جمهوريو أميركا.. بين لينكولن وريان

خيار رومني لمرشح نائب الرئيس ينقل الحزب الى أقصى اليمين

المرشح الجمهوري ميت رومني ومرشحه لنائب الرئيس بول ريان (أ.ب.)
TT

شهد يوم السبت الماضي حدثا قد يقرر مصير السياسة الأميركية، أو حتى المسرح السياسي الدولي، للسنوات الأربع المقبلة. فقد اختار ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري المتوقع للرئاسة المنافس للرئيس الأميركي باراك أوباما في الانتخابات المقبلة، عضو الكونغرس بول ريان، من قادة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري، نائبا له. وكتبت صحيفة «واشنطن بوست»: «كانت بطاقة الحزب الجمهوري الانتخابية في يمين الوسط (إشارة إلى رومني)، وصارت الآن اليمين نفسه»، إشارة إلى ريان. ومن جهتها، كتبت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «خلال حملات انتخابية كثيرة، كنا نقول إنه لا يوجد فرق كبير بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. خلال هذه الحملة الانتخابية لا نستطع أن نقول ذلك. ها هو خط فاصل واضح ظهر، وسيظهر يوم التصويت: الديمقراطيون يريدون إعادة توزيع الثروة، والجمهوريون يريدون احتفاظ الأغنياء بثروتهم».

ويعتبر ريان، وهو من مواليد 1970، من ألمع عناصر الجيل الشباب الجديد في صفوف الحزب الجمهوري والذي يمثل «يمين اليمين» من حيث السياسات الاقتصادية والسياسية، خاصة فيما يتعلق رفضه لسياسات أوباما والديمقراطيين المتعلقة بتوفير تأمين الرعاية الصحية للفقراء ومحاسبة الشركات العملاقة في القطاع المالي. وصعود ريان وأنصاره يجعل البعض ينظر إلى الحزب الجمهوري إلى أنه أصبح «حزب الأغنياء». وتطرح تساؤلات حول من هم «الأغنياء» في الولايات المتحدة اليوم، كما هناك تساؤلات عن هوية الجمهوريين ومن هم مؤيدوهم. ويتطلع الحزب الذي يسيطر اليوم على مجلس النواب الأميركي إلى استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ولكن تغير شكل الحزب الجمهوري يؤثر على التوجهات السياسية الأميركية، كما أن هناك تساؤلات حول ما إذا كانت تلك التغييرات تدفع الولايات المتحدة إلى الأمام أم تعثر تقدمها.

ومن مفارقات التاريخ أنه، قبل مائة وخمسين سنة، كان الحزب الجمهوري هو الذي يدفع أميركا إلى الأمام، خاصة أن أعضاءه ومناصريه قادوا الحملة ضد تجارة الرقيق. وكان الحزب الديمقراطي هو الذي «يؤخر» البلاد، عندما دافع عن تجارة الرقيق، بل أعلن قادته في الولايات الجنوبية الانفصال، وحاربوا الحكومة الاتحادية، حتى هزمتهم.

في ذلك الوقت (مثلما في الوقت الحاضر) كان الاختلاف الأساسي هو الذي بين الرأسمالية والاهتمام برعاية الجميع. بين الرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. وفي ذلك الوقت، كان الأميركيون يتناقشون:

أولا: ألا تفيد تجارة الرقيق الاقتصاد الأميركي لأنها توفر عمالة مجانية على الرغم من ظلم الأميركيين من أصول أفريقية. وثانيا: ألا تفيد سيطرة الأغنياء الاقتصاد الأميركي لأنها تضمن استثمارات مستمرة (رغم عدم عدالة توزيع الثروة على الفقراء والطبقة الوسطى)؟

وقبل مائة وخمسين سنة، عارض الحزب الجمهوري الظلم على السود من أبناء بلادهم، على الرغم من العمالة المجانية. بل إن الحزب نفسه تأسس على أيدي نشطاء عملوا في مجال مكافحة الرق (سنة 1854)، قبل ست سنوات من انفصال الولايات الجنوبية التي كان يقودها الحزب الديمقراطي.

