جنون نتنياهو

دخل في حرب غزة.. ويخوض معركة الاستيطان من أجل عيون الناخبين

TT

توحي تصرفات الحكومة الإسرائيلية بأن قادتها فقدوا صوابهم إزاء الفلسطينيين. فقد شنوا هجوما عسكريا على قطاع غزة، بدعوى الرد على إطلاق الصواريخ التي تطلق من مناطق من القطاع باتجاه البلدات الإسرائيلية، وقتلوا نحو 180 شخصا وجرحوا آلاف الفلسطينيين ودمروا خمس أو ربع غزة، لكن النتيجة كانت مفاوضات مع حماس وتخفيف الحصار عن القطاع ورفع أسهم حماس والجهاد الإسلامي ونظام الإخوان المسلمين في مصر، وتسببوا بذلك في جمود ثلجي لعملية السلام.

واعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة وراح الفلسطينيون يرقصون في شوارع رام الله ونابلس والخليل. ورد الإسرائيليون بحملة «استيطان استراتيجي» جنونية، تضع عراقيل أمام قيام الدولة الفلسطينية، فهب العالم الغربي بالأساس يستنكر ويهدد بعقوبات لإسرائيل.

المعركة مستمرة، إذ يوحي قادة إسرائيل بأنهم مصممون على سياستهم وسيواصلون معاقبة الفلسطينيين، خصوصا أولئك الذين يمدون لهم يد السلام من رام الله. فما الذي أصابهم؟ أحد الكتاب المعروفين، د. تسفي برئيل، الذي يتابع العلاقات العربية - الإسرائيلية عن كثب منذ عشرات السنين، وصف هذه التصرفات بكلمات مشهورة جدا في التاريخ الإسرائيلي: «رب البيت قد أصيب بالجنون». وهو يقصد أنها سياسة جنونية. ولكن هذه السياسة ليس بالضرورة سياسة رد فعل جنوني على عمل ما، بل قد تكون سياسة مخططة.

فقد استخدمها قادة كثيرون في إسرائيل، خصوصا في الجيش، وقصدوا بها أن «يوضحوا للعدو أنهم في هذه المرة سيردون عليه بجنون»، أي بالجنون المخطط سلفا، بالجنون الواعي.

واليوم يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تريد للفلسطينيين ولكل من يساندهم في العالم، حتى لو بشكل جزئي أو بشكل مؤقت، أن يفهموا أنها هذه المرة تنوي المضي حتى النهاية في نهجها حتى يفهم الجميع أنها «لن تمر مر الكرام» على النجاحات الفلسطينية وستتحدى العالم كله المساند لهم. وينطوي هذا الموقف على تناقضات كبيرة يصعب على الكثير من الإسرائيليين فهم كنهها.

د. برئيل، يستهجن ويسخر من هذه السياسة التي يديرها بنيامين نتنياهو ووزراؤه، فيقول إنهم يصابون بالهستيريا لأن سياستهم قد فشلت وانكشفت بكل عوراتها. ويضيف، من خلال عودة إلى التاريخ بعض الشيء، فيقول: «حكومة إسرائيل تحاول منذ 5 سنوات أن تعلم العالم ما هو الفرق بين حماس والسلطة الفلسطينية. بين الأخيار والأشرار، وبين الإرهابيين وطالبي السلام، وبين الوفرة والغنى اللذين يحظى بهما الطائعون في الضفة الغربية وبين البؤس الفظيع الذي يستحقه الوقحون في غزة. أن جزءي دولة فلسطين واقعان تحت احتلال إسرائيلي. لكن ترى دول العالم أن احتلالا كلاسيكيا – احتلال (فرق تسد) و(العصا والجزرة) لم يزل قائما. إن ما كان ملائما لبريطانيا في الهند وفرنسا في الجزائر وإيطاليا في ليبيا ينسخ كاملا إلى إسرائيل. فماذا تكون هذه الدول المنافقة بحيث ترفع أصابع الاتهام أمام ناظر القيصر نتنياهو؟ إن 45 سنة نجاحا للاحتلال تتحدث من تلقاء نفسها. وبقيت 87 سنة أخرى لتساوي مدة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مدة سيطرة فرنسا على الجزائر، لكن إسرائيل قد أحرزت الهدف من جهة سكانية. لأن 8 في المائة من مجموع سكان المناطق هم من اليهود البيض. بقيت درجتان مئويتان أخريان كي ننتصر. سار كل شيء سيرا حسنا إلى أن اختل شيء ما. إن شيئا ما يختل دائما. وكما لم يفهم الشاه الإيراني لماذا لم يعد رعاياه يحبونه وكما استخف حسني مبارك بحركة الاحتجاج. وقال (خليهم يتسلوا..!)، لم يفهم نتنياهو بعد كذلك ما الذي أصاب الفلسطينيين. إن المراقص في رام الله تعمل كما ينبغي، والمجمعات التجارية الجميلة في نماء ومدينة روابي قد أخذت تبنى. وقد استقر رأيه هو الطيب والمحسن قبل شهرين فقط على أن يحول إلى السلطة الفلسطينية سلفة تبلغ 250 مليون شيقل من الأموال التي تستحقها من تحويل الضرائب. فهل يوجد محتل أكثر استنارة منه؟ ألم يظهر تفهما لكون الواقع تحت المحتل يسير على معدته؟ وفجأة نرى لدغة لليد المداعبة. فقد نشأت دولة فلسطينية بين يديه. إن الجاني الفلسطيني أخطأ خطيئة مضاعفة، فقد خان قواعد اللعب التي تقول إنه يوجد طرف واحد فقط يحدد قواعد اللعب».

