العنف يحاصر القاهرة

من «بلاك بلوك» و«وايت بلوك» إلى «كتائب مسلمون»

TT

«سلمية.. سلمية».. كان هذا أبرز هتاف نادى به الشباب المصري عند كل مواجهة مع قوات الأمن خلال أحداث ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» 2011، لكن وبعد عامين من انطلاق هذه الثورة، التي وصفت بـ«الثورة البيضاء»، بات مصير هذا الشعار، محل جدل وشكوك، في ظل أعمال عنف متصاعدة يشهدها الشارع المصري الآن، منذ انتخاب الرئيس محمد مرسي، تتسع رقعته يوما بعد آخر لتشمل معظم المحافظات، بشكل أصبح يهدد مؤسسات الدولة.

وتشهد البلاد أعمال عنف واشتباكات ضارية في معظم المحافظات منذ يوم الجمعة 25 يناير الماضي، على خلفية الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة «25 يناير»، وما تلا ذلك من أحداث في محافظة بورسعيد بعد الحكم بإحالة أوراق 21 متهما إلى مفتي الديار المصرية على أثر اتهامهم بقتل 72 مواطنا من مشجعي النادي الأهلي باستاد بورسعيد الرياضي في فبراير (شباط) 2012 وهي القضية التي عرفت إعلاميا بـ«مجزرة بورسعيد».

وخلفت هذه الاشتباكات، التي وقع معظمها في محافظات (القاهرة، وبورسعيد، والسويس، والإسكندرية) أكثر من 60 قتيلا، وأكثر من ألفي جريح، بعضهم إصابات خطرة لا يزال يعالج منها. وإثر ذلك، أعلن الرئيس مرسي حالة الطوارئ وحظر التجوال في ثلاث محافظات على شريط قناة السويس الاستراتيجي، وهي السويس والإسماعيلية وبورسعيد، لمدة شهر، في محاولة منه للسيطرة على الموقف، كما تعهد باتخاذ المزيد من الإجراءات إذا لزم الأمر، وقال: «حماية حقوق الشعب واجب أصيل من واجباتي وإن حق المواطن في الحرية لا ينفصل عن حقه في الأمن والأمان».

وتدور حاليا اشتباكات في العاصمة المصرية القاهرة أمام القصر الجمهوري (الاتحادية)، وميدان التحرير وسط القاهرة، حيث تخرج المظاهرات المناوئة لحكم الرئيس مرسي، التي تطالبه بالتنحي، رغم مرور سبعة أشهر فقط منذ تنصيبه في 30 يونيو (حزيران) الماضي، كما تطالب بحل جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس، وتعديل الدستور الجديد. وتأتي أعمال العنف هذه رغم توقيع القوى السياسية المصرية على وثيقة لـ«نبذ العنف»، في اجتماع برعاية شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، الخميس قبل الماضي، في محاولة لإنهاء أعمال العنف.

وفي حين تبارت القوى السياسية سواء الإسلامية منها المرتبطة بالنظام الحاكم، أو المعارضة المدنية بقيادة «جبهة الإنقاذ الوطني»، في تحميل بعضها بعضا مسؤولية هذا العنف. أرجع مراقبون مسؤولية الأحداث إلى ظهور مجموعات شبابية حديثة التنظيم متذمرة ساخطة من إخفاق وتباطؤ الدولة في تحقيق مطالبها التي نادت بها الثورة منذ عامين، خاصة في ما يتعلق بالقصاص لشهداء النظام السابق وفترة حكم المجلس العسكري، ومنها جماعات الأولتراس، و«بلاك بلوك»، إضافة إلى بعض الحركات الإسلامية التي ظهرت بعد الثورة وتقول إنها «تدافع عن محاولات القوى المدنية والليبرالية للانقضاض على الشرعية ونتائج الانتخابات التي فازت بها».