وكان من بين المؤسسين محامٍ شاب من ولاية ألينوي، طويل القامة ونحيف البنية، وله ذقن كثيف، وصار، في وقت لاحق، عضوا في الكونغرس، ثم رئيسا: أبراهام لينكولن، الذي وصفه التاريخ بأنه «محرر العبيد».

وفي سنة 1854، أيد النشطاء، وخاصة في ولاية ألينوي، ولاية لينكولن التي ينحدر منها أيضا الرئيس الحالي أوباما أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، قانونا أصدرته الولاية منع تجارة الرقيق فيها. ثم أيدوا قانونا مماثلا أصدرته ولاية كنساس. لكن، ضغط الحزب الديمقراطي (المؤيد لتجارة الرقيق)، وألغي قانون ولاية كنساس.

واجتمع النشطاء، بقيادة لينكولن، في مدرسة مكونة من فصل واحد، في مدينة ريبون الصغيرة (ولاية ويسكونسن). ويوم 20 - 3 - 1856، أعلنوا تأسيس حزب سموه «الحزب الجمهوري». وكان أول أهدافه هو إلغاء تجارة الرقيق، ليس فقط في ولاية كنساس، ولكن في كل الولايات الأميركية. ورفع الحزب الجديد شعار: «عمالة حرة، أرض حرة، مواطنون أحرار». وكان شعار «عمالة حرة»: إشارة إلى عمالة السود (المجانية) في حقول القطن والتبغ وغيرهما في ولايات الجنوب. أما «أرض حرة»، فهي إشارة إلى المشاريع الزراعية العملاقة التي كانت تعرف باسم «بلانتيشن» وهي إقطاعيات يملك أصحابها الأرض، والناس، والحيوانات التي تسكنها. وأما شعار «مواطنون أحرار» فهو إشارة إلى عتق الرقيق. وبعد أربع سنوات من تأسيس الحزب الجمهوري، كان سيطر على كثير من ولايات الشمال، كما أوضح مؤتمر الحزب الذي عقد سنة 1858. وبعد سنتين ترشح لينكولن للرئاسة، وفاز، كما بسط الحزب سيطرته على الكونغرس.

لهذا، عندما أعلنت ولايات الجنوب الانفصال، كانت الحكومة الاتحادية قوية، ومصممة، وأعلنت الحرب على ولايات الجنوب. وبعد أن انتصرت، أعلنت برنامج «إعادة تعمير ولايات الجنوب»، والذي استمر لعشرين سنة تقريبا.

لم يكن «حزب لينكولن» ضد الرأسمالية، واستثمارات الأغنياء، والعمالة الرخيصة (ولكنه كان ضد العمالة المجانية متمثلة في تجارة الرقيق) ومن منطلق شبه أخلاقي. كان الحزب، كما هو الآن، أكثر حرصا من الحزب الديمقراطي، بصورة عامة، على القيم العائلية، والقيم المسيحية.

لهذا حتى اليوم، تنقسم أجندة الحزب إلى اقتصادية واجتماعية. وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، استفاد الحزب الجمهوري من الازدهار الاقتصادي والحضاري، متمثلا في التعدين، والمناجم، والسكة الحديد، والسفن البخارية، والتلغراف، والتلفون، ثم السيارة والطائرة. ولحسن حظ الحزب الجمهوري، كانت أغلبية هذه الإنجازات الحضارية في ولايات الشمال التي سيطر عليها تاريخيا الحزب الجمهوري عليها، بينما حتى اليوم، تظل الولايات الجنوبية أقل تقدما.

ومع نهاية القرن التاسع عشر، صار الحزب الجمهوري، حزب الشركات والبنوك. وكانت حتمية تاريخية أن يؤيد الحزب الجمهوري التوسعات الأميركية في الخارج، لخدمة مصالح الشركات والبنوك العملاقة. ومن بين هذه التوسعات ضم جزر هاواي إلى الولايات المتحدة، وغزو كوبا والسيطرة عليها، واحتلال الفلبين، والتدخل في دول أميركا اللاتينية لحماية شركات الموز والأناناس الأميركية.