وردا على سؤال بخصوص هذه الروح الانتقامية في التصرف الإسرائيلي يقول برئيل: «الجريمة الكبرى في نظر حكومتنا، هي أن محمود عباس عرض نتنياهو مثل أداة فارغة ونزع الغطاء عن المحتل الذي يقول إن (الأكثرية الآلية) فقط، أي الدول السوداء والمتخلفة هي التي تؤيد دولة فلسطينية. وظهرت فجأة دول بيضاء أيضا إلى جانبه. لكن عقلية نتنياهو تنتمي إلى المدرسة الغبية التي تقول إن (إسرائيل لا تخسر أبدا). فهي لا تتراجع عن احتلال قطاع غزة، بل (تنفصل) عنه؛ وهي لا تفاوض إرهابيين، بل (تتوصل إلى تفاهمات) معهم؛ وهي لا تعاقب، بل (تكوي الوعي). لكن ماذا نفعل حينما يكون الفلسطينيون بالذات هم الذين يكوون هذه المرة وعي إسرائيل ويبينون لها أنها لم تعد تحتل (محليين)، بل تحتل دولة معترفا بها؟ إن الكي صدمة شعورية قاسية. وهي في حال الزبون نتنياهو قد أخرجت الجنون إلى الخارج».

القصة من بدايتها

* المعروف أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، كانت تفتش عن حجة تتذرع بها لمنع أي إمكانية للتسوية السياسية مع الفلسطينيين على أساس مبدأ «دولتان للشعبين». فهو قائد يميني متطرف، يرفض هذا المبدأ. ولكنه يحسب حسابا للمجتمع الدولي عموما، ويحسب حسابا أكبر للولايات المتحدة خصوصا في ظل رئيسها الجديد آنذاك، باراك أوباما، فأعلن في السنة الأولى لحكمه (2009) أنه يؤيد مشروع الدولتين، وذلك في خطابه الشهير في جامعة بار إيلان. وطلبت الولايات المتحدة منه أن يثبت صدق نياته بتجميد البناء الاستيطاني خلال فترة المفاوضات، وقد صدمه هذا الطلب واستهجن قائلا: «لم تتقدموا بطلب كهذا من أي حكومة أخرى من قبلي»، لكن واشنطن أصرت. فقرر تجميد البناء الاستيطاني الجديد عشرة شهور. وجاء الرئيس عباس إليه للمفاوضات، بعد تردد طويل، حيث إنه لم يصدق أنها ستكون مفاوضات جادة من جهة، وكانت حركة حماس قد انقلبت على حكمه وسيطرت على قطاع غزة فبات موقفه أضعف من أي وقت مضى وراح الإسرائيليون يبرزون حقيقة أنه لا يستطيع أن يتكلم باسم الشعب الفلسطيني كله.