يقول الخبير الأمني اللواء سامح سيف اليزل إن المجتمع المصري تغير في الآونة الأخيرة، فبعد أن كان مجتمعا آمنا، وكان الشعب المصري يتصف بالطيبة وعدم استخدام العنف وسيلة للتعبير عن موقفه أو لتحقيق مطالبه، أصبح البعض يلجأ إلى العنف ويبادر بمواجهة الدولة. وأرجع اليزل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» هذا التحول إلى عدة عوامل أهمها، انتشار الأسلحة المهربة عبر الحدود بكثافة وبشكل غير مسيطر عليه، وتراجع هيبة الدولة، التي كادت تكون معدومة نظرا لعدم وجود ثقة لدى المواطن في حكومته أو رئيسه في تحقيق مطالبه، مع تدهور أمني منذ فترة طويلة غير مسيطر عليه، بالإضافة إلى شعور كثيرين أنه لا يوجد تطبيق للقانون، وفي بعض الحالات، فإنه يتم تطبيقه على أطراف دون أخرى بشيء من التفرقة.

ونوه اليزل بأن استهداف الشرطة ناتج عن شعور لدى كثير من المواطنين بأنها تمثل الحكومة والدولة في الشارع، التي يرفضونها، ولذلك هم يقومون بمواجهتها من أجل إيصال رسالة معينة للدولة بأنهم غير راضين عنها. وحول خريطة الجماعات المسلحة التي انتشرت في مصر الآن، وأصبحت تنتهج العنف أو تهدد به، أكد اليزل أن بعض هذه المجموعات عشوائي يتحرك بسبب الفقر والجوع ومنهم الأطفال المشردون في الشوارع، وبعضها يتحرك بشكل منظم، ويقوم بعمليات عدوانية كبيرة مثل قطع للطرق وسرقة وتحطيم فندق «سميراميس» مؤخرا وعدد من المدارس والبنوك واستهداف مقار الدولة، وكذلك تحطيم عشرات الملثمين واجهات فندق «شبرد» المجاور لفندق «سميراميس» أمس.

وأوضح اليزل أن من بين هذه الجماعات التي أصبحت تؤجج العنف، بعض الجماعات التابعة للتنظيمات الإسلامية التي تمتلك ميليشيات ظهرت بوضوح في مناسبات عدة ولوحت باستخدام العنف وتقديم آلاف الشهداء، لردع من يحاول الاعتداء على الشريعة، على حد تعبيرها. وحاصرت قوى إسلامية المحكمة الدستورية العليا في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، لمنع قضاتها من النظر في دعوى لبطلان مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) أو تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. وفي الوقت نفسه، حاصر أنصار حركة «حازمون» التابعة للشيخ السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، وهو مرشح مستبعد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مدينة الإنتاج الإعلامي، من أجل المطالبة بـ«تطهير الإعلام» من رموز النظام السابق ودعاة الفتنة، على حد زعمهم.

وأضاف اليزل: «أيضا هناك روابط مشجعي كرة القدم (الأولتراس)، التي أربكت الأمن في أكثر من مناسبة بسبب تحركاتها المنظمة والحاشدة، وكذلك مجموعة (بلاك بلوك) التي ظهرت مؤخرا، ولا توجد حتى الآن معلومات واضحة عنها». وعلق شباب «أولتراس النادي الأهلي» منذ عدة أشهر لافتات واضحة في كل الشوارع عليها (26 فبراير - القصاص أو الدم)، في تهديد صريح منهم بأنه ما لم يتم القصاص لزملائهم الذين راحوا ضحية مجزرة استاد بورسعيد، خلال مباراة كرة القدم بين ناديي الأهلي والمصري، سيتم تحويل البلاد إلى حالة من الفوضى.

وبالفعل وقبل صدور الحكم، قام شباب الأولتراس بتنظيم عدة مسيرات حاشدة شلت حركة السير بالعاصمة المصرية (القاهرة)، كما قاموا بقطع عدة طرق مهمة ومترو الأنفاق وحاصروا مقر البورصة المصرية لساعات.

لكن هذا الحكم الذي صدر بإعدام 21 متهما في الأحداث، لم يلاقِ إعجابا لدى «أولتراس مصراوي»، الذين ردوا من جانبهم بعد الحكم بمهاجمة سجون مدينة بورسعيد من أجل إخراج المتهمين، واستمر ذلك لأيام دامية خلفت في المدينة وحدها نحو 40 قتيلا، ولم تهدأ سوى بنزول قوات الجيش للسيطرة على الموقف.

وفي خضم هذه الأحداث، أفرزت الذكرى الثانية للثورة المصرية نوعية جديدة من المجموعات التي تنتهج العنف، وهي مجموعة «بلاك بلوك» أو «الكتلة السوداء»، أو كما يطلق عليهم «المعارضون الجدد لنظام محمد مرسي»، والذين لا ينفون لجوءهم للعنف في مواجهة نظام حكم «الإخوان المسلمين».