ومثلما لا يتحمس الحزب الجمهوري اليوم لمنظمة الأمم المتحدة، لم يتحمس في ذلك الوقت لعصبة الأمم في بداية القرن العشرين، إذ اعتبرها قادة الحزب تدخلا حكوميا بيروقراطيا عالميا، يؤثر على الحرية الأميركية السياسية والاقتصادية.

غير فترات قليلة حكم فيها الحزب الديمقراطي، سيطر الحزب الجمهوري على الحكم لقرابة سبعين سنة، من الحرب الأهلية (سنة 1862) وحتى الكارثة الاقتصادية (سنة 1929). وهذه الكارثة نفسها كانت من نتائج الرأسمالية المتطرفة التي دعا لها الحزب الجمهوري. وربما تمكن مقارنتها بالأزمة الاقتصادية الحالية (بدأت سنة 2008) بعد ثماني سنوات من الرأسمالية المتطرفة التي سار عليها الرئيس بوش الابن، والتي شملت سياسات مثل تخفيض الضرائب على الأغنياء، واستغلال الحروب لازدهار الاقتصاد وإلغاء أو تمييع كثير من قوانين الرقابة الحكومية على الشركات والبنوك.

ومن الجانب الآخر، غير فترات قليلة حكم فيها الحزب الجمهوري، سيطر الحزب الديمقراطي بعدها على الحكم لفترة خمسين سنة تقريبا، بداية بالرئيس فرانكلين روزفلت (سنة 1932)، وحتى الرئيس باراك أوباما (سنة 2008).

وهكذا، بعد الرأسمالية المتطرفة (الفردية) بقيادة الجمهوريين، دخلت الولايات المتحدة مرحلة الرأسمالية المعتدلة بقيادة الديمقراطيين. وتم إدخال قوانين أساسية تحت إشراف الديمقراطيين، منها قانون الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي بالإضافة إلى قانون محاربة الاحتكار وقوانين الحقوق المدنية. ولكن، انشق الحزب الديمقراطي بسبب هذه القوانين التي اعتبرها البعض تدخلا سافرا من الحكومة في إدارة البلاد، خاصة لأن البعض في الولايات الجنوبية لم يتحمسوا لإلغاء التفرقة العنصرية. واستغل الحزب الجمهوري هذا الانشقاق. ويعمل لإعادة البلاد إلى الرأسمالية الفردية المتطرفة، والتي يعتبر رمزا لها في الوقت الحاضر بول ريان، الذي اختاره، في الأسبوع الماضي، ميت رومني نائبا له.

في سنة 1980، بدأ استغلال الحزب الجمهوري لانشقاق الحزب الديمقراطي. بقيادة الرئيس رونالد ريغان. فعندما أعلن ريغان ترشيحه لرئاسة الجمهورية في تلك السنة، ذهب إلى بلدة فيلادلفيا بولاية مسيسبي الجنوبية (المختلفة عن المدينة الشهيرة في ولاية بنسلفانيا). لم تكن هذه صدفة. ففي سنة 1964، كانت المدينة الفقيرة الصغيرة مسرحا لمظاهرات ضد التفرقة العنصرية. وتصدت لها الشرطة، حسب أوامر بول جونسون، الحاكم الأبيض. وأطلقت الشرطة النار على المتظاهرين، وقتلت ثلاثة.

كان خطاب ريغان في فيلادلفيا مهما، لم يقل إنه مع التفرقة العنصرية، ولم يقل إنه يعطف على الأغلبية البيضاء، ولم يقل إنه يريد كسب أصوات البيض الذين كانوا يؤيدون الحزب الديمقراطي. ولكنه قال: «يجب على كل ولاية أن تحكم نفسها كما تريد». هذا شعار كان عمره مائة سنة. منذ أيام انفصال الولايات الجنوبية والحرب الأهلية. وذلك لأن الولايات الجنوبية لم تقل مباشرة إنها تريد استمرار تجارة الرقيق (ربما خجلا). كانت تقول إنها تريد أن «تحكم نفسها كما تريد».

وهكذا، أيقظ ريغان في أذهان البعض في الولايات الجنوبية عنصريتهم البغيضة. وفعلا، كسب أصواتهم. وكانت تلك بداية انهيار الحزب الديمقراطي في الولايات الجنوبية، وسيطرة الحزب الجمهوري عليها، وحتى اليوم.

