ميركل.. مستشارة ألمانيا «الحديدية»

فوزها الساحق بنسبة 98% فتح عليها أبواب الانتقادات.. وشبهوا نتائجها بانتخابات كوبا

TT

حققت المستشارة «الحديدية» أنجيلا ميركل رقمين قياسيين جديدين في مؤتمر حزبها الأخير في مدينة هانوفر. إذ نالت 97.49% من أصوات المندوبين (903 مندوبين)، وهو رقم قياسي شخصي تحققه خلال حياتها السياسية القصيرة نسبيا، ثم إن تصفيق المندوبين لها، بعد الإعلان عن نتيجة الاقتراع، دام 8 دقائق متواصلة، وهو رقم قياسي لم يحققه حتى «مكتشفها» المستشار الأسبق هيلموت كول.

لكن خصومها، وخصوصا في الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر، اعتبروا أن هذه النتيجة تأكيد لاتهاماتهم السابقة لميركل بالعمل على تصفية معارضيها داخل حزبها، في حين اعتبره مندوبو الحزب الديمقراطي المسيحي تعبيرا عن وحدة الحزب تحت قيادة أنجيلا ميركل. وإذ اعتبرت ميركل فوزها تمهيدا للفوز في الانتخابات النيابية القادمة، وتجديدا لها لولاية ثالثة على الحكومة الألمانية، تعامل المعارضون مع النتيجة كشأن حزبي داخلي لا علاقة له بالانتخابات العامة 2013.

كانت التوقعات بهبوط شعبية ميركل داخل حزبها، وبين عموم الناخبين، قد تعززت بعد أن ساهم المستشار العجوز هيلموت كول، الذي يعتبر «راعيها»، أو «عرابها»، والذي عبد الطريق أمامها إلى البوندستاج، في توجيه النقد اللاذع لها. وقال كول لصحيفة «السياسة الدولية» في أغسطس (آب) الماضي، إن سياسة الحكومة الألمانية الأوروبية «تفتقد إلى بوصلة»، واقترب بذلك كثيرا من تقييم أحزاب المعارضة. وأضاف أن «ألمانيا ما عادت بالحجم الذي يحسب له حساب، لا في الداخل ولا في الخارج». ووصف المستشار الأسبق امتناع ألمانيا عن التصويت إلى جانب التدخل العسكري في ليبيا بالخطأ، وكذلك إلغاء التجنيد الإلزامي في ألمانيا. وقال: «أسأل نفسي أين تقف ألمانيا اليوم، وإلى أين تتجه».

حمّل هيلموت كول حكومة المستشار السابق جيرهارد شرودر مسؤولية أزمة اليورو، وقال: إنه كان على حكومة التحالف الاشتراكي - الخضر أن لا توافق على دخول اليونان إلى الاتحاد الأوروبي بشروط متساهلة. وأكد أنه يفتقد إلى سياسة خارجية حقيقية ترسمها حكومة ميركل، وعبر عن أسفه لأن الرئيس الأميركي أوباما زار، في جولته الأوروبية الأخيرة، معظم بلدان أوروبا الكبيرة، لكنه أدار ظهره إلى ألمانيا.

رد فعل «الفتاة»، كما كان كول يسميها، كان محافظا كطبيعتها، فقالت: إن مستشار الوحدة الألمانية لا يمكن الاستهانة به. وذكرت أن لكل مرحلة شروطها ومتطلباتها، وأن المرحلة الحالية تتطلب من الحزب الديمقراطي المسيحي رسم السياسة المناسبة.

يوزيف شلارمان، رئيس «وحدة الوسط والاقتصاد» في الحزب كان أوضح بكثير من هيلموت كول، في نقده لمستشارة «الوسط». قال لصحيفة «لايبزجر فولكس تسايتونغ»، يوم 15 أغسطس الماضي «إن العمل في الحزب الذي تقوده ميركل مثل مطعم «المنزا» (مطعم الطلبة في الجامعة)، هناك نوع واحد من الطعام في كل وجبة، ويمكن لمن لا يعجبه ذلك أن يبقى خارجا». «غير مسموح بالنقاش حول القضايا المهمة، وكأنه لا يوجد أي بديل آخر غير أنجيلا ميركل».. لم يعد الحزب يناقش قضايا مهمة مثل أوروبا، يتركز كل شيء في دائرة المستشارة، ويتعلق كل الوزراء بقراراتها».

