سوريا.. جمهورية الخوف

لكل مواطن ملف أمني.. وجيوش المخبرين تحصي على الناس أنفاسهم.. والهدف المراقبة والترهيب

TT

عاش السوريون ما يقرب من 40 عاما خلال حكم الأسدين (بشار وحافظ الأسد)، يخشى بعضهم بعضا، ويخفضون أصواتهم كلما تحدثوا بالسياسة. «للجدران آذان» عبارة كانت تتردد على ألسنتهم، منهية حديثا عابرا عن شخص الرئيس أو فساد أحد أفراده أسرته. ورغم أن الثورة السورية المستمرة منذ أكثر من 18 شهرا كسرت حاجز الخوف لدى كثير من السوريين، فثاروا وأعلنوا العصيان، في بعض المناطق، فإن المناطق الأخرى تعيش حصارا مطبقا من المخبرين السريين الذين يعملون لمصلحة النظام. وحتى المناطق الثائرة، فإن وجود المخبرين فيها لم يتلاش، وإن تغيرت مهامهم في رصد تحركات النشطاء وأماكن وجودهم لتسهيل مهمة الأجهزة الأمنية العلنية في الإيقاع بهم.

ومنذ وصوله إلى السلطة وتأسيسه لشبكة من الأجهزة الأمنية التي تحصي على المواطنين أنفاسهم عمد الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى اتباع أسلوب زرع المخبرين في كل مؤسسات المجتمع.. داخل الدوائر الحكومية، والجامعات، ودور العبادة، والنوادي الرياضية، والمقاهي، والمراكز الثقافية. مهمة هؤلاء المخبرين تتلخص في مراقبة زملائهم وكتابة التقارير عن حياتهم ونشاطاتهم وأحاديثهم، والأهم.. توجهاتهم السياسية.

لا يختلف نظام الأسد في سوريا عن سواه من الأنظمة البوليسية التي اتبعت هذا الأسلوب لممارسة الرقابة على شعوبها وضمان تدجينها. إلا أن هذا النظام لم يكتف بجعل المخبرين التابعين له أداة لمراقبة المواطن السوري، بل حولهم إلى وسيلة لتخويفه وترهيبه وجعله يفكر ألف مرة قبل أن ينطق بكلمة تطال شخص الرئيس أو توجه انتقادا ما ضد نظامه السياسي. وفي ذاكرة السوريين الكثير من القصص عن معتقلين سياسيين أمضوا في سجون النظام زمنا طويلا، بسبب تقرير دبجه أحد المخبرين وضمّنه حادثة أو كلمة أو شتيمة تناولت نظام الحكم بالنقد. هكذا حوّل النظام سوريا إلى جمهورية خوف لكل مواطن فيها ملف أمني.

يتذكر حسان بألم وحزن خاله الذي توفي منذ عامين.. ويقول «سافر إلى إحدى الدول الأوروبية بعد أن ضاقت السبل به في وطنه سوريا، وجد عملا مناسبا واستقر هناك، وأثناء عودته إلى بلده لقضاء عطلته السنوية قامت أجهزة المخابرات باعتقاله من دون أن تعرف عائلته السبب». يضيف حسان الشاب الذي يعمل بشركة لتوزيع المواد الطبية في العاصمة دمشق «بقي خالي 5 سنوات غائبا عنا لا نعرف عنه معلومة واحدة، دفعنا أموالا كبيرة لضباط ومسؤولين لنعرف مكان احتجازه على الأقل، لكننا فشلنا». ويتابع «بعد سبع سنوات استطعنا التوصل إلى ضابط أمن متنفذ دفعنا له مبلغا كبيرا من المال ليعلمنا أن خالي مسجون في صيدنايا بتهمة الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين».

ويؤكد حسان أن هذه التهمة صدمت العائلة، فالرجل الأربعيني الذي غادر بلاده بحثا عن لقمة عيشه لم يكن يفقه شيئا في السياسة، وغالبا ما كان يتهرب من الحديث عن تفاصيلها. بعد خروجه من السجن الذي أمضى فيه 10 سنوات سيعلم خال حسان أنه كان في مكان عمله أحد المخبرين السوريين، كان ينشط لصالح السفارة السورية لدى البلد الذي استقر فيه، ويكتب التقارير عن زملائه ومن بينهم خال حسان.

