الشيخ عبد الله بن ناصر.. الانضباط أولا

رئيس وزراء قطر الجديد.. عسكري ورياضي إلى قمة السلطة التنفيذية

TT

القاسم المشترك للنخبة القيادية في دولة قطر انتظامها في السلك العسكري، واهتمامها بالرياضة.

وإذا كانت الرياضة أتاحت التعرف على الشباب، في بلد تشكل هذه الشريحة أكثر من نصف سكانه، فإن التربية العسكرية منحتهم القدرة على الانضباط. لا يختلف الأمر بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، الذي أوكلت إليه مهمة رئاسة أول حكومة في العهد الجديد بعد انتقال السلطة للشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني في الخامس والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي. فرئيس الوزراء الذي احتفظ لنفسه أيضا بوزارة الداخلية، تلقى تعليمه في بريطانيا والولايات المتحدة، وهو أحد الشخصيات المقربة من أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، وكانت المناصب التي شغلها على مدى حياته الوظيفية في الدولة تنحصر في الجانب العسكري والرياضي. وهو ليس الوحيد في هذا الأمر؛ فالأمير الحالي الشيخ تميم هو أيضا ذو خلفية عسكرية رياضية؛ فقد تلقى تعليمه في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية بالمملكة المتحدة عام 1998. وكذا وزير الدولة الجديد لشؤون الدفاع حمد بن علي العطية، فهو الآخر جاء من خلفية عسكرية، وكان قبل تعيينه رئيسا لهيئة الأركان، ويحمل رتبة لواء ركن. أما وزير الخارجية الجديد الدكتور خالد بن محمد العطية فقد كان طيارا مقاتلا خلال الفترة من 1987 وحتى 1995 في القوات الجوية الأميرية. فالعسكر في قطر لديهم مهمة واحدة، لخصها خطاب الأمير الجديد، وهي تحقيق الإنجاز بأعلى معايير الجودة والانضباط.

* الصرامة والإنجاز

* شخصية رئيس الحكومة، الشيخ عبد الله بن ناصر، تتسم بالانضباط، كما يؤكد المقربون منه، والذين عملوا معه لفترات طويلة.

وتطبيق معايير الصرامة هو المهمة الأساسية الجديدة التي وضعها الأمير، وتلقفها رئيس الحكومة الجديد، الراعي على مدى ثلاثة عقود لمعايير الانضباط العسكري، حيث: ضمان أقصى معايير الانضباط لسير العمل، وإعطاء أعلى مستويات الجودة في توفير الخدمات. ومن بين الوحدات المتوقع استحداثها داخل كل وزارة قطرية إدارة جديدة لـ«التخطيط والتدقيق والجودة»، بما يعكس التشديد على تنفيذ رؤية قطر 2030.

قضى الشيخ عبد الله بن ناصر في الجهاز العسكري نحو ثلاثة عقود من عمره، منذ تخرج في عام 1984 من كلية درهام العسكرية في بريطانيا، حاصلا على درجة بكالوريوس «علوم شرطية». كما حصل عام 1995 على ليسانس حقوق في جامعة بيروت العربية. وقد تدرج الشيخ عبد الله في المراكز والرتب العسكرية حتى وصل لرتبة «عميد» في سبتمبر (أيلول) 2004. وشغل في تاريخه العسكري مناصب عسكرية عدة، أبرزها مساعد مدير إدارة قوات الأمن الخاصة لشؤون العمليات، حتى أصبح مديرا لقوات الأمن الخاصة وبعدها قائد قوة الأمن الداخلي، قبل أن يتولى وزارة الدولة للشؤون الداخلية. وفي 15 فبراير (شباط) 2005 عين وزيرا للدولة للشؤون الداخلية وعضو مجلس الوزراء. وأعيد تعيينه في منصبه في يوليو (تموز) 2008. وهو حاصل على أكثر من 23 دورة تدريبية تأهيلية وتخصصية خارجية وداخلية، وتولى إعداد مشروع الاتفاقيات الأمنية لمكافحة الإرهاب بين بلاده والدول الأخرى. وخلال السنتين الماضيتين، كانت له جولات خارجية التقى فيها العديد من الفعاليات السياسية على المسرح الدولي، خاصة في الولايات المتحدة.