ومن تابع وقائع مؤتمر الحزب الديمقراطي، في جلساته المفتوحة، سيلاحظ فعلا أن النقاشات كانت محدودة. لم تطرح قضايا عقدية أساسية تتعلق بالوضع الداخلي، مثل قضية البطالة، وزيادة أعباء المتقاعدين، وإفقار شرائح متزايدة من الناس. وركزت ميركل في خطابها على قضايا السياسة الخارجية، وأزمة اليورو، أكثر مما ركزت على القضايا الداخلية.

أكدت استمرار تحالف حزبها مع الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، وقالت: إن الفترة المتبقية حتى الانتخابات (10 أشهر) ستعزز فرص استمرار التحالف الحالي على قمة الحكم. وكان وزير الخارجية غيدو فسترفيلي، من الحزب الليبرالي، طالب المستشارة باتخاذ موقف واضح من التحالف مع حزبه في المؤتمر. وربما كانت التكهنات حول احتمال فشل الحزب الليبرالي في تجاوز نسبة الـ5% اللازمة لدخول الانتخابات، والشائعات حول تحالف ممكن للمحافظين مع حزب الخضر، قد دفعت فسترفيلي إلى هذه المطالبة. وأثارت المستشارة شيئا من الضحك في أجواء المؤتمر الجادة حينما قالت «ربما خلق الله الحزب الليبرالي فقط كي يمتحننا».

دعت ميركل إلى التصدي بنشاط للتحدي الاقتصادي الجديد القادم من الشرق، وخصوصا من الصين والهند، ووصفت هذه المهمة بالـ«هرقلية بالنسبة لعصرنا وجيلنا». كما دعت إلى عولمة تنظيم الأسواق المالية، وكسب المزيد من دول العالم إلى هذا المشروع. وقالت بضرورة وضع شروط أقسى من أجل تنظيم الأسواق المالية على المستوى العالمي.

بعد «عرض المرأة الواحدة»، الذي توج بفوز ميركل الساحق من دون منافس، وصف هورست زيهوزفر، زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب الشقيق للديمقراطي المسيحي، فوز ميركل بنسبة 98% بالـ«كوبي». وهي إشارة إلى انتخابات الحزب الشيوعي الكوبي، التي كانت تنتهي دائما بفوز فيدل كاسترو بنسبة مماثلة. ورغم أنه ذكر ذلك على سبيل الدعابة، فإنه مس عصبا حساسا في سياسة ميركل الحزبية الداخلية. وازن المعادلة بعد ذلك من جديد وامتدح عمل ميركل وقال: إن حزبه فخور بها. وأضاف أنه يعد المستشارة بأن الاتحاد الاجتماعي المسيحي في، الأشهر العشرة القادمة التي تسبق الانتخابات، سيكون قطة تموء وليس أسدا زائرا».

يعتبر توماس أوبرمان، مدير أعمال الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاشتراكي، من أكثر معارضي الحكومة تهجما على المستشارة أنجيلا ميركل. وسبق له في مقابلات سابقة أن وصف حكومة التحالف التي تقودها ميركل بـ«حفنة فوضويين» لا تخطط جيدا لأعمالها، بل وقال: إنهم لا يعرفون إلى أين ستقود سياستهم على المستوى الأوروبي، وعلى مستوى التصدي لأزمة اليورو.

قال أوبرمان، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن «ميركل حولت الحزب الديمقراطي المسيحي إلى حزب يخضع لإرادتها، يهدف إلى البقاء في السلطة بأي ثمن، وأصبح السلام داخل حزبها أهم لها بكثير من أي برنامج أو قرار».

وتجنب أوبرمان الرد على التوقعات القائلة بأن ميركل ستواصل حكم ألمانيا بعد الانتخابات المقبلة، لكنه توقع أن يبقى المحافظون بلا شخصيات مميزة، وبلا مضامين، ولفترة طويلة، بعد ذهاب ميركل. هذا لأن المستشارة «أفرغت الحزب من نواته» بهدف فرض سيطرتها وضمان استمرارها.

وعن تحالفات المحافظين المقبلة، وإمكانية تحولهم إلى التحالف مع حزب الخضر على حساب حليفهم التقليدي الحزب الليبرالي، قال أوبرمان إن المستشارة نفسها، والحزب الديمقراطي المسيحي بأكمله، لا يعرف أين يقف اليوم، ولا يعرف بعد أي سياسة تحالفية سينتهجها بهدف البقاء في الحكم.

