مرزوق الغانم: تاجر.. يمسك «مطرقة» السياسة

رئيس مجلس الأمة الكويتي صاحب شعار «إياك واليأس من وطنك»

TT

في تجربتهم الديمقراطية، يستند الكويتيون إلى الشيخ عبد الله السالم الصباح، رجل الاستقلال، الذي أرسى التجربة الديمقراطية الفتية في الكويت. وفي عهده تم إقرار الدستور، أول وثيقة من نوعها في الخليج، ويُطلق اسمه اليوم على قاعة مجلس الأمة، الغرفة التشريعية الأكثر سخونة وجدلا في المنطقة.

وفي الصورة الأبرز التي تخلد تسلم الشيخ عبد الله السالم وثيقة الدستور، يظهر رئيس المجلس التأسيسي الكويتي ورئيس لجنة الدستور في المجلس نفسه عبد اللطيف محمد الغانم وهو يسلم وثيقة الدستور لعبد الله السالم في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963.

كان الغانم واحدا من رجالات الكويت البارزين، وهو إحدى الشخصيات التجارية والسياسية المهمة في البلاد، وتولى عدة مناصب حكومية، وكان للدور الذي لعبه كأحد «الآباء المؤسسين» للتجربة الديمقراطية في الكويت أثر على البيت الذي ينتمي إليه، حيث برز فيه عدد من الشخصيات التي اشتغلت بالتجارة والسياسة.

وتعتبر عائلة الغانم ثالث أغنى الأسر الكويتية حسب تصنيف «أرابيان بيزنس» العام الماضي، وتمتلك وكالات للسيارات الفاخرة. ومن هذه الأسرة ينحدر رئيس مجلس الأمة الكويتي الحالي النائب مرزوق الغانم، فعمه عبد اللطيف محمد الغانم رئيس لجنة الدستور في المجلس التأسيسي الكويتي، ووالده علي محمد ثنيان الغانم الذي شغل منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة بدولة الكويت لأكثر من دورة. لكنه يضيف لسجله العائلي انتماءه أيضا إلى بيت تجاري وسياسي آخر، هو عائلة «الخرافي» أولى الأسر الثرية في الكويت، حيث والدته السيدة فايزة عبد المحسن الخرافي شقيقة رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي الذي تولى رئاسة البرلمان الكويتي خلال الفترة من 1999 إلى 2011، وهي أيضا أول أكاديمية تتقلد منصب مدير جامعة الكويت.

لذلك، ورغم أنه أصغر برلماني يتولى رئاسة مجلس الأمة في تاريخ الكويت منذ انتخاب أول برلمان فيها عام 1963، فإنه يملك تراثا مكنه من بناء تجربة عملية مميزة. فقبل أن يشتغل بالسياسة، اشتغل بالتجارة، حيث تقلد منصب رئيس مجلس إدارة شركة «بوبيان للبتروكيماويات»، وعضوية مجلس إدارة «الشركة المصرية الكويتية القابضة»، وشركة «مواد البناء» وشركة «غلوبال تليكوم». كما اشتغل بالرياضة حيث تولى رئاسة مجلس إدارة نادي الكويت الرياضي أقدم أندية الكويت وعميدها، خلال الفترة من 2002 إلى 2006، سنة دخوله مجلس الأمة أول مرة.

ارتباط التجارة بالسياسة يوقعه تحت مرمى النقد، لكنه يصوغ فلسفته في هذا المجال على النحو التالي: «لا تخف من التاجر الشريف الذي يدخل المجلس، بل اخشَ ممن يدخل المجلس لكي يصبح تاجرا وهؤلاء كثر».

ومرزوق الغانم من مواليد 1968، وحاصل على البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من سياتل بالولايات المتحدة، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء.

* العمل السياسي

* دخل المرزوق المجلس النيابي أول مرة عام 2006، مرشحا عن الدائرة الثانية، ثم عضوا في مجالس 2008 و2009 ومجلس (فبراير/ شباط، 2012) المبطل بحكم المحكمة الدستورية، وقاطع انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 2012 القائمة على أساس الصوت الواحد، لكنه عدل عن موقفه بعد حكم المحكمة الدستورية المؤيد لمرسوم الضرورة الذي أصدره أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وشارك في انتخابات مجلس الأمة الحالي في 27 يوليو (تموز) الماضي، وأصبح رئيسا لهذا المجلس.

الخلفية التجارية التي ينتمي لها مرزوق الغانم، وكونه ينتمي لتيار يوصف تقليديا بأنه «محافظ»، لم يمنعاه وكتلة «العمل الوطني» التي ينتمي لها من خوض الصراعات، سواء داخل قبة المجلس حيث كان أحد المتصدين لملفات الفساد، وطرح استجوابات ساخنة، أبرزها طرح استجواب الشيخ أحمد الفهد نهاية مايو (أيار) 2011، أو على الصعيد الشخصي، حيث خاض الغانم في شبابه تجربة الغزو العراقي للكويت، فبعد الغزو قطع دراسته في الولايات المتحدة، وتسلل مع مجموعة من الشباب لداخل الكويت عبر الحدود السعودية، في 22 أغسطس (آب) 1990، وكان عمره نحو 22 عاما، حيث شارك في المقاومة ضد الاحتلال، وحسبما يقول فقد عمل خبازا في ضاحية عبد الله السالم، لتوفير الخبز للكويتيين في ذلك الوقت العصيب، لمساعدتهم على الصمود، وظل داخل الكويت أكثر من سبعة أشهر، حتى تحريرها في 26 فبراير 1991.

