الأخضر الإبراهيمي.. طائر الفينيق الأممي

قبل تولي مهمة مستحيلة في سوريا خلفا لأنان

TT

صباح يوم 29 يونيو (حزيران) 1992، بدا الأخضر الإبراهيمي، وزير خارجية الجزائر آنذاك، في حالة وجوم وحزن وصدمة.. كان الدمع متوقفا في مآقيه، جراء ما حملته الأنباء من الجزائر بشأن اغتيال الرئيس محمد بوضياف؛ وهو الحادث الذي ألقى بظلاله يومذاك على أعمال قمة منظمة الوحدة الأفريقية في العاصمة السنغالية دكار، وهي المنظمة القارية التي غيرت اسمها لاحقا بمبادرة من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي إلى «الاتحاد الأفريقي».

جلس الإبراهيمي مشدوها في بهو قاعة المؤتمرات، بعدما توقفت لغة الكلام تحت وطأة جسامة المصاب، وقد التف حوله لفيف من الصحافيين الأفارقة والعرب الذين قدموا لتغطية القمة الأفريقية، مقدمين له العزاء في وفاة رئيسه الذي عاد إلى الجزائر بعد سنوات طويلة قضاها في المنفى المغربي، لعله يخرجها من مستنقع الاضطرابات، فإذا به يجد نفسه أول ضحايا ذاك المستنقع.

في ذلك اليوم السنغالي القائظ، ربما جال في خاطر الإبراهيمي أنه آن الأوان لكي يغادر وزارة الخارجية التي لم يستمر فيها سوى ثلاث سنوات، بين عامي 1991 و1993. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يراوده فيها هاجس الاستقالة، ولقد كشف عن ذلك لاحقا حينما قال إن عام 1991 لم يكن أحسن وقت لتقلد منصب رئيس الدبلوماسية الجزائرية، بيد أنه أوضح أن ثقافة جيله لم تكن تسمح له، بل يستحيل قول «لا» عندما يدعى لخدمة الوطن. وهكذا طرقت الاستقالة لبه وعقله بإلحاح أثناء توقيف المسار الانتخابي عقب فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1991، فأرجأ القرار إلى حين تسمح الظروف. لكن عودة بوضياف إلى بلد المليون شهيد، جعلت القرار يبدو بعيدا في الأفق، وحتى حين سقط بوضياف برصاص الملازم مبارك بومعرافي في عنابة وبدت الفرصة مواتية للاستئذان بالرحيل، أصبح صديقه عبد السلام بلعيد رئيسا للحكومة، فكان لا بد من انتظار لحظة أخرى مواتية؛ إذ لم يكن من السهل التخلي عن منصبه وكأنه يرفض العمل مع أحد رفاق النضال أيام الاستعمار وبدايات الاستقلال وبناء الدولة الفتية.. وهكذا دواليك إلى أن حان موعد الانصراف في أحد أيام فبراير (شباط) 1993.

ثمة نقطة يجب الإشارة إليها؛ هي أن الإبراهيمي في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي كان عضوا في المجلس الأعلى للأمن القومي الجزائري، الذي ضم الجنرال خالد نزار وزير الدفاع ورجل المرحلة القوي، والجنرال العربي بلخير وزير الداخلية، وسيد أحمد غزالي رئيس الحكومة.. فهؤلاء هم من قرروا إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، وتعيين بوضياف رئيسا للبلاد، وفرض حالة الطوارئ، وحظر جبهة الإنقاذ الإسلامية؛ بل إن كثيرا من المراقبين اعتبروا الإبراهيمي آنذاك أحد عرابي مرحلة الفراغ الدستوري والرئاسي التي تلت الانقلاب على الديمقراطية في يناير (كانون الثاني) 1992.

