الجزائر.. دوامة الولاية الرابعة

بوتفليقة سيترشح إذا شعر أن صحته تسمح له بذلك

TT

يروج المقربون من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لرغبة مفترضة لديه في الترشح لولاية رابعة في انتخابات الرئاسة المنتظرة ربيع عام 2014.

حينها سيكون الرئيس على مشارف الـ75 من العمر. وتنظر المعارضة وقطاع من الجزائريين لهذا الاحتمال باستغراب، على أساس أن الثورة أو ما يسمى بالربيع العربي، التي قامت ضد حكام عرب عمروا في السلطة دهرا، وبالتالي فمن المفترض أن تدفع تلك الأحداث ببوتفليقة أو غيره من رؤساء المنطقة إلى التفكير مليا قبل الإقدام على خطوة الترشح.

لكن المثير أكثر في كل الموضوع، أنه لم يظهر حتى الآن ومع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، من يدفع بنفسه في خضم الترشيحات أمام بوتفليقة، ولا يلوح في الأفق أي مرشحين محتملين، مما يترك الانطباع بأن الطبقة السياسية أضحت عقيمة أو عاجزة عن إنجاب نخب تؤسس للتداول على السلطة.

وحتى وقت قريب كان الجزائريون ملتفين حول رئيسهم ومتحمسين له، خلال فترتي حكمه الأولى، التي اتسمت بإعادة السلام إلى ربوع الوطن، بإعادة الأمن للبلاد، وبروز طفرة تنموية، ناجمة عن ازدياد مداخيل المحروقات، ولكن كثير من الجزائريين، يعتقدون أن إقدام بوتفليقة على تغيير الدستور عام 2008، مما مكنه من المرور إلى ولاية ثالثة، قد أثر سلبا على الدور الإيجابي الكبير الذي اتسمت به فترتا حكمه الأوليان.

واشترى برلماني ثري مساحة في أهم صحف البلاد في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لمناشدة بوتفليقة الترشح لفترة رئاسية رابعة. وجاء فيها أن استمراره في الحكم «واجب وفرض عين». وذكر البرلماني متوجها إلى الرئيس «إننا ندعوكم ونتضرع إلى الله أن يمد في عمركم ويسبغ على فخامتكم موفور الصحة والعافية لمواصلة مسيرة النمو والنماء». وتضمن هذا الجزء من الرسالة، كلاما يحمل دلالات عميقة. فالبرلماني، يتحدث عن صحة بوتفليقة، التي يعتقد على نطاق واسع بأنها لا تسمح له بأن يطلب فترة رئاسية جديدة.

وقل نشاط الرئيس بشكل لافت طيلة الفترة الممتدة بين يناير (كانون الثاني) 2006 وأبريل (نيسان) 2009، تاريخ انتخابات الرئاسة. فقد ترشح الرئيس لولاية ثالثة بعدما كان أغلب المراقبين في 2008 يتوقعون أنه لم يعد في لياقة تسمح له بالاستمرار في الحكم. لكن سرعان ما اتضح العكس، عندما تم إجراء تعديل على الدستور في نهاية العام نفسه بإزالة ما يمنع الترشح لأكثر من ولايتين. ويعتقد على نطاق واسع أن السعيد بوتفليقة أصغر أشقاء الرئيس وكبير مستشاريه بالرئاسة، هو من يدفعه إلى البقاء في الحكم. فالسعيد يتحكم في شبكة من رجال الأعمال وأصحاب الاستثمارات الضخمة، كانوا دائما مصدرا لتمويل حملات شقيقه الانتخابية في طيلة فترة حكمه التي دامت أكثر من 13 سنة. وخلال هذه الفترة، استطاع أن يكون السعيد، وهو أستاذ سابق بالجامعة، شخصية نافذة في الدولة إلى درجة أن الكثير من الوزراء يأخذون الأوامر الرئاسية منه شخصيا. لهذا السبب فهو غير مستعد للخروج من الحكم.

