حوار البحرين.. إصرار على الاستمرار

ضغوط الشارع.. والتدخلات الخارجية لم تثنِ عزيمة المشاركين على إدراك ضرورة التوافق

TT

خرج المشاركون في الجلسة الأولى من جلسات حوار التوافق الوطني البحريني، مساء الأحد العاشر من فبراير (شباط) الحالي، والرابط المشترك بينهم دون استثناء هو التفاؤل بمستقبل العملية.

وحينها لخصت الدكتور منيرة فخرو، عضو فريق المعارضة عن جمعية «وعد»، وهي ذات اتجاه يساري، لحظة جلوس الفرقاء على طاولة واحدة وكسر حاجز الجليد الذي استمر لنحو عامين بين فريق الحكومة والمحسوبين عليها وبين فريق المعارضة، بالقول: «هكذا نحن البحرينيين، نختلف لكن إذا التقينا نجلس نتحدث ونأكل معا.. هذا طبعنا!».

لكن الواقع ليس بهذه البساطة، فالجلسات الأولى من الحوار تدور عادة حول تحديد أجندة العمل، ووضع الآليات لتنفيذها. وتطول الجلسات الواحدة تلو الأخرى، وقد تنجز في جلسة واحدة آلية واحدة أو جزء منها ويرحل النقاش لجلسة أخرى. وتوصل المؤتمرون إلى صيغ أولية، من بينها اعتماد إقرار النتائج بالتوافق، وهذا وحده قد يجعل الحوار يمتد لفترة أطول، كما عبرت المعارضة عنه باقتراحها وضع ثلاثة أشهر كأفق زمني للوصول إلى نتائج.

إذن.. فالمشهد البحريني ورغم أجواء التفاؤل الأولى.. يبدو أنه متغير كالطقس، ملبد بالغيوم أحيانا، ومشرق ساعات أخرى، حسب موجات النقاش الساخنة والمعقدة، وظروف الشارع المتفاعل.

يلتئم حول طاولة الحوار فسيفساء سياسية مكونة من «حكومة ومعارضة وائتلاف جمعيات والدستوريين»، بدأ المشوار في العاشر من الشهر الحالي بعد دعوة قدمها عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة لبدء الحوار السياسي بمشاركة جميع الأطراف البحرينية.

كان أبرز ما قيل منذ بدء الحوار عبارة الشيخ خالد بن علي آل خليفة وزير العدل، الشخصية التي تمسك بدفتي ملف الحوار: «الطاولة ستكون صاحبة القرار»، التي قالها في مستهل جلسته الأولى.

ويشارك في الجلسات نحو 27 شخصية، يمثل الفريق الحكومي فيها ثلاثة وزراء على رأسهم وزير العدل، بينما يستحوذ فريق المعارضة على 8 مقاعد شغلتها جمعيات «الوفاق»، و«وعد»، و«التقدمي»، و«الإخاء»، و«القومي»، إضافة إلى فريق ائتلاف الجمعيات السياسية (موالٍ للحكومة) الذي يشغل 8 مقاعد أيضا، وفريق الدستوريين (مناصفة بين مجلسي البرلمان والشورى) ويستحوذ هو الآخر على 8 مقاعد.

ويجتمع المشاركون في الحوار في قاعة مغلقة بعيدة عن الأنظار، وسط تكتم إعلامي، حفاظا على حيوية النقاشات، يناقشون الأزمة التي تعيشها البحرين منذ أشهر كثيرة، بواقع جلسة إلى جلستين أسبوعيا، وتمتد الجلسة الواحدة إلى نحو 4 ساعات.

تقول الحكومة على لسان سميرة رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والمتحدثة الرسمية باسمها إن البحرينيين تعودوا على حل قضاياهم ومشكلاتهم بالحوار. وتضيف: «ليس هذا هو الحوار الأول، سبقه حوارات كان آخرها حوار يوليو (تموز) 2011، الذي انسحبت منه المعارضة، والحوار الحالي هو استكمال لذلك الحوار».

ومن وجهة نظر المتحدثة باسم الحكومة البحرينية فإن الحوار بحد ذاته ليس بجديد، ولكن أهميته الآن تكمن بقناعة أصبحت لدى كل البحرينيين تقول إنه لا أمل في حل مشكل البحرينيين إلا عن طريق الحوار.

المعارضة من جهتها لها رؤيتها للحوار، طرحتها في «ورقة التسع نقاط» كما يسميها المشاركون في الحوار. وهنا يقول جميل كاظم القيادي في جمعية «الوفاق»، إحدى جمعيات المعارضة السياسية، وهي تجمع سياسي شيعي، والمتحدث باسم فريق المعارضة في الحوار، إنه «مهما كان هناك اختلاف في الرؤى، فإن الحقيقية التي يجمع عليها الكل هي أن هناك أزمة ثقة بين الحكومة من جانب والمعارضة من جانب آخر».

ويضيف كاظم أن هذه الأزمة ألقت بظلالها على بقية الأطراف وعلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ويشدد: «لا خيار لنا لحل هذه الأزمة إلا عن طريق الحوار».