* زمن الشباب

* ينتمي الغانم لجيل الشباب، وحين خاض المنافسة لرئاسة مجلس الأمة أعلن أن «المرحلة المقبلة تتطلب قيادة شابة وفكرا متجددا يعبران عن تطلعات الأمة، قيادة مؤهلة تمثل خط التوازن والاعتدال الذي جبل عليه الشعب الكويتي». كان خاله الشيخ جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة خلال الفترة من 1999 إلى 2011، يمتلك حنكة في إدارة المجلس والحفاظ على التوازنات.

أما بعد أن أصبح الغانم أصغر رئيس شاب يقود المجلس، فقد عرض على الجميع البدء بصفحة جديدة «نتسامى فيها جميعا على خلافاتنا ونعلو على أي جراح سابقة ونبدأ مرحلة شعارها الأمل ووقودها العمل حتى نحقق طموحات أبناء الشعب الكويتي». وقال «إذا كنا فعلا نريد أن نفكر في الإنجاز فيتوجب علينا أن نبدأ من باب التعاون مع الحكومة، ولا أعتقد أنه عيب وإنما ضرورة إذا كنا نريد أن نعيد بناء الكويت وأن نقفز قفزات واسعة في فترات زمنية قصيرة».

تقليديا يُنظر إلى رئيس مجلس الأمة باعتباره الشخص القادر على خلق التوازنات داخل المجلس، والحفاظ على سيرورة العمل داخل الغرفة التشريعية بما ينظم العلاقة بين الأطراف والكتل المختلفة، وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ورئيس المجلس عادة يميل لتغليب اللغة الناعمة في الحديث مع الحكومة.

* الأزمة السياسية

* رغم أن العلاقة بين مجلس الأمة والسلطة التنفيذية شهدت على الدوام سلسلة من التجاذبات والصراعات، أدت إلى حالات كثيرة من حل المجلس، فإن السنتين الأخيرتين كانتا الأكثر اضطرابا في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل أثرت هذه العلاقة على الحياة السياسية الكويتية برمتها، وبدأت هذه الأزمة ترتفع مع نتائج انتخابات مجلس فبراير 2012 الذي شهد صعودا غير مسبوق للمعارضة التي يقودها الإسلاميون بتحقيقها فوزا ساحقا يرفع رصيدها إلى 34 مقعدا، بعد أن كانت تهيمن في المجلس السابق على نحو 20 مقعدا، وجاء هذا الفوز على حساب القوى الليبرالية، والمرأة التي لم تحرز أي مقعد بعد أن كانت تحتل أربعة مقاعد في المجلس السابق. وطغى الإسلاميون المعارضون من تيار الإخوان المسلمين والتيار السلفي على تشكيلة المجلس، حيث أصبحوا يسيطرون على 23 مقعدا منه، مقارنة بتسعة مقاعد في البرلمان السابق.

مع هذا الصعود، بدأت موجة من الاضطرابات المتتالية، حيث صدر حكم المحكمة الدستورية، في 20 يونيو (حزيران) 2012 وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكويت تم إبطال انتخابات مجلس الأمة، المجلس الذي كانت تهيمن عليه المعارضة، وإعادة المجلس السابق، حيث حكمت المحكمة ببطلان مرسوم الدعوة إلى انتخابات مجلس الأمة 2012 لبطلان حل مجلس الأمة 2009 وباستعادة المجلس المنحل سلطته الدستورية وكأن الحل لم يكن. وشهد العام الماضي (2012) إجراء انتخابات تشريعية مرتين وسط أزمة وانقسام سياسي في الشارع، حيث أجريت انتخابات برلمانية هي الخامسة عشرة في تاريخ الكويت، في فبراير 2012. وأجريت انتخابات أخرى في مطلع ديسمبر 2012، وهي أول انتخابات برلمانية في الكويت تجري بنظام الصوت الواحد لكل ناخب بعد أن تم إصدار مرسوم ضرورة بتعديل قانون الانتخاب وتقليص عدد الأصوات من أربعة أصوات لكل ناخب إلى صوت واحد. لكن عمر مجلس الصوت الواحد، الذي خلا من المعارضة كان قصيرا، فقد أطاح به قرار آخر للمحكمة الدستورية في 16 يونيو 2013، حيث قضت هذه المحكمة التي تعد أحكامها نهائية ببطلان انتخابات مجلس الأمة وتحصين قانون الصوت الواحد.