هذه الحادثة التي حصلت في الثمانينات، زمن الصراع المحتدم آنذاك بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، تبين حجم الخراب الذي كان ولا يزال يُحدثه عمل المخبرين ووشاة النظام في حياة أناس عاديين لا علاقة لهم بالعمل السياسي. يعلق حسان الذي سرد قصة خاله بعد تردد «لقد دُمرت حياة خالي، فقد عمله في الخارج وعانى أصنافا مروعة من التعذيب داخل سجون النظام، وبعد خروجه دخل في حالة يأس مطبق لم نستطع إخراجه منها».

تتنوع الطرق والأساليب التي يعتمدها نظام الأسد لتجنيد المخبرين التابعين له بين الترغيب والترهيب. ففي الوقت الذي يشترط فيه على المعتقلين لديه العمل لحسابه كمخبرين ليقوم بالمقابل بالإفراج عنهم، فإنه يقدّم مكافآت مادية لآخرين لقاء تقارير ووشايات يقدمونها لأجهزته الأمنية.

بشرط تغيير اسمه قبل نبيل (اسم مستعار) أن يتحدث عن تعاونه مع أحد أجهزة المخابرات السورية في العاصمة السورية دمشق في فترة ماضية من حياته. يقول «لم أعد أعمل في هذه الأمور الآن، كنت في مرحلة من حياتي أحتاج إلى المال، أقنعني أحد أصدقائي بالعمل كمخبر لدى الأجهزة الأمنية، فقمت بكتابة العديد من التقارير. في البداية لم أتقصد إلحاق الأذى بالآخرين. كتبت أشياء عامة عن أوضاع الشوارع والمقاهي، لم أذكر حتى اسما واحدا». تطور عمل نبيل لاحقا، ليصبح سائقا على سيارة تاكسي «بإيعاز من الجهاز الأمني الذي جندني (رفض ذكر اسمه) قمت باستئجار سيارة أجرة وبدأت أكتب التقارير عن الأشخاص الذين يصعدون معي في السيارة». وعن المبلغ المادي الذي كان يحصل عليه مقابل التقرير الواحد يقول «المبلغ تافه عبارة عن 500 ليرة سورية (ما يعادل 7 دولارات)». ويشير نبيل إلى أن المشكلة الأساسية في التعامل مع الأمن هي التورط معهم «بصعوبة استطعت التخلص منهم». ويضيف «حين اندلعت الأحداث الأخيرة في البلد عرضوا علي العودة للعمل معهم لكني رفضت».

مقابل رفض نبيل التعامل مجددا مع الأجهزة الأمنية للتجسس على المعارضة السورية المناهضة لنظام الأسد فإن كثيرا من العاطلين عن العمل وأصحاب السوابق الجنائية قبلوا بالتعاون معهم، وهذا ما يؤكده محمد، أحد أعضاء تنسيقيات مدينة حلب للثورة السورية، ويضيف «النظام يعتمد على المجرمين واللصوص والمرتزقة والزعران لتجنيدهم كمخبرين ضد الشعب الثائر من أجل الحرية». ويضيف «يتم تجنيدهم داخل السجن قبل إطلاق سراحهم بالترهيب والترغيب». ويشير الناشط الذي يمارس عمله ضمن مدينة حلب إلى أن الحراك الشعبي في مدينته قد تأثر كثيرا بسبب كثافة المخبرين وتنظيم عملهم في أحياء حلب «لقد تم اختراقنا أكثر من مرة، والعديد من كوادرنا اعتقل بسبب وشايات وتقارير من قبل مخبرين تابعين للنظام الحاكم».

من جانبه، ينفي سعيد، عضو اللجان الثورية في مدينة دمشق، أن يكون المخبرون فقط من اللصوص وأصحاب السوابق، ويقول «هؤلاء، مستوى ذكائهم ضعيف، الأمر الذي يجعل أجهزة المخابرات تكتفي بتكليفهم بمهام بسيطة». ويضيف «النظام السوري يجند عبر أجهزته الأمنية، التي يصل عددها إلى 16 جهازا، مخبرين في كل مؤسسات الدولة والمجتمع، فهناك مخبرون من الطلاب في الجامعات ومن المصلين في المساجد والكنائس ومن الموظفين في الدوائر الحكومية. النظام يتجسس على كل جوانب الحياة في البلد، ويتابع الشاردة والواردة، وهذا ما جعل رواية العصابات المسلحة التي سوق لها في بداية الثورة رواية مضحكة، إذ كيف تدخل عصابات مسلحة وتمارس نشاطها بهذه السهولة وهناك جيش من المخبرين يتتبعون تفاصيل الحياة في البلاد ويرفعونها كتقارير إلى أجهزة الأمن؟».