وكانت ميركل قد وصفت حزبها في المؤتمر على أنه «حزب الوسط»، وفسر الكثير من المحللين هذا التصور على أنه تقرب من حزب الخضر، وخصوصا بعد التوقعات بعدم قدرة الليبراليين، في الانتخابات المقبلة، على تخطي حاجز 5% من الأصوات وصولا إلى البرلمان.

عندما سقط جدار برلين، لم تكن ميركل تفهم شيئا بالسياسة والاقتصاد، وبعيدة كل البعد عن الأحزاب السياسية، لكنها اختصرت السلم المراتبي الحزبي بسرعة خارقة لتصبح عام 2000 زعيمة المحافظين. فمن أين جاءت هذه السيدة التقليدية؟ وكيف تحقق لها مثل هذا الصعود الصاروخي؟

يعود الفضل في صعود أنجيلا ميركل إلى زعامة الحزب الديمقراطي إلى فضيحة الحسابات المصرفية اللاشرعية، والتبرعات السرية، التي أطاحت بسمعة هيلموت كول وهارالد كوخ (رئيس وزراء ولاية هيسن) ومانفرد كانتر (وزير الداخلية السابق) وآخرين عام 2000. ولم تتسلط الأضواء عليها إلا خلال أزمة الحزب المذكورة، وخروج فولفغانغ شويبلة (رئيس الحزب السابق) من دائرة المنافسة.

أثار الصعود المباغت لأنجيلا ميركل في الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني الكثير من الاجتهادات الصحافية، وخصوصا في خارج ألمانيا، وفي الجزر البريطانية بالذات. وفي حين تجنبت الصحافة الألمانية المبالغة بقوى «الفتاة»، كما كان هيلموت كول يسميها، سارعت الصحافة البريطانية إلى تسمية ميركل بـ«سيدة ألمانيا الحديدية» و«مارغريت ثاتشر الألمانية».

عن هذا الموضوع، يقول اورليش كلنكرت، وكيل ميركل في وزارة البيئة في التسعينات، إنها «امرأة ذات كفاءة عالية، لكن مقارنتها بمارغريت ثاتشر تتعدى حدود المبالغة». ويضيف كلنكرت، وهو من الحزب الديمقراطي المسيحي أيضا: «فيها شيء من ثاتشر وشيء من بلير».

تقول ميركل نفسها إن كول اقترب منها في البرلمان في يناير 1991 وسألها «ما إذا كانت قادرة على التعامل مع النساء». وعمل كول بعد ذلك على ترشيحها لمنصب وزيرة المرأة والشباب حينذاك رغم ترددها في الإجابة «بنعم» على ذلك السؤال. ولهذا فقد اشتهرت ميركل بين أعضاء حزبها بلقب «فزّاعة الرجال» وتفوقت في موقفها، كبروتستانتية وامرأة، على مواقف الرجال المحافظين، وصوتت ضد القانون 218 الخاص بحق الإجهاض. وحينما طالبت نساء الحزب الديمقراطي بفرض نسبة معينة للنساء في الدوائر والمؤسسات والشركات، وقفت ميركل إلى جانب «زيادة متوازنة» نسبة النساء في هذه المحافل. وأكدت هذا الموقف في مؤتمر الحزب الأخير في هانوفر.

وحينما اختارها هيلموت في نهاية التسعينات لوزارة البيئة فاجأت ميركل الجميع بموقفها المتشدد إلى جانب محطات الطاقة النووية، وضد دعاة البيئة، وضد دعاة التخلص من النفايات النووية، رغم معرفتها بمخاطر الإشعاعات النووية باعتبارها عالمة فيزيائية. ودعت وزيرة البيئة المحافظة حينها إلى إنزال أقصى العقوبات بالمتظاهرين الذين يحاولون عرقلة وصول قطارات النفايات النووية من لاهاج الفرنسية إلى مقبرة غورليبن النووية في ألمانيا. وهذا يعني أن ميركل، التي تصنف نفسها في تيار وسط الحزب، وقفت في معظم قرارات الحزب إلى جانب يمين الحزب المحافظ، وكان موقفها دائما أقرب إلى موقف المحافظين المتشددين في الاتحاد الاجتماعي المسيحي.