والمثير بخصوص الجدل حول «رغبة الرئيس البقاء في السلطة»، أنه صرح في أبريل (نيسان) الماضي بما يفهم أنه عازف عن الترشح مرة أخرى. فقد قال في خطاب بمدينة سطيف بشرق البلاد «أما جيلنا نحن فقط طاب جنانا». و«طاب الجنان» في اللغة الدارجة الجزائرية تعني أن الشخص هرم ولم يعد قادرا على مواصلة المشوار. وتقول مصادر قريبة من الرئيس لـ«الشرق الأوسط»، إن بوتفليقة سيترشح لولاية رابعة إذا شعر أن صحته تسمح له بذلك. ويعزز هذه الاحتمال كون الرئيس أجل تعديل الدستور بعد أن تعهد به في 15 أبريل 2011. وينتظر من التعديل المرتقب، الذي جاء على خلفية مخاوف الرئيس أن تطال بلاده عواصف «الربيع العربي»، العودة إلى تحديد الترشح بولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة.

ولتفسير «القحط السياسي» الذي تعيشه البلاد، إلى درجة يصعب معها التفكير في وجود مرشحين للرئاسة غير عبد العزيز بوتفليقة، قال محمد حديبي قيادي «حركة النهضة» الإسلامية المعارضة لـ«الشرق الأوسط»: «السلطة لا تريد بروز كفاءات سياسية نموذجية تعيد المصداقية للفعل السياسي.. إنها تضع العراقيل أمام خطاب متجدد وبرامج قد تحرجها لأنها ستظهر عجزها عن تلبية حاجيات المواطنين. السلطة لا يخدمها وجود أحزاب سياسية تنتج أفكارا وتصنع إطارات وكفاءات، من أجل مصلحة البلاد، إنها تريد أحزابا على شكل جماعات منتفعة وقبائل يقودها زعيم أوحد لا يملك قيما ومبادئ، هي لا تريد الخروج من جيل ستينيات القرن الماضي الذي حكم البلاد باسم الشرعية الثورية، وبوتفليقة ينتمي لهذا الجيل».

وأضاف: «السلطة تملك قدرة عجيبة في ترويج النخب السياسية، فدفعتها إلى تأدية أدوار حسب الطلب. وقامت بتوظيف الإعلام الحكومي لخدمة هذا التوجه. نحن نعيش أزمة سياسية حقيقية نتيجة انهيار معايير القيم في الحكم والتسيير والممارسة، وهو ليس عفويا بل تم عن قصد حتى تضمن السلطة استمرارها وتصل بالشعب إلى نقطة تجعله يقتنع أن لا خيار أمامه سوى قبول أمر واقع. والأمر الواقع الذي نعيشه اليوم هو نهب الثروات والمزيد من الفساد، هو التزوير المفضوح للانتخابات للحؤول دون آخرين إلى البرلمان. هو أيضا ما يقال إنه لا وجود لمرشح آخر للرئاسة غير بوتفليقة وكأن الجزائر التي يعيش فيها 36 مليون شخص، لم تلد رئيسا آخر وعاجزة عن إنجاب كفاءات قادرة على بلورة أفكار جديدة تستشرف مستقبل الجزائر وتخرجنا من السجن الذي وضعنا فيه جيل القياديين الذين حكمونا باسم الشرعية الثورية».

ويعتقد قطاع من المهتمين بشؤون الحكم أن النظام السياسي مغلق وتتم الترشيحات للمناصب الكبيرة منه وبداخله. لكن قطاعا آخر يرى أن المجتمع غير قادر على تكوين كفاءات يمكن أن يطرحها كبديل لـ«لحرس القديم». حول ذلك يقول الكاتب المتميز أحمد شنة أمين عام المنظمة غير الحكومية «أكاديمية المجتمع المدني الجزائري»: «بات واضحا أن التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر، قد انطلق قبل موعده المألوف، على غير ما كان معمولا به في السنوات الماضية، وذلك لاعتبارات استثنائية خاصة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، أهمها آثار الثورات العربية، وما نجم عنها من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الساحة الجزائرية والعالمية بوجه عام».

