أزمة السلطة المالية.. تهدد بـ «ثورة طناجر»

وضعت فياض في عين العاصفة وطرحت أسئلة حول قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم

TT

طال الغلاء بسبب الأزمة كل شيء تقريبا، الطحين والزيت والأرز والسكر والكهرباء والوقود والغاز والجاز والزيت واللحوم والدجاج والدخان وفي الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وحتى حفاضات الأطفال والحليب وحاجياتهم.. وزاد الطين بله، إعلان الحكومة عن خطط جديدة للتقشف وتعديلات على قوانين ضريبية، والتفكير في إحالة موظفين على التقاعد في أسوأ توقيت ممكن.

«اصطاد فلسطيني، سمكة كبيرة، فلما احتسب سعر جرة الغاز، وكيلو الليمون، وربطة الخبز، وزيت الزيتون، رماها مرة أخرى إلى البحر، فأخرجت السمكة رأسها من الماء، وهتفت، تعيش السلطة الفلسطينية.. تا..عيش».

هذه إحدى أجمل النكت التي يتداولها الفلسطينيون اليوم في البيت والشارع وعلى صفحات «فيس بوك» و«تويتر»، وهي تعكس إلى حد كبير واقعا صعبا يسيطر فيه الغلاء على كل شيء تقريبا، في الوقت الذي يخيم فيه شبح الضرائب على المشهد القاتم، الذي زاده سوادا أزمة السلطة المالية المستفحلة. وبدأ الفلسطينيون عامهم الجديد مع تفاقم كبير في هذه الأزمة المالية، رافقها غلاء كبير في الأسعار، طال كل شيء تقريبا، الطحين والزيت والأرز والسكر والكهرباء والوقود والغاز والجاز والزيت واللحوم والدجاج والدخان وفي الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وحتى حفاضات الأطفال والحليب وحاجياتهم. وزاد الطين بله، إعلان الحكومة عن خطط جديدة للتقشف وتعديلات على قوانين ضريبية، والتفكير في إحالة موظفين على التقاعد في أسوأ توقيت ممكن.

والناس في الأراضي الفلسطينية، مهتمون الآن، بالشأن الاقتصادي أكثر من السياسي، وهو ما دفعهم في فترات متراوحة إلى الخروج في مظاهرات ضد الغلاء فيما لم يخرجوا في مظاهرات أخرى كثيرة. وعلى مدار شهور ماضية تفاقمت أزمة السلطة المالية المتكررة، إلى حد كبير لم يعد مقبولا، اضطرت معها السلطة إلى الاستدانة من البنوك، وتأخير دفع رواتب موظفيها، وتأجيل تسديد التزاماتها لكثير من الشركات والمؤسسات. وانفجرت الأزمة المالية في وجه رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، في أوج معركته التي كانت قائمة على الاستغناء عن المساعدات الخارجية حتى العام المقبل، والانتهاء من بناء الدولة الفلسطينية. وهو ما ترك أسئلة كثيرة مفتوحة حول الأداء الحكومي المالي وقدرة السلطة على بناء وقيادة الدولة، وإلى أي حد يمكن للفلسطينيين الاستغناء عن المساعدات الخارجية.

ومرة أخرى وجد فياض نفسه يدفع الثمن، كما فعل عندما تسلم خزينة مديونة، وعندما راح يجوب العالم لجلب الدعم المالي، وعندما أراد أن يستغني عنه، وعندما راح يعمل لإقامة الدولة، وعندما تعطلت، وعندما أراد أن يبني اقتصادا قويا، وعندما فشل ذلك، وعندما انفجرت الأزمة في وجهه وعندما أراد أن يعالجها بقوانين ضريبية وتقشفية. وحتى الآن، لا آفاق واضحة فيما يخص أزمة السلطة المالية، التي ظهرت خلال الشهور الماضية، بأبشع صورها، عندما عجزت السلطة عن دفع رواتب العاملين لديها في موعدها، وأجلت دفع ما عليها من التزامات للمؤسسات والشركات الكبرى، في مشهد تكرر كثيرا، مع عدم وفاء كثير من المانحين العرب بالتزاماتهم وتراجع حجم الدعم الأجنبي.

ويعكس ركود الأسواق الكبير الآن وتذمر الناس، واقع الحال من الرأس وحتى القاعدة.