تقول سوسن تقوي وهي نائبة في البرلمان البحريني وعضو في فريق الدستوريين المشارك في الحوار: «المعارضة قدمت ورقة لكن لا نريد فرضها على جميع الأطراف»، فالجميع - بحسب تقوي - له رؤيته للحوار، والمهم هو التوافق.

وتتابع: «لدى فريق الدستوريين ورقة لم يستقر الرأي على جميع عناصرها ولم يتم تقديمها للحوار حتى الآن وإن كانت تتفق مع بعض نقاط ورقة المعارضة إلا أنها تعبر عن رأي ممثلي المؤسسات التشريعية في الحوار الذي يجري حاليا». وتضيف: «لن نختلف على شيء واحد، وهو مبدأ الأمن السياسي للبحرين، كما لن نختلف على خروج البحرين من الأزمة التي تعصف بها».

بدوره يرى أحمد جمعة رئيس ائتلاف الجمعيات السياسية، وهي الطرف الرابع في حوار التوافق الوطني، أن الائتلاف أو «ائتلاف الفاتح» كما يطلق عليه من قبل مناصريه يعتبر أن الحوار مخرج من الأزمة التي تعيشها البحرين، وقال إن المشاركة في الحوار رؤية استراتيجية وليست تصرفا تكتيكيا، كما أن الائتلاف ليس الطرف الأضعف على طاولة الحوار، وإنما لديه رؤيته التي يقدمها لبقية الأطراف المشاركة لإخراج البحرين من الأزمة التي تعيشها.

وتبدو الرؤى بين الأطراف الأربعة شبه متقاربة من جهة إنجاح الحوار، وإن كان كل طرف يعبر عن الحقائق بطريقته الخاصة. ولكن كيف يمكن للحوار أن ينجح في ظل الخلافات الطافية على السطح؟

المعارضة ترى أن ذلك يتم ببناء جسور الثقة. يقول جميل كاظم القيادي في الوفاق: «أثير موضوع العنف في الجلسة قبل الأخيرة من قبل بعض الأطراف المشاركة واستهلك وقت الجلسة، بينما رأينا كان واضحا في إدانة العنف».

ويضيف: «العنف مكون من مكونات الأزمة البحرينية ولكنه ليس المكون الوحيد، هناك أيضا المعتقلون الذين تم اعتقالهم في تجمعات عامة ولم يوجه إليهم القضاء تهما محددة، كما أن هناك خلافا بين الحكومة والمعارضة حول السلطة القضائية التي ليست مستقلة، كذلك التحريض الإعلامي والعقاب الجماعي للقرى». كل ذلك كما يرى كاظم مؤثرات سلبية تكبح عجلة الحوار عن الدوران، ويعتقد أن على الحكومة تهدئة الأجواء وإعادة الثقة حتى ينجح الحوار.

تقول سوسن تقوي: «الذي يعرفه العالم جميعا أنه إذا بدأ الحوار تتوقف كل الأنشطة المضادة، مثل المسيرات والتجمعات والاحتجاجات، حتى يعطى المتحاورون فرصة لحل الخلافات، إلا أن هذا لم يحدث في البحرين، فالمعارضة تجلس على طاولة الحوار والشارع مستمر في نشاطاته واحتجاجاته»، واستدلت تقوى بما حدث من أحداث في 14 فبراير الحالي وما تبعه من أيام شهدت تصعيدا في العنف من قبل الشارع.

يقول أحمد جمعة رئيس ائتلاف الجمعيات السياسية: «الحوار سينجح إذا كان الجميع على قدر المسؤولية، لكن إذا كان أحد الأطراف ليس جادا في الحوار فهذا لن يكون على حسابنا».

ويضيف جمعة: «كان لدينا مطلب واحد وأساسي في كل الجلسات الماضية، وهو رفع الغطاء السياسي عن العنف»، ويتابع: «من المهم عدم إيجاد التبريرات لأعمال العنف، وإذا لم يساعد الطرف الآخر (يقصد المعارضة) في ذلك فإنهم مسؤولون عن فشل الحوار».

تقول سميرة رجب المتحدثة باسم الحكومة البحرينية التي هي الطرف الرابع في الحوار: «المطلوب لنجاح الحوار هو حسن النيات وصدقها، وأن يكون جميع المشاركين في الحوار يتحدثون عن هدف واحد وهو مصلحة البحرين، وليس عن أجندات خارجية ولا تأثيرات خارجية واستقواء بالخارج».

ما زالت الجلسات تسير ببطء، فكما تقول سوسن تقوي إن السرعة ليست مهمة لأن المطلوب هو تأسيس آليات توافقية وقواعد ثابتة للحوار من أجل الوطن يتم الرجوع إليها، وتضيف: «نحن نجلس على طاولة واحدة ولنا مصلحة واحدة هي البحرين، وكل طرف محتاج إلى بقية الأطراف».

لكن ماذا لو لم ينجح الحوار؟ وهذا الاحتمال مطروح ولو في أضيق الظروف. يقول أحمد جمعة: «لا أحد يتمنى أن يفشل الحوار، لأن البديل هو مزيد من المواجهات ومزيد من الضحايا ومزيد من الدم البحريني، وليس من مصلحة أي طرف من الأطراف فشل حوار التوافق الوطني.