ويقول الإبراهيمي عن تلك الفترة إنه لم يكن لديه إحساس أنه كان يقدم فائدة من خلال المنصب الذي كان يشغله، وإنه في ظل تلك الظروف يستحسن الانسحاب بشرف. بيد أن الإبراهيمي ما كاد يخطو خطوة خارج مقر وزارة الخارجية الواقعة آنذاك في حي المرادية، حتى فتح له القدر باب الأمم المتحدة، التي كان يوجد على رأسها آنذاك بطرس بطرس غالي الذي كان على علاقة صداقة قوية به منذ سفارته في القاهرة، وعمله في الجامعة العربية. فبفضل غالي، وهو فضل يحفظ الإبراهيمي له فيه اليد، خطا الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل التي جالت به العالم مطاردا الأزمات والحروب وتعقيدات السياسة والاستراتيجية، وجعلت منه واحدا من الدبلوماسيين العرب الذين ملأوا الدنيا، وتردد اسمهم مرارا وتكرارا على صفحات الصحف وعبر شاشات التلفزيون وأثير المذياع.

* دبلوماسي «التحرير»

* تقول سيرته الذاتية إنه رأى النور يوم 1 يناير 1934 في بلدة عزيزة (جنوب الجزائر)، وتلقى تعليمه في الجزائر وفرنسا حيث درس القانون والعلوم السياسية. يذكر أن الإبراهيمي متزوج ولديه ولدان: صالح وسالم، وابنة، هي ريم المذيعة السابقة في قناة «سي إن إن» التي أصبحت بعدها «الأميرة ريم» بعد زواجها بالأمير علي بن الحسين، شقيق العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

وبدأ مساره الدبلوماسي بتمثيل جبهة التحرير الوطني في العاصمة الإندونيسية جاكارتا وجنوب شرقي آسيا في ما بين عامي 1954 و1961، أي إبان الثورة الجزائرية. وبين عامي 1963 و1970 عين سفيرا لبلاده في القاهرة والجامعة العربية، ومن ثم الخرطوم، قبل أن يعين سفيرا في بلاط سان جيمس في لندن بين عامي 1971 و1979، وشكلت هذه المحطة الدبلوماسية بداية ارتباطه بالمحور الغربي الليبرالي والمنظومة الدولية.

وبين 1982 و1984، عمل الإبراهيمي مستشارا دبلوماسيا للرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، ثم شغل منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية حتى 1991، وهو الموقع الذي حمله عام 1989 إلى لبنان مبعوثا خاصا للجنة الثلاثية، التي سعت إلى وضع حد للحرب الأهلية التي دامت 17 سنة، وهي المهمة التي قادته إلى تولي مقاليد الدبلوماسية الجزائرية عام 1991.

بدأ الإبراهيمي عمله رسميا مع الأمم المتحدة عام 1993 مع تعيينه مبعوثا خاصا إلى جنوب أفريقيا حتى يونيو (حزيران) 1994، ومسؤولا عن بعثة المراقبين التي أشرفت على أول انتخابات ديمقراطية بعد القضاء على نظام التمييز العنصري، التي أفضت إلى تولي المناضل الأفريقي نيلسون مانديلا الحكم، وتواري نظام «الفصل العنصر» إلى الأبد. بعد ذلك، انتقل الإبراهيمي إلى ملفات شائكة وحساسة أخرى؛ إذ اختير مبعوثا خاصا إلى اليمن وزائير وهايتي في الفترة الممتدة بين عامي 1994 و1996.

ومنذ تعيينه مثلا خاصا من قبل الأمم المتحدة عام 1993، سلك الإبراهيمي دربا صعبا في السعي إلى حل صراعات على مدار 3 عقود؛ إذ بين عامي 1997 و1999 عين مبعوثا أمميا لأول مرة إلى أفغانستان التي كانت خارجة لتوها من السيطرة السوفياتية قبل أن يعود إليها في عهد حركة طالبان عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ليجد مهامه فيها هذه المرة أكثر تعقيدا وتشابكا.

وتمتع الإبراهيمي بين أكتوبر (تشرين الأول) 2001 وديسمبر (كانون الأول) 2004 بسلطة تامة على الجهود السياسية والإنسانية وإعادة الإعمار التي قامت بها الأمم المتحدة في هذا البلد الذي أنهكته الحروب وعاهات التخلف.

وبين مهمتيه الأفغانيتين، أوكلت إلى الإبراهيمي مراجعة عمليات حفظ السلام في العالم انطلاقا من كونه مساعدا للأمين العام للمهمات الخاصة. وترأس الإبراهيمي لجنة مستقلة أعدت عام 2000 «تقرير الإبراهيمي» الذي فند نقاط ضعف نظام حفظ السلام في العالم، ورفع توصيات لتطويره على المستويات السياسية والعملية والتنظيمية.