ويضيف «إن تهرب البعض، من الاعتراف بهذه الحقيقة التي لا ينكرها، إلا المنتفعون من بقاء الوضع على ما هو عليه، واستمرار هذه الحالة من الغموض والضبابية، في التعاطي مع هذا الواقع العربي الجديد، على الرغم من المحاولات الفاشلة التي بذلتها النخبة الكلاسيكية المنتهية الصلاحية، لإقناع الرأي العام الوطني، بأن ما يحدث في الوطن العربي، ليس له تأثير على الواقع الجزائري، مثلما يرد في تلك التقارير والتصريحات الإعلامية التي حاولت منذ انطلاق شرارة هذه الثورات، إقناعنا بهذه الأوهام، بعد أن عجزت أفراد هذه النخبة عن إقناع أنفسهم بها، وحقن عقولنا بأمصال هذه المناعة المزعومة التي يتمتع بها المجتمع الجزائري، ضد التحولات الإقليمية والدولية الكبرى، بدعوى أن الجزائر قد مرت بمثل هذه التجارب القاسية، وأخذت حظها الوافر من التغيير والإصلاح، ودفعت من أجل ذلك ثمنا باهظا، لكي تصل إلى ما هي عليه اليوم، من استقرار وحرية وكرامة، أو لتحقق ما حققته من فتوحات في التنمية، والممارسة الديمقراطية، وترسيخ أركان الحكم الرشيد».

وأضاف شنة «افتقار المشهد السياسي الراهن لمرشحين في مستوى تحديات هذا المنصب، بعد أن أحكم الطوق على كل الكفاءات، وتم حقن المجتمع بفيروسات العجز عن إنتاج القيادات، وحصر مجال المنافسة في دائرة مغلقة لا تقبل الغرباء، ليس اكتشافا علميا جديدا يعرض لأول مرة، ولا مقاربة سياسية مبتكرة. فالمتتبع للشأن الجزائري، يعلم أن هذا المشهد البائس، لم يعرف طوال العقدين الأخيرين، إلا مجموعة من الأسماء المحددة، يتداولها الإعلام في كل مرة، دون ملل أو كلل أو إحساس بالدوار، وكأن الجزائر بكل ما فيها، من مؤسسات حزبية وجامعية وجمعوية، لم تنجب إلا هؤلاء الذين يتكررون في كل موعد انتخابي، يؤدون دور الأرانب في السباق، بما يشبه القدر المحتوم الذي لا مفر منه».

ومن أكثر ما يعاب على السياسيين بالجزائر، أنهم وقفوا ضد الحراك الشعبي بالمنطقة العربية بدل أن يدعموه. هكذا كان الأمر مع الجارتين تونس وليبيا عام 2011 ولا يزال مستمرا. ويعتبر أنور مالك الكاتب الجزائري اللاجئ بفرنسا وعضو وفد مراقبي الجامعة العربية بسوريا سابقا، من أبرز من تابعوا الموقف الجزائري حيال الثورات العربية. يقول عنه: «الجزائر غائبة كليا عن المشهد السوري على الرغم من مكانتها في قلوب السوريين، وهذا ما لمسته بنفسي أثناء عملي كمراقب أو جولاتي في كل أنحاء العالم مع الجاليات السورية، ومن المعيب أن يقتصر دورها على التحفظ فقط في كل القرارات وهي عضو في مجلس الجامعة العربية المكلف بالأزمة، وهي لحد الآن متهمة من قبل الثورة بدعم نظام بشار الأسد ولم يثبت عكس ذلك».