ومع مرور الوقت، بدأ يتضح أن الموقف الأميركي لم يكن حازما لدرجة ممارسة الضغوط على حكومة نتنياهو. فقرر إدخال واشنطن في اختبار، فقرر أن يستأنف البناء الاستيطاني «لأن الفلسطينيين تأخروا عن القدوم إلى المفاوضات وانتهت الشهور العشرة من دون تقدم». وقد ترك الفلسطينيون المفاوضات وأعلنوا أنهم لن يعودوا إليها إلا إذا جمد الاستيطان، بينما الولايات المتحدة وجدت أن شرط تجميد الاستيطان لم يعد واقعيا، فتراجعت عنه. وراحت تمارس الضغوط على عباس لكي يتراجع هو الآخر. لكن عباس أجاب: «أنتم أصعدتمونا إلى الشجرة العالية، فهاتوا سلما حتى ننزل. ولكن الرئيس أوباما دخل بسرعة في هموم أخرى، داخلية وخارجية، مثل الانسحاب من العراق والوضع في أفغانستان وجاءت أحداث الربيع العربي المفاجئة، والتي لبكت كل من له علاقة بالسياسة الإقليمية في الشرق الأوسط، وارتفع الشأن الإيراني».

وهكذا، هبط الاهتمام في الموضوع الفلسطيني إلى أدنى درجات سلم الاهتمام. وارتاح نتنياهو. بل راح يوسع الاستيطان شيئا فشيئا، وخلال أربع سنوات زاد عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بنحو 45 ألف مستوطن، وهذا عدا عن المستوطنين في القدس الشرقية. وقد بدا أن الفلسطينيين باتوا بلا حول ولا قوة. والرئيس عباس، الذي يصر على رفض أي مقاومة عسكرية للاحتلال والاستيطان وينادي فقط بالنضال السلمي والشعبي بلا أي نوع من العنف، ورئيس حكومته، د. سلام فياض، الذي راح يتركز في بناء أسس الدولة الفلسطينية على الأرض، أصبحا عنوانا للعداء الإسرائيلي الرسمي أكثر من حماس والجهاد الإسلامي اللذين يطلقان الصواريخ.

وكما يقول النائب دوف حنين: «أنا لست معارضا لأن نتحاور مع حماس، ولكن شيئا مستهجنا هنا يحدث لنا. فالحكومة الإسرائيلية تتحاور مع حماس بمفاوضات غير مباشرة حول قضية الجندي شاليط ثم حول قضية التهدئة، وتقاطع السلطة الفلسطينية التي لا يمر يوم إلا وهي تبث إلينا رسالة سلام. إن الرسالة التي تبثها هذه الحكومة للعالم، هي أنها تتكلم مع من يخطف الجنود ويطلق الصواريخ، وتقاطع من يدير نضاله من أجل تحرر شعبه بواسطة النضال السلمي والأمم المتحدة».

لكن المشكلة الأكبر، حسب الكاتب شالوم يروشالمي، هي في هذا الاستهتار في الواقع وفي التاريخ وفي المجتمع الدولي. ويؤكد أنه كان متوقعا أن تدخل إسرائيل في صدام مع المجتمع الدولي بسبب سياسة الزحف الاستيطاني، على حد تعبيره «ونحن أغمضنا عيوننا وأغلقنا آذاننا؟». ويضيف: «لسنوات طويلة والناس يحذروننا من أننا لا يمكننا أن نقف وحدنا أمام كل العالم، والضم الزاحف ليهودا والسامرة (الضفة الغربية) غير مقبول من أي دولة، باستثناء ميكرونيزيا، ويعمل من إسرائيل دولة أبرتهايد. لسنوات طويلة والناس يشرحون لنا بأن حل الدولتين هو الوحيد الذي يمكنه أن يكون واردا، ولكننا صفينا هذا الحل بيدينا الاثنتين ووقفنا ضد الجميع. لسنوات والناس يهددوننا بالعقوبات، ولكننا شديدو المراس، نرفض أن نصدق. ونسأل باحتقار: (من هو على الإطلاق هذا العالم)».

ويستذكر يروشلمي اللقاء الذي أجراه نتنياهو مع الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، في سنة 2009، إذ قال الرئيس المضيف لضيفه الإسرائيلي: «في فرنسا يوجد ثمانية ملايين مسلم. في كل بيت من بيوتهم توجد صحون لاقطة للأقمار الصناعية. وهم يرون كل ما يحصل لديكم. يشاهدون كل الشبكات الفلسطينية. الاضطراب عندكم يشعل النار في كل أوروبا». ويضيف يروشالمي: «إن نتنياهو لم يفهم المغزى أو أنه قرر ألا يفهم. فأوروبا قد تغيرت. من جهة، بات سكانها العرب والمسلمون يؤخذون في حساباتها السياسية ومن جهة ثانية سياسة نتنياهو لم تعد تحتمل. وهناك تلميحات كثيرة بأن استمرار السياسة الإسرائيلية قد يجر إلى عقوبات فعلية. وكل الدلائل تشير إلى أن هناك ضيقا حقيقيا من سياستنا».