وبعد تعيينه مطلع عام 2004 مستشارا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة مكلفا تفادي النزاعات والعمل على حلها، اختير مبعوثا خاصا لكوفي أنان إلى العراق في الفترة الانتقالية التي تلت حرب عام 2003 وسقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

وأمام توالي المهام التي كلف بها في مناطق النزاع الكثيرة في العالم، وشملت أيضا ليبيريا ونيجيريا والسودان، نظر إليه مدمنو «نظرية المؤامرة» على أنه ليس سوى أداة لتعريب معظم الترتيبات الأميركية للعالم العربي والإسلامي سواء في لبنان أو العراق أو أفغانستان، وأنه استطاع بسبب تمتعه بقوة ملكة الإقناع، وليونة الحديث، أن يقدم خدمات للولايات المتحدة بغطاء أممي ناعم. لكن هذا الرجل الهادئ، الذي يتقن العربية والفرنسية والإنجليزية، ويعيش في باريس كلما انتهى من مهمة أممية، لا يجسد، حينما يتحدث ويعبر عن مواقفه بصوت عال، صورة المنفذ الوفي للأجندة الغربية في منطقة الشرق الأوسط.. فكثير من تصريحاته أثارت الزوابع ونقعت خلفه غبارا دبلوماسيا وسياسيا كثيفا، ليغضب تارة واشنطن، وتارة الأمم المتحدة، وتارة أخرى الجامعة العربية، التي خرج من معطفها نحو العالمية.

* محدودية الأمم المتحدة

* ولم يتوان الإبراهيمي خلال الاجتماعات التي عقدها مجلس الأمن حول أفغانستان، عن الحديث وبشكل حازم، عن محدودية تحرك الأمم المتحدة. وحتى في التقرير الأممي الذي حمل اسمه عام 2000، لم يتردد في الكشف عن فشل الأمم المتحدة السياسي والإداري والمالي في إدارة الأزمات. كما عاتب الأمم المتحدة على أنها، من وقت لآخر، لا تتحدث بلسان الأغلبية في المنظمة، بل باسم دولة أو اثنتين.. أو خمس وهي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وأنها أصبحت في نظر كثيرين فريقا وليس حكما.

وحين كان في مهمته بالعراق، نسب إليه انتقاده التعامل الأميركي مع مرحلة ما بعد الرئيس الأسبق صدام حسين، لا سيما انتقاده ما عرف بقانون «اجتثاث البعث». ولم يحبذ الإبراهيمي كثيرا التدخل الخارجي في العراق عن طريق القوة العسكرية، معتبرا أن الإعداد للغزو بدأ مبكرا بعد هجمات‏11‏ سبتمبر ‏2001.

ولم يتردد في القول إن الأميركيين دمروا العراق وحطموه، وإن بلدان المنطقة هي التي سترث هذا الدمار، وإن إنقاذ بلاد الرافدين لن يكون إلا من خلال تعاون الدول العربية ودول الجوار. ولكن تلك الدول، يقول الإبراهيمي، ترفض ذلك لأن واشنطن تريد منها أن تساعدها في تنفيذ سياستها التي لم يتردد في وصفها بـ«العفنة»‏.‏ ولم يكف الإبراهيمي عن توجيه انتقادات حادة للسياسة الأميركية في العراق‏، والقول إن الولايات المتحدة لم تتخذ قرارا واحدا سليما منذ غزوها له في مارس‏ (آذار) 2003، وإن ما فعلته هو تسليم العراق لإيران بعد تدميره، وإن هذه الأخيرة يتعاظم نفوذها هناك بصورة كبيرة.

وبموازاة مع ذلك، رأينا كيف أن الإبراهيمي قوبل بانتقادات عنيفة في العراق؛ أبرزها طالته من أحمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني وعضو مجلس الحكم آنذاك، الذي اتهمه بأنه يحمل أجندة قومية عربية، وبالتالي يجب أن لا يمنح أي دور في تحديد مستقبل العراق. ورغم ذلك، فإن الإبراهيمي شارك في الإعداد لأول حكومة انتقالية في العراق التي ترأسها إياد علاوي.