لم يكتف نظام الأسد بالمخبرين لرصد المعلومات عن المواطنين في البلد، بل حول هذا العمل إلى إجراء روتيني، حيث إن كل مدير دائرة رسمية أو مدرسة أو أي مرفق حكومي يطلب منه بشكل دوري تقديم تقرير أمني عن العاملين لديه. يقول سعيد «النظام صار يستغل استراتيجية المخبرين المزروعين في كل مكان لتخويف الناس من بعضهم بعضا وليس فقط للحفاظ على أمنه». ويضيف «طبعا، حماية أمنه ترتبط بتفريق أبناء المجتمع عن بعضهم ونزع الثقة من صفوفهم. الأجهزة الأمنية تصنف الناس وفق ملفات تعدها عن كل مواطن، تحدد فيها نسبة ولائه لنظام الحكم ونسبة معارضته له.. إنها جمهورية الخوف وبلاد الملفات السوداء».

كل بعثي مخبر

* أحد البعثيين القدماء الذين خرجوا من حزب البعث بعد مدة قصيرة من تسلم الأسد السلطة يجزم أن «للحزب دورا كبيرا في تعميم ثقافة المخبرين وكتابة التقارير في المجتمع السوري»، ويشرح «النظام كان يكلف أعضاء الحزب بالوشاية بأصدقائهم غير الحزبيين بحجة أنهم أعداء للوطن وعملاء، ليصبح في ما بعد كل بعثي مخبرا بالضرورة، نتيجة تحول مراكز الحزب لتكون أشبه بالمراكز الأمنية تحاك فيها الدسائس ضد الآخرين وتكتب التقارير عنهم».

ويلفت البعثي القديم إلى أن «النظام السوري استفاد من شبكة المخبرين الذين عمل على زرعهم في السنوات الماضية في قمع الثورة الشعبية المندلعة ضده»، وهذا ما يؤكده أيضا سعيد، الناشط في اللجان الثورية، الذي يقول «وصل به الأمر لاختراق اللاجئين في الأردن، حيث قامت قوات الأمن الأردنية بالقبض على أحد المخبرين الذي كان يتجسس لمصلحة النظام في مخيم من مخيمات اللاجئين». ويلفت الناشط إلى أن مهام المخبر المتعاون مع الأمن توسعت مع انطلاق ثورة الشعب السوري «فصار يظهر على شاشات التلفزيونات التابعة للنظام بصفته مؤيدا ويطلق التصريحات المطالبة بسحق الثوار وإعادة الاستقرار إلى البلاد، إضافة إلى ظهوره على الشاشات ذاتها بوصفه إرهابيا تم إلقاء القبض عليه وهو يقوم بعمليات تخريبية، هذا إلى جانب عمله الأساسي كـ(شبيح) مجند لقمع المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد».

غير أن الناشط المعارض يشير إلى حالة اجتماعية تشكلت في أوساط الناس تحتقر كل من يتعاون مع الأمن وتزدريه بشدة «العائلة التي يتبين تعامل أحد أفرادها مع الأمن ضد الثوار المطالبين بالحرية توصم بالعار. الثورة جاءت معيارا أخلاقيا، فرزت الناس وأعادت ترتيب قيمتهم، فصار المخبر أكثر الأشخاص وضاعة وأقلهم قيمة». ويستنكر سعيد الممارسات الوحشية التي ارتكبها بعض الثوار في مناطق خضعت لهم، بحق مخبرين تعاونوا مع الأمن، واضعا إياها في سياق ردود الفعل «لا أنفي وجود هكذا ارتكابات، وبعضها وحشي فعلا، لكن لا يجب أن ننسى أن هؤلاء المخبرين قاموا بتسليم أشخاص إلى الأمن عادوا إلى أهلهم جثثا متفحمة نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له. نحن نرفض هكذا أفعال، لكننا نتفهم السياق الذي حصلت فيه». وقد نشر على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الأشرطة المصورة التي تظهر ثوارا سوريين يقومون بتعذيب مخبرين ووشاة تابعين للنظام.