وقياسا على تجربته السابقة في وزارة الداخلية التي تولاها منذ عام 2005، يبدو اختيار الشيخ عبد الله بن ناصر ضرورة لإحداث حركة واسعة في مرافق الدولة. فهناك العديد من المشاريع العملاقة التي تحتاج إلى إدارة ذات كفاءة وتتسم بالصرامة والالتزام.

يقول المحلل الاقتصادي ومدير مركز البيرق للدراسات الاقتصادية بالدوحة الدكتور بشير الكحلوت لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز السمات التي تتصف بها شخصية رئيس الوزراء الجديد أنه «رجل منظم»، ويضيف: «وزارة الداخلية أكثر وزارات قطر تنظيما وتسهيلا للإجراءات». ومن ظواهر الانضباط والحرص على العمل، ما لاحظه المراقبون، فبعد ساعات قليلة من أداء حكومته اليمين الدستورية الأربعاء الماضي، عقدت في المساء أول اجتماع لها، وفي اليوم التالي (الخميس)، كان كل الوزراء على مكاتبهم، أو يقومون بجولات في أقسام وزاراتهم. وأكد مصدر قطري لـ«الشرق الأوسط» أن الرسالة الظاهرة للحكومة الجديدة هي الصرامة والانضباط.

والصرامة هي أول ما لوح به الخطاب الأول لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث قال: «سوف نواصل الاستثمار في القطاعات، ولكننا سوف نكون أكثر صرامة ووضوحا بشأن النتائج والمخرجات». وحذر قائلا: «إذا وظفنا استثمارات كبرى ولم نحصل على نتائج ملائمة فلا يجوز المرور على ذلك مرور الكرام». ومضى يقول: «كيف يمكن ألا نحقق نتائج إذا استثمرنا كل ما يلزم؟ فقط إذا حصل سوء تخطيط أو سوء إدارة، أي باختصار سوء أداء، وإذا رفعت تقارير غير صحيحة، وغير ذلك من الأمور التي لا يجوز التستر عليها وتحتاج إلى معالجة فورية، وإلا نكن كمن يفسد المجتمع والمؤسسات بصرف المال دون جدوى». الأمير أكد أنه «ما ينطبق على المخرجات ينطبق أيضا على التعيينات، فلا يجوز أن يعتبر أحد أن له حق أن يتعين في منصب أو وظيفة عمومية دون أن يقوم بواجباته تجاه المجتمع والدولة».

المحلل السياسي القطري البارز جابر الحرمي قال لـ«الشرق الأوسط» تعليقا على تولي الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني رئاسة الحكومة إن «قطر مفتوحة على مصراعيها لورشة عمل بحاجة إلى دقة التنفيذ وجودة الأداء، والشيخ عبد الله بن ناصر خير من ينهض بهذه المهمة». وقال أيضا إن الأولوية المقبل للحكومة القطرية الجديدة ستكون «التركيز على إنجاز المشاريع والتركيز على تحقيق رؤية قطر 2030، وخاصة ما يتعلق بالتنمية المستدامة».

يتحدث جابر الحرمي عن المثال الذي سطرته وزارة الداخلية التي لا يزال يتولاها رئيس الحكومة الحالي، في تطوير أدائها، فهي من بين أكثر الوزارات الحكومية تماسا مع حاجات المواطنين، ولكنها في الوقت نفسه تقدمت على بقية الوزارات في تسيير المعاملات وتحديث وسائل التواصل مع الجمهور. وعلى عكس السمعة التي تحملها وزارات الداخلية؛ كونها تعنى بالتكتم والتشدد والانغلاق، كانت وزارة الداخلية هذه من بين أكثر الوزارات انفتاحا وتواصلا. يقول الحرمي: «في قطر دائما ما يضربون بوزارة الداخلية المثل في المواكبة والتطور وفي تسهيل إجراءات المعاملات».

