أحمد الجربا.. «فارس بدوي» في قفص «الائتلاف»

رئيس تجمع المعارضة السورية يواجه تحديات.. بينما بات الوضع السوري على شفا هاوية

TT

أحمد عاصي الجربا، الرئيس الجديد لـ«الائتلاف الوطني السوري»، رجل لا تعرف أوساط المعارضة السورية عنه الكثير. فئة منهم رحبت به، وأخرى هاجمته، وثالثة لم تخف حذرها من الرجل، وتقول إنها تجمع المعلومات عنه «بهدف تكوين صورة واضحة عن ماضيه». أما الجربا نفسه فقد التزم الصمت منذ انتخابه، مع غالبية الفريق المحيط به، وتوجه إلى مكة لأداء مناسك العمرة، تاركا لمهاجميه أن يستنفدوا معركتهم.

«رجل بسيط، مرح، له مزاج شعبي، جلود، ومثابر إلى حد بعيد، يؤمن بالعمل الجماعي»، بحسب ما يقول أصدقاء مقربون منه. وصفته صحيفة ألمانية أثناء زيارة له لألمانيا مؤخرا بـ«الفارس البدوي»، و«صاحب الفكاهة، الذي يحب الأدب العربي ويعتبره مصدر إلهامه، لكنه اليوم دخل في عالم مختلف لا صلة له بالأدب». ويضحك احد أصدقائه ونحن نسأله عما بقي من البادية في شخصية هذا الشمري، فيقول ضاحكا «أشعر أحيانا، وأنا أتعامل معه كأنه لا يزال يعيش مع العشيرة». ويكمل «لكن هذا لا يمنع أنه يتمتع بروح المناكفة والمحاورة، وقادر على احتمال نقاشات الكتلة الديمقراطية التي انضم إليها، وهذا دليل صبر وجلد قويين».

يلفتنا هذا الصديق المقرب من الجربا، الذي لا يود الإفصاح عن اسمه، إلى أن انتماءه إلى عشيرة شمر، إحدى أكبر العشائر العربية التي لها موقع اجتماعي بارز، وترعرعه مع أكراد سوريا، يعكسان مستوى العلاقات التي يمكنه أن يحيكها مع المحيطين العربي والكردي.

ولد أحمد الجربا عام 1969 في مدينة القامشلي، محافظة الحسكة، وحاز شهادة في الحقوق من جامعة بيروت العربية. بقي في سوريا منذ اندلاع الثورة، ولم يغادر إلا منذ نحو سبعة أشهر، حيث وصل إلى لبنان، ومنه إلى الأردن، ومن ثم صار متنقلا بين القاهرة واسطنبول.

عمل في المجال الإغاثي، ومع كتائب الجيش الحر. كان عضوا في الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري عند تأسيسه، ثم عضوا في الائتلاف الوطني السوري. وقد علق الجربا عضويته في الائتلاف مع آخرين في مارس (آذار) 2013، اعتراضا على انتخاب غسان هيتو آنذاك رئيسا للحكومة السورية المؤقتة التي كان يفترض تشكيلها لتشرف على «المناطق المحررة».

وأتى هذا التعليق انعكاسا لخلاف حاد بين تيارين داخل الائتلاف. لكن الجربا عاد إلى الائتلاف في مايو (أيار) 2013، ولعب دورا أساسيا كي يضم إليه كتلة المعارض ميشال كيلو، ذات التوجه العلماني، المعروفة باسم «الكتلة الديمقراطية».

يقول منتمون إلى هذه الكتلة «إن الدور الكبير الذي لعبه الجربا لضمهم إلى الائتلاف كان له أكبر الأثر في ترشيحه ومن ثم انتخابه، علما بأنه ليس رأس الكتلة وإنما أحد أعضائها».

وكان الجربا، أحد شيوخ قبيلة شمر، قد انتخب يوم السبت 6 يوليو (تموز) 2013، بعد معركة حامية الوطيس، رئيسا للائتلاف الوطني السوري خلفا لأحمد معاذ الخطيب، حاصلا على 55 صوتا، مقابل 52 صوتا لمنافسه مصطفى الصباغ الذي خسر أيضا منصب نائب الأمين العام.