وفتح الإبراهيمي النار على الجامعة العربية، واعتبر عدم تحركها تجاه القضية الفلسطينية «تخاذلا»، مذكرا بأن أداء الجامعة مقارنة بأداء هيئات دولية تأسست بعدها يبقى هزيلا، لكنه لم يحملها كل المسؤولية بما أنها مجرد هيكل وأن الإخفاق مسؤولة عنه الدول العربية الأعضاء.

وعاب الإبراهيمي مرارا على مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي أنهما لم يقوما بما فيه الكفاية لمعالجة أسباب الصراع بين العرب وإسرائيل. وأثار مرة غضب أنان عندما وصف إسرائيل بأنها «سم في المنطقة»، وقوله إن «سياسة إسرائيل الأمنية العنيفة والقمعية وتصميمها على احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية أدت إلى تعقيد مهمته في العراق».

وخلال أحداث الربيع العربي، عرف عن الإبراهيمي موقفه الرافض لتدخل الحلف الأطلسي (الناتو) في ليبيا؛ إذ رأى في ذلك «نموذجا سيئا للغاية». واعتبر حينها أن الخطأ الرئيسي كان عند مطالبة العرب بفرض منطقة حظر جوي في ليبيا من دون تقييم هذا الإجراء ومدى قابليته للتنفيذ.

ولأنه جزائري ومغاربي، وينتمي إلى ذلك الجيل الذي يؤمن فعلا بالحلم المغاربي الكبير، يرى الإبراهيمي رغم الإخفاق في تحقيق ذلك الحلم وتجسيده، في ظل اتحاد البلدان المغاربية، أنه ليس ممكنا فقط؛ وإنما ضروري فعلا.

لكن ماذا عن نزاع الصحراء ودوره الكبير في إعاقة ذلك الحلم؟ هنا يتساءل الإبراهيمي بدوره قائلا في تصريحات سابقة: «من منا لا يرى فيه عائقا كبيرا؟»، ويتوقف عند هذا الحد ليقول بلغة مغرقة في الدبلوماسية: «إلا إنني اعتزلت السياسة، كما يقال، ومنذ مدة طويلة، لذلك لا أريد أن أحاضر حول موضوع يسعى غيري لتدبير أموره»، راجيا أن لا يعتبر كلامه هذا مجرد «لغة خشب»، ومتمنيا «كل التوفيق للحكومة المغربية وجبهة البوليساريو في لقاءاتهما».

ورغم تحفظه الدبلوماسي، فإن الإبراهيمي لا يتردد بين الفينة والأخرى في الإدلاء بدلوه في ملف الصحراء، وهذا ما حصل عندما كان قبل أشهر ينتقد تحيز فرنسا لصالح المغرب في هذا النزاع، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تحاول قدر الإمكان أن تبقى مستقلة ومتفتحة للمساهمة في حل النزاع، في الوقت الذي اختارت فيه فرنسا الانحياز للمغرب، وهذا لا يخدم في الحقيقة مصلحته، بيد أن الإبراهيمي لم يشرح طبيعة تلك المصلحة التي تسيء إليها باريس بموقفها المنحاز.

لقد ظلت النزعة المغاربية ملازمة للإبراهيمي، ولا تفارقه قيد أنملة.. فنجده في مناسبة أخرى يدعو إلى فتح الحدود بين الجزائر والمغرب، قائلا إنه «لا حديث عن مغرب عربي موحد دون حدود مفتوحة بين الجزائر والمغرب»، قبل أن يضيف أن مسألة الحدود المغلقة بين البلدين باتت «تحرجه» كلما تنقل إلى المملكة المغربية على خلفية «الرغبة التي يلمسها لدى الشعب المغربي التواق إلى عودة التطبيع بين الجارتين الشقيقتين».

