سعوديات في النشاطات الدينية.. ثلث قرن من التحولات

من الانكفاء على مدارس تحفيظ القرآن.. إلى المشاركات الإعلامية وحضور المحافل الدولية

TT

عبرت طلائع النخب النسائية، النشطة ضمن الجماعات الدينية في السعودية منذ أن تشكلت قبل ثلث قرون بتحولات مختلفة كانت ترجمة لما هو موجود لدى النخب الدعوية الذكورية باعتبارهم بوصلة القيادة للدعوة النسوية.

كانت البداية لهذا النشاط النسوي الدعوي الاجتماعي والممنهج مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، بحسب رصد بعض المؤرخين السعوديين، عبر التواصل بخطبها ورسائلها مع العلماء المعتبرين وشرح مشكلات النساء ومظاهر «الانحراف».

في هذا النوع من النشاط، اشتهرت أسماء عدد من الداعيات، تلاه ظهور المحاضرات الموجهة للمرأة من دعاة «الصحوة» وتوجيه فتيات الصحوة ومناقشة همومهن الدعوية، وتقديم بعض الأفكار لهن. بالتوازي مع ذلك، برز الخطاب الدعوي النسائي في السعودية أكثر فأكثر في مختلف المحافل النسائية، غير غافل عن اتباع الأساليب الحديثة وتوظيفها في المجال الدعوي، شمل ذلك شكل وبعض موضوعات الخطاب ذاته طالما حقق رضا الجماهير النسوية «العاطفية».

* اليوم، نجد حصاد الماضي مترجما بتحقيق «عمل نسائي حركي منظم» بانضمام 77 جمعية نسوية تحت راية واحدة. قبل ذلك، نشير إلى أنه ورغم طبيعة التحفظ في العمل الدعوي النسوي ومحركاته وعدم شفافيته باعتماد مذهب «الاعتزال» الإعلامي باستثناء المنابر الخاصة، فإن نجاح الإخوان المسلمين، في العامين الأخيرين، في الوصول إلى الحكم في مصر وتونس ونفوذهم في ليبيا، وما تلاه من انتكاسة انتهت بعزل الدكتور محمد مرسي في مصر عن كرسي الرئاسة وتهديد حكومتهم في تونس - كانت كفيلة بكشف الأوراق لدى الكوادر الصحوية النسائية في السعودية؛ أكان ذلك بسبب التفاؤل المفرط بمستقبل «الإخوان» فيما يسمى «الربيع العربي» أو دعما لـ«رابعة العدوية» في اعتصامها، بعد سقوط السلطة الإخوانية. إطار عام، بدأ الحديث عن تشكيل «تنظيم نسائي دولي للإخوان المسلمين» في الظهور الإعلامي منذ 2009 عقب توجيه تهم للنائب الأول لمرشد «الإخوان» حينها محمود عزت بالسعي إلى تشكيل «تنظيم سري» للأخوات المسلمات.

في الأثناء، ظهرت أسماء داعيات سعوديات متهمات ضمن التنظيم الدولي السري للأخوات، بحسب ما نشرت صحيفة «الدستور» المصرية في 23-11-1431 هـ عن مشاركة 8 داعيات سعوديات ضمن التنظيم الدولي، إضافة إلى ما نشرته مجلة «روزاليوسف» 2012م في تقرير عنونته بـ«قائمة أسماء القيادات: التنظيم العالمي للأخوات المسلمات من الإسماعيلية إلى واشنطن».

داعيات سعوديات قياديات في تجمع غير سعودي نشر مركز «التمكين للمستقبل للاستشارات والدراسات»، الذي يعنى بشؤون المرأة الاجتماعية والذي ترأسه الداعية الدكتورة نورة السعد، خبرا عن رعاية مركز «باحثات» في العاصمة السعودية الرياض إنشاء «رابطة المنظمات النسائية الإسلامية العالمية» واحتفاء مركز «آسيا» للدكتورة «الداعية» أسماء الرويشد عبر موقعه الإلكتروني بالخبر.

كان هذا الخبر كفيلا بإعادة الحديث عن «التنظيم الدولي للأخوات المسلمات» من جديد، ورصد إيقاعاته بين أوساط النخب الدعوية النسائية بالسعودية.

