قنديل على ضفاف النيل

رئيس وزراء مصر الجديد بين ثورتين

TT

مر أسبوعان على قسم هشام محمد قنديل اليمين ليصبح رئيس وزراء مصر الجديد ضمن التغييرات التاريخية في البلاد منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. ولكن ما زال قنديل غير معروف لدى الكثيرين داخل مصر وخارجها. فاختياره ليصبح رئيس وزراء أول حكومة يشكلها الرئيس المصري الجديد محمد مرسي جاء مفاجئا، وطبيعة إدارته للأزمة الاقتصادية والتحديات السياسية في البلاد غير معلومة بعد.

وخلال العامين الماضين، عاش قنديل ثورتين، كانت الثورة الأولى في تونس بداية عام 2011، حيث كان يعمل ويقيم وكان شاهدا على الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. ويروي قنديل نفسه كيف انضم حينها إلى «لجان الأحياء» الشعبية وساهم مع جيرانه في حماية الممتلكات عندما سادت الفوضى تونس بعد سقوط بن علي.

ومن المفارقات أيضا مشاركة رئيس الوزراء المصري الجديد مع بناته في المظاهرات التونسية، التي سبقت سقوط نظام بن علي أمام السفارة المصرية لدى تونس.

أما الثورة الثانية التي شهدها قنديل، والتي أصبح رئيسا للوزراء في أعقاب نجاحها، فهي في وطنه مصر التي عاد إليها وزيرا للموارد المائية والري في حكومة عصام شرف التي تشكلت في 21 يوليو (تموز) 2011، وبقي بمنصبه حتى تسميته رئيسا للوزراء خلفا لكمال الجنزوري يوم 24 يوليو الماضي، قبل أدائه القسم يوم 3 أغسطس (آب) الجاري.

* رئيس الوزراء رقم 31

* ويعد هشام قنديل رئيس الحكومة المصرية رقم 31 منذ ثورة يوليو 1952، ورئيس الحكومة رقم 119 منذ القرن التاسع عشر، أصغر رئيس وزراء مصري سنا، عبر تلك الحكومات. وقنديل من مواليد عام 1962، ويطلق عليه «رئيس الوزراء الشاب» بعد أن كان أصغر وزير سنا يأتي على رأس وزارة الري منذ عام 1941، كما يعد أول رئيس وزراء ملتح في تاريخ مصر أيضا.

عمله في الوزارات المتعاقبة بعد تنحي الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك وتسلم المجلس العسكري مقاليد السلطة جعل البعض يربطه بالنظام السابق، غير أن تعيينه من طرف أول رئيس من جماعة الإخوان المسلمين لمصر رئيسا لأول حكومة «بمرجعية إسلامية» كان مفاجأة للجميع وطرح كثيرا من التساؤلات حول حقيقة الرجل وانتماءاته السياسية.

* الحزب الوطني

* عضويته السابقة بأمانة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل، التي كان يسيطر عليها نجل الرئيس السابق جمال مبارك، شائعة ترددت بقوة على المواقع الإلكترونية لتشويه صورته واستعداء الشارع المصري ضد تعيينه لمنصب رئيس الوزراء، وعلى الرغم من تكذيب هذه الشائعة، فإن هناك من يؤكد أن قنديل كان ضمن أعضاء لجنة السياسات عام 2003، في الحزب المنحل، وفق ما قالته الدكتور هالة مصطفى الخبيرة في مركز الدراسات الاستراتيجية في «الأهرام»، لجريدة «الجريدة». وهو ما يثير الشكوك حول هذا الأمر، خاصة في ظل معارضة جماعة الإخوان المسلمين الشديدة بعد قيام ثورة يناير، لأن يشمل قانون العزل السياسي أعضاء لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، فيما يبدو أنه كان لعدم عرقلة اختيار شخصيات معينة لأي مناصب حساسة، كما هو الحال مع هشام قنديل.