الموضوع الإيراني

* ويضيف يروشلمي: «لقد فهم العالم منذ زمن بعيد أن دولة فلسطينية لا تسير مع المستوطنات ومع المستوطنين الذين يسيطرون على الحزب الحاكم. دولة فلسطينية لا يمكنها أيضا أن تبنى في منطقة تربط فيها القدس مع معاليه أدوميم بواسطة حي ضخم على مناطق شاسعة وآلاف أخرى من وحدات السكن خلف الخط الأخضر قامت الحكومة بإقرارها. نتنياهو، الذي حشد العالم بيد واحدة ضد إيران، جلب بيده الثانية إسرائيل لتصبح في وضع إيران. بعد قليل سنجدها شقيقة الأزمة. العالم، الذي منح مكانة دولة (غير عضو) للفلسطينيين قبل أسبوع، يهرب من إسرائيل كما يهرب المرء من النار. وهذه ليست دول العالم الثالث. هذا هو الحزام النوعي، الأخلاقي والدبلوماسي الأهم لإسرائيل. فقد شجبتنا الولايات المتحدة مرتين، وفرنسا تلمح بالعقوبات، وبريطانيا وإسبانيا والدنمارك وبلجيكا وحتى أستراليا وفنلندا تجري محادثات إيضاح وتوبيخ مع السفراء الإسرائيليين لديها وبعضها تفكر بإعادة سفرائها إلى الديار. فمن تبقى لنا؟ لا أحد سوى ميكرونيزيا. فهل يؤثر هذا على نتنياهو؟ كلا. إنه على حاله. يتخذ القرارات، يعاقب الفلسطينيين ويوبخ العالم. الجميع يبدو له صغارا. فهو على القمة، لكن هذه القمة هي قمة متسادا (القلعة التي تحصن فيها اليهود في العقد السابع قبل الميلاد، وحاصرهم فيها الرومان وقرروا الانتحار الجماعي – ن.م)».

ويشعر الكثير من الإسرائيليين اليوم بأن التسبب في هذا الصدام بين حكومة نتنياهو وبين الغرب نتيجة الموضوع الفلسطيني، جاء في إطار الدعاية الانتخابية لكسب أصوات اليمين لا أكثر. والدليل، حسب الخبير في الشؤون الإيرانية أبيعاد كلاينبيرغ، هو سقوط الموضوع الإيراني عن الأجندة الإسرائيلية بهذه السرعة الفظيعة. وهو أيضا يتكلم بسخرية عن هذا السقوط فيقول: «فقط قبل بضعة أشهر كانت البلاد في ضجيج من التهديد لإيران بسبب تهديدها النووي وقام العالم ولم يقعد وتحدثنا ليل نهار عن التهديد. وكان خبراء يؤيدون التهديد وآخرون يعارضونه. وانضم ساسة إلى الحكومة جراء التهديد وتركوها بسببه. وكانت رائحة المحرقة (النازية) في الهواء ولم يكن يحول بيننا وبينها سوى ونستون نتنياهو (يقصد أن نتنياهو كان يتظاهر كما لو أنه ونستون تشرشل). لم يكن شيئا مهما كالتهديد. فقد كتب صحافيون مقربون من وزير التهديد من أكيروف (يقصد الأبراج الفخمة في تل أبيب التي يعيش فيها وزير الدفاع، إيهود باراك)، مقالات عن التهديد وقالوا إن رمل الساعة قد نفد. وإذا كان يجب الشجار مع الولايات المتحدة بسبب التهديد فسنشاجرها وإذا كان يجب الهجوم على العقل السديد فسنهاجم لأن نافذة الفرص قد أخذت تغلق، وهذه هي لحظة القرار وأنتم لن تقولوا لنا. فإنه أمن إسرائيل. ولن تسقط متسادة مرة ثانية وما أشبه ذلك من الكلام ومن الثرثرة التي لا نهاية لها. ومن العجب أن التهديد قد اختفى. لست أقول إنه لا توجد مشكلة في إيران، بل توجد. ولما كان الإيرانيون لم يتخلوا عن برنامجهم النووي فمن المنطق أن نفترض أنه توجد أسباب كثيرة للقلق (فالرمل ينفد والنافذة تغلق والساعة المناسبة تضيع). أريد أن أفترض أن من يجب عليه الفعل عليه أن يفعل، لكن الهستيريا تلاشت دفعة واحدة. فالشعور بالتعجل والذعر والخطابة المتحمسة لم يختف بين عشية وضحاها. لست أعلم مدى خطر المشكلة الإيرانية لكنني أعلم أنه لم يعد لأسياد الوعي في الحكومة اهتمام ببحثها علنا. فنحن لا نحارب إيران، بل نحارب الفلسطينيين. ولا نواجه سلاحا جويا حديثا وترسانة صواريخ مخيفة بقوة نفطية إقليمية، بل نواجه أنابيب طائرة لنصف دويلة فقيرة وراء الجدار. إن كل شيء معروف جدا وكل ما يحتاج إليه في الصراعات غير المتكافئة بيننا وبين الفلسطينيين هو أن نغير تعريف الانتصار فنغير وننتصر. ونبني مستوطنات، ونغضب العالم».