ومن مفارقات المسار الدبلوماسي للإبراهيمي أنه كلف بمهام أممية حتى في بلده الجزائر، فقد اختاره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في فبراير 2008 لرئاسة اللجنة الدولية للتحقيق في ملابسات الهجوم الإرهابي الذي استهدف مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة الجزائرية يوم 11 ديسمبر 2007، وأوقع 17 قتيلا من موظفي الأمم المتحدة. وشكل اختيار الإبراهيمي آنذاك حلا وسطا بعد أن رفضت الحكومة الجزائرية قرار كي مون تشكيل اللجنة الدولية بحجة السيادة وعدم التشاور معها قبل اتخاذ قرار تشكيل اللجنة.

* أحد الحكماء

* صحيح أن الإبراهيمي تقاعد عام 2005، وساد اعتقاد بأن الرجل سيخلد للراحة وكتابة مذكراته، لكنه لم يتخلف عن الاستجابة للأمم المتحدة كلما وجدت نفسها في حاجة إلى مزيد من خدماته. وهكذا، ومع ظهور أي أزمة على سطح الكرة الأرضية، كان الإبراهيمي يخرج مجددا من معطف التقاعد منطلقا نحو الأضواء وهو أكثر استعدادا، ليبدو مثل طائر الفينيق الأممي الذي يبعث من رماده. كما أنه انضم إلى مجموعة «الحكماء» التي أسسها نيلسون مانديلا عام 2005 لتشمل كبار رجال وسيدات الدولة الذين تركوا المناصب الرفيعة ليقدموا خبراتهم وحكمتهم لحل الأزمات. ومثله، انضم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان إلى هذه المجموعة، التي تضم أيضا الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر ورئيسة آيرلندا السابقة ماري روبنسون.

وها هي الأزمة الجديدة على المسرح الدولي، الأزمة السورية المتصاعدة على مدار الشهور الـ17 الماضي، تنتظر الإبراهيمي الذي تم اختياره لخلافة كوفي أنان وسيطا عربيا ودوليا في الأزمة السورية.. وقبل الإبراهيمي الأسبوع الماضي مهمة إضافية شديدة التعقيد لهذا الدبلوماسي المخضرم البالغ من العمر 78 عاما.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح هو: هل ينجح الإبراهيمي في ما أخفق فيه أنان؟

في هذا الصدد، لا يخف دبلوماسي عربي معروف، طلب من «الشرق الأوسط» عدم نشر اسمه، قناعته أنه سيكون من شبه المستحيل نجاح الإبراهيمي في هذه المهمة.. وباختصار شديد، يقول المصدر، إن الأزمة السورية خرجت من إطارها الداخلي والإقليمي لتصل إلى العمق الدولي حيث يكمن الحل الحقيقي.

وثمة قناعة عامة أن مهمة الإبراهيمي في سوريا تبدو مهمة مستحيلة، وانتحارا سياسيا، بل مجازفة بتاريخ الرجل الدبلوماسي المتميز، خاصة مع التعقيد في إقناع روسيا بالتخلي عن دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وثمة حقيقة مؤكدة هي أن فشل مهمة أنان جاء من داخل مجلس الأمن، نظرا لعدم جاهزية روسيا والصين للضغط على نظام الأسد، لا سيما أن روسيا تحاول من خلال الورقة السورية أن تبرز بوصفها ندا للغرب يجب أن يحسب له ألف حساب. ويبدو أن الإبراهيمي المعروف بحزمه عارف أكثر من غيره بحقيقة الدور الروسي ومن معه، وواع بالأسباب التي أدت إلى إحباط أنان وعلى رأسها عدم حصوله على دعم كل القوى العظمى المشكلة لمجلس الأمن، وبالتالي، فإنه لم يتحدث اعتباطا حينما دعا يوم 9 أغسطس (آب) الحالي أعضاء مجلس الأمن والدول الإقليمية إلى اتخاذ موقف موحد إزاء النزاع في سوريا من أجل ضمان إمكانية إجراء عملية انتقال سياسي بالسرعة الممكنة.

وهل يكسب الإبراهيمي، البالغ من العمر 78 سنة، الرهان، وتكون الأزمة السورية آخر فصل من كتاب مذكراته يتوج به مساره الدبلوماسي العتيد؟

الأيام وحدها كفيلة بالجواب عن هذا السؤال. وعموما، لقد آن الأوان لطائر الفينيق أن يستريح من وجع رأس أزمات العالم التي لا تهدأ.