وأضاف: «أما أداء الجزائر في ليبيا فقد كان سيئا للغاية حتى ما طرحته من أفكار كانت بسيطة جدا وتافهة أحيانا. فسياسة النأي بالنفس لا مكان لها الآن في هذا العصر، ولا يعقل اتباع هذه السياسة أثناء شنّ حرب على دولة جارة ستكون تداعياتها وخيمة على البلاد. ولو عدنا إلى عهد للجزائر وفي زمن عدم الانحياز الحقيقي لوجدناها تحرص كثيرا على أمن دول الجوار واستقرارها، ولا تسمح لأي كان أن يعبث به مهما بلغت سطوته وقوته. يبدو أن الجزائر استدركت بعض أخطائها في ليبيا من خلال تعاملها مع الأزمة في مالي، لكن هذه الأخيرة أيضا كشفت هشاشة وزن الجزائر في محيطها الأفريقي. فرغم ما بذلته من جهود وما قدمته من أموال وما اقترحته من تكتلات فإنها باءت كلها بالفشل ونجحت فرنسا في مستعمراتها السابقة وظهر للعيان ولاء الدول الأفريقية لباريس».

ويشير مالك إلى أربعة دبلوماسيين جزائريين محتجزين في مالي من طرف جماعة إرهابية منذ ثمانية شهور، فيقول إن حكومتهم «لم تفلح في فك سراحهم إلى يومنا هذا، ولا نتمنى لهم مصير الآخرين في العراق (دبلوماسيان جزائريان ببغداد قتلا عام 2005)، وإن كانت كل الحيثيات تتجه نحو حال سيئ في حال اندلاع حرب، وهو ما ستدفع ثمنه الجزائر غاليا وربما يهدد حتى وحدتها الترابية مستقبلا إن لم يتم تدارك الكثير من الأمور».

وتابع أنور مالك: «على الجزائر مراجعة سياستها الخارجية ودبلوماسيتها لأنها عقيمة أبعدتها عن محيطها وقزمتها، وما صار لها ذكر في الساحة العربية والدولية، والآن نراها تقوقعت على نفسها ومحاصرة من كل حدودها بأزمات أمنية خانقة، وحتى داخليا نجد هشاشة كبيرة في تحصين جدارها الشعبي من خلال السياسة الفاشلة المنتهجة من قبل النظام. أقولها وأؤكد أن الجزائر في خطر حقيقي وللأسف نجد السلطة لا تهتم بذلك».

وحول ما إذا كانت الجزائر تعيش مسارا طبيعيا، إذا أخذنا في الحسبان تصريحات المسؤولين التي جاء فيها «إننا عشنا ربيعنا قبل 24 عاما»، قال مالك «الجزائريون حقيقة انتفضوا قبل غيرهم بكثير، ودفعوا ثمن أغلى مما دفعته كل الشعوب الأخرى، ولكنهم لم ينجحوا في تحقيق غاياتهم في التغيير، وبقي النظام نفسه جاثما على صدورهم، فالربيع الذي لا يأتي بتغيير جذري هو مجرد زوبعة في فنجان، والتباهي بها يعكس تخوفا من رياح الثورات. صحيح أن الجزائر عاشت تجربة ما يسمى بالربيع العربي، لكنها تجربة فاشلة لم تحقق أهدافها لأسباب كثيرة تورطت فيها السلطة والمعارضة معا ودفع الشعب ثمنها غاليا من دمه وماله وأمنه».

وأضاف: «الجزائر في مسار غير طبيعي بالمرّة ومتأزم لأبعد الحدود. وإن كان لا يظهر للعيان فالاحتقان يعيشه الشارع فضلا عن غياب الرئيس عن المشهد واقتصار دوره في أمور رمزية لا تقدم ولا تؤخر شيئا، والجزائر في هذه المرحلة محتاجة لرئيس قوي من كل النواحي ومؤسسات شرعية من صناعة الشعب بحرية وديمقراطية ونزاهة. وأعتقد أن بوتفليقة أدى ما عليه وصار لا يمتلك ذلك، وتنحيه من الحكم هو أكثر من ضروري لإنقاذ البلاد من هوّة سحيقة تحفر لها، أما إذا بقيت الأمور تسيّر بهذه العبثية والهروب للأمام، فأعتقد أن النتائج ستكون وخيمة إذا لم نحصدها الآن ستحصد أشواكها الأجيال المقبلة من أبنائنا وبناتنا».