وانتشر أعضاء هذه المجموعة، وهم عناصر شبابية مجهولة الهوية ليست لهم قيادة أو تنظيم واضح، في كل أماكن المظاهرات، وقطعوا الطرق في القاهرة وعدد من المحافظات المصرية الأخرى، في الفترة الأخيرة.

وأعلنت «بلاك بلوك» مسؤوليتها عن أعمال حرق واستهداف بعض المنشآت الحكومية ومقار جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى دعوتها لاستخدام العنف لتحقيق مطالبها، وعرفت المجموعة نفسها في بيانات مسجلة قالت فيها إنها «ترفع راية العنف ضد جماعة الإخوان». ويقول أعضاء بالمجموعة إنهم «شباب ليست لديهم أي انتماءات سياسية وليسوا تابعين لأحزاب، ويهدفون فقط إلى الوقوف ضد جماعة الإخوان المسلمين وأي جماعة تستغل الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة».

وترفع المجموعة، التي تشبه حركات قامت في أوروبا في الثمانينات، شعار: «نحن فوضى تمنع الفوضى»، وقالت الحركة في بيان مسجل لها نشرته على موقع «يوتيوب»: «إنها جزء من الكل في العالم»، وإن هدفها هو «السعي لتحرير الإنسان، وهدم الفساد، وإسقاط الطغاة في كل زمان ومكان»، وأضافت الحركة أن هدفها هو إسقاط نظام الإخوان المسلمين، وذكر البيان أنه «كان علينا الظهور بشكل رسمي؛ لمواجهة نظام الطاغية الفاشية الإخوان المسلمين بذراعه العسكرية».

وخلال الفيديو، ظهر أعضاء «بلاك بلوك» في عرض أشبه بطابور عسكري، وأكد الشباب أنهم «سيتصدون لأي اعتداء على المتظاهرين»، وحذر البيان وزارة الداخلية من التدخل. وقال: «إنهم لن يتهاونوا في الرد على وزارة الداخلية إذا ما واجهتهم، لدى محاولتهم إسقاط الفاشية».

من جهته، أصدر النائب العام المصري المستشار طلعت عبد الله، قبل أسبوع أمرا بضبط وإحضار جميع عناصر مجموعة «بلاك بلوك»، ومنذ ذلك الحين تم بالفعل اعتقال عدد منهم جاري التحقيق معهم.

في المقابل، وبينما أهدر دعاة سلفيون دم هؤلاء الشباب باعتبارهم «جماعة مارقة خارجة عن طاعة الله ورسوله»، دعا بعض الشباب السلفي، من خلال المواقع الاجتماعية مثل «فيس بوك» لتشكيل جماعة تدعى «وايت بلوك إسلامي» لمواجهة التخريب الذي تقوم به مجموعة «بلاك بلوك» على حد قولهم، وتحت شعار «شدوا بالكف على الكف يا جند المصحف والسيف».

ونشرت صفحة «وايت بلوك إسلامي»: «من ضمن أهدافنا أيضا حماية المنشآت والمؤسسات الحيوية للدولة بالتعاون مع اللجان الشعبية، يعنى باختصار شديد ندافع ولا نهاجم أحدا»، حسب ما ورد على الصفحة.

كما ظهرت في الأيام القليلة الماضية على موقع «يوتيوب» مقاطع فيديو لمجموعة من المسلحين الملثمين يعلنون عن تدشين حركة مسلحة باسم «حركة كتائب مسلمون». وقالت الحركة في بيانها المصور: «نحن لسنا (حازمون)، أو (إخوان)، أو سلفيين، أو تابعين لأي حركة أو حزب، دون الاختلاف مع الأحزاب والحركات الإسلامية طالما لا تخالف شرع الله».