ورغم أن أحمد الجربا كان قد اعتقل بين عامي 1996 و1998 بسبب مناهضته للنظام السوري، واعتقل مرة أخرى في مارس 2011، قبل خروجه من سوريا - بحسب ما تقول المعلومات - فإن هذا لم يجعل بعض فئات المعارضة تثق به، وتركن إلى انتخابه رئيسا.

وانتشرت على صفحات الإنترنت منذ انتخابه أخبار، تزعم أنه لم ينه تعليمه الابتدائي، وأنه حاصل على شهادة جامعية مزورة من بيروت، تمكن من الحصول عليها بمعونة رستم غزالي، أثناء الوجود العسكري السوري في لبنان، إلى حد القول أنه «أخطر على الثورة من النظام السوري نفسه».

يضحك صديقه، المعارض العريق فايز سارة، وهو أحد أعضاء الفريق الذي تشكل للعمل مع أحمد الجربا في رئاسة الائتلاف، ويقول ساخرا «هذه أخبار طريفة جدا. الهجمة ضد أحمد الجربا لا علاقة لها بفوزه في رئاسة الائتلاف، وهي بدأت قبل ذلك مع عملية توسعة الائتلاف، لا بل ومنذ أيام الرئيس السابق معاذ الخطيب. كان داخل الائتلاف مشروعان، وعندما شعر أصحاب المشروع الآخر بأن ثمة خطرا عليهم أخذوا يلقون التهم، ويثيرون الشائعات حولنا، في كل الاتجاهات. وقد طالت الشائعات سهير الأتاسي، ووليد البني، وكل الآخرين. وقبل شهر ونصف الشهر تكلم ميشال كيلو صراحة في الإعلام عن هذه الحملة الشنعاء، وأحمد الجربا ليس سوى جزء من هذه الكتلة التي تحارب، من جهات معلومة أغراضها».

علياء المنصور، وهي عضو مستقل في الائتلاف، وكانت قريبة من التيار الديمقراطي أثناء جلسات الانتخاب الأخيرة، تعتبر أن «مشكلة الائتلاف بدأت مع انتخاب غسان هيتو ودخول الجميع في خضم صراع إقليمي حاد». وتدافع المنصور عن انتخاب أحمد الجربا معتبرة أن «كونه شخصية غير معروفة من الغالبية هو أمر إيجابي جدا». وتشرح قائلة «جربنا المثقفين والمفكرين والمناضلين المعروفين، وسلطت الأضواء على شخصهم، وهذا لم يكن في صالح الثورة. وأتصور أن أحمد الجربا سيجنبنا هذا النوع من التجارب. لقد رأيته كيف يعمل، وهو هادئ وعقلاني، وقادر على الحوار». أكثر من ذلك تقول المنصور «حضرت جانبا من النقاشات وأحسست بأن هناك روحا جماعية في العمل، وعندي أمل في أن تنجز الكتلة الديمقراطية، بعض الخطوات الإيجابية في الشهور المقبلة».

يرفض زهير سالم، الناطق الإعلامي باسم «الإخوان المسلمين»، أي اتهام للجماعة بأنها تشارك في الهجوم ضد أحمد الجربا، قائلا «نحن لسنا ليبراليين، لنعمل ثورة على من لا يعجبنا. نحن نخضع للديمقراطية ونحترم من ينجح في صندوق الاقتراع»، غامزا من قناة ما يحدث في مصر، ومؤكدا أن هدف الإخوان إنجاح الائتلاف، وأن الهجمة تطال الجميع بمن فيهم «الإخوان». لكن سالم، في المقابل، لا يخفي امتعاضه مما سماها «الكتلة الليبرالية أو العلمانية التي صبت في الائتلاف صبا وعلى رأسها ميشال كيلو»، معتبرا أن «هذه الكتلة غير منسجمة، وغير متوافقة في ما بينها، وهناك من يلعب على حبالها». وهو أمر ينفيه فايز سارة، ويقول «نحن متوافقون مع بعضنا ومنسجمون، ولا مشكلة بيننا».