الوشاية مقابل الترقية

* يدرج أحمد (اسم مستعار) الوشاية وتقديم الخدمات إلى الأجهزة الأمنية ضمن آليات الترقي الوظيفي في سوريا. ويضيف الموظف في المديرية العامة للمواصلات في مدينة دمشق «من البديهي أن الكفاءة لم تعد معيارا لتسلم المناصب في البلاد، فالواسطة والمحسوبية معياران حاسمان في هذا الإطار، لكن إضافة إلى ذلك ثمة من يكون من المحسوبين على الأجهزة الأمنية يقدم لها التقارير بشكل دوري فتكون له الأولوية في الوصول إلى المراكز والمناصب العالية». ويؤكد أحمد أنه «لا يوجد مدير أو رئيس في أي دائرة حكومية داخل سوريا لا يتعاطى مع الأمن بطريقة ما». ويشبه الرجل الأربعيني الأمن «بالأخطبوط الذي تمتد أذرعه في كل مكان ليعرف كل شيء ويتقصى الشاردة والواردة عن أحوال الناس والتفاصيل الدقيقة لحياتهم».

من جهته، يجزم مؤيد، أحد الشبان الذين استطاعوا الحصول على وظيفة في أحد فروع شركة التبغ الحكومية بصعوبة تامة، أن الملف الأمني للشخص الذي يرغب بالوظيفة هو المعيار الأساسي لقبوله، ويقول «حين استدعاني أحد الفروع الأمنية أصبت بقلق فظيع، قبل أن أعرف أن السبب هو تقديم طلباتي للعمل لدى إحدى مؤسسات الدولة». ويضيف «فوجئت حين عرض علي ضابط الأمن أن أعمل لمصلحتهم كمخبر في الشركة التي سأوظف بها، مقابل وضعهم إشارة إيجابية على ملفي وبالتالي تسلمي العمل».

ويلفت مؤيد، الذي خضع لشروط الأمن بسبب حاجته الماسة للوظيفة، إلى أن المئات من الشبان يضطرون للخضوع لهذا الابتزاز من قبل الأجهزة الأمنية، طمعا في وظيفة بسيطة في إحدى المؤسسات الحكومية. ويشير إلى أن «مستويات التعامل مع الأمن تختلف من شخص إلى آخر.. البعض يستطيع التخلص منهم، وآخرون يجبرون على التعاون ويتحولون إلى مخبرين».

ويرى مراقبون متابعون للشأن السوري أن سر استمرار النظام في سوريا وصموده من دون انشقاقات كبيرة في صفوفه الدبلوماسية يعود إلى شبكة المخبرين التي يعتمد عليها في السفارات المنتشرة في أنحاء العالم. داخل كل سفارة وفقا للمتابعين يوجد مكتب أمني وظيفته إضافة إلى التجسس على المعارضين متابعة عمل السفير ورفع التقارير المتعلقة به. كما يعزو المراقبون تماسك الجيش السوري وولاءه المطلق للأسد، حيث لم تشهد الانشقاقات ضباطا ذوي رتب عالية، إلى الطبيعة الأمنية التي يفرضها النظام داخل صفوف العسكريين فيُخضع الضباط الكبار إلى مراقبة مشددة عبر شبكة مخبرين يتوزعون في مكاتبهم وأماكن عملهم، إضافة إلى قيام جهاز المخابرات العسكرية بتجنيد مخبرين داخل القطع العسكرية لرصد تحركات الجنود وآرائهم.

يتداول السوريون نكتة مضحكة حول حياة الرئيس بشار الأسد، مفادها أن أخاه العميد ماهر الأسد صاحب النفوذ القوي داخل الأسرة الحاكمة قد خصص له مجموعة كبيرة من المخبرين لرصد تحركاته وللتأكد من أنه يشاهد قناة «الدنيا» شبه الرسمية، وذلك كي لا يخرج على الناس بقرار التنحي. مثل هكذا نكتة كان يصعب سماعها ولو بالهمس في أحد مقاهي دمشق أو شوارعها بسبب كثافة المخبرين وانتشارهم في كل مكان، لكن «الآن وبفضل الثورة صار من الممكن سماعها»، وهذا ما أكده أحد الناشطين قبل أن يضيف «كانت في السابق (للجدران آذان)، اليوم سقطت الجدران، جدران الخوف، ولم يعد المخبر يخيفنا».