وكون الشيخ عبد الله بن ناصر قادما من خلفية عسكرية، فإنها تعطيه ميزة تنافسية في هذا الوقت تحديدا، برأي الحرمي، الذي عمل لسنوات بجانب الشيخ عبد الله: «هذا الأمر يساعد على دقة الإنجاز في المواعيد المقررة، خاصة أن بعض المشاريع مرتبطة بأحداث معينة (مثل استعداد قطر لاستضافة كأس العالم)، فشخصيته العسكرية سوف تنعكس على إصراره على متابعة تنفيذ المشاريع وإنجازها بالجودة المطلوبة».

* الاقتصاد أولا

* لاحظ الدكتور بشير الكحلوت في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة الأولى التي رأسها الشيخ عبد الله بن ناصر احتفظت بنحو نصف الوجوه السابقة، بينما دخل نصف أعضاء الحكومة من الوجوه الجديدة. وهو ما يشير إلى الرغبة في التغيير مع استمرارية العمل لتحقيق رؤية قطر 2030 الاستراتيجية. ومضى يقول: «إن ملامح التشكيل الوزاري في قطر تشي بالرغبة في استمرار مسيرة التنمية، مع إحداث تغيير ملموس، والاهتمام بالتركيز على قضايا الداخل على حساب القضايا الخارجية، وأنه ربما تتم مراجعة السياسة الاستثمارية القائمة على التوسع في الدين العام».

يتولى الشيخ عبد الله بن ناصر قيادة الحكومة في بلد تحول خلال السنوات الـ18 من عهد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى واحد من أكثر البلدان نموا على المستوى الاقتصادي، فقد تحولت البلاد التي لم يكن يزيد دخلها من صادرات النفط أكثر من 3 مليارات دولار وتعاني عجزا كبيرا في ميزانيتها، إلى بلد يمتلك واحدا من أكبر الاقتصاديات في المنطقة، ويعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كما يمتلك ذراعا استثمارية في الخارج هو «جهاز قطر للاستثمار»، الذي تزيد أصوله على 100 مليار دولار. وأصبحت قطر تحتل أعلى مستويات في دخل الفرد، فبحسب تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي في واشنطن، في مارس (آذار) الماضي احتلت قطر المركز الأول، في دخل فردي عام 2012، وبلغت حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي 88.222 ألف دولار، خلال العام الماضي.

وبحسب تقرير «شركة الأصمخ للمشاريع العقارية» فقد بلغ حجم المشاريع التنموية في قطر 45 مليار دولار خلال عام 2013. التقرير الذي صدر نهاية يونيو الماضي، توقع أن يبلغ معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي الكلي في السنوات الأربع المقبلة 9.6 في المائة. وذكر التقرير أن البرنامج الاستثماري خلال الأعوام القليلة المقبلة سيشمل إنفاق أكثر من 30 مليار دولار أميركي في البنية التحتية العامة والمباني، ممثلة بأكثر من 700 مشروع، وستعمل هذه المشاريع على تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.

وقطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تحتل المركز الثالث في قائمة أكثر الدول التي تمتلك احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، ويبلغ احتياطي حقول الغاز في شمال قطر نحو 500 تريليون قدم مكعب، وهي أكبر حقول للغاز الطبيعي في العالم. ونجحت قطر في عام 2010 في رفع طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال إلى 77 مليون طن سنويا لتصبح بذلك أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي المسال في العالم.

وتخطط الحكومة القطرية لإنفاق 130 مليار دولار للإعداد لكأس العالم، منها 35 مليارا لإنشاء شبكة مترو وسكك حديدية، وميناء جديد، وطرق سريعة متعددة الحارات، وتسعة ملاعب جديدة، ستكون مكيفة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية. في حين قدر تقرير قطري في أبريل (نيسان) الماضي قيمة الاستثمارات المباشرة على المنشآت والبنيات المتعلقة بالتحضير لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022 تصل إلى 80 مليار دولار تقريبا، بالإضافة إلى مبلغ 20 مليار دولار لتنمية القطاع السياحي في قطر. وقد نجحت قطر في ديسمبر (كانون الأول) 2010 في الفوز باستضافة كأس العالم 2022 لتكون بذلك أول دولة عربية وإسلامية تنظم المونديال الكروي.