وقال موظفون في شركات كبيرة إنهم مهددون في أرزاقهم بسبب تراجع الدخول، وقال موظفون في السلطة إن رواتبهم لم تعد تكفيهم لأول 10 أيام، وهذا انعكس تماما على الحركة الشرائية في كل السوق. وقال محمد علي، وهو صاحب محلات إلكترونية، «هذا أسوأ وضع اقتصادي نعيشه منذ سنوات، الركود كبير جدا». وأضاف «الناس مش عارفه إذا راح تقبض ولا لا، السوق يعتمد إلى حد كبير على الموظفين الآن، وبصراحة اللي معو شوية مصاري لن يغامر بشراء أي شيء، ينتظر ليرى». وهذا حال كثير من التجار اليوم، وأغلق مصطفى بريجية، محلات الملابس التي كان يملكها، وقال إنه يفكر في الهجرة إلى بلد آخر. وأضاف «الناس مخنوقة، الدخل قليل والغلاء كبير».

وثمة نكته أخرى يتداولها الفلسطينيون في الشارع، واستخدمها عدة مرات رئيس نقابة الموظفين العموميين في حديثه مع وسائل الإعلام، وهي أن الفلسطينيين يتقاضون رواتب الصومال ويشترون بأسعار لندن. وحتى الشركات الرئيسية الكبيرة، أصبحت مهددة، وتهدد، ومثلا، حذرت مؤخرا شركات أدوية في الضفة الغربية من احتمال توقفها عن توريد أدوية للمستشفيات وإعلان إفلاسها بسبب عدم تسديد السلطة الفلسطينية ديونا مستحقة لهم منذ منتصف عام 2010. وأشار اتحاد شركات الأدوية والتجهيزات الطبية في الأراضي الفلسطينية إلى أن الشركات مثقلة بالديون البنكية ومهددة بالانهيار رغم المطالبات والمناشدات المتكررة لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض لتسديد مستحقات هذه الشركات.

وقال الاتحاد إن ديون شركات الأدوية على السلطة تفوق ثلاثمائة مليون شيقل (80 مليون دولار)، موضحا في بيان له أن عدم تسديد مستحقات الشركات لفترة طويلة أفرغ مخازنها من الأدوية والتجهيزات الطبية والمخبرية، مما يشكل خطرا كبيرا على الوضع الصحي.

إذن تكاد أزمة السلطة، مع غلاء الأسعار، تطال كل شيء. وهذا ما انعكس أيضا على واقع البطالة في بلد يريد أن يبني دولة واقتصادا.

ويؤكد تقرير للإحصاء الفلسطيني نشر هذا الأسبوع، بمناسبة يوم العمال العالمي، ارتفاع معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية، حيث بلغ من بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة 15 سنة فأكثر 21 في المائة (نحو 222 ألف عاطل عن العمل)؛ 19 في المائة للذكور و28 في المائة للإناث، أما في الضفة الغربية فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل 124 ألف عاطل عن العمل نحو 17 في المائة من المشاركين في القوى العاملة 15 سنة فأكثر؛ 16 في المائة للذكور و23 في المائة للإناث، في حين بلغ العدد 98 ألف عاطل عن العمل في قطاع غزة نحو 28 في المائة من المشاركين في القوى العاملة 15 سنة فأكثر؛ 26 في المائة للذكور و44 في المائة للإناث خلال عام 2011.

هذه البطالة مع الغلاء الكبير ووجود أزمة مالية ومقترحات ضريبية، هو الذي دفع الناس قبل شهرين للخروج إلى الشوارع، وثمة توجهات الآن لتكرار المسألة. ولأول مرة منذ تأسيس السلطة، يقرع رعاياها على الطناجر الفارغة في شوارع المدن الفلسطينية، في إشارة إلى الوضع الاقتصادي المتردي في الأراضي الفلسطينية. وهتف المتظاهرون، ضد سياسات فياض، وضد الارتفاع الكبير في الأسعار، ورفعوا شعارات، «أرهقتونا وتحت الفقر عيشتونا» و«عنا بطالة مجنونة كل الناس مديونة».

وكان هذا المشهد يعكس الغضب المتنامي في صدور فلسطينيين لم يتلقوا رواتبهم وآخرين أرهقهم الغلاء دون حلول، وكلهم تحت الاحتلال.