فضلا عن ذلك، ترى فيرا لانغزفيلد، وهي سيدة من حزب الخضر انتقلت إلى الحزب الديمقراطي المسيحي مطلع التسعينات، أن صعود ميركل إلى قيادة الحزب الديمقراطي حقق ثلاث ثورات في الحزب. فهو أول صعود لامرأة في حزب رجولي، وأول شرقية تترأس حزبا غربيا، وأول بروتستانتية على قيادة الحزب الديمقراطي المسيحي. وميركل ابنة قس بروتستانتي، وتزوجت مرتين، وليس لديها أبناء، ولا فضائح تدور حولها، وكان أبوها يفضل النظام الشيوعي في برلين الشرقية رغم أنه قس.

لم يكن لها حلفاء، ولا تكتلات داخل الحزب، لكنها حظيت بدعم المستشار العجوز هيلموت كول، وبتعاطف غالبية أعضاء الحزب التي دوختها فضيحة التبرعات غير الشرعية. وحصلت ميركل على 96% من أصوات الحزب في صعودها إلى القيادة في مؤتمر الحزب عام سنة 2000 في ايسن (غرب). ويعود الفضل في ذلك إلى هيلموت كول الذي لم يترك منافسا جادا له في قيادة الحزب طوال 16 سنة من حكمه. كان يحيط نفسه بالأتباع و«القابلين للتأقلم» وكانت ميركل، حسب رأي كلنكرت، تمثل الحالتين. حياتها السياسية قصيرة قياسا بأعضاء الحزب الديمقراطي المسيحي الآخرين، وخصوصا من الذكور، وتجنبت طوال فترة عملها في البرلمان الانحياز إلى هذه الكتلة المحافظة أو تلك وبقيت مخلصة لهيلموت كول.

ولدت ميركل عام 1954 بهامبورغ، وفضل والدها الانتقال إلى ألمانيا الشرقية، بعد ذلك بسنتين، واستقر مع عائلته في مدينة تيمبلين (ولاية براندنبورغ) حيث ترعرعت ابنته. ويقال: إن والدها كان يحترم النظام الشيوعي في الشرق، ولم تسجل له أي معارضة أو نشاط حتى سقوط جدار برلين عام 1989. انضم الأب إلى «المنبر الديمقراطي الجديد» بعد انهيار نظام ايريش هونيكر، انضمت زوجته المعلمة إلى تحالف حزب الخضر - رابطة 90. وابنه إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وابنته أنجيلا إلى حركة «الانبعاث الديمقراطي» المقربة من الكنيسة البروتستانتية. قاد الحركة المذكورة المحامي فولفغانغ شنور والقس راينر ايبلمان وأصبحت ميركل المتحدثة الصحافية باسم الحركة. اتضح بعدها أن شنور عميل لأمن الدولة الشرقية «شتازي» وأدى ذلك إلى تفتت الحركة وانتقال ميركل إلى الحزب الديمقراطي المسيحي في أغسطس 1990.

ومن يبحث عن المفتاح، الذي فتح أبواب الشهرة السياسية أمام ميركل، يستطيع أن يجد ضالته في مقابلة أجرتها معها صحيفة «برلينير مورغن بوست» 1998. تقول بصراحة: أردنا أنا ورئيسي في العمل (رئيسها في الجامعة) أن نلج بإصرار عالم السياسة، انتمى هو إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وأنا فضلت المساعدة في إعادة البناء (شرق ألمانيا). ثم تضيف «كانت هناك ثلاثة أشياء واضحة أمامي بعد الوحدة الألمانية، أردت الدخول إلى البرلمان، الإسراع بتحقيق الوحدة، الانتقال إلى اقتصاد السوق الحرة». وتتحدث ميركل هنا عن المرحلة التي أعقبت سقوط الجدار مباشرة، أي قبل تشكيل أول حكومة للمحافظين في شرق البلاد بقيادة لوتار دي ميزيير.

تشكلت حكومة دي ميزيير بعد انتخابات البرلمان الشرقي يوم 18 مارس (آذار) 1990 وأصبحت ميركل نائبة المتحدث الرسمي فيها. انضمت بعدها في أغسطس 1990 إلى الحزب الديمقراطي المسيحي وتلقت دعم هيلموت كول في الصعود إلى البرلمان الألماني (البوندستاج) بعد أن نالت 48% من الأصوات في منطقة شتارلسوند - روغن. كان كول يبحث عن شخصية تستطيع كسب الناخبين لحزبه في الولايات الشرقية الخمس الجديدة فوقع على «الفتاة» المتدينة الخجولة أنجيلا ميركل.