وهكذا، اعتمدت «الثورة الريغانية» على أساسين: أولا: عنصرية خفية ضد الأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية، وثانيا: رأسمالية من دون حدود.

وهكذا بعد مائة سنة تقريبا، انقلب الحزب الجمهوري (حزب لينكولن، محرر العبيد) رأسا على عقب.

ومثل الحزب الديمقراطي قبله، انقسم إلى جناحين: المعتدلين من أنصار ثقافة الرئيس لينكولن، واليمينيين من أنصار توجهات الرئيس ريغان. وولد الجناحان خلال الخمسين سنة الماضية رؤساء يتبعون المنهجين، فالمعتدلون بينهم دوايت أيزنهاور وريتشارد نيكسون وجورج بوش الأب، والرؤساء اليمينيون كريغان وجورج بوش الابن.

وفي الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2008، ترشح السيناتور جون ماكين المعروف باعتداله وسط الحزب الجمهوري واختار نائبته ساره بالين اليمينية والمقربة من حزب «حفل الشاي». وفي انتخابات السنة الحالية، يترشح رومني من اليمين الوسط واختار نائبه ريان اليميني المقرب أيضا من حزب «حفل الشاي».

ويشكل تبلور هوية حزب «حفل الشاي» نقطة تحول بالنسبة إلى الحزب الجمهوري. وبدأ الحزب في ولايات الجنوب المحافظة، وخاصة بعد فوز أوباما برئاسة البلاد عام 2008 كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة. ومنذ تأسيسه، بدأ يسيطر على الحزب الجمهوري. ويوم السبت الماضي، بعد أن اختار المرشح الجمهوري رومني عضو الكونغرس الجمهوري اليميني ريان نائبا له، يمكن القول إن «حزب الشاي» سيطر فعلا على الحزب الجمهوري.

وتوجد في حزب الشاي «عنصرية خفية». لكن، طبعا، مع بداية القرن الحادي والعشرين، لا يقدر أميركي، حاكم أو مسؤول أو سياسي عاقل، أن يعبر علانية عن عنصريته. لهذا، يمكن القول إن «عنصرية خفية» صارت تحرك الأحداث، وخاصة المنافسة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ولكن بصورة خفية وغير مباشرة.

مثلما تفعل فرجينيا توماس. فلا يذكر هذا التحول نحو اليمين في الحزب الجمهوري، إلا ويذكر «حزب الشاي». ولا يذكر «حزب الشاي»، إلا وتذكر فرجينيا توماس، زوجة كلارنس توماس، قاضي المحكمة العليا، وهي بيضاء تزوجت أحد أشهر القضاة الأميركيين من أصول أفريقية.

وعندما أسست توماس «ليبرتي سنترال» (مركز الحرية) في واشنطن، كفرع من فروع «حزب الشاي»، قالت لصحيفة «واشنطن بوست»: «أريد أن أركز على القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة. أريد أن أوضح أن هناك فرقا بين الحرية والليبراليين الذين يسيطرون على واشنطن في الوقت الحاضر».

لم تقل فرجينيا، وأيضا تسمى «جيني»، إنها تقصد الرئيس باراك أوباما. لكن، ليس سرا أن زوجها (الأسود)، وباراك (أول رئيس أميركي أسود) على طرفي نقيض في الانتماء الحزبي، والفكر السياسي، وفي تفسير العلاقات بين البيض والسود في أميركا.

ولا يستطيع زوجها وهو قاضي المحكمة العليا أن يكون عضوا علنيا في «حزب الشاي» أو أي حزب آخر. لكن صار واضحا في الأحكام التي أصدرها (خلال عشرين سنة) من داخل المحكمة العليا أنه ليس فقط جمهوريا، ولكن أيضا من أشد المحافظين في المحكمة.

وكثيرا ما يقال إنه لو كان يقدر على إعلان رأيه، لأعلن توماس أنه عضو في «حزب الشاي».

وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن إنها ليست صدفة أن تظهر زوجته في قيادة «حزب الشاي» الجديد. خاصة أنها لم تكن سياسية، ولم تعرف عنها اهتمامات سياسية في الماضي. على الرغم من أنها ظلت محط الأنظار لأنها بيضاء تزوجت أسود عضوا في المحكمة العليا.

وفي السنة الماضية، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن واحدا في المائة فقط من أعضاء الحزب من الأميركيين من أصول أفريقية.

إذا كانت «جيني» نجمة لامعة في «حزب الشاي»، فيلسوف الحزب هو البروفسور رتشارد آرمي. وكان أستاذا محافظا في جامعة في ولاية تكساس. ثم ترك العالم الأكاديمي، ليتفرغ للسياسة. ودخل مجلس النواب باسم الحزب الجمهوري. وفي سنة 1992، صار زعيم الأغلبية في مجلس النواب حيث بقي خلال عقد في الكونغرس قبل أن يترك مقعده سنة 2002 ليتفرغ للعمل التنظيمي. وفي سنة 2007، أسس منظمة «فريدوم ويركز» (الحرية ناجحة).

وصار، ليس فقط من قادة الحزب الجمهوري في واشنطن، ولكن من قادة الجناح المحافظ في الحزب. وفي سنة 2008، قبل أن يصبح أوباما رئيسا للجمهورية، وتطورت معارضة المحافظين له، اشترك آرمي في تأسيس «حزب الشاي»، وفي التنظير له.

في تلك السنة، جاء آرمي إلى نادي الصحافة الوطني في واشنطن، وتحدث للصحافيين عن «حزب الشاي». وقال: «بحق السماء، من أين جاء هؤلاء التقدميون والاشتراكيون إلى واشنطن؟ لا يحب هؤلاء أميركا كما نحبها نحن. ولا يريدون الخير لها كما نريد نحن». ونهج آرمي في تخوين المعارضين لفكره من صفات أنصار حزب «حفل الشاي».

«حزب الشاي»، في الحقيقة، ليس حزبا بالمعنى المتعارف عليه عن كلمة «حزب». ربما هو مظلة، أو تحالف، لمنظمات تتفق على الآتي:

أولا: المعارضة الشرسة لأوباما وعادة ما تشن هجوما ضده - ليس هجوما عنصريا واضحا، بل ربما «عنصري خفي» - وبصورة عقائدية: لا تتهمه فقط بالليبرالية (حسب القاموس السياسي الأميركي، تعني يسار الوسط). ولا تتهمه فقط بالتقدمية (تعني يسار الليبرالية). لكنها تتهمه بالاشتراكية (تعني يسار التقدمية). ولم يتهم «حزب الشاي» أوباما بالشيوعية (أقصى اليسار)، لكن الجناح اليميني في الحزب يقول إن أوباما «شيوعي خفي».

ثانيا: انتقاد الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري الذي يقوده ماكين، المرشح الجمهوري للرئاسة في انتخابات عام 2008. وظل هذا الجناح المعتدل يريد التعاون مع قادة الديمقراطيين في الكونغرس لإصدار قوانين «معتدلة» ترضي الحزبين. لكن، فشل، وأفل نجم ماكين.

ثالثا: الدعوة إلى عدم تقييد حريات الشركات الكبرى والبنوك. ومن بينها شركات الاستثمار، على الرغم من أخطائها التي سببت الأزمة الاقتصادية الحالية، وشركات التأمين الصحي، التي تستغل وضع النظام الأميركي المفتقر للرعاية الصحية المجانية للأميركيين، وبنوك «وول ستريت» التي تتحمل مسؤولية الكارثة الاقتصادية الحالية.

رابعا: الدعوة على منع زيادة الضرائب، خاصة على الأغنياء، اعتمادا على فلسفة أن الأغنياء يقدرون على زيادة الإنتاج الاقتصادي أكثر من الحكومة، وبالتالي المعتبرة أن أرباح الأغنياء تصب على الفقراء.

