جيمس كومي رئيس «إف بي آي» الجديد.. في قلب العاصفة

الرجل الذي قال «لا» لبرامج التنصت أيام بوش يواجه التحدي نفسه في عهد أوباما

TT

بعد موافقة الكونغرس على تعيين جيمس كومي مديرا جديدا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في حفل كبير أقيم بساحة مبنى التحقيقات الفيدرالي (FBI) أن كومي سيحقق التوازن بين تنفيذ القانون وضمان حماية الحريات المدنية. وقال أوباما: «إنه رجل طويل القامة يقف من أجل العدالة وسيادة القانون».

ويأتي تعيين كومي، 52 عاما، في وقت تتسع فيه دائرة فضيحة تجسس أجهزة الاستخبارات الأميركية على الأميركيين من جانب وعلى الدول الأخرى وقادة أوروبا من جانب آخر. ويعد كومي أحد أرفع المسؤولين في وزارة العدل في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ومتخصص في الأمن القومي لأكثر من عشرين عاما، وله سمعة جيدة ومواقف شجاعة واستقلالية كبيرة، حيث رفض بتحدٍّ الاستجابة لمطالب البيت الأبيض عام 2004 للموافقة على عمليات تنصت تابعة لبرنامج «NSA». ورفض جيمس، الذي تولى حينها وزارة العدل بالإنابة بسبب دخول الوزير جون اشكروفت المستشفى، موافقة وزارته على برنامج للتنصت بقيادة الوكالة الوطنية للأمن القومي، وهو البرنامج الذي أصبح هذه الأيام في قلب عملية كشف النظام الأميركي الواسع لمراقبة الاتصالات.

وقد أثار موقف كومي في ذلك الحين الكثير من الانتقادات ضده وخاض بسبب موقفه واحدة من المعارك الداخلية الأكثر شهرة خلال فترة الحرب على الإرهاب التي شنتها إدارة الرئيس جورج بوش، ووقف وزير العدل جون اشكروفت مع صديقه جيمس كومي معا في رفض التوقيع على برنامج للمراقبة اعتبروه غير قانوني، وهدد كومي بالاستقالة من إدارة بوش إذا تم تمرير البرنامج. وبعد معركة طويلة امتدت تسعة أشهر، اضطر الرئيس بوش إلى تغيير البرنامج.

وحول موقف كومي من التنصت في ذلك الوقت قال أوباما: «لقد كان على استعداد للتخلي عن عمله الذي يحبه حتى لا يشارك في أمر رأى أنه سيئ جوهريا»، مشيرا إلى أن كومي هدد وقتها بالاستقالة. وأضاف أوباما: «من يعرف جيمس كومي جيدا يعرف عنه نزعته الاستقلالية القوية ونزاهته الكبيرة، والأهم من ذلك لديه إحساس قوي بالصواب والخطأ، ومن النادر أن نقابل أشخاصا مثله في واشنطن، إنه لا يكترث بالسياسة».

ويتولى كومي منصب مدير مكتب التحقيقات (إف بي آي) خلفا لروبرت مولر الذي تولى هذا المنصب قبل أسبوع من وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وعمل مولر على تحديث المكتب وتعزيز التعاون بينه وبين الوكالات الفيدرالية الأخرى ورفع كفاءة العاملين في مجال مكافحة الإرهاب.

وطلب أوباما منه البقاء في منصبه عامين إضافيين بعد انتهاء ولايته المحددة بعشر سنوات. وأشاد أوباما بما حققه مولر من إنجازات، وقال: «سيذكره التاريخ باعتباره أحد أمهر المديرين في تاريخ مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأحد أكثر من خدموا الأمة إثارة للإعجاب والتقدير». وأضاف: «لا أعرف الكثير من الناس الذين أبدوا في حياتهم العامة كل هذه النزاهة والثبات رغم الضغوط مثل روبرت مولر». وقد أثنى مولر على كومي وقال: «لقد أتيحت لي فرصة العمل مع كومي لعدد من السنوات في وزارة العدل ووجدته رجلا يملك الكثير من الصدق والنزاهة والتفاني في العمل وله إحساس قوي بالواجب».