لكن ما الذي ينوي رئيس الائتلاف أحمد الجربا مع مجموعته فعله، والوضع السوري على شفا هاوية؟ هل الحصول على السلاح الذي يركز عليه الجربا، بشكل كبير، هو الحل للأزمة الاقتصادية داخل سوريا، خاصة أن الهوة كبيرة بين الائتلاف والداخل الذي ما عاد يعترف بممثليه في الخارج؟ يقول فايز سارة «التركيز على السلاح صار جزءا من سياسة الائتلاف. ماذا يفعل الناس؟ غالبية المقاتلين اليوم كانوا في طليعة المتظاهرين السلميين، ودمرت بيوتهم، وقتل أقرباؤهم، ولا حلول. حتى المساعدات الإنسانية هي دون الحد الأدنى. مبلغ 700 مليون دولار لا يكفي لإطعام تجمعات اللاجئين شهرا واحدا». ويسأل سارة «ما هي خياراتنا غير السلاح؟ تبدو فكرة التسلح والموت أشبه بالضرورة التي لا يمكن التحدث عن غيرها. عندنا في سوريا 100 قتيل و200 مفقود، كل يوم. الكلام عن 100 ألف قتيل منذ بدء الثورة، نسمع عنه منذ سنة، ورأيي أن رقم المليون قتيل بات وراءنا، ولا أحد يريد أن يعترف. إذا طرح واحدنا مشروعا سياسيا، يطلع له ألف صوت يخونه. نحن في دوامة، بحاجة لمن يكسرها».

في هذه الحالة، هل أحمد الجربا على استعداد للدخول في تسوية سياسية؟ يجيب فايز سارة «من الممكن القبول بتسوية سياسية إذا قبلت الكتل الأخرى. لكن أين هي هذه التسوية؟ وكيف نكون طرفا في تسوية سياسية غير موجودة أصلا؟ ثم إن التسويات لها أفق، ولا يمكننا أن نقبل بحل يبقي على النظام، لأن النظام بعد ذلك سيقتل كل الشعب».

«ربما أن أحمد الجربا هو الأفضل بين من تقدموا بترشيح أنفسهم، أما معاذ الخطيب فقد أخذ فرصته، وتم إحراقه بسرعة من قبل من أتوا به»، وذلك في رأي محيي الدين اللاذقاني، الأمين العام لـ«التيار السوري الديمقراطي»، واصفا الجربا بأنه «متزن ومتوازن، ويمكن أن يدعم توازنات نحتاجها خصوصا في ما يتعلق بالأكراد والقبائل. فهو شمري ومن محافظة الحسكة ذات التوازنات المعروفة». ويلفت اللاذقاني إلى أن «بين السوريين في المعارضة الحالية لا يمكن الحديث عن رئيس توافقي. فالأغلبية نرجسية وتعتقد أنها تستحق الزعامة قبل غيرها، وثلاثة أرباع خلافات المعارضة شخصية وفردية ولا علاقة لها بالاستراتيجيات وخطط العمل».

لا يخفي ناشط سوري بارز، مقيم في لبنان، على تواصل مع الداخل «أن ثمة هوة هائلة بين الائتلاف والمواطنين وحتى منهم المقاتلون». ويقول رافضا الكشف عن اسمه «هذا ائتلاف، برئيسه الحالي كما من سبقوه، لا يمون على أي مقاتل في الداخل، وحتى حين يرسلون بعض الذين يدربونهم من ناشطين وصحافيين ودفاع مدني، سرعان ما يفقدون التواصل معهم، لأن الإهمال شديد، ولا توجد متابعة. كما أن المقاتلين هم مجموعات لا تنسيق بينها ولا روابط. أما المواطنون فهم يئنون تحت غائلة الجوع، لا سيما في حلب التي قسمت وحوصرت، وحمص التي نعجز عن إدخال حتى علب الحليب إليها، ونطلب من الهيئات الإنسانية توزيعها بطائرات هليكوبتر من الجو، لعلمنا أن ثمة من يموتون جوعا، ولا نفلح في فعل شيء. فكيف يقال لنا إنه يتم إرسال السلاح إلى حمص؟». ويكمل الناشط «هذه التحديات تواجه كل الائتلاف اليوم، وليس أحمد الجربا وحده، ومعرفتنا باتت واضحة، أن الخلافات هي على ما بعد بشار، ومن سيستفيد من الإعمار، ومن الذي سيستلم المناصب، وكيف سيوزع قالب الجاتو مستقبلا. الائتلاف فشل، ولا أحد في الداخل ينتظر منه شيئا».

