عبد الباسط سيدا.. صوت الأقليات

أحد مؤسسي المجلس الوطني السوري ثم رئيسه.. قضى حياته في المنفى لمعارضته حكم عائلة الأسد

TT

لم يأت عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري المعارض الجديد، من المجهول.. بل سبقه نضال امتد لعقود، ضد نظام أسرة الأسد في سوريا.. محاربا من أجل إعادة حقوق السوريين جميعا وفئة الأكراد التي ينتمي إليها.

ويُجمع أعضاء المكتب التنفيذي والأمانة العامة في المجلس الوطني السوري الذين توافقوا الأسبوع الماضي على اختيار سيدا كرئيس للمجلس خلفا لبرهان غليون، بأن انتخابه في هذه المرحلة سيكون رسالة واضحة وصريحة للداخل السوري كما للمجتمع الدولي. فالرسالة تقول إن المجلس الوطني الذي يشكل الواجهة الأولى والأوسع لقوى المعارضة السورية والتي تسعى لإسقاط نظام بشار الأسد، بدأ يقرن أقواله بالأفعال بانتخابه شخصية كردية. فالرسالة أيضا تطمئن كل «الأقليات السورية دون استثناء بأن مكانها محفوظ في مرحلة ما بعد الأسد. وسيكون معيار الكفاءة هو المقياس الأوحد لتولي المناصب بغض النظر إلى أي مكون تنتمي».

يقول عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني أحمد رمضان، إن سيدا «عنصر مؤسس للمجلس الوطني السوري وأحد رواده الذين واكبوه منذ أن كان مجرد فكرة»، مشددا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على وجوب التعامل معه كشخصية سورية وطنية قبل أن يكون شخصية كردية تمثل مكونا اجتماعيا. ويضيف «لطالما سعى سيدا ومنذ بدء عمله النضالي الوطني إلى الدفاع عن حقوق الشعب السوري بشكل عام قبل تبنيه قضية الشعب الكردي وهو ما جعل منه شخصية توافقية ومقبولة من الجميع بالإضافة إلى حرصه على العمل الجماعي وإصراره على أن يكون العمل نابعا من رؤية فريق وليس رؤية فرد.. وهذه من مزايا الرجل القيادي». ويتحدر سيدا، 56 عاما، من منطقة عامودة في محافظة الحسكة السورية، ذات الأغلبية الكردية.. وهاجر إلى السويد منذ نحو عشرين عاما، وقضى معظم سنوات عمره في المنفى بسبب معارضته لنظام الحكم في بلده. فبعد حصوله على دكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشق، انتقل إلى ليبيا حيث عمل في مجال التدريس الجامعي لمدة ثلاث سنوات، ثم رحل إلى السويد حيث استقر هناك متفرغا لتدريس الحضارات القديمة ومنصرفا إلى العمل الأكاديمي والأبحاث والكتابة الفلسفية.

يقول أحد أعضاء المجلس الوطني إن سيدا كان المرشح الأوفر حظا، رغم وجود منافسين، لكنه حاز على المنصب بالتوافق. فهو يتمتع بشخصية مستقلة ومعتدلة وهي صفات مطلوبة لمواكبة المرحلة الحالية. وتقول مصادر في الأمانة العامة للمجلس لـ«الشرق الأوسط» إننا «لم نعارض التوافق على سيدا ولكننا كنّا نفضل أن يُفتح باب الترشح لأي شخصية في الهيئة العامة على أن يمارس أعضاء هذه الهيئة حقّهم بانتخاب الأكفأ وأن يكون لديهم أكثر من خيار».

هو رجل تصالحي، ونزيه، وتوافقي.. صفات يُجمع عليها أصدقاء سيدا في المجلس. فنجيب الغضبان، عضو لجنة العلاقات الخارجية للمجلس الوطني والذي يتحدث عن صداقة قديمة تجمعه مع سيدا، يصفه بـ«الوطني المناضل» مذكرا بأنّه كان عضوا بمجموعة الـ74 المؤسسة للمجلس الوطني.

يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «سيدا يترأس المجلس في مرحلة يحتاج فيها لتأسيس عمله بطريقة تواكب تقدم الثورة على الأرض والتي باتت تسبقنا في كثير من الأحيان، وبالتالي على الرئيس الجديد أن يعمل وبإطار الفريق على الاستفادة وبقدر الإمكان من الحراك الدولي الجديد الذي ينتفض حاليا بوجه مجازر الأسد غير المسبوقة».