تعد «رابطة المنظمات النسائية الإسلامية العالمية»، بحسب ما نشره الراعي الرسمي لها، مركز «باحثات»، تجمعا للمنظمات الإسلامية النسائية في العالم بأسره، وتتحد هذه المنظمات لتحقيق مجموعة من الأهداف والبرامج والأنشطة تحت مظلة ترسيخ الاهتمام بقضايا المرأة المسلمة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وصناعة المعايير المتعلقة بقضايا المرأة.

وتلخصت ضوابط هذه المؤسسة بالالتزام بالعمل المؤسساتي وقرارات الرابطة مع عدم إلغاء خصوصية كل منظمة أو مؤسسة تنتمي إلى عقيدة أهل السنة والجماعة والاهتمام بالعمل النسائي.

تركزت أهدافها في تحقيق التنسيق وتعزيز التعاون بين المنظمات النسائية الإسلامية في العالم وإيجاد قنوات اتصال وبناء شراكات بين المؤسسات الأعضاء في الرابطة والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة التي تتقاطع معها في ذات المجال والاهتمام، وأخيرا بنشر التجارب الناجحة للمنظمات النسائية الإسلامية وتعميمها.

يتكون مجلس إدارة الرابطة من رئيس ونائب والأمين العام، وجرى الإعلان عن تشكيلته خلال استضافة مدينة إسطنبول التركية ملتقاه الأول بحضور 77 منظمة نسائية من أكثر من 26 دولة عربية وإسلامية.

وقع الاختيار لمنصب الأمين العام للرابطة والمتحدث الرسمي باسمها على المهندسة كاميليا حلمي، رئيس «اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل» ومسؤولة المرأة في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمون في مصر، أما رئيس مجلس إدارة الرابطة فحازته الدكتورة نورة العمر مديرة الإدارة النسائية في مركز «باحثات» بالرياض، وفازت الدكتورة والداعية نورة السعد رئيسة مركز التمكين للمستقبل للدراسات والاستشارات في جدة بمنصب نائب الرئيس.

وضم مجلس إدارة الرابطة 8 عضوات هن: عائشة بلحجار رئيس «المنتدى الإسلامي العالمي للأسرة والمرأة» في بلجيكا، وبثينة عبد الله المدير التنفيذي لـ«الجنة العالمية لشؤون الأسرة» في قطر، وعزيزة البقالي من «منظمة تجديد الوعي النسائي» في المغرب المقربة من جماعة الإخوان المسلمين، والدكتورة أميرة الصاعدي من «مركز إسعاد النسائي» بمكة المكرمة، والدكتورة بثينة قروي المشرفة العامة على «منتدى الزهراء للمرأة المغربية»، وسيدة محمود رئيس قسم البحوث في «اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل» وعضو لجنة الداعيات في «الجمعية الشرعية» بمصر، وحليمة شيث رئيسة «جمعية النساء المسلمات» الأفريقية، وأسماء القرشي من «الاتحاد النسائي العالمي» في اليمن.

الراعي الرسمي مركز «باحثات» نشأ مركز «باحثات» لدراسات المرأة في الرياض منذ 2006م بتصنيفه مؤسسة خاصة غير ربحية بترخيص من وزارة التجارة ليعنى بقضايا المرأة، يرأسه الدكتور فؤاد العبد الكريم، وتلاه تأسيس القسم النسائي في 2008م، الذي من أبرز أنشطته إعداد البحوث والدراسات والاستشارات في قضايا المرأة الفكرية والثقافية والعلمية.

وتتلخص أبرز مشاريعه منذ تأسيسه في إقامة «ملتقى المرأة السعودية ما لها وما عليها»، ومشروع حياة «البناء الفكري». بحسب ما روج له المركز، يعد المشروع تعليميا وتدريبيا وتأهيليا، ويسعى، حسب شرحه، إلى «تزويد الفتاة بالوعي والفهم اللازمين لإدراك متغيرات وصراعات الساحة الفكرية المتعلقة بقضايا المرأة، عبر إعداد أكاديمي عالي المستوى، يقوم على البرنامج نخبة من الأكاديميين، ومن المتخصصين، من كلا الجنسين، الذين تم انتقاؤهم بعناية تتناسب مع حجم وأهداف المشروع.