وحمل الشبان الغاضبون في نابلس شعارات من بينها «مع الغلاء الحالي.. الزواج أصبح مثل الحج من استطاع إليه سبيلا»، و«نريد عدالة»، ورفعوا في بيت لحم، شعارات «لا للفقر.. لا للغلاء.. لا للبطالة» وفي رام الله «فاض الكيل وبدنا نعيش»، وفي الخليل، «نريد حكومة رعاية وليس حكومة جباية». وتصدى السياسيون والاقتصاديون لفياض.

ووصف أستاذ الاقتصاد في جامعة بير زيت في رام الله والخبير الاقتصادي، نصر عبد الكريم سياسات فياض المالية بأنها لا تنصف الفقراء ولا الأغنياء، واتهم الخبير الاقتصادي عمر شعبان فياض بأنه يبني اقتصاد «الكابتشينو» أو «البشار» (الفشار) قائلا إنه لا يغني ولا يسمن من جوع وطالبت النائبة نجاة أبو بكر، رئيس الوزراء ووزراءه بالنزول إلى الشارع للتعرف على الحياة الصعبة التي يعيشها الناس في ظل ارتفاع الأسعار. وقال خضر كمال، عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني، «الحكومة تحولت إلى جابي ضرائب وهدفها نهب جيوب الشعب، ولم تعد قادرة على الإقناع بأنها تعمل على تعزيز صموده» وقال عثمان أبو صبحة، أحد قادة المبادرة الوطنية «هذه البداية، وسنواصل من أجل الحصول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لشعبنا».

وفي هذا الوقت، بدا فياض كمن يعاقب.

فدخلت حركة فتح بقوة على خط الحرب المعلنة على خططه المالية، وهاجم محمد أشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ووزير الإسكان الأسبق، سياسة فياض، داعيا إياه للتراجع عنها لما تنطوي عليه من مخاطر على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية. وقال أشتية في بيان حاد، «الإصلاحات المالية لا تكون بجلد المواطن والمزارع ورجل الأعمال، ولا بإزاحة آلاف الموظفين تحت مسميات التقاعد المبكر، الذي سيكون له مردود اجتماعي وسياسي كبير»، محذرا من أن وزير المالية (فياض) «يدخل في مغامرة اقتصادية غير محسوبة النتائج إذا استمر في تبني مثل هذا البرنامج».

وطالب أشتية، وهو أحد أهم خبراء الاقتصاد في حركة فتح، فياض، بالتراجع عن قرار زيادة الضرائب ووقف التقشف وكافة الاقتطاعات قبل الدخول في حوار وطني شامل يضم كافة المفاصل الاقتصادية والسياسية في الأراضي الفلسطينية، مضيفا «الضرائب المفروضة اليوم لا تتناسب مع المداخيل، لأن السلطة ورثت هذه الضرائب، وهي تنسجم مع حجم الاقتصاد الإسرائيلي ودخل الفرد هناك». وقال أشتية، «أنا لا أعتقد أن السلطة قادرة على الاستمرار في هذا النهج، حيث إن نسبة النمو في الأراضي الفلسطينية تراجعت من 9 في المائة عام 2010 إلى 3 في المائة عام 2011، هذا عدا النمو السلبي في قطاع غزة، أضف إلى ذلك أن هناك ارتباكا واضحا في إدارة الملف المالي والاقتصادي بسبب سياسات المانحين والإجراءات الإسرائيلية على الأرض وبعض السياسات التي تحتاج إلى مراجعة».

وأضاف «ما يهمنا أن نقوله هو أن هذه الأزمة ليست حديثة، بل هي نتيجة سياسات متواصلة طيلة السنوات الأخيرة، لأنه وعلى الرغم من أن الحكومة الحالية اعتمدت سياسة مالية لخفض العجز فإن الخوف هو أن المساعدات الدولية هي التي انخفضت وليس شيئا آخر». ويرى أشتية أنه عندما ينجز الاستقلال «يمكن أن نتصرف كدولة»، أما الآن «فنحن سلطة تابعة لا تملك مقومات العيش، لأن إسرائيل تسيطر على مقدراتنا ومعابرنا ومائنا وأرضنا وكل ما نملك». واعتبر أشتية، في موقف قد يعكس موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كون أشتية مقربا منه وعضوا في مركزية فتح، «أن الغضب الشعبي، وحالة الإحباط التي يعانيها الشعب مبرران»، وأردف «فعلى سبيل المثال، سعر كيلوغرام السكر في تل أبيب يعادل سعره في رام الله، وسعر لتر البنزين يعادل أسعار تل أبيب بل أكثر. ولكن معدل دخل الفرد في إسرائيل يقدر بـ30000 دولار، في حين لا يتعدى دخل الفرد الفلسطيني 800 دولار في غزة و1300 دولار في الضفة الغربية».