وقال النائب العام أريك هولدر في بيان للتعليق على اختيار كومي: «لقد عرفت كومي لنحو 20 عاما ووجدت شخصا لديه استعداد لاستخدام أساليب جديدة وأدوات مبتكرة في الحفاظ على أمن الشعب الأميركي، وهو مدّعٍ عام محنك ولديه ثقة لا تتزعزع في التفاني لخدمة سيادة القانون». وينظر لكومي الذي سيصبح المدير السابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي على أنه من الجيل الجديد الذي يعيد تجديد دماء مكتب التحقيقات، وأنه الخيار الصحيح لقيادة مكتب التحقيقات خلال العقد المقبل. ووفقا للقانون فإن فترة تولي رئاسة مكتب التحقيقات هي عشر سنوات، أي أن كومي سيعمل مع الرئيس أوباما حتى الانتخابات الرئاسية في عام 2016، وبعدها سيكون عليه التعامل مع كل من الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس، ويحمل الجمهوريين بعض الاستياء من موقف كومي خلال عهد الرئيس بوش.

وفي خلال سنوات عمله، حظي كومي باحترام الجميع ويقولون في وزارة العدل إنه حظي أيضا بإعجاب واحترام المجرمين الذين كان يرسلهم للسجن. فقد تلقى كومي رسالة إعجاب وشكر من أحد المسجونين الذي أشاد بأسلوبه كمدعٍ عام.

وفي أول تصريح له بعد توليه المنصب قال كومي إنه سيوجه جميع العملاء العاملين في مكتب التحقيقات الفيدرالي لزيارة النصب التذكاري للزعيم مارتن لوثر كينغ في واشنطن ليكون بمثابة تذكير حول تجاوزات الوكالة في عصر ما بعد الحقوق المدنية، حيث لاحق مكتب التحقيقات الفيدرالي في تلك الفترة نشطاء الحقوق المدنية وراقبوا لفترة طويلة مارتن لوثر كينغ وتجسسوا على اتصالاته. وشدد كومي على أنه من الخطر أن لا يصبح مكتب التحقيقات الفيدرالي غير خاضع للرقابة والمساءلة، وعلى عملاء المكتب أن يتمكنوا من التفكير في تاريخ مكتب التحقيقات الفيدرالي المشين في مطاردة زعيم الحقوق المدنية.

وتثير كلمات كومي الاهتمام بشكل كبير، فلطالما أساء مكتب التحقيقات الفيدرالي استخدام سلطاته وصلاحياته واستخدم الصلاحيات الواسعة التي منحت له في أعقاب هجمات 11 سبتمبر في انتهاك حقوق الأميركيين الدستورية، ولذا وجد المحللون في إشارات كومي لمارتن لوثر كينغ قدرا كبيرا من الطمأنة والإيمان أنه يمكن أن يفعل الكثير لكبح جماح صلاحيات المكتب في الوقت الحاضر.

ويقول المحللون إن كومي يمكنه أن ينهي أسلوب المكتب المتعصب في ملاحقة بعض الأعراق، حيث يعتمد مكتب التحقيقات على قوالب عنصرية ضد السود والإسبان والمسلمين في قيامه بتحريات وخلال جمع المعلومات الديمغرافية لتحديد مجتمعات يمكن أن تكون مستهدفة لمزيد من التحقيق وجمع المعلومات الاستخباراتية.

وتقول لورا ميرفي مديرة مكتب اتحاد الحريات المدنية والتشريعية بواشنطن إن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي يراقبون الجاليات الصينية والروسية في سان فرانسيسكو اعتمادا على نظرية متعصبة أن الصينيين والروس شاركوا في كثير من الأحيان في الجريمة المنظمة. ويتم مراقبة المسلمين والمهاجرين الجدد من منطقة الشرق الأوسط على خلفية أن منفذي هجمات 11 سبتمبر كانوا من المسلمين. كما يتخذ المكتب أسلوبا متعصبا في معاملة السود من أصل أفريقي.