من جهتها، تبادلت القوى السياسة في مصر الاتهامات حول المسؤولية عن هذا العنف ووجود مثل هذه الفئات، حيث حملت رئاسة الجمهورية القوى المعارضة ما حدث، باعتبارها ساهمت بـ«التحريض»، وقال بيان للرئاسة إن المسيرات التي دعت إليها بعض القوى السياسية ووصل بعضها إلى محيط القصر الرئاسي خرجت عن نطاق السلمية وألقت زجاجات المولوتوف والعبوات الحارقة والشماريخ وحاولت اقتحام بوابات القصر وتسلق أسواره، مؤكدا أن تلك الممارسات التي وصفها بـ«التخريبية العنيفة»، لا تمت بصلة إلى مبادئ الثورة ولا إلى أي ممارسات سياسية مشروعة في التعبير السلمي عن الرأي. وتوعد البيان بأن تتعامل الأجهزة الأمنية بمنتهى الحسم لتطبيق القانون وحماية منشآت الدولة.

في المقابل، أدانت جبهة الإنقاذ الوطني، التي تمثل تحالف المعارضة غير الإسلامية الرئيسي في مصر ويقودها المعارض البارز الدكتور محمد البرادعي ومعه عمرو موسى وحمدين صباحي، أعمال الشغب بالقرب من القصر الرئاسي بالقاهرة، مؤكدة أنه ليست لها أي صلة مطلقا بالعنف.

وذكرت جبهة الإنقاذ الوطني في عدة بيانات لها تعليقا على الأحداث الأخيرة أن المظاهرات التزمت الطابع السلمي ولم تتورط في أية أعمال شغب، وطالبت جبهة الإنقاذ أجهزة الأمن المحيطة بالقصر بالكشف عن المسؤولين الحقيقيين عن اندلاع أعمال العنف بشكل مفاجئ.

وأعلنت الجبهة تمسكها بما ورد في بياناتها العديدة السابقة من إدانة صريحة وواضحة لأعمال العنف والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة والالتزام بالطابع السلمي للمظاهرات.

وأكدت أن الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها يتحملون مسؤولية حالة الاحتقان والتوتر التي تسود المجتمع المصري على مدى الشهرين الماضيين بسبب إصرار الرئيس وجماعته على تجاهل المطالب التي وصفتها بالمشروعة لغالبية المواطنين المصريين.

وتتمثل المطالب في «تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتشكيل لجنة لتعديل مواد الدستور الذي كتبه الإخوان وحلفاؤهم بمفردهم، وإقالة النائب العام، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث العنف التي بدأت منذ 25 من يناير في مدن القناة ومختلف المدن المصرية، وتقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين التي تعمل في مصر من دون سند من القانون أو الشرعية».

يقول حقوقيون إن تحول المجتمع المصري إلى العنف بعد عامين من الثورة يرجع إلى عدم محاسبة أي مسؤول حتى الآن على الجرائم التي تم ارتكابها وعدم القصاص للشهداء.

وفي تقريرها الصادر في 24 يناير الماضي، قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الدولية: «بعد عامين، ما زال المسؤولون عن قتل المتظاهرين في عام 2011 وما وقع بعد ذلك من انتهاكات للشرطة والجيش ومن الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، ما زالوا ينعمون بحريتهم، ولن يكون هناك أمل في ردع الانتهاكات في المستقبل سوى عن طريق المحاسبة والإرادة السياسية لإجراء إصلاح جدي في القطاع الأمني».

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: «الشرطة قتلت 846 متظاهرا على الأقل أثناء احتجاجات يناير 2011، لكن اثنين من ضباط الشرطة فقط يقضون عقوبة السجن على هذه الجرائم».

وأسفرت محاكمة استمرت لمدة عام عن الحكم بالسجن المؤبد على الرئيس السابق حسني مبارك ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي لفشلهما في حماية المتظاهرين من القتل، لكن مساعدي وزير الداخلية الأربعة، المسؤولين عن الإدارة اليومية لعمليات الشرطة أثناء الانتفاضة، برئوا من التهمة، حيث حكم القاضي بعدم وجود أدلة مقنعة تثبت أن مقتل الضحايا وإصابتهم نتجا عن أسلحة الشرطة، ووجد في المقابل أن المسؤولية تقع على «عناصر إجرامية»، كما قبلت محكمة النقض الطعن في الحكم على مبارك بتاريخ 13 يناير الماضي.