ومضى يقول «إذن، الأسعار لا تتماشى مع دخل المواطن، وهي محملة بالضرائب أصلا، هذا فضلا عن أن زيادة الضرائب قد ينتج عنها تهرب من الضرائب، وبالتالي لا تتحقق النتيجة المرجوة من قانون كهذا». وانتقد أشتية الحديث عن اقتصاد الضفة الغربية وكأنه اقتصاد سنغافورة، وقال «ذلك لم يكن صحيحا أيضا، لأن النمو الاقتصادي في الأعوام السابقة كان نتيجة المساعدات الدولية وليس بسبب القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني». وتراجع فياض تحت الضغوط الشعبية، غير أنه لم يهتز.

تراجع عن نصف خطته التقشفية وعدل على الشرائح الضريبية ودخل في حوار وطني لمواجهة الأزمة المالية لم تتضح معالمه بعد، ودافع عن نصف خطته الثاني. وقال فياض على صفحته على «فيس بوك»، حتى لا يحمله احد أكثر مما يحتمل، «صحيح أن ما نتحدث عنه يشكل زيادة في العبء الضريبي، ولكن على من له القدرة على الدفع سواء مواطن عادي أو شركة. نحن نتحدث عن ميسورين أو شركات».

ولم يقبل فياض الاتهامات المبطنة له بتحمل المسؤولية، وكشف أوراقه. وقال، «لقد تسلمت الحقيبة الحكومية وكانت خزينتها، ليس فقط خاوية ولكن مثقلة بالديون. مليار دولار أجورا متأخرة للموظفين، والتزامات للقطاع الخاص متراكمة، نحو 900 مليون دولار، وديون للبنوك المحلية، نحو مليار ونصف مليار دولار ديون للصناديق العربية. وقد عملت الحكومة بواجبها الوطني على سداد تلك الديون والتزمت حتى آخر قرش فيها». وأضاف: «انتهجنا سياسة مالية تهدف إلى تقليص الاعتماد على المانحين لأغراض الموازنة تدريجيا، وصولا إلى الاستغناء عنها بالكامل بحلول عام 2013. نجحت هذه السياسة في تقليص الاعتماد على المانحين بنسبة النصف، إذ تقلصت من 1.8 مليار دولار عام 2008 إلى 970 مليون دولار في 2011. وحاربنا الفساد وأعدنا بناء البنية التحتية وتطوير الجهاز الأمني والخدمات، وبناء مؤسسة أمنية وخدماتية تعمل بكفاءة. وطورنا مفهوم الدولة إلى دولة المؤسسات، وأكملنا الجاهزية لإقامتها». ولم يسكت فياض، بل هاجم مهاجميه، وقال «بصراحة نريد أن نتجاوز الشكوى، ما ينبغي ليس متحققا، ونريد حلولا عملية». منتقدا ما وصفه بـ«التحريض والتشويه والاصطفاف» الذي مورس ضده. وتساءل فياض «لمصلحة من تدار هذه المعركة؟»، كما هاجم فياض حكومة حماس في غزة، وقال إنها تساعد، بشكل مباشر وغير مباشر، في العجز، إذ تمنع حكومة حماس التجار من تسليم السلطة فواتير ضريبة القيمة المضافة للبضائع التي تشترى من إسرائيل، وتحصل السلطة على جزء من ضريبتها حسب الاتفاقات. وقال فياض، «للأسف، هناك تسريب غير واع بالمطلق للأموال المدفوعة أصلا من المواطنين إلى خزينة حكومة الاحتلال»، في إشارة إلى الفواتير التي تمنع من تسلمها السلطة. وأضاف: «أقول بصراحة وألم كبير، لماذا لا نستطيع التعامل مع فاتورة الكهرباء المستوردة من إسرائيل إلى قطاع غزة، التي تغطي نحو 120 ميغاواط، هل يعقل أن 45 مليون شيقل شهريا ثمن كهرباء 120 ميغاواط لا تستطيع شركة كهرباء غزة أن تدفع منها شيئا؟! هذا الكلام غير مقبول»، وأردف «لا بد من وقف هذا الهدر والنزيف في المال العام».