هذا الاضطراب السياسي لم يكن بعيدا عن الشارع، فخلال عام من الأزمات السياسية صعدت المعارضة لهجتها ولجأت لتنظيم اعتصامات ومظاهرات في الشارع. وتركز مطالب المعارضة على إعادة العمل بنظام الأصوات الأربعة، الذي يمنحها تفوقا نسبيا داخل قبة المجلس. مع أن بعض القوى والرموز السياسية وبينها مرزوق الغانم اشتركت مع المعارضة في المقاطعة لكن على خلفية رفض انفراد السلطة التنفيذية بالتشريع. وطبقا للمادة 71 من الدستور، يحق للأمير إصدار التشريعات في غياب البرلمان في حالة الضرورة واتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. لكن القوى المعارضة المشكلة من التيارات الإسلامية وبعض الليبراليين ترى أن التعديل لم يكن ضروريا ولم يكن هناك أمر طارئ.

إذن، سبق للغانم أن قاطع انتخابات مجلس الأمة في ديسمبر 2012 القائمة على أساس الصوت الواحد، متضامنا مع الأكثرية النيابية المقاطعة، لكنه عاد عن قراره وشارك في الانتخابات السابقة (يوليو 2013) بعد حكم المحكمة الدستورية، وهو يرى في هذا الحكم بشأن مرسوم الصوت الواحد مكسبا دستوريا كبيرا، على الرغم من أن الحكم حصن الصوت الواحد وأبطل المجلس «إذ يبسط سلطة المحكمة على مراسيم الضرورة». وهذا الموقف لا يرضي صقور المعارضة الذين دأبوا على استثارة الشارع ورفع السقف عاليا، طارحين خيارات بينها الدعوة لإمارة دستورية ورئيس وزراء شعبي.

والغانم يمضي قدما في تحدي خصومه، معتبرا أن هذه العبارات مجرد «شعارات انتخابية»، وأن «الدستور لا يمنع حكومة شعبية ورئيس وزراء شعبيا، لكنه حددهما بصلاحية الأمير»، ويضيف «من يقف ويطالب بذلك أتحداه إن كان يستطيع تعريف معنى الإمارة الدستورية».

لكن ماذا بشأن خيار النزول للشارع؟.. يقول الغانم «خيار الشارع والتكسير أمر مرفوض لدينا، والنزول للشارع وفق أطر دستورية موجود، لكن لنا تحفظات عليه، ووفقا للدستور الذي أقسمنا على احترامه وبموجب المادة 173 فإن الملاذ هو المحكمة الدستورية، فلا يوجد شيء اسمه دستور ناطق.

* الوحدة الوطنية

* أثناء حملته الانتخابية كان الشعار الذي رفعه الغانم «إياك واليأس من وطنك»، يعبر عن المرحلة بكل واقعية، فالكويت البلد الصغير الواقع في الركن الشمالي الغربي للخليج العربي، والذي لا تزيد مساحته الإجمالية على 17.818 كيلومترا مربعا، ويقل عدد سكانه عن 3 ملايين نسمة، هذه الدولة تحتدم فيها صراعات العالم برمته. وينقسم شعبها على إيقاع الأزمات السياسية التي تعصف بالمنطقة والعالم، ويتبادل الأطراف الانغماس في شؤون الآخرين واستيراد خلافاتهم للداخل، وهي أيضا مزيج اجتماعي وديني مركب من «حضر وبدو، وسنة وشيعة» مع أزمة مستفحلة تمثلها فئة غير محددي الجنسية (البدون).

يرى الغانم أن الكويت «بلد صغير ومجتمع متماسك، وواجبنا أن ننقل التآلف من جيل إلى آخر، لكن هناك من يتحدث به كشعارات، وهناك من يطبقه على أرض الواقع»، ويرى كذلك أن هناك من يستغل الانقسام لتحقيق مكاسب خاصة، يقول «الوصول لمجلس الأمة قد يكون هدفا للكثير، لكن الصعود على كتف النعرات الطائفية والقبلية والفئوية قد يوصل لمجلس الأمة، لكنه يهدم وطنا ما لنا سواه، لذا علينا الابتعاد عن كل ما يقسم المجتمع سواء على صعيد مذهبي أو طبقي أو مناطقي، مما يحتاج لعمل ملموس وقانون الوحدة الوطنية، وأفخر بأننا في كتلة العمل الوطني أول من قدمه».

يلاحظ الغانم أن «هناك فرقا بين السياسي الذي يؤدي واجبه بمسؤولية ومن يتبنى ذلك للوصول للمجلس، ففي النهاية أنت مسؤول يجب عليك وضع الأجيال القادمة نصب عينيك، لكن مشكلتنا أن الكثير من السياسيين يضعون الانتخابات المقبلة نصب أعينهم».

أما من يتحمل المسؤولية وراء الانقسام في الكويت فيؤكد الغانم أنها «السلطة - التي - انتهجت مبدأ فرق تسد في العديد من المواقف».