تبرز أهمية المركز في إعلانه من إسطنبول رعاية إنشاء «رابطة المنظمات النسائية الإسلامية العالمية»، خاصة بما ضم في عضويته من أسماء بارزة على الساحة الدعوية النسوية، متغلغلا أيضا في الساحة التعليمية الجامعية عبر كوكبة من الأكاديميات في الجامعات السعودية من مختلف المناطق.

لتبدأ المراكز الدعوية النسوية السعودية بالاتجاه أكثر نحو خطاب أقرب للنهج الإخواني الدولي، بانضواء هذه المراكز تحت مظلة واحدة تعرف بمركز «باحثات»، كل ذلك بذريعة قضايا المرأة المسلمة، مع الاتجاه خطوة نحو ضم أسماء نسوية عربية قيادية من جماعة الإخوان المسلمين العالمية، أو قريبة النهج منها.

ظهر ذلك جليا بعد استقبال كل من مركز «تمكين» للداعية نورة السعد ومركز «آسيا» للداعية أسماء الرويشد المهندسة كاميليا حلمي عضو حزب «الحرية والعدالة» المصري في الرياض على مدار 3 أيام لإلقاء المحاضرات بعد أن استضافها أولا المركز الأم «باحثات» في يوليو (تموز) للعام الحالي.

وفي محاولة من «الشرق الأوسط» الحصول على رأي مركز «باحثات»، اعتذرت الدكتورة نورة العمر، رئيسة مركز «باحثات» ورابطة المنظمات النسائية، عن المشاركة «بسبب انشغالها»، لنتوجه إلى السيدة علا، مسؤولة العلاقات العامة في المركز، التي أكدت أن «الرابطة انفصلت عن المركز بمجرد الإعلان عنها وهي كيان مستقل بذاته عن المركز، رغم أن كلا من رئيسة المركز والرابطة هي سيدة واحدة»، لتخاطب «الشرق الأوسط» بعد ذلك الرابطة على الإيميل الخاص بها من دون الحصول على أي إجابة.

نفق التمويل النسائي تعد المرأة السعودية تحديدا، والخليجية بشكل عام، صيدا ثمينا لدى مختلف التنظيمات والجماعات، سواء أكان على صعيد التجييش العاطفي أو التمويل المالي، وهو الأمر الذي وظف من قبل تنظيم القاعدة بتجنيد النساء، مستغلا ما سماه «الحرائر» للتعبئة.

العنصر الخليجي النسوي بدأ يشكل أهمية لدى جماعة الإخوان والتيارات القريبة منها في الداخل والخارج في صورة «نفق تمويلي» جديد يمكن المراهنة عليه في عملية جباية الأموال، واستغلت هذه الجماعات ما تدره عضوية المراكز النسوية وما تتضمنه من دورات وأنشطة، إلى جانب أرباح المجلات والمواقع الإلكترونية وما تقدمه من خدمات الرسائل النصية.

يتضمن مركز «باحثات»، كنموذج، أنواعا مختلفة من العضويات، منها الشرفية والرائدة (مجانية) والماسية، تبلغ قيمة رسومها السنوية (1500 ريال)، بالإضافة إلى عضوية عاملة (500 ريال) تتحصل على خصم 50% على إصدارات المركز وأنشطته، وعضوية منتسبة (300 ريال) بنسبة خصم 30%.

تحولات الخطاب النسوي عصفت رياح التغيير بخطاب النخب النسوية المتدينة، منذ بدايتها وحتى سنوات الربيع العربي، إثر مصادرتها منذ نشأتها من قبل طلائع النخب الذكورية على الساحة الدينية، وذلك في محاولة لاغتنام مواقف نسوية أكثر تشددا تجاه قضاياها الاجتماعية التي طالما ظلت في مقدمة قضايا خطاب الصحوة.

فبعد انكفاء «المتدينات» عن الظهور الإعلامي، واقتصار أنشطتهن على مدارس تحفيظ القرآن وما يقام فيها من دروس شرعية وفقهية تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية بالإضافة إلى مدارس الفتيات، كانت البداية بتشجيع «فتيات الصحوة» في منتصف الثمانينات من قبل رموزهن الذكورية في الساحة الصحوية الحركية لمناقشة همومهن الدعوية وحثهن على دخول المجال الإعلامي من خلال المشاركة في الكتابة عبر الصحف والمجلات أو من خلال حضور المؤتمرات.

