هيتو.. رجل المرحلة

أميركي متدين يرأس «حكومة الثورة السورية».. من الصفوف الخلفية إلى مواجهة الانتقادات

TT

دخلت المعارضة السورية، أمس، مرحلة «المؤسساتية العربية» من بابها العريض عبر شغرها لمقعد سوريا الدائم في الجامعة العربية.

لكن اللافت كان طريقة دعوة رئيس الدورة الحالية للقمة العربية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، للوفد السوري، إذ قال: «أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، استأذنكم في دعوة السيدين معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وغسان هيتو رئيس الحكومة السورية المؤقتة والوفد المرافق لهما لشغل مقعد الجمهورية العربية السورية في هذه القمة».

وهذا يعني أن هيتو أصبح، وبفعل الاستحقاق العربي في الدوحة والخطاب السياسي الرسمي المرافق له، رجل المرحلة إلى جانب الخطيب، الذي لا تزال شعبيته في الشارع السوري تزداد يوما بعد يوم.

ويتقاسم رجل المرحلة المقبلة هيتو، مع رجل المرحلة السابقة الخطيب، في عدة نقاط، لعل أبرزها هي أن أيا منهما لا ينتمي إلى معسكر «المخضرمين» سياسيا، فالأول داعية إسلامي وإمام لمسجد بني أمية الكبير في دمشق، وقد خرج من سوريا بعدما اعتقل لعدة مرات وبعدما شعر بأنه سيكون أكثر فاعلية في الخارج من وجوده في الداخل، أما الثاني فهو رجل أعمال ومدير لشركة اتصالات في الولايات المتحدة، وقد ترك هو الآخر منصبه وبلده المضيف واقترب من سوريا وبدأ بالعمل الإغاثي، الذي يقال إنه برع وأبدع فيه.

وعلى عكس الطريقة التي أتى بها الخطيب، لم يمر اختيار «رئيس وزراء» الحكومة السورية المؤقتة بهدوء كما جرت العادة عندما تولى الخطيب رئاسة الائتلاف، فكان نصيب هيتو كثيرا من الانتقادات التي تداخلت مع الثناء الذي وجه للمعارضة لقيامها بخطوة في اتجاه إسقاط النظام، كما يرى الكثير من المعارضين الذين كانوا يدفعون في هذا الاتجاه منذ البدايات.

وصل هيتو إلى رئاسة الحكومة من الصفوف الخلفية، كثير من المعارضين لم يكونوا يعرفونه، وكذلك المقاتلين. وعندما صوت «المجلس الوطني» لترشيح 3 من أعضائه، حل هيتو ثالثا بعدد أقل من الأصوات عن الثلاثي أسامة القاضي وبرهان غليون وسالم المسلط، فنال 13 صوتا فقط مقابل 24 صوتا للمسلط. وعندما انسحب غليون دخل هيتو السباق، لكنه بقي الأقل حظا. لكن قبل يوم واحد من الانتخابات، بدا أن هيتو يتقدم بعد محادثات ومفاوضات قادها أكثر من طرف، ليصبح اسمه في يوم الانتخاب شبه وحيد في المعركة، إلى أن تم انتخابه «تحت جنح الظلام»، كما يقول أحد الذين جمدوا عضويتهم في الائتلاف احتجاجا.

وعلى عكس الكلمة التي ارتجلها الخطيب في 19 مارس (آذار) 2013 بمناسبة اختيار أول رئيس حكومة مؤقتة من الائتلاف، والتي خرجت عباراتها من قلبه فنطق بها لسانه قبل أن تمر بالعقل، فضل هيتو إخراج كلمة منمقة من جيبه، ابتدأها بكل هدوء، «المهمة الأولى والأساسية التي نضعها نصب أعيننا، تتمثل في استخدام كل الوسائل والأساليب لإسقاط هذا النظام الأسدي»، مضيفا أن الحكومة ستبدأ عملها من الأراضي المحررة بالتعاون مع «الجيش الحر» وقيادة الأركان والكتائب.