في حوار له مع «اليوم السابع» مباشرة بعد تعيينه قال قنديل: «إن البعض يقول عني إنني (إخوان)، وآخرون ادعوا أنني فلول، ولأول مرة أكتشف أن الشخص ممكن أن يوصف بالشيء وعكسه في الوقت نفسه». ويذكر أن قنديل يصر على أنه لم ينتم إلى حزب سياسي أبدا.

إشاعة أخرى لاحقته وتتردد كثيرا في الشارع المصري من أن والدته فلسطينية، لعلاقاته مع قادة حماس وتعاطفه مع الفلسطينيين في موضوع فتح الحدود مع قطاع غزة، إلا أنه أكد أن والدته مصرية أصلها من حي الوراق الريفي الشعبي بالجيزة، ومن عائلة هندي المعروفة في المنطقة هناك. كما أن زوجته ليست أجنبية كما يتردد وإنما مصرية من قرية منيا البدوية المنصورة بمحافظة الدقهلية بدلتا مصر.

وينفي قنديل انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين وهو على حد قوله ينتمي للفكر المصري، وقال عن نفسه: «أنا مواطن مصري وسطي لا أنتمي إلى أي جماعات إسلامية أو دينية».

* أكاديمي علمي

* لدى قنديل خلفية أكاديمية وعلمية جيدة، ليست بالضرورة هي التي تعده لرئاسة الوزراء، ولكن تظهر بعد من مقدراته. تخرج قنديل في كلية الهندسة بجامعة القاهرة سنة 1984 قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراساته العليا، وحصل على درجة الماجستير من جامعة يوتاه عام 1988 قبل أن ينتقل إلى جامعة نورث كارولينا للحصول على شهادة الدكتوراه عام 1993.

وشغل عددا من المناصب آخرها كبير خبراء الموارد المائية بالبنك الأفريقي للتنمية، وشارك في أعمال مبادرة حوض النيل، كما كان عضوا مراقبا للهيئة المصرية - السودانية المشتركة لمياه النيل. والتحق قنديل بالمركز القومي لبحوث المياه، ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الثانية في عام 1995. كما ساهم في إنشاء المجلس الأفريقي للمياه ومرفق المياه الأفريقي. وعين رئيسا لقطاع مياه النيل. ويذكر أن قنديل انتقل للإقامة في تونس للعمل في بنك التنمية الأفريقي حيث أصبح مهندس المياه الرئيسي.

ومثل الجانب المصري في الاجتماع الأول للدورة الخمسين للهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل المصرية - السودانية التي عقدت بالخرطوم بعد ثورة 25 يناير المصرية.

تم تكليفه بحقيبة وزارة الموارد المائية والري في حكومة الدكتور عصام شرف واستمر في حكومة الجنزوري لكفاءته في إدارة الملف.

منذ توليه وزارة الري قام بتثبيت 8 آلاف موظف مؤقت من مختلف القطاعات والمصالح والهيئات التابعة للوزارة، إضافة إلى نقل نحو 5700 موظف متعاقد إلى الباب الأول تمهيدا للتثبيت.

* رجل عائلة متدين

* ومعروف عن قنديل أنه هادئ وخلوق، كما أنه رجل عائلة متدين. ولدى قنديل وزوجته 5 بنات الكبرى في المرحلة الثانوية، والصغرى في الصف الثالث الابتدائي، وهن رقية وفاطمة وعائشة وزينب وخديجة.

ومنذ تولي رئاسة الوزارة خصص هشام قنديل إحدى الغرف المجاورة لمكتبه بمقر مجلس الوزراء مصلى لأداء الصلوات بها، بعد أن تم إخلاء هذه الغرفة بناء على تعليماته وتهيئتها للصلاة. ويقوم قنديل بإمامة الوزراء وكبار موظفي مقر المجلس في أوقات الصلاة بالمصلى الجديد منذ توليه رئاسة الحكومة، حيث تشير مصادر مجلس الوزراء إلى حرص رئيس الوزراء على تأدية الصلاة في أوقاتها. وهو ما يتوافق مع طبيعته منذ أن عاد لمصر وعمل بوزارة الري المصرية، وهو يؤذن بالوزارة فعرف بهذا اللقب.