الدكتور سلمان العودة له دور ريادي في «التفاعل» مع «هموم» الفتاة المتدينة ومناقشتها، بحسب الباحث السعودي عبد العزيز الخضر في كتابه «السعودية سيرة دولة ومجتمع: قراءة في تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية». لذا، تواصل معه قطاع واسع من الناشطات، حيث كان العودة يبدو أكثر تسامحا مع المرأة المتدينة لتبدو بصورة عصرية لمصلحة الدعوة في مرحلة نجوميته الصحوية. وفي هذا السياق، انتقد العودة مبالغات المتدينات حول اللباس وتفاصيل الألوان.

واستثمرت بعد ذلك الداعيات شهرة أسمائهن في سماء الدعوة بإنشاء المجلات الإلكترونية والمراكز النسوية تحت اسم «مراكز للاستشارات التربوية والنفسية»، في خطوة لتوظيف اهتمام الشابات بمسائل التنمية الشخصية، وتطوير الذات ودورات الزواج الناجح كعوامل جذب يوظف من خلالها البعد الدعوي الحركي بالتنديد بـ«المؤامرة النسوية الغربية» و«تفكيك الأسرة»، والعزف بمقامات مختلفة على قضية القرن «اتفاقية سيداو» وعولمة «قضايا المرأة المسلمة» واعتبارها قضية «أممية».

كان الأبرز مركز «آسيا للاستشارات التربوية والنفسية» للداعية أسماء الرويشد، ومركز «التمكين للمستقبل» للاستشارات والدراسات للداعية نورة السعد، وموقع «لها أون لاين» الإلكتروني ومركز «النجاح للاستشارات» للداعية رقية المحارب. وجميع هذه المنابر تروج لمناشط ومحاضرات ودورات مختلفة، بالإضافة إلى اعتبارها صوتا إعلاميا خاصا بمالكاته.

أهداف تأسيس مراكز الدراسات والاستشارات النسائية والخطاب المروج له في أروقتها، لم تتضح معالمه لدى بعض الدارسين الغربيين، كما ظهر في أطروحة إميلي لورونار ودراستها الاستقصائية حول مجتمع النساء في السعودية الصادر بعنوان «النساء والفضاءات العامة في المملكة العربية السعودية» عن «الشبكة العربية للأبحاث والنشر». وبحسب رصد لورونار لخطاب الداعيات في المراكز النسائية، فهو لا يعد سوى خلط بين تحقيق الذات وتنمية الشخصية الإسلامية وعلم النفس والتدريب المهني، قائلة: «تجذب المحاضرات حول تنمية الشخصية كثيرات من طالبات علم النفس، لأنهن يعتقدن أن الشهادة التي سيحصلن عليها في نهاية المحاضرة ستكون صالحة في توظيفهن مستقبلا».. وتابعت قولها: «تقترح مراكز التدريب النسائي وهي في طور التكاثر دورات تدريبية حول مواضيع نمطية في هذه الآيديولوجيا ومشابهة لتلك التي يتم التطرق إليها في الفضاءات الدينية مثل (كيف نطور قدراتنا على التواصل وعلى المحاورة)، و(تحديد الأهداف)، و(إدارة الوقت)».

عبد العزيز البداح، وهو داعية سعودي، كان جليا بإيضاح أهمية اللجوء إلى البعد التنظيمي والحركي للعمل الدعوي النسائي من خلال مطالباته بإنشاء مراكز الدراسات الأسرية والاجتماعية في كتابه الذي نشرت ورقات منه في مكتبة مركز «باحثات» بعنوان «حركة التغريب بالسعودية.. تغريب المرأة أنموذجا». وهذا الكتاب في الأساس هو أطروحة دكتوراه قدمت لجامعة الأزهر، ومما قاله البداح في كتابه هذا: «من أساليب مواجهة حركة التغريب وبرامجها إنشاء مراكز الدراسات الأسرية والاجتماعية». وأبرز أهداف هذه المراكز، بحسبه، أن تستهدف ببرامجها ومشاريعها الحياة الاجتماعية بعامة والأسرة على وجه الخصوص وضرورة أن يكون العمل الموجه ضد حركة التغريب عملا منظما ومؤسسيا، خاصة أن الساحة الدعوية في السعودية ما زالت تفتقد العمل المنظم والمؤسسي.