سيدا الذي لا يملك وبحسب منسق العلاقات الخارجية في المجلس الوطني السوري في أوروبا منذر ماخوس «خبرة سياسية كبيرة»، عمل ومع أكثر من 74 شخصية معارضة على تأسيس المجلس الوطني السوري في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 2011 في اسطنبول. وهو قبل توليه الرئاسة عضو في المكتب التنفيذي للمجلس ورئيس مكتب حقوق الإنسان فيه. ويقول سيدا عن تلك الفترة في مقابلة صحافية أجريت معه العام الماضي «قررنا أنا و24 أكاديميا وخبيرا سوريا من جميع أنحاء العالم الاجتماع في إسطنبول في أغسطس/ آب (2011) ووصلنا إلى قناعة بضرورة تأسيس مجلس وطني. كان ذلك آنذاك أقرب إلى الحلم». حلم سيدا بإنشاء المجلس الوطني وتوسعه أصبح واقعا. هو انتقل اليوم وبحسب ما يقول إلى محاولة تحقيق حلم أكبر «إسقاط النظام والسعي لبناء سوريا ديمقراطية جديدة».

هو وقبل انتخابه بساعات وردا على سؤال حول أهمية اختيار شخصية كردية لتولي المجلس، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الاختيار دليل واضح على أنّ السوريين بلغوا درجة عالية من النضج التي تضع المواطنة في الأولوية وتجاوزوا النعرات والانقسامات الطائفية التي يحاول النظام تغذيتها وصولا إلى الحرب الأهلية»، مضيفا «من هنا نؤكّد أنّ المجتمع السوري لا يزال محصنا ضدّ الطائفية ومتوافقا على مبادئ الثورة للوصول إلى وطن ديمقراطي مدني يجمع كلّ الطوائف والأحزاب». وينظر عبد الباسط سيدا إلى النظام السوري اليوم على أنّه «بات في المراحل الأخيرة»، مشيرا إلى أنه فقد السيطرة على بعض مناطق دمشق وعدد من المدن. ويضيف: «دخلنا مرحلة حساسة. المجازر المتكررة والقصف المركز على الأحياء الآهلة بالسكان تشير إلى تخبّطه». وفي موقفه من الجيش السوري الحر، يؤكد سيدا أن المجلس سيدعم «الجيش السوري الحر بكل الإمكانات»، بالتزامن مع تركيز العمل على «متابعة الجهود في الميدان الدولي من أجل اتخاذ موقف حاسم تجاه النظام الذي يواصل ارتكاب المجازر». وعمّا إذا كان «الموقف الحاسم يعني تأييد ضربة عسكرية»، قال سيدا إن «مبادرة الموفد الدولي كوفي أنان ما زالت قائمة، لكنها لا تطبّق. وسنسعى عن طريق مجلس الأمن لإدراجها تحت الفصل السابع من أجل إلزام النظام بتطبيقها وترك كل الاحتمالات مفتوحة». وفيما يتعلق بالمجلس الوطني بعد الخلافات التي نشبت بين مكوّناته، أقرّ سيدا بأن «التحديات كبيرة»، لكن «التركيز الأساسي سيكون على إعادة هيكلة المجلس الوطني». وأوضح أنه «سيتواصل مع كل الفصائل من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة» في هذا المجال. وأضاف «أنا على استعداد للتواصل مع القوى التي تريد الانضمام إلى المجلس الوطني»، كما «سنعمل على توثيق العلاقات مع الحراك الثوري والجيش السوري الحر».

وتعتقد مصادر في المعارضة السورية أن انتخاب سيدا قد يساعد في اجتذاب تأييد مزيد من الأكراد، فيما يؤكد عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني، بسام إسحاق، أن سيدا انتخب «لتحقيق مطالب من داخل المجلس ومن جانب المعارضة داخل سوريا، إضافة إلى القوى الدولية لجعل المجلس أكثر ديمقراطية». ولفت إلى أن رئيس المجلس الانتقالي الجديد «سيعمل على عقد اجتماع لكل أعضاء المجلس بعد شهر، قد يتم خلاله انتخاب أمانة عامة جديدة ورئيس جديد»، ما قد يجعل احتلال سيدا لموقع الرئاسة أمرا مؤقتا.

وبينما لا تتردد بعض الشخصيات الكردية عن إعلان تحفظها على ترؤس سيدا للمجلس الوطني في هذه المرحلة بالذات نظرا لصعوبتها ودقتها وبالتالي تفاديا لتحميل الأكراد مسؤولية أي فشل قد تحمله الأيام القادمة، يتحدث إبراهيم اليوسف، الممثل عن اتحاد تنسيقيات شباب الكُرد وعضو المجلس الوطني عن ثقة كبيرة يحظى بها سيدا في صفوف أكراد سوريا الذين قرأوا بانتخابه رئيسا للمجلس الوطني رسالة طمأنة لهم كما لكل أقليات سوريا. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «سيدا كان خير مراقب للمرحلة الماضية وبالتالي عرف مكامن الخطأ وهو سيسعى لتجاوزها في مرحلة رئاسته شرط ألا يعتمد على المصفقين من حوله».