وتضيف ميرفي: «ترسم التقارير عن ممارسات مكتب التحقيقات الفيدرالي صورة قبيحة من التمييز الرسمي ضد المجتمعات المختلفة التي تستند كليا على العرق والدين. وقد أعلن الرئيس أوباما والنائب العام أريك هولدر ورئيس مكتب التحقيقات السابق روبرت مولر رفضهم لهذا الأسلوب العنصري النمطي، وأشاروا إلى أنه خاطئ وغير دستوري، لكن لا أحد منهم قام بالخطوات اللازمة لإصلاح هذا الأسلوب العنصري النمطي». وطالبت ميرفي بأن يتوقف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن التجسس على النشطاء السياسيين وأن يقوم المدير الجديد جيمس كومي بالتعاون مع المدعي العام أريك هولدر بتعديل المبادئ التي تحكم مراقبة أي نشاط مشكوك فيه قبل أن يبدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي في التحقيق، وطالبت بتوقف معاملة المسلمين الأميركيين كجماعة مشتبه فيها. وأشارت إلى قيام عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بمراقبة المجتمعات الإسلامية والتجسس على المساجد والضغط على المسلمين في تلك المجتمعات لإعطاء معلومات حول زملائهم وأن يصبحوا مخبرين للمكتب.

وقالت مديرة مكتب اتحاد الحريات المدنية والتشريعية: «إن هناك الكثير من الأمثلة لسوء معاملة مكتب التحقيقات الفيدرالي في تقاريرنا، وإشارة المدير الجديد جيمس كومي واعترافه بأن للمكتب تاريخا من انتهاك حقوق الأميركيين، وتجاوز القانون هو خطوة جيدة ونأمل أن يطبقها بوضع حد لتلك الممارسات الحالية».

ويرى المحلل السياسي ريتشارد كوهين أن رفض كومي وجون اشكروفت الموافقة على برنامج للتنصت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر يعد نوعا من أعمال العصيان المدني، مشيرا إلى أن وقوف كومي في وجه هذا البرنامج لا ينفي دوره في التجسس على الصحافيين وإعطاءه الإذن لصديقه المحامي العام باتريك فيتزجيرالد لملاحقة الصحافيين والنشطاء السياسيين. وقال كوهين: «إذا قارنا بين مزايا الرجل وعيوبه نجد أنه رجل نزيه ومخلص ولديه أخلاق، لكنه يحتاج إلى التسامح والتدقيق في العمل، خصوصا في ظل الصلاحيات الواسعة التي يمنحها المنصب الجديد، لذا فإن كومي ليس رجلا سيئا لكن منصبه وصلاحياته الواسعة هو الشيء السيئ».

وينتقد أحد مساعدي الرئيس بوش اختيار كومي لهذا المنصب (رفض نشر اسمه) ويقول: «كومي لديه ميل للإثارة ورغبة أن يمارس دور البطل الذي ينقذ البشرية، وعندما توضع الكثير من القوة والصلاحيات في يد شخص يميل إلى تصوير نفسه على أنه بطل ينتصر على الأشرار، فإنه لديك ما يثير الكثير من القلق».

وقد لاحق جيمس كوكي المحامية لين ستيورات التي تولت الدفاع عن الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن وأدينت بتهمة التآمر لإحداث فتنة، وتقضي الآن حكما بالسجن عشر سنوات بعد إدانتها بعرقلة سير العدالة والتآمر وتقديم الدعم المادي للإرهاب، لكن بعض الأدلة التي استخدمت ضد المحامية ستيورات تم الحصول عليها من خلال التنصت على المكالمات الهاتفية لها ومن خلال كاميرات لتسجيل محادثاتها مع الشيخ عمر عبد الرحمن.

وقبل أن يتولى جيمس كومي منصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يعمل باحثا في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا ويشغل في الوقت نفسه منصب عضو بمجلس إدارة بنك «HSBC»، وفي الفترة من 2010 إلى 2013 عمل كومي مستشارا لشركة «بريدجووتر»، وهي شركة لإدارة أموال المؤسسات في ولاية كونتيكيت، وقبلها عمل كنائب رئيس ومستشار عام في شركة «لوكهيد مارتن» العالمية.