وطالب البداح بتشجيع محاضن التربية والتوجيه النسائية، حيث لا يوجد من هذه المحاضن سوى مدارس تحفيظ القران، مؤكدا ضرورة زيادة أعدادها ودعمها ماديا ومعنويا وتنويع نشاطاتها وبرامجها، التي من أهدافها أيضا احتضان العاملات في الحقل الدعوي ورعاية العمل النسائي وتأهيل الداعيات. ومن ثم، أصبحت مراكز الاستشارات والدراسات، حسب الشرح السابق، بمثابة نقطة انطلاق جديدة ساهمت في تكثيف نشاط الداعيات، وعلى حجم تأثيرهن في الأوساط النسوية حتى بات لكل داعية جمهورها الخاص الذي سرعان ما يتم حشده فور الإعلان عن موعد محاضرة في حلقات الجوامع والمساجد، التي غالبا ما تنشط في شهر رمضان عقب صلاة التراويح وخلال حملات الحج التي لطالما كان التنافس على أشده في حجز شهيرات الدعوة النسوية كوسيلة لجذب وفود الحجيج.

وتبدأ بعد ذلك عملية تنقل الداعيات من بلد خليجي إلى قطر عربي آخر باسم مراكزهن النسوية الخاصة بالاستشارات النفسية والتربوية، وبالأخص، عقب ظهور فتاوى تساهلت في قضية مرافقة المحرم للمرأة خلال السفر، مجيزة ذلك «في حال أمنت الوجهة والمخاطر».

بحسب سهاد عكيلة، مديرة تحرير مجلة «منبر الداعيات» وعضو إدارة القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي في لبنان، التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن طبيعة العمل الدعوي النسوي في لبنان الذي وصفته بالمنظم، مشتملا الدعوة والتعليم الشرعي، بالإضافة إلى ما تنبثق عنه من مؤسسات خيرية اجتماعية وتربوية وتحفيظ قرآن، حيث لكل قسم لجنة تقوم عليها مسؤولة وعضوات ومتطوعات وإداريات معنيات بوضع البرامج والخطط وأخوات تنفيذيات يجتمعن أسبوعيا.

وأوضحت عكيلة أنه في إطار العمل الدعوي النسوي في جمعية الاتحاد الإسلامية استضاف القسم النسوي عددا من الداعيات الشهيرات على الساحة العربية والخليجية، من بينهن الدكتورة سناء العابد والدكتورة فاطمة ناصيف والدكتورة سميرة جمجوم، وجميعهن سعوديات، مشيرة إلى أن طبيعة العلاقة مقتصرة فقط على الاستضافة للاستفادة من الطرح الشرعي، قائلة: «لدينا مؤتمر سنوي في فصل الربيع، نسعى خلاله للاستفادة بشخصيات من الخارج».

إحدى المسؤولات في جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية في لبنان، التي تركز أعمالها الدعوية في الاهتمام بالمرأة دينيا وثقافيا واجتماعيا، بالإضافة إلى الدورات الفكرية وأخرى لإعداد الداعيات حيث برنامج «موارد» وبرنامج «كن خير داع» - أبلغت «الشرق الأوسط» عن وجود شريحة واسعة لإدارة العمل النسوي في الجمعية من حيث الدروس الدينية والمحاضرات الفكرية والثقافية، إلى جانب المواضيع الشرعية والفقهية والعقائدية والشبهات ضد المرأة وواجبات المرأة ودخولها معترك العمل.