ويعتقد الكثير من المحللين السياسيين أن تسريحة شعر ميركل الثابتة على مر العصور، وكانت هذه التسريحة مصدر تهكم النساء الألمانيات دائما، تتطابق تماما مع خلفيتها الدينية المتشددة وعصاميته وبراغمايتها. ربتها أمها بالقول: «أريد أن تكونوا أفضل من الجميع وإلا لن أرسلكم إلى المدرسة»... «وأن على ما يحدث في البيت أن لا يتسرب إلى الخارج أبدا».

وحينما سئلت ميركل مرة عن ماضيها السياسي، لم تجد أكثر من أن تقول: كنا نعيش كل ما يجري في الغرب رغم بعدنا، كنا نراقب العملية الديمقراطية من وراء جدار برلين. وهذا يلخص تاريخ حياتها السياسية في الشرق، رغم أنها لم تشر إلى نشاطها الفعال في الشبيبة الشيوعية في المدرسة، وفي جامعة لايبزغ حيث درست الفيزياء بين 1973 - 1978، علما بأنها نالت شهادة الدكتوراه في الفيزياء عام 1986 من المعهد المركزي للعلوم الطبيعية ببرلين الشرقية، ولم يسمع لها صوت سياسي معارض حتى ذلك الوقت.

فشل زواج ميركل الأول وانتهى بالطلاق عام 1982، أي بعد أربع سنوات فقط من الحياة في القفص الذهبي. تزوجت مرة ثانية عام 1998 من الأستاذ الجامعي يواخيم زاور، والمعتقد أن هذا الزواج كان مكملا لحياتها السياسية، لأن الديمقراطيين المسيحيين ما كانوا ليسمحوا بزعيمة عزباء في الخمسين تتسيد عليهم. العجيب أنها ما زالت تحمل اسم زوجها الأول (اولريش ميركل) وتحاول التكتم على اسم عائلتها الحقيقي كاسنر.

على الصعيد السياسي وضعت ميركل حدا نهائيا لسياسة «الوسط الجديد» التي انتهجها ثلاثي شرودر - كلينتون - بلير، في نهاية تسعينات القرن الماضي. زارت الولايات المتحدة أكثر من مرة، وأظهرت تجاوبا أكبر مع سياسة الرئيس جورج بوش الابن، على حساب تطوير العلاقات مع فرنسا وبريطانيا وروسيا، التي انتهجها قبلها المستشار جيرهارد شرودر. استجابت حكومة ميركل للضغوط الأميركية في زمن ميركل، وزادت بالتالي من عدد قواتها في الخارج، ووسعت رقعة نشاطها، في أفغانستان. شاركت في قوات حفظ السلام والإشراف على الانتخابات في الكونغو وأرسلت قطاعاتها البحرية قبالة الساحل اللبناني في أخطر مهمة للوحدات الألمانية في الخارج. وكان التحول من نظام التجنيد الإلزامي إلى التطوعي آخر قرارات حكومة ميركل الداعية إلى تحويل الجيش الألماني إلى جيش صغير، جيد التسلح، وسهل الحركة، بهدف الاضطلاع بالمهمات خارج الحدود الوطنية.

ويبدو أن «العرس» الألماني الأميركي في عهد ميركل - بوش فقد «عسله» تقريبا في زمن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. لاحظ ذلك العجوز هيلموت كول، فانتقد سياسة ميركل الخارجية وحملها مسؤولية ذلك، وقال: إنه يأسف حينما ينفذ أوباما جولة في أوروبا ويستثني ألمانيا منها.

انتهجت، كأول كمستشارة في تاريخ ألمانيا، سياسة متشددة في الموقف من ملف إيران النووي، وهو موقف يلاقي تأييدا شعبيا ألمانيا، رغم أنه لم يستبعد آنذاك الخيار العسكري (حسب تصريحات وزير الخارجية فرانك - فالتر شتاينماتير). وكانت ميركل، بعد أن هددت الرئيس الإيراني أحمدي نجاد «بالسوط»، قد وجهت سهمها الثاني تجاه تركيا وأكدت علنا تأييد حكومتها «للشراكة المتميزة» لأوروبا مع تركيا بدلا من العضوية الكاملة لها في الاتحاد الأوروبي.

في آخر استطلاع لرأي المواطنين حول الكفاءة والموثوقية، نالت المستشارة ميركل من الناخبين علامة (3.5) فقط (أي درجة مقبول) حسب آخر استطلاع للرأي نشرته مجلة «فوكوس» المعروفة، علما بأن العلامات المدرسية في ألمانيا تمنح للتلميذ درجة واحد كأعلى درجة ودرجة 6 كدرجة رسوب.