يضاف إلى هدوء هيتو ورصانته، التي لا تفاجئ الدائرة المقربة منه، خبرة إدارية يتمتع بها قليلون من المعارضين السوريين. وفي هذا الصدد، يقول عضو الهيئة القانونية في الائتلاف هشام مروة إن هيتو «يتمتع بخبرة واسعة في المجال الإداري، بالإضافة إلى مؤهلاته العلمية الكبيرة» معتبرا أن نجاحه الإداري هو من سلط الأضواء عليه. ويشير مروة إلى أن علاقته مع المجلس الوطني بدأت بشكل مباشر عندما التحق بالمجلس في عام 2012، لكن معرفته بدأت قبل ذلك عندما انضم في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 إلى مجموعة من الناشطين، بينهم نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض السيدة سهير الأتاسي، عملوا في الحقل الإغاثي، حيث لفت عملهم الدول المانحة لدقته وفاعليته.

وأشاد مروة بشجاعة هيتو «الذي قبل هكذا منصب» رغم أنه يحمل الجنسية الأميركية، خصوصا، نافيا بشدة ما يتهمه به معارضوه من أنه «مرشح قطر» لرئاسة الحكومة، معتبرا أن هيتو «لم يكن من ضمن الأسماء التي يدعمها التيار المحسوب على قطر». وأوضح أن هيتو حل رابعا في تصويت «المجلس الوطني» على المرشحين لرئاسة الحكومة، ولم يكن اسمه سيدخل في التصويت لولا انسحاب برهان غليون من الانتخابات، مشيرا إلى أن «المجلس الوطني» كان حريصا على مرشح توافقي، فدفع بأكبر عدد من المرشحين للحصول على توافق على أحدهم. كما ينفي أن يكون من جماعة الإخوان المسلمين، مشيرا في المقابل إلى أن بعض أقربائه قد يكونون من الجماعة، لكن هذا لا يعني أنه منهم، فسوريا فيها تنوع كبير.

وفي المقابل، يؤكد عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» مروان حجو لـ«الشرق الأوسط» أن «والده كان إخوانيا، وقد لوحق من قبل النظام، لكن هو أقرب إلى الكتلة الإسلامية التي يرأسها المعارض عماد الدين رشيد»، مشيرا إلى «أن المكتب الإعلامي في الائتلاف الذي يرأسه أحد أقرباء هيتو، ويدعى خالد الصالح، ساهم في التسويق له كأن سوريا لا تحتوي على أشخاص بكفاءته لشغل هذا المنصب».

ورغم أن هيتو يظهر غالبا مرتديا سروال جينز وقميصا قطنيا، ورغم لكنته الأميركية الواضحة، فإن خطابه «يحوي نفحات دينية وإيمانية»، فقد قال خلال مؤتمر أقيم السنة الماضية من أجل سوريا في الولايات المتحدة: «الأمل.. يأتي من الله. إخوتنا وأخواتنا في داخل سوريا أدركوا ذلك منذ زمن». وأضاف: «إن الله يحبنا ويعنى بنا، سيقدم لنا العون، سيهتم بالشعب السوري. سيقدم له الغذاء وسيدافع عنه. وحده هو يمكنه القيام بذلك، لكن نحن لا بد لنا من التحرك اليوم».

ووصف حجو رئيس الحكومة المؤقتة بأنه «مرشح دولة قطر»، مؤكدا أن هيتو لا يملك خبرة سياسية للتعامل مع الملفات السورية الحساسة، وقال: «غادر غسان هيتو سوريا في الثمانينات بعد تعرضه لمضايقات أمنية بسبب انتمائه الإسلامي، وهاجر إلى الولايات المتحدة ليعيش فيها ما يقارب الـ30 عاما، الأمر الذي جعله بعيدا عن مجريات الأمور في وطنه»، وأضاف: «لقد عاش هيتو في الغرب وعمل داخل الآلية المؤسساتية السائدة فيه، وهي آلية تعمل بطريقة مختلفة عن تلك التي نتعامل بها في بلادنا، هناك فجوة بين المجتمع العربي والمجتمع الغربي في أساليب العمل».