ووفقا لتقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش»، فإن التحقيقات القاصرة، وعرقلة الأجهزة الأمنية، والقوانين التي تمنح الشرطة سلطة تقديرية واسعة في استخدام الأسلحة النارية، أدت إلى أحكام بالبراءة في 27 من أصل 31 قضية تخص ضباط شرطة من الرتب المتوسطة والدنيا، بتهمة قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة أثناء الثورة، ولم تؤد سوى أربع محاكمات إلى أحكام بالإدانة، تم إصدار بعضها مع إيقاف التنفيذ أو غيابيا، ولم يقض عقوبات بالسجن سوى اثنين من ضباط الشرطة.

وكلف الرئيس المصري محمد مرسي لجنة لتقصي الحقائق، في يوليو (تموز) الماضي، بجمع المعلومات والأدلة حول قتل وإصابة المتظاهرين ومراجعة الإجراءات التي قامت بها الأجهزة التنفيذية في الدولة وبيان مدى تعاونها مع السلطة القضائية في هذا الشأن، وبيان أوجه قصور أعمال تلك الأجهزة إن وجدت. وبعد تقديم اللجنة تقريرها في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أحاله الرئيس مرسي إلى النائب العام من أجل تحريك دعاوى قضائية في المعلومات الواردة فيه.

ويوضح توثيق «هيومان رايتس ووتش» قيام الجنود بتعذيب وقتل المتظاهرين والاعتداء الجنسي عليهم، كما أن التحقيق في لجوء الشرطة للعنف والقوة المفرطة يشمل فصولا جرت في يناير 2011 في القاهرة ومدن أخرى وأمام أقسام الشرطة، علاوة على احتجاجات شارع محمد محمود في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، التي نتج عنها وفاة 45 متظاهرا ولم يحاكم عليها سوى ضابط شرطة واحد.

من جانبه، حذر حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، من ارتفاع معدلات العنف في البلاد أكثر من ذلك، محملا الحكومة المصرية مسؤوليتها إزاء هذه الأحداث كاملة وافتقارها لأهم الأسس التي تعمل عليها الحكومات وهي إدارة الأزمة والتحرك السريع.

وقال أبو سعدة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه رغم علم الحكومة بما يحتمل من وقوع واندلاع أعمال عنف ومصادمات في مختلف المحافظات، فإنها لم تتخذ التدابير اللازمة لتهدئة الأوضاع أو تأمين المناطق الأكثر اشتعالا، ولم تتعلم من التجارب السابقة والمتكررة خلال العامين السابقين، وانتظرت حتى وقوع أحداث عنف.

وأضاف أن الحل يكمن في إجراء حوار مجتمعي يضم القوى السياسية كافة ويشمل ضمانات تحمي وتضمن ما يسفر عنه الحوار من نتائج؛ ويأتي على رأسها، التحقيق في الانتهاكات كافة التي ارتكبت بحق الشعب وسقط جراءها شهداء، ووضع نظام انتخابي عادل، وتعديل الدستور وتضمينه ضمانات احترام حقوق الإنسان، والفصل بين السلطات وتأسيس دولة ديمقراطية تحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ووفقا لـ«أبو سعدة» فقد رصد تقرير لـ«المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» صادر في 22 يناير 2013، استمرار الانتهاكات والتجاوزات ذاتها الموجودة قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، فـ«خلال العام الثاني للثورة هناك نحو 165 حالة نموذجية لتعذيب المواطنين داخل أقسام الشرطة؛ من بينها 17 حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية حول أن الوفاة جاءت نتيجة التعذيب وسوء المعاملة، وما يزيد على 2533 تظاهرة سلمية لتحتل المرحلة الأولى وتتفوق على مرحلة ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، ونحو 356 واقعة انتهاك لحرية الرأي والتعبير».

وبينما دعت بعض القوى للاستعانة بالجيش للتدخل للسيطرة على «هشاشة الدولة»، حذر الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري من أن استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول إدارة شؤون البلاد قد يؤدي بالفعل إلى انهيار الدولة ويهدد مستقبل الأجيال المقبلة، لكنه نفى تدخل الجيش في العملية السياسية لصالح طرف على حساب الآخر.

وقال السيسي في تصريحات له مؤخرا إن «الجيش المصري سيظل هو الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوي الذي ترتكز عليه أركان الدولة، وهو جيش كل المصريين بجميع طوائفهم وانتماءاتهم»، موضحا أن «نزول الجيش في محافظتي بورسعيد والسويس يهدف لحماية الأهداف الحيوية والاستراتيجية بالدولة، وعلى رأسها مرفق قناة السويس الحيوي».