وللجيش الحر.. عيون وأياد

* اعتاد النظام السوري أن يزرع عملاءه ومخبريه في صفوف المؤسسة العسكرية بهدف إخضاع الضباط ذوي الرتب العالية والمواقع الحساسة للمراقبة الدائمة. إلا أن نظام الأسد لم يكن يعتقد ولو بالخيال أنه سيصبح عرضة للاختراق، فيتم تجنيد عملاء من قبل الجيش الحر داخل أجهزته بهدف التجسس والرصد وصولا إلى المساهمة في تنفيذ عمليات ضد رموزه وقياداته ومقاره الأمنية.

وتكشف المعلومات الواردة عن تفجير هيئة قيادة الأركان الذي نفذ صباح الأربعاء الماضي على يد عناصر من الجيش الحر أن عملاء يعملون من داخل المبنى قاموا بزرع العبوات الناسفة. ويشير أحد الخبراء المتابعين لعمليات الجيش الحر إلى أنه «في ظل الحراسة الأمنية المشددة التي تحيط بالمراكز والمقرات التابعة للنظام تتعاظم الحاجة إلى هؤلاء العملاء لتنفيذ العمليات بشكل متقن». ويضيف «استخدام الجيش الحر للعمل الاستخبارتي في الفترة الأخير يدّل على نضج وتمرس في مواجهة النظام، فالتكتيكات الاستخبارتية لا تقل أهمية عن العسكرية والأمنية، ولا بد أن يتوازى النشاطان معا لنضمن نجاح أي عملية ضد نظام بشار الأسد».

وكان الجيش الحر قد تبنى منذ أيام تفجير مقر هيئة الأركان الواقع في ساحة الأمويين في وسط العاصمة السورية دمشق، ويعتبر هذا المقر معقلا للتخطيط وإدارة العمليات العسكرية التي يشنها النظام السوري ضد شعبه المنتفض.

ويعمل محمد، وهو ناشط دمشقي، مع مجموعة من أصدقائه على جمع المعلومات المتعلّقة بضباط وعسكريين كبار في الجيش السوري النظامي لتزويد الجيش السوري الحر بها وتسهيل عمليات استهداف هؤلاء الضباط المتورطين في أعمال القمع ضد الشعب السوري. ويقول «عملنا يقتصر على الرصد والتقصي. نحاول التعرّف على أماكن سكن الضباط وتحركاتهم وأحيانا نقوم بتجنيد عملاء في طاقم الحراسة الخاص بهم». ويؤكد محمد، الذي يمضي وقته في قبو مظلم يقع في أحد أزقة العاصمة دمشق، أنهم قليلا ما يلجأون للمال لتجنيد عملاء موالين للثورة، ويقول «يوجد الكثير من الأشخاص الذين يتعاطفون مع الثورة يقدمون الخدمات للجيش الحر معرضين حياتهم للخطر».

وفي يوليو (تموز) الماضي، هز انفجار ضخم العاصمة السورية دمشق مستهدفا مبنى الأمن القومي. وقد سقط في هذا التفجير عدد من أبرز القادة الأمنيين في البلاد أو ما كانت تتم تسميتهم بأعضاء خلية الأزمة. وقد أشارت المعلومات آنذاك إلى أن منفذ العملية التي تبناها الجيش الحر هو واحد من طاقم الحراسة الخاص برئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار قام الجيش الحر بتجنيده لتنفيذ هذه العملية، حيث قام بزرع عبوة ناسفة تحت طاولة الاجتماعات الخاصة بالمقر.

وفي الآونة الأخيرة أصبح عدد كبير من الناشطين المعارضين يعملون في جمع المعلومات المتصلة بضباط الأمن والاستخبارات التابعة للنظام السوري لتزويد كتائب الجيش الحر بها وتسهيل مهماته الأمنية. ويعزو الناشطون تحولهم من تنظيم المظاهرات وتصويرها إلى الرصد والتقصي والمتابعة لضباط الأمن، لحالة العسكرة التي دفع باتجاهها القمع الذي مارسه نظام الأسد ضد الثورة المندلعة ضده.