ويعدد اليوسف الذي رافق سيدا على مدى 30 عاما بعض صفاته قائلا: «واسع الصدر لأي نقد وهو يتقبل الآخر وكل ما قد يصدر عنه.. صادق، شفاف وديمقراطي». ويحظى سيدا باحترام لدى مكونات المعارضة السياسية كافة، وحتى العسكرية التي تأمل أن يعطي انتخابه دفعا للمجلس الوطني. ووفق قياديين في الجيش السوري الحر، فإن المطلوب من سيدا أن يدفع المجلس الوطني للسير بنفس وتيرة الثورة ميدانيا وأن يعمل على دعم الجيش الحر وتسليحه. وكان سيدا في أول خطاب رسمي له بعد انتخابه قد أعاد التذكير بأن المجلس الوطني هو الواجهة السياسية للجيش الحر.

ويعتبر معارضون في المجلس الوطني أن من شأن انتخابه أن يؤدي إلى تحقيق خطوات إضافية على طريق توحيد المعارضة وجعل المجلس الوطني أكثر فاعلية، خصوصا أنه يلقى رضا أعضاء المجلس الوطني. ويعول المعارضون أنفسهم على «نفس جديد» من شأن سيدا أن يمد المعارضة السورية به، نفس يجعل المعارضة تتقدم بخطوات أسرع لملاقاة الثورة الشعبية التي تسير بسرعة أكبر للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

وفي موقف لافت صدر عن سيدا مؤخرا، أعرب رئيس المجلس الوطني عن «استعداد المجلس لإصدار وثيقة خاصة بالطائفة العلوية من أجل التأكيد على ثوابتنا التي عبّرنا عنها في وثيقة العهد الوطني»، وأضاف: «المشروع الوطني لسوريا المستقبل الذي يكرس التعددية السياسية والديمقراطية هو الضمانة لكل مكوّنات الشعب السوري»، مذكرا بأن «المجلس الوطني السوري قدم أكثر من وثيقة لطمأنة الأقليات ومن بينها الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية، حيث أكدنا أن القضية الكردية جزء أساسي من القضية الوطنية العامة في البلاد». وأضاف: «جميع المواطنين السوريين سواسية أمام القانون. وعلى المستوى الإجرائي، نعمل على تمثيل كافة السوريين في المجلس الوطني، كما أننا نعترف بحقوق كل الأقليات الكردية والمسيحية والعلوية، وممارستنا العملية تؤكد ذلك».

وفي سياق آخر، أكد سيدا أن المجلس الوطني يعمل على «استصدار قرار أممي تحت الفصل السابع»، وقال: «نحن نتواصل مع المجتمع الدولي ونعمل من أجل استصدار هذا القرار»، كاشفا عن تواصل «قيادة المجلس مع موسكو في سبيل الاتفاق على صيغة جديدة» بهذا الشأن. وأضاف: «نقول لروسيا إن مصلحتها ليست مع النظام السوري بل مع الشعب السوري، وإذا عجز مجلس الأمن عن إدراج خطة (موفد الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا كوفي) أنان تحت الفصل السابع من أجل حماية المدنيين السوريين بالمرتبة الأولى بسبب الفيتو الروسي، سنعمل ضمن إطار الشرعية الدولية وضمن مجموعة أصدقاء سوريا».

ويقول مسؤولون آخرون في المجلس الوطني إن سيدا يتميز بصفتي المعارض الذي «لا ينتمي إلى أي حزب» و«الكردي المعتدل»، ويستفيد بالتالي «من وضعه كمستقل». وعلى الرغم من أنه يتحدث شخصيا عن قيامه «بالعمل السياسي السري» ضد النظام السوري الذي يسيطر عليه حزب البعث منذ أكثر من أربعين عاما، يروي مقربون منه أنه كان ناشطا في الحركة الكردية السورية التي قامت بأكثر من انتفاضة ضد النظام السوري خلال العقود الماضية. ويُقال إنه من دعاة «الحل الديمقراطي العادل للمسألة الكردية في سوريا ضمن إطار النظام التعددي الذي يحافظ على وحدة سوريا أرضا وشعبا». فبعد انتقاله إلى أوروبا، بقي ناشطا مستقلا يدافع عن الحقوق الكردية، وحضر مؤتمرات عديدة ولقاءات في أوروبا في هذا المجال. ويصفه أصدقاؤه بأنه «هادئ الطباع ومتزن». وهو بقي بعيدا نسبيا عن وسائل الإعلام خلال السنة الماضية.

ولعبد الباسط سيدا مؤلفات عدة. وصدر أول كتاب له في بيروت بعنوان «الوضعية المنطقية والتراث العربي - نموذج فكر زكي نجيب محمود الفلسفي». ومن مؤلفاته أيضا كتاب «المسألة الكردية في سوريا - نصوص منسية من معاناة مستمرة للأكراد السوريين»، و«ذهنية التغييب والتزييف - الإعلام العربي نموذجا»، بالإضافة إلى مجموعة مقالات حول تاريخ الأديان والفكر السياسي. عبد الباسط سيدا متزوج وله أربع بنات وصبي.