* السياسة الخارجية

* تقليديا، يتولى الأمير رسم ملامح السياسة الخارجية للبلاد، وإذا كانت السياسة القطرية تأثرت سابقا إلى حد كبير بشخصية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، فهو لكونه أحد الشخصيات المهمة في البلاد، ويتولى أيضا وزارة الخارجية، لكن في الوقت الراهن، فإن الحكومة «تشارك» في رسم السياسة الخارجية بما يعكس توجهات الأمير والدولة، ومن غير المتوقع أن تحيد عن الخطوط العريضة التي حددها الأمير في خطابه الأول.

ولاحظ الدكتور بشير الكحلوت أن التشكيل الجديد تضمن تعيين وزير واحد للخارجية، في مقابل ثلاثة كانوا يشغلون وزارة الخارجية، الأول منهم برتبة رئيس وزراء، والثاني وزير دولة للشؤون الخارجية، والثالث وزير للتعاون الدولي. كما أن المفارقة بين الحكومة الحالية والسابقة، أن الحكومة السابقة كان رئيسها يتولى وزارة الخارجية، بينما يتولى رئيس الحكومة الحالية وزارة الداخلية، وهو ما يعكس التوجه نحو تعزيز الاهتمام بالشأن الداخلي.

وكان الدكتور سلمان شيخ مدير معهد «بروكينغز - الدوحة» قال لـ«الشرق الأوسط» في 26 يونيو الماضي إن أساسيات وثوابت السياسة الخارجية لقطر لن تتغير، «على الأقل في الوقت الراهن»، مضيفا أنها «ستركز على سوريا وأفغانستان، والاستمرار في محادثات السلام، كما ستركز على السودان، وسيكون لها موقف مماثل فيما يتعلق بدعم عملية التحول السياسي». سلمان شيخ قال: «على المدى الطويل لا أحد يعرف في حقيقة الأمر كيفية تعاطي الإدارة الجديدة المعنية برسم السياسة الخارجية مع التطورات التي ستحدث على الأرض». وأضاف: «هناك بالتأكيد مزيد من النقاشات داخل قطر.. وأعتقد أن البعض قد يركز على سياسة خارجية أكثر هدوءا».

جابر الحرمي، أشار إلى أن القطريين استبشروا كثيرا بتعيين الشيخ عبد الله بن ناصر، لكونه معروفا بالصرامة الإدارية على الصعيد الداخلي.. وعندما سألناه إن كان ذلك يعكس مزاجا قطريا نحو مزيد من الاهتمام الداخلي قال: «أنا كقطري يهمني أن أرى القيادة تولي اهتماما أكبر بالشأن المحلي وتحقيق التطلعات في التنمية». وأضاف أن هناك العديد من المشاريع الضخمة، وخاصة على صعيد مشاريع البنية التحتية، تنتظر قطر، وأمام بعض التراخي الذي لاقته بعض المشاريع العملاقة مثل مشروع المطار الجديد، فإن الناس تتوقع من رئيس الحكومة الجديد أن يحدث تطورا نوعيا في صعيد التنمية والإنجاز.

مشروع المطار واجه بعض الصعوبات، ففي أبريل الماضي تم تأجيل افتتاح مطار الدوحة الجديد الذي يحمل اسم «مطار حمد الدولي» بسبب ما قيل بأنه «عدم مطابقة معايير السلامة»، بحسب عبد العزيز النعيمي رئيس لجنة تسيير مشروع مطار حمد الدولي. ويمتد المطار على مساحة 29 كلم مربعا، وبلغت تكلفة إنشائه 15 مليار دولار، وأنجزته شركات مقاولات دولية، ويفترض أن تبلغ القدرة الاستيعابية للمطار نحو 30 مليون مسافر سنويا عند افتتاحه، على أن ترتفع إلى 50 مليون مسافر سنويا عند استكمال المرحلة الأخيرة في حدود سنة 2015. وسيحل المطار تدريجيا مكان مطار الدوحة الدولي اعتبارا من بدء تشغيله. وهو قادر على استقبال طائرات «إيرباص إيه 380» العملاقة.