وبينما يؤكد مروة أن هيتو ليس مطلق الصلاحيات، فهو قيد المتابعة من الائتلاف. ويقول: «بعد انتخابه اجتمعنا به، وقرأنا له النصوص المتعلقة بصلاحياته، ثم قرأنا له المادة المتعلقة بعزله والضوابط التي تحكم عمله. ويوضح حجو، وهو واحد من المعترضين على طريقة انتخاب هيتو، حيثيات وصوله إلى منصبه فيقول: «لقد انبثقت من اللجنة القانونية التابعة للائتلاف الوطني لجنة انتخابية مؤلفة من الأعضاء: هشام مروة - هيثم المالح - زياد أبو حمدان - منى مصطفى - مروان حجو»، يتابع: «وبعد مناقشة الكثير من المقاربات والأفكار وإجراء اتصالات مع مختلف الكتل السياسية في المعارضة، انحصر عدد المرشحين بـ6، هم: أسعد مصطفى - غسان هيتو - بهيج ملا حويج - أسامة القاضي - سالم المسلط - جمال قارطجي، فقررنا استدعاء المرشحين للحضور أمام الهيئة العامة للائتلاف بهدف التعرف عليهم قبل إجراء الانتخابات».

ويشير حجو إلى أن طلبهم حضور المرشحين لم يتم الاستجابة له، مؤكدا أن «مصطفى الصباغ أمين عام الائتلاف والمسؤول عن الإجراءات التقنية فيه، سعى إلى إحباط أي محاولة للتعرف على المرشحين». ولفت حجو إلى أن «35 عضوا في الائتلاف صوتوا لهيتو من بين 65، مما يعني أن الرجل جاء بتوافق بين أغلبية أعضاء المجلس الوطني وجماعة المجالس المحلية التي تعمل تحت غطاء مصطفى الصباغ».

وفي الصباح التالي لانتخابه، واجه هيتو مجموعة من الاعتراضات انتهت بانسحابات من الائتلاف احتجاجا على «طريقة الانتخابات»، بينما تعرضت شخصية هيتو لهجمات من عدد من المعارضين، أبرزهم ميشال كيلو الذي توقع فشل حكومة هيتو، وقال: «لا يجوز أن يضاف إلى (المجلس الوطني) الفاشل والائتلاف الفاشل حكومة فاشلة». وقال إن انتخاب غسان هيتو ليس محل إجماع بين صفوف المعارضة السورية، مشيرا إلى رفض الجيش السوري الحر الاعتراف به. وأشار إلى أن استقالة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب جاءت للسبب نفسه، بعد اعتراض «الجيش الحر» على انتخاب هيتو رئيسا للحكومة، دون توافق. وأضاف: «لا يمكن أن يوافق وطني سوري يحب بلده ويقاتل على الأرض من أجل سوريا ديمقراطية، على هذه التصرفات التي تقوم بها هذه المجموعة داخل التكتل والائتلاف»، وأشار إلى أن هذه الحكومة لن تؤدي إلا إلى استبدال حزب البعث بنظام إسلامي أكثر استبدادا.

عمل هيتو مديرا لقسم الاستشارات التقنية بشركة «فايسرف»، كما ترأس قسم المعلومات في شركة «هوم فري» لسنتين، حيث كان أكبر مسؤول تنفيذي في قسمه. وقضى هيتو 11 عاما مع شركة «إينوفار» لتكنولوجيا الاتصالات، في منصب المدير التنفيذي. كما ساعد في تصميم أكاديمية برايتر هورايزنز، وهي أكاديمية تعليمية خاصة، وتولى منصب عضو مجلس إدارة الأكاديمية منذ عام 2001 ولغاية عام 2003، ثم تولى رئاسة مجلس إدارتها حتى عام 2009 حين أوكلت إليه مهام رئاسة الأكاديمية. وهو أيضا عضو مؤسس في جمعية الدعم القانوني للجالية العربية والمسلمة التي تأسست في الولايات المتحدة عام 2001 للدفاع عن الحريات الشخصية والمدنية ومكافحة التمييز ضد العرب والمسلمين والآسيويين بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول).