ولابد من الإشارة إلى السياسة الخارجية للجناح اليميني للحزب الجمهوري، وخاصة نحو العرب والمسلمين. إذ منذ البداية، ركز على «الحرب ضد الإرهاب» التي أطلقها الرئيس الأميركي بوش الابن. وعندما سيطر على مجلس النواب في انتخابات سنة 2010، ركز على تقوية قانون «باتريوت». وكان قانون «باتريوت» صدر في عهد الرئيس السابق بوش بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001. وفيه مواد متطرفة تمنح الاستخبارات الأميركية صلاحيات واسعة، على سبيل المثال تسمح لشرطة مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) بالتجسس على اتصالات بين أفراد ربما ليست لهم صلات بالإرهاب.

ولا يقتصر تطرف الجناح اليميني في الحزب الجمهوري في السياسة الأميركية نحو العرب والمسلمين على «قانون باتريوت». ولكن على تأييد من دون حدود لإسرائيل. وها هو رومني يذهب، الشهر الماضي، إلى إسرائيل، ويعلن أنه، إذا فاز في الانتخابات، سوف ينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ويقول، في عنصرية واضحة، إن تفوق الإسرائيليين على الفلسطينيين في العلوم والتكنولوجيا سببه «اختلاف ثقافي»، وكأنه أراد أن يتحدث عن تفوق اليهودية على الإسلام والمسيحية. وكانت زيارة رومني إلى إسرائيل خلال جولته الخارجية من دون زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة أو أي دولة عربية أو إسلامية إشارة واضحة إلى توجهه في السياسة الخارجية.

الآن، وقد سيطر اليمين على الحزب الجمهوري، يتوقع أن تكون المنافسة ضد الرئيس أوباما والحزب الديمقراطي واضحة. ومع اتفاقهما على الحرية السياسية والحرية الاقتصادية (الرأسمالية)، يختلفان في: حزب يريد سيطرة الحكومة على الشركات والبنوك، وحزب يريد تخفيضها. حزب يريد من القطاع العام توفير التعليم والعلاج ورعاية المرضي وكبار السن وصغار السن، وحزب يرى أن القطاع الخاص أقدر على أن توفير هذه الخدمات.

لهذا، يتوقع أن تكون المناظرات التلفزيونية قبيل الانتخابات في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل مثيرة ربما أكثر من أن مناظرات رئاسية خلال الخمسين سنة الماضية. ويتوقع أن يكون نجم المناظرات اللامع من جانب الحزب الجمهوري هو ريان، محبوب حزب «حفل الشاي».

ويطمح الجمهوريون إلى العودة للبيت الأبيض هذا الخريف، ويعولون على ريان وشعبية حزب «حفل الشاي» لتشجيع الناخبين اليمينيين للذهاب إلى صناديق الانتخاب يوم 6 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وأظهر استطلاع أجرته صحيفة «واشنطن بوست» ونشرته يوم الاثنين الماضي أن آراء إيجابية عن ريان زادت شعبية رومني بنسبة 15 في المائة. ولكن، 30 في المائة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم لم يحسموا رأيهم بعد حول مرشحهم المفضل في الانتخابات. وفي نفس اليوم، أظهر استطلاع أجراه مركز «غالوب» أن 39 في المائة يعتقدون أن ريان «ممتاز» أو «جيد جدا». لكن، قالت نسبة 42 في المائة العكس.

لهذا، يمكن القول إن اختيار ريان المتطرف سيفيد رومني وسط المحافظين في الحزب الجمهوري، مثل أعضاء «حزب الشاي». لكنه سينفر المستقلين، إذ تصل نسبة المستقلين وسط الأميركيين إلى أكثر من ثلاثين في المائة، وربما إلى أربعين في المائة.

وقد شهد الأسبوع الماضي إعلانات سلبية متصاعدة بين فريق أوباما وفريق رومني، مع التركيز على الخلافات الآيديولوجية في مجال الاقتصاد، لتتحقق مرة أخرى المقولة الشهيرة خلال حملة انتخاب عام 1992 بين بيل كلينتون وبوش التي فاز بها كلينتون بأن «المسألة هي الاقتصاد، يا غبي». وعلى الرغم من تهم العنصرية والتعصب لطرف أو آخر، مع نسبة بطالة تصل إلى 9 في المائة ومخاوف من استمرار الأزمة الاقتصادية، ستكون الرؤية الاقتصادية العامل الأهم في تحديدها.