ويؤكد جمعة أن ائتلاف الجمعيات المشارك في الحوار طلب من الجميع وبنية صادقة القيام بجهود من أجل أن يساعدوا في إنجاح الحوار. ويشدد جمعة: «لكن إذا فشل الحوار فإن الأمر سيكون في غاية الخطورة وسيكونون هم أول الخاسرين».

وتبدي سوسن تقوي ثقة في وصول الحوار بالبحرين إلى بر الأمان، وتقول: «نريد أن نصل إلى مخرجات ونتائج إيجابية، وسنصل، ولن يكون هناك خاسر، الجميع سيكون رابحا، وأكثر الرابحين هي البحرين».

من جانبه يقول جميل كاظم إن «الفشل أمر خطير، والحوار فرصة أخيرة للجميع لكنه ليس نهاية الطريق»، ويضيف: «الحكومة هي الطرف المعني بإنجاح الحوار، وهذا من بديهيات العمل السياسي».

بدورها تقول سميرة رجب إن الحوار ليس نهاية المطاف، وباب الحوار مفتوح، وإذا حدث انسحاب من الحوار الجاري كما حدث في الحوارات السابقة سيبقى الباب أيضا مفتوحا لعودة الطرف المنسحب إذا صدقت نياته.

الفرصة التي يتمسك بها الجميع

* الدكتور علي فخرو وزير سابق وسياسي مستقل، يقول: «هذه المرة لا يوجد أحد يمكن أن يستطيع التأثير على الحوار، هناك رغبة حقيقية في الداخل البحريني سواء من جانب السلطة أو من جانب المعارضة للجلوس على الطاولة والتحاور في ما بينهما على النقاط الخلافية».

ويضيف: «لا يمكن أن تتوقف عجلة الحوار»، ومن وجهة نظره قد يستغرق بعض الوقت حتى تبدأ النتائج في الظهور، لكنها بدأت في الدوران برغبة حقيقية من جميع الأطراف.

ويشير إلى أن الأحداث التي جرت بعد جلسته الثانية تؤكد على ضرورة الاستمرار وأن يكون له نتائج حقيقية، حتى تنتهي الأزمات والمشكلات التي تعصف بالشارع.

ويعتقد الدكتور فخرو أن الخطأ الذي سيقع فيه بعض المشاركين في الحوار هو الانسحاب بسبب أحداث الشارع الأخيرة، ويقول: «عندما تزيد الأحداث في الشارع وتزيد حدة المشكلات يكون الحوار هو الحل لوقفها»، ويعود ليؤكد: «توقف الحوار والانسحاب منه خطأ كبير»، لكنه يعتبر أن من سينسحب لن يكون له تأثير في ظل تأكيدات الحكومة على استمرار الحوار وتأكيدات المعارضة بعد أحداث يوم الخميس 14 فبراير بأنها ملتزمة بالاستمرار.

يعود الدكتور فخرو للتأكيد على ثقته بأن «الحكومة والمعارضة السياسية لن تتخليا عن إصرارهما على النجاح، مشيرا إلى بعض الأطراف التي لوحت بعد الأحداث الأخيرة بالانسحاب، خصوصا من ائتلاف الجمعيات، وقد تنسحب جمعية أو جمعيتان لكن هذا لن يؤثر على سير الحوار لأن الجميع يدرك أهمية استمراره».

ويشخص فخرو الوضع في البحريني بأنه وصل إلى حد لا حل معه إلا بالتفاهم.. فلا أحد يريد تفويت الفرصة على حد وصفه، لكن النتائج ستأخذ بعض الوقت. ويقترح فخرو أن ينجز المحاورون بعض الجوانب المتعلقة بتهدئة الشارع.. كخطوة ضامنة لاستمرار الجلسات دون ما يعكر صفوها.

وينصح الوزير السابق المستقل إدارة الحوار بـ«تقديم بعض الإنجازات بسرعة للشارع لإعادة الثقة بين الطرفين وترحيل بعض القضايا الشائكة إلى وقت آخر»، ويضيف: «من المعلوم أن هناك مواضيع مختلفا عليها، فلماذا يقتل الحوار وتتأخر نتائجه حتى يتم الاتفاق على جميع القضايا المختلف عليها؟ يمكن أن ينجز المتفق عليه وترحل المواضيع المختلف عليها إلى مرحلة أخرى من الحوار».

ويعتبر الدكتور علي فخرو أن الإيجابية التي خرج بها الجميع من قاعة الحوار كان مصدرها «اللغة التي سادت بين الجميع على طاولة الحوار»، ويضيف: «شعر المشارك أن الآخر لا يختلف معه بشدة»، حيث سادت روح قبول الآخر. وعلى حد وصفه الجميع يقبل بالآخرين المختلفين معه سياسيا ولا يحتد معهم في النقاش أو طرح الأفكار، مما خلق نوعا من الأجواء الإيجابية التي سادت في معظم فترات النقاش.