ويعزو كلاينبيرغ سقوط الموضوع الإيراني علنا إلى الانتخابات الإسرائيلية: «معسكر منافسيه ضعيف جدا. فلتغفر لي تسيبي ليفني، فهي ليست ملائمة لتكون رئيسة وزراء. ومعسكرها مفسخ ولا يقبل بها رئيسة له. ولا حاجة إلى سلاح يوم القيامة حتى يفشل معسكر المعارضة، بل يكفي قرع خفيف لطبول الحرب وعملية صغيرة في مواجهة الفلسطينيين لجعله يقف في مكانه».

وسألت «الشرق الأوسط» كلاينبيرغ، كيف يمكن لنتنياهو أن يضلل المجتمع الإسرائيلي بذلك، ويمرر عليه مسألة إسقاط الموضوع الإيراني الذي كان يبدو مقلقا بدرجة خطيرة، ووضع «الخطر الفلسطيني مكانه، بما في ذلك الخطر المزعوم من الاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة». فيقول: «شيء مدهش بل مذهل حقا. هناك تكيف قطيعي للساسة ووسائل الإعلام في إسرائيل مع سياسة نتنياهو التضليلية. فإذا قال هرتسل (أعني نتنياهو) إنه ينبغي أن نذعر فإن عظامنا سترتجف من الخوف وإذا قال نتنياهو، إنه ينبغي أن نتوقف فإننا نتوقف. فللسلطة في إسرائيل سيطرة مطلقة على الوعي. وحينما يوجد برنامج عمل آخر أيضا (الاجتماعي) يكون دائما مذعورا ويحذر ألا يتجاوز ولو بملليمتر واحد خطوط الإجماع. (وانظر إلى رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، التي تقع هي الأخرى في حبائل نتنياهو فتؤيده في الهجوم على غزة وفي الهجوم على الرئيس الفلسطيني. فخطوط المسموح به والمحظور يخطها معا أسياد الوعي وكلاب حراسة الديمقراطية، الذين بدلوا الولاء من غير أن يعترفوا بذلك حتى لأنفسهم».

وهكذا، فإن الاستنتاج بأن المعركة الانتخابية في إسرائيل، هي التي تحكم تصرفات حكومة نتنياهو. المهم أن لا يفقد أصوات اليمين وأكبر قدر من الوسط. وأهل قطاع غزة دفعوا ويدفعون اليوم فاتورة هذه الانتخابات بأرواح أبنائهم وبناتهم وأطفالهم، ويدفعها القادة والمواطنون الفلسطينيون في الضفة الغربية بنهب أراضيهم وتهويدها أو بأزمة اقتصادية أخرى من جراء العقوبات، والقادة الإيرانيون يرتاحون لبضعة شهور من تهديدات الحرب الإسرائيلية. وكل ذلك لأن «رب البيت الإسرائيلي قرر أن يجن إلى حين انتهاء معركته الانتخابية». وبعد هذه الانتخابات، يكون كل شيء مفتوحا.. من خطر الحرب إلى احتمالات العودة إلى المفاوضات.