واللافت أن السلطة في الفترة الماضية سعت إلى شراء سلم اجتماعي، لتفادي أن يمتد إليها «الربيع العربي» فرفعت أجور الملايين من الموظفين وأعادت تفعيل آليات لفائدة الشباب ونفخت الروح في مشروع «100 محل في كل بلدية» تمنح للبطالين. ويرى مراقبون أن ذلك تم على حساب نمو اقتصادي، قادر على استحداث مناصب شغل حقيقية.

لكن عكس هذا الطرح يقول المحلل الاقتصادي صالح سليماني: «قد أفاجئ البعض عندما أقول إن مشروع 100 محل في كل بلدية والمشاريع المقترحة في إطار وكالة تشغيل الشباب، مبادرات إيجابية. ولكن ما يعاب عليها تنفيذها السيئ في الميدان. لقد لاحظت بنفسي كيف تم توزيع هذه المحلات بعيدا عن وسط المدن مما لا يسمح بتحقيق الهدف المرجو منها، حتى لو منحت مجانا للشباب، بينما كان من الممكن أن تستحدث 350 ألف فرصة عمل مباشر على الأقل في مرحلة أولى، ثم ضعف هذا العدد وربما ثلاثة أضعاف في مرحلة ثانية لو تم توظيفها بذكاء. نفس الشيء يقال على وكالة تشغيل الشباب التي أتاحت ظهور شركات كبيرة ولكن عددها قليل قياسا إلى الأهداف التي حددت لهذا المشروع، الذي جرى الحديث عندما أطلق في تسعينيات القرن الماضي، عن قدرته على إطلاق الآلاف من المؤسسات والملايين من فرص الشغل».

وتحدث سليماني عن عراقيل بيروقراطية وبنكية واجهها الشباب، جعلتهم يصرفون النظر عن هذه المشاريع، مشيرا إلى أن معدل اختفاء الشركات الناشئة مرتفع جدا بسبب غياب مرافقة المشاريع، ما يجعل الدولة أكبر مستخدم في كل القطاعات. وأضاف «المقاولة في البلدان الأخرى أحسن وسيلة للتنمية الاقتصادية واستحداث مناصب الشغل، بينما هي مرادفة عندنا للبيروقراطية والمغامرة غير المحمودة العواقب. إننا في الجزائر نفضل أن نكون أجراء بدل مقاولين ! وهذا ليس بسبب الخوف من المقاولة وإنما بسبب محيط اقتصادي عشش فيه الفساد والمحاباة».

ويوجد إجماع بالجزائر أن الاقتصاد في فترة رئاسة بوتفليقة، أثبت تبعية غير مسبوقة للمحروقات. ويقول المحلل الاقتصادي سليماني في هذا الشأن: «هو شيء مؤسف فعلا، فالإحصائيات تفيد بأن المحروقات تمثل 98 في المائة من الصادرات. وعلى الرغم من المداخيل الاستثنائية التي وفرها النفط في السنوات الأخيرة، فالجزائر تتأثر لأي تراجع بسيط للأسعار. أما ما يقال عن تنويع اقتصادنا فهو خرافة. ومن المفارقات أن الجزائر سجلت تراجعا كبيرا على الصعيد الصناعة مقارنة بالسبعينيات والثمانينيات. إذ بدل تعزيز ما هو متوفر من قدرات صناعية ولم يكن هينا، تم تفكيك الاقتصاد الوطني خلال العشر سنوات الأخيرة. واتضح أن طريقة تسيير بعض الوزراء للقطاع الصناعة والاستثمار كانت كارثية، وسياسة الخصخصة وتحرير التجارة كان دوغماتيا ولم يراعي الواقع. لقد خصخصوا الشركات ومنعوا في نفس الوقت حرية المبادرة في التسيير التي بقيت مركزة بين أيدي الوصاية. إن مأساة الجزائر بخصوص الاقتصاد، أن الدولة تحتكر كل شيء بينما الأصل أن ينحصر دورها في لعب دور المنظم والحكم في كل ما هو اقتصاد، وتترك الجزائريين يساهمون في بناء بلدهم».