وما زال رئيس الوزراء المصري يعيش في شقته الكائنة بشارع المساحة بحي الدقي العريق بمحافظة الجيزة بالقرب من النيل، وهي الشقة التي كان يعيش فيها مع والده في طفولته حتى ورثها بعد وفاته وعاد يسكن فيها مع زوجته وبناته الخمس.

ويحرص قنديل على إظهار نفسه منذ توليه رئاسة الوزراء على أنه من بين أبناء الشعب. ونشرت صورة لقنديل هذا الأسبوع وهو يستقل «المترو» للعودة إلى منزله بعد إنهاء عمله اليومي، مؤكدا على أنه يعيش حياته مثل باقي المصريين.

* الإخوان المسلمون

* على الرغم من نفيه الدائم لوجود علاقة له بالإخوان وتأكيده على ذلك في جميع حواراته وتصريحاته الصحافية فإن الكلام لا ينتهي عن علاقته الخفية بـ«الإخوان» حتى لو لم يكن منتميا تنظيميا.

ويقول عنه خصومه: «رئيس من عباءة المرشد.. يختار مؤذن وزارة الري لحكومته». «مؤذن الوزارة» لقب اشتهر به رئيس الوزراء المصري الجديد، لأنه كان يؤذن للصلاة في وزارته بنفسه، وذلك قبل أن يصدر أوامره بإذاعة الأذان من إذاعة القرآن الكريم في الميكروفون الداخلي للوزارة بعد أن أصبح وزيرا.

ويذكر أن ترتيبات اختيار «مؤذن الوزارة» رئيسا للوزراء، قد بدأت سرية منذ رحلة الرئيس مرسي لأديس أبابا، واصطحابه للدكتور هشام قنديل خلال الرحلة، باعتباره وزيرا للري والموارد المائية، وعضو مجلس وزراء شؤون المياه في دول حوض النيل.

اختيار الاتحاد الدولي للإخوان المسلمين له بالاسم رئيسا لوزراء مصر وحسم «الجماعة» الموقف بين نائب المرشد خيرت الشاطر والرئيس محمد مرسي حينما اختلفا على المرشحين لرئاسة الوزراء يزيد من قناعة كثيرين بأن علاقة ما تربط قنديل بـ«الإخوان».

وقد تردد أن صراعا كان محتدما داخل جماعة الإخوان المسلمين حول مرشحين آخرين لرئاسة الوزارة، حيث رشح خيرت الشاطر نائب المرشد الدكتور محمد العريان لرئاسة الوزارة، بينما انحاز مجلس شورى الجماعة إلى الدكتور محمود أبو العيون صديق الرئيس محمد مرسي، ولكن وفقا لمصادر مطلعة تبين أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين هو الذي حسم الخلاف باختيار الدكتور هشام قنديل باعتباره أحد شباب الجماعة من غير الأعضاء التنظيميين.

وقالت مصادر إعلامية إن حرص «الإخوان» على تقديم وجه جديد من شباب الجماعة كان وراء الاختيار، في حين أفادت مصادر من داخل العاصمة التونسية بأن علاقة قنديل بعدد من القيادات الإسلامية التونسية «الإخوانية»، عندما كان مقيما في تونس، ساهم في ترشيح قنديل وتغليب كفته داخل التنظيم الدولي، بخاصة أن حزب حركة النهضة ممثل في التنظيم الدولي، ولرئيسه راشد الغنوشي علاقة متميزة مع مرشد الجماعة في مصر محمد بديع.