ولد جيمس كومي في 14 ديسمبر 1960 في نيويورك، وهو متزوج وله خمسة أطفال. وينتمي كومي إلى الحزب الجمهوري، وقد تبرع لحملة السيناتور الأميركي جون ماكين في الانتخابات الأميركية عام 2008 كما تبرع لحملة المرشح ميت رومني في انتخابات 2012 الرئاسية. تولى كومي منصب نائب المدعي العام للولايات المتحدة من 2003 إلى 2005، وتدرج في عدة مناصب أخرى في وزارة العدل، منها منصب المدعي العام الأميركي للمنطقة الجنوبية من نيويورك، حيث تولى التحقيق في عدد من جرائم الإرهاب والقضايا الجنائية الكبيرة، ومن عام 1996 إلى عام 2001 تولى منصب المدعي العام للمنطقة الشرقية من ولاية فيرجينيا ومنصب مساعد وزير العدل الأميركية للمنطقة الجنوبية من نيويورك. وفي بداية حياته المهنية شغل منصب أستاذ مساعد بكلية الحقوق بجامعة رتشموند، وقد حصل على درجة البكالوريوس من كلية ويليام وماري وعلى درجة الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة شيكاغو.

مهام مكتب الـ«إف بي آي»

* بجانب أهمية من يتولى منصب المدير العام لمكتب التحقيقات فإن للمكتب نفسه أسلوب عمل وأهمية خاصة.

* يعمل المكتب كوكالة استخبارات داخلية لتطبيق القانون ومكافحة التجسس. وتأتي مكافحة الإرهاب وحماية الولايات المتحدة من الهجمات الإرهابية في أولوية أعماله، التي تشمل أيضا مكافحة أي عمليات استخباراتية أجنبية ضد الولايات المتحدة، ومكافحة التجسس وجرائم الإنترنت والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، إضافة إلى الجرائم الاقتصادية والجرائم العنيفة.

* يتحمل المكتب أيضا مهمة حماية حقوق السكان الأصليين من الهنود الحمر (يوجد 565 قبيلة من الهنود الحمر معترف بها من قبل الحكومة الفيدرالية الأميركية).

* يحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي في أكثر من 200 فرع من فروع الجرائم الفيدرالية، ويتبع وزارة العدل الأميركية وتبلغ إجمالي ميزانية المكتب (وفقا للسنة المالية 2012) نحو 8.1 مليار دولار. ويعمل بالمكتب ما يقرب من 36 ألف موظف ما بين عملاء وإخصائيين ومحللي استخبارات ومتخصصين في اللغة وتكنولوجيا المعلومات وغيرهم من المهنيين.

* قانونيا وسع قانون باتريوت من صلاحيات مكتب التحقيقات الفيدرالي وأعطي له حق التنصت على المكالمات الهاتفية ورصد نشاط الإنترنت، وغالبا ما يعمل مكتب التحقيقات الفيدرالي مع وكالات فيدرالية أخرى، منها حرس السواحل والجمارك والحدود والموانئ والهجرة والجمارك. وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) أصبح مكتب التحقيقات الفيدرالي المنظمة المعنية في تحقيقات الإرهاب بعد إنشاء وزارة الأمن الداخلي.

* يتكون مكتب التحقيقات الفيدرالي من خمسة فروع، الأول هو المكتب الرئيس الذي يتم فيه التحكم بكل العمليات الإدارية المتعلقة بمكتب التحقيقات الفيدرالي، والثاني هو فرع الأمن القومي ومسؤوليته مكافحة الإرهاب وإحباط عمليات وكالات الاستخبارات الأجنبية، والثالث هو فرع التحقيقات الجنائية ووظيفته التحقيق في الجرائم المنظمة والفساد، والرابع هو فرع التكنولوجيا والمعلومات ومهمته تقديم الدعم التكنولوجي، والأخير هو فرع الموارد البشرية المسؤول عن تعيين وتدريب وتأهيل العملاء والفنيين والإداريين.