سبب آخر، أشار له فياض، وهو قلة الدعم العربي للسلطة الفلسطينية، وقال فياض إنه لم يتجاوز في العام الماضي 283 مليون دولار، منها 200 مليون قدمتها المملكة العربية السعودية. ولا يوجد لدى السلطة تفسير معلن لقلة الدعم العربي، غير أن مسؤولين فيها يلمحون إلى استجابة العرب مع ضغوط أميركية أو لمصلحة الانقسام الفلسطيني. وعلى أي حال فلا تهدد الأزمة المالية الاقتصاد وحياة الناس وحسب، بل حلم الدولة أيضا.

وكان البنك الدولي قد حذر في الشهر الماضي من أن استمرار العجز المتفاقم في موازنة السلطة الفلسطينية، سيعرض للخطر المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة، بما فيها مشروع بناء وإقامة الدولة. وأرجع تقرير للبنك الأزمة المالية الفلسطينية الحادة إلى عدة أسباب، في مقدمتها القيود الإسرائيلية، وانخفاض مساعدات المانحين، داعيا إياهم إلى مواصلة المساعدات، وكما دعا إسرائيل إلى التخفيف من القيود المفروضة على إدخال السلع إلى المناطق الفلسطينية وزيادة رقعة التعاون في مجال تبادل المعلومات الجمركية والضريبية مع السلطة الفلسطينية، والسلطة إلى اتخاذ خطوات لجذب الاستثمارات.

ويقدر البنك الدولي ويقر الجهود المهمة التي تبذلها السلطة الفلسطينية من أجل تخفيف الأزمة عن طريق تحسين مستوى تحصيل الإيرادات المحلية وخفض الإنفاق، ولكنه اعتبر أن كل هذه الجهود «سيكون لها أثر محدود في ظل عدم زيادة التعاون من الجانب الإسرائيلي». وطالب البنك بتبادل المعلومات الضريبة ذات الصلة بين السلطة وإسرائيل، وإلى تطبيق اتفاق بين وزارتي المالية الفلسطينية والإسرائيلية «يمكن أن يقلل بشكل كبير من التهرب من الضرائب» في نسب قد تقلل النقص المتوقع في المساعدات الخارجية بأكثر من 15 في المائة.

كما طالب المانحين بمواصلة تقديم المساعدات الإضافية على المدى القصير، واصفا ذلك بضرورة ملحة، «ذلك لأن السلطة الفلسطينية، لا تستطيع ببساطة اتخاذ خطوات كافية لخفض العجز المتكرر المتوقع في الموازنة سعيا إلى الوصول إلى مستوى المساعدات المتوقعة في الوقت الحاضر».

ورغم إقرار البنك الدولي بوجود نمو في الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، فإنه قال إن ذلك ليس نموا مستداما. ومن وسط هذه الصورة القاتمة، أطل فياض مرة أخرى وفجأة، ووعد الناس بحل الأزمة خلال شهرين، وقال إنه يمكن تجاوز الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية منذ نحو عامين، خلال شهرين فقط، وذلك بعد وصول مساعدات مالية دولية مفترضة. واقترح فياض حتى ذلك الوقت، اقتراض مبلغ كبير من البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، وطلب من البنوك إقراضه مبلغ 300 مليون دولار، وقال على هامش حفل مصرفي، «هناك تحركات مهمة على الصعيد الدولي فيما يتعلق بتقديم العون للسلطة الوطنية، وهي تحركات إيجابية فيما يبعث على الثقة بأننا سنتجاوز الأزمة المالية ربما منتصف الشهر القادم، وحتى ذلك، أمامنا خياران، إما الانتظار حتى تنفرج الأزمة، ولدينا ما يبعث على الثقة في ذلك، وإما أن تقوم البنوك بشكل استثنائي بتقديم قرض مجمع قيمته 300 مليون دولار». وسيرفع القرض الجديد مديونية السلطة إلى نحو 1.5 مليار دولار.