعية على اعتقال ما يسمى «المقاتلين الأعداء» بموجب أمر رئاسي ويلغي الأوامر القضائية بضرورة مثول المتهمين أمام المحكمة أو تعرض المعتقلين للتعذيب في أفغانستان أو غوانتانامو أو تسليم المعتقلين إلى بلدان أخرى متخصصة فيما تصفه بيرس بـ«الممارسات الأكثر بشاعة التي تدور حولها العديد من علامات الاستفهام». وتضيف الناشطة الحقوقية: «في بريطانيا، دفع رئيس الوزراء توني بلير البرلمان إلى إقرار نوع جديد من الاعتقال، مدعيا أن بريطانيا تواجه حالة طوارئ مماثلة. تسبب هذا في إلقاء القبض على 12 مواطنا أجنبيا يعيشون في بريطانيا في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2001 وتم إرسالهم جميعا إلى سجن بيلمارش. تم احتجاز هؤلاء الأشخاص لأجل غير مسمى من دون محاكمة ولم يتم إخبارهم أبدا بالتهم الموجهة إليهم ولم تقم الشرطة باستجوابهم أو التحدث معهم ولم يُسمح لمحاميهم برؤية الأدلة الموجهة ضدهم. ولم تحدث ممارسات بمثل هذا السوء أثناء فترة الصراع الأيرلندي». وتشير في لقاء مع «الغارديان» البريطانية أنه عقب التفجيرات التي حدثت في لندن يوم 7 يوليو (تموز) عام 2005، تم عقد بعض الاتفاقيات الدبلوماسية لترحيل بعض المعتقلين إلى بلدانهم، على الرغم من علم الحكومة البريطانية بأن استخدام التعذيب كان لا يزال أمرا روتينيا في تلك البلدان. وتقول بيرس: «جاء معظم هؤلاء المعتقلين إلى لندن ساعين وراء الحصول على اللجوء السياسي لأنهم كانوا يعتقدون أن بريطانيا هي أرض العدالة، ولكن اتضح أن هذه المقولة مجرد مزحة». وفي المملكة المتحدة، يستمر الجدل في المحاكم حول عدم استخدام الأدلة التي يتم الحصول عليها باستخدام وسائل التعذيب وعدم احتجاز الناس من دون محاكمة. يخوض زملاؤنا في أميركا حروبا مشابهة كثيرًا. لقد ربحنا تلك القضايا.