«النظام هو الذي لعب دوما على قضية الداخل والخارج لشق الصفوف»، بحسب الدكتور محيي الدين اللاذقاني. مقترحا لحل هذه المعضلة «تشكيل هيئة سياسية - عسكرية مشتركة قيادتها من الداخل وليس من الخارج. فمهما فعلنا بالخارج نظل مجرد عامل مساعد، ولعل ظهور هذه الهيئة الآن أصبح ضرورة كي يظل القرار سوريا وليس مرتهنا بدول الدعم».

ورغم رأي اللاذقاني الإيجابي في الرئيس الجديد فإنه لا يعتقد أن الائتلاف يملك إمكانية الاستمرار خصوصا بعد سحب الثقة الداخلية منه في جمعة «ثورة متقدة ومعارضة مقعدة». ويقول «رفضت منذ البداية وبعد تجربتي في المجلس أن أكون جزءا من الائتلاف، لان تشكيله تم بذات الأشخاص ونفس عقلية المحاصصات التي خربت المجلس الوطني، وفي كل الأحوال سيظل الائتلاف قائما كهيئة من هيئات عدة لأنه يلبي حاجة دولية ويقوم بوظيفة مطلوبة للدول الداعمة».

لا يذهب وحيد صقر، رئيس المكتب السياسي لـ«الجبهة الثورية لتحرير سوريا» غير الممثلة في الائتلاف، إلى هذا الحد من التشاؤم، ويعتبر الائتلاف ممثلا شرعيا للشعب السوري، لكنه يعترض على «المحاصصة وعدم المحاسبة وتفاقم الأخطاء وعقم الإنتاج». ومن المعوقات أيضا في رأيه «عدم وضع خطوط عريضة للتوجهات العامة للائتلاف تعتبر من الثوابت وتحول دون قدرة أي من الكتل أو الأحزاب أو الأفراد المنضوين تحت الائتلاف طرح مبادرات من شأنها تقوية الموقف السياسي للنظام أو للدول الداعمة له». ويرى صقر أن رئيس الائتلاف الجديد أحمد الجربا «في وضع غير صحي. وهذا تتحمل مسؤوليته القيادة السابقة للائتلاف»، مع اعتقاد صقر أن الائتلاف لا يزال ضرورة كهيئة سياسية، وهذا لا يمنع إيجاد كيان عسكري، إلا أنه يعتبر أن الائتلاف بحاجة إلى «إدارة جديدة بكتل جديدة وليس تغيير الوجوه فقط»، كما هو حاصل الآن. و«الجبهة الثورية لتحرير سوريا جاهزة لتحمل هذه المسؤولية والمساهمة في إدارة المرحلة الحالية، ولديها الطاقم والكفاءة وخطة العمل المدروسة للخروج بالثورة من عنق الزجاجة».

هذا ليس رأي الناطق الإعلامي باسم الإخوان المسلمين الممثلين في القيادة الجديدة للائتلاف، الذي يرى أن المطلوب لإنجاح أحمد الجربا «هو التعامل مع الثورة السورية كما تم التعامل مع الثورة المصرية الثانية، وبالإيجابية نفسها» قائلا «أعطونا 11 مليارا كما أعطيتم السيسي، وسترون النتائج. إذ كيف للزعيم أن يصبح زعيما إن لم يلب حاجات الناس؟». ويضيف سالم «نحن لا نطلب سلاحا، فالسلاح موجود في الأسواق، وإنما نحتاج أموالا. بات بمقدور من يملك المال أن يشتري المخدرات، فما بالك بالأسلحة المطروحة في الأسواق؟». ويكمل سالم كلامه بالقول «حينما يصبح بيد أحمد الجربا المال، عندها سيتمكن من توفير الطعام والسلاح وتأمين حاجات الشعب السوري. حينما تصبح عنده كل هذه الإمكانيات سيصير زعيما كبيرا، وستجدون الشعب السوري، وربما العالم كله، يهتف باسم الجربا».