وفيما يتعلق بالتواصل مع الداعيات من خارج لبنان، وتحديدا السعودية، أكدت هذه المسؤولة أن التواصل يجري عبر حضور المؤتمرات والملتقيات الخارجية، مستشهدة بمؤتمر القيادة الاجتماعية في تركيا، فقالت: «بدأنا نجرب تطوير العمل الدعوي خارج لبنان بتركيا ومصر، وبعد أن كان هناك إشكال حول سفر المرأة وحدها دون محرم حيث كنا متشددين في هذا الأمر، لكن الأمر تغير بعد أن ظهرت فتاوى تسامحت في هذا الشأن». وقالت: «لقد استضفنا الدكتورة سميرة جمجموم لإلقاء محاضرات حال وجودها في لبنان»، مضيفة أنه بحكم حضورها المكثف إلى لبنان، فإن لها «علاقات قوية بالجمعيات الخيرية اللبنانية»، بالإضافة إلى إعداد الدكتورة بدرية المطوع، وهي داعية كويتية، مؤتمرا في تركيا وحضور مؤتمر بمصر أعدت له كاميليا حلمي عضو حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

في هذا السياق، حاولنا التواصل هاتفيا مع الدكتورة فاطمة ناصيف، فأتى ردها على لسان سكرتيرتها: «الدكتورة فاطمة تقول إنها اعتزلت المشاركات والظهور الإعلامي عبر كافة وسائل الإعلام».

نورة السعد نموذجا نورة السعد، الأكاديمية والناشطة في مجال التثقيف الدعوي ونائبة رئيس رابطة المنظمات النسائية الإسلامية، قد تصلح مثالا كاشفا لاستعراض التحولات التي طرأت على الخطاب الدعوي النسائي في السعودية. وهي كانت - كما يذكر عبد العزيز الخضر في كتابه «السعودية سيرة دولة ومجتمع» - اسما تنويريا «معتدلا» في الكتابة النسائية خلال الثمانينات والتسعينات، وكانت كتاباتها في تلك المرحلة عن مشاكل المرأة أكثر واقعية من دون روح تمرد عبثية - كما وصفها الخضر - ومن دون رؤية محافظة تقليدية، مقدمة الكثير من المقالات العقلانية المتوازنة بشأن المرأة بطرح غير متصنع أو متكلف.

ويستدرك الخضر عن نورة السعد: «مع مرور الوقت، أخذت رؤيتها المستقلة تتغير وتتأثر بالرؤية الدينية السائدة بعد أن تغير خطاب الصحوة هو الآخر، وكان هذا التحول في بدايته مقبولا ويناسب كونها كاتبة محافظة متعقلة في مرحلة مبكرة، لكن فيما يبدو أن تزايد الفاكسات والإيميلات التي تميز بها جمهور الصحوة في دعم أي كاتب ينتصر للآراء المحافظة - أدى إلى دخولها أجواء جديدة أكثر نشاطا وجماهيرية وحماسة، فأخذ خطابها يتغير نحو آراء أكثر محافظة وصنفها البعض أنها متشددة». هذا الوقت الذي ذكره الخضر كان سابقا للربيع العربي الذي سرعان ما كان شاهدا على تحولات جديدة لدى الأكاديمية والداعية السعد، التي نشطت من خلال تغريداتها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وحسابها يحمل 30 ألف تغريدة، مزينا بشعار اعتصام «ميدان رابعة» بلونه الأصفر وأصابعه الأربعة. وإضافة إلى تغريداتها التي تعيدها استحسانا لكلمات سيد قطب، كانت هناك تغريدات أخرى حول الأحداث المصرية ودعم جماعة الإخوان هناك، ومن بينها هذه التغريدات: «ليت من يهاجم (الإخوان) يعظ نفسه ويتقي الله فيها ويراقب عبادته لله، فالحياة قصيرة والقبر أقرب إليهم».. وأخرى: «الله وحده العالم بحقيقة إخلاص الإخوان المسلمين..». وثالثة: «ما يحدث في مصر كارثة دينية تاريخية ستغير النسيج الاجتماعي لـ92 مليون، إن استمر هؤلاء في الحكم». وهناك تغريدة تشير فيها إلى : «قصيدة رائعة تجسد ملحمة العزة والثبات في أرض الكنانة ضد عصابة السيسي»، شاهد «قصيدة رابعة». ومن تبحر أكثر في دهاليز السياسة بتساؤلها: «من الذي أمر السيسي بعدم مغادرة الفندق كي لا يكون ضمن راكبي الطائرة المصرية التي تم إغراقها وفيها ضباط مصريون».

هذه صورة عامة عن منطقة نشطة من الحراك في السعودية والخليج، حراك النساء المنخرطات في ثقافة إخوانية أو صحوية، لتصل إليها، في العادة، أشعة الإعلام.