بعد اندلاع الأزمة السورية، تفرغ للمساهمة في تأسيس وإدارة وحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني في «ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية»، التي تم الاعتراف بها دوليا، وباشرت عملها على الحدود السورية - التركية بتوصيل المساعدات والدعم الإغاثي إلى الداخل. كما شارك في تأسيس تحالف «سوريا حرة» بالولايات المتحدة، وتولى منصب نائب الرئيس للتحالف منذ 2011، وهو عضو في مجلس الإدارة في المجلس السوري - الأميركي منذ عام 2012، وهي منظمة أهلية تأسست عام 2005، وتعمل في مجال تطوير ورعاية التعليم والاقتصاد والتنمية البشرية في سوريا.

ويقف هيتو اليوم، أمام استحقاق جديد، بعد أن دخل «الجيش الحر» في لعبة رفض تسميته، رغم تأييده مبدأ الحكومة. ويقول الناطق الرسمي باسم «الجيش الحر»، لؤي المقداد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجيش الحر» كان يريد رئيسا للحكومة يتوافق عليها الجميع، لكن بعد ما حصل وجد نفسه مجبرا على اتخاذ هذا الموقف. ويشير المقداد إلى أن الكثير من القيادات الميدانية اتصلوا بهيئة الأركان عند شيوع الخبر للسؤال عن هويته، لأنه لم يكن معروفا بينهم. لكن مصادر في «المجلس الوطني» ترى أن «الجيش الحر» «كيان فضفاض ولا يمكن اختصاره بهيئة أو باسم محدد». وتؤكد أن كتائب كثيرة من «الحر» في دمشق والمنطقة الشرقية من سوريا تؤيد هيتو.

بدوره، يؤكد عضو الهيئة القانونية في الائتلاف هشام مروة، أن «هيتو يتمتع بتأييد بعض الكتائب العسكرية في (الجيش الحر)» ويضيف: «(الجيش الحر) كان مع أي رئيس حكومة ينتخب، لكنه تلقى رسائل من داعميه ترفض اختيار هيتو فاضطر إلى اتخاذ هذا الموقف». ويرى مروة أنه حتى الذين يختلفون مع هيتو ليسوا مستعدين لمعاداته، مشيرا إلى أن هيتو حصل على 70% من أصوات أعضاء الائتلاف السوري وهذا لا يأتي من فراغ، موضحا أن الشيخ معاذ الخطيب بنفسه دعا في خطاب استقالته إلى دعمه لإنجاح مهمته.

هيتو في سطور

* من مواليد دمشق عام 1963، وهو من أصول كردية، يصفه معارفه بأنه «شخص يعمل تحت الضغط»، وأنه يمتلك روحية العمل الجماعي والشخصية المرنة.

* غادر هيتو سوريا في عمر مبكر، إلى الولايات المتحدة حيث بدأ دراسته. وبينما أشارت السلطات السورية بعيد انتخابه إلى أنه غادر سوريا «فارا من الخدمة العسكرية» التي تعتبر من بين الأطول في العالم وتمتد إلى نحو سنتين ونصف السنة - يقول المعارضون إنه فر بعد مضايقات أمنية واعتقال عدد من أقاربه.

* في الولايات المتحدة، حصل على شهادتي البكالوريوس في الرياضيات وعلوم الحاسب الآلي من جامعة بورديو في إنديانابوليس عام 1989. ونال درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة إنديانا وسليان عام 1994.

* في منفاه، نال الجنسية الأميركية وقد خرجت صحيفة «نيويورك تايمز» بعيد انتخابه بعنوان مفاده «مواطن أميركي يختار كرئيس للحكومة المؤقتة للثورة السورية».

* تزوج بمدرسة أميركية وأنجبا 4 أبناء، أحدهم عبيدة لاعب كرة قدم أميركي سابق، كان أكد لصحيفة «نيويورك تايمز» السنة الماضية تسلله إلى سوريا «لمساعدة الثوار» في المجال الإعلامي، صور مقاطع فيديو تجسد معاناتهم ونقل صورهم إلى العالم، كما ساعد في إيصال المساعدات الإغاثية لمحتاجيها. ونقلت الصحيفة أنه كتب رسالة إلى والديه قبل سفره جاء فيها «صنعتما مني ما أنا عليه اليوم. يجب أن أذهب لأقوم بما علي القيام به». وقال هيتو إنه لم يعد لديه خيار إلا الانخراط في الثورة بعد ما قام به نجله.