التخوف من ضعف الخبرة السياسية والاقتصادية لرئيس الوزراء الجديد وراء حدة المعارضة التي يلاقيها قنديل لتوليه المنصب الجديد، حيث ينحصر تاريخه وتتركز خبراته في علاقته الوطيدة بملف مياه النيل. وحتى على المستوى الدولي ارتبط عمله بنفس المجال، حيث تقلد عددا من المناصب في بنك التنمية الأفريقي، كان آخرها منصب كبير خبراء الموارد المائية بالبنك،ولكن يشدد قنديل قائلا: «خبرتي في أفريقيا جعلتني أعلم مدى قدرة الفلاح المصري»، مؤكدا عزمه دعم الفلاح المصري.

واهتمت الصحافة العالمية بخبر تولي قنديل رئاسة الوزراء بحكم التأثير الكبير للخبر المفاجئ الذي اعتبره الكثيرون أنه جاء خارج التوقعات، وحذرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» من هذه الخطوة، وقالت إن طريق رئيس الوزراء المصري مليء بالأشواك، مشيرة إلى التحديات الكبرى التي تنتظره، خاصة ما يتعلق بالأزمات الاقتصادية أو المشاكل السياسية وعدم التوافق المصري على اختياره، بل اعتبرت الصحيفة أن مصداقية الرئيس مرسي صارت مرتبطة بمدى كفاءة وإجادة حكومة دكتور قنديل في حل مشاكل المصريين المزمنة. بينما تخوفت «ديلي ستار» من حالة الغضب الشعبي في الشارع المصري، بسبب تدني مستوى الخدمات وثقل المهمة على الدكتور قنديل، المطالب بنزع فتيل الغضب في أسرع وقت من خلال عمل شاق ودؤوب.

ولكن المقربين من هشام قنديل لا يشعرون بأي قلق من اختياره رئيسا للوزراء، حتى وإن فوجئوا بقرار تعيينه، حيث يؤكدون قدرته على قيادة المنصب وإدارته بجدارة، استنادا إلى سماته الشخصية الهادئة وتواضعه، لكن أكثر ما يخشاه المراقبون والقوى الثورية في مصر، تأثير الانتماء الإخواني لرئيس الوزراء على اختياراته وسياساته وحكومته، بخاصة في ظل وجود رئيس دولة إخواني، ما ينذر بتحول مصر إلى دولة دينية بامتياز.

وتم تداول تسجيل على موقع «يوتيوب» لقنديل وهو يلقي خطابا بمناسبة قرض البنك الدولي الأسبوع الماضي، وكان من اللافت أن عدد المشاهدين للتسجيل 32 ألفا في الساعات الـ48 الأولى من وضعه على الموقع. وتحدث قنديل في اللحظات الأولى من نص مكتوب على ورقة، ثم قال: «لن أتكلم إليكم من نص مكتوب، بل سأشارككم بعض أفكاري». ليتحدث ارتجاليا باللغة الإنجليزية. وقال: «لقد مرت 7 أيام عمل، ولكني وزملائي (في مجلس الوزراء) نشعر كأنها 70 يوما؛ إذ نعمل ليل نهار.. أؤكد لكم نريد أن نأخذ البلاد إلى مستوى جديد، هذا البلد الذي حقق ثورة عظيمة من الممكن أن يحقق مستوى عظيما». ووصف الثورة بأنها «معجزة»، لكن أقر بأن «المرحلة الانتقالية طويلة وأحيانا أليمة.. ولكن المرحلة الانتقالية انتهت، فللمرة الأولى لدينا رئيس منتخب مدني ولدينا حكومة مسؤولة أمام الشعب». وأكد أن الأساس هو «عيش. حرية. وعدالة اجتماعية»، أي الخبز أو الغذاء والحرية في البلاد والعدالة الاجتماعية بين أبناء مصر كلهم، بينما قال: «تركيزنا هو على الاقتصاد». فحتى وإن لم تكن تجربته تجعله المرشح الأكثر خبرة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في بلاده، فإنه على الأقل لديه القدرة على معرفة تلك التحديات ومعالجتها.