الملا فضل الله.. «صوت التطرف»

بعد اختياره زعيما لحركة طالبان الباكستانية.. بات «السلام» في كف مجهول

TT

عندما اختارت حركة طالبان الباكستانية الملا فضل الله أو «الملا راديو» حسبما يُشار إليه عادة في باكستان، قائدا لها، أوائل هذا الشهر، اعتقد الجميع في إسلام آباد أن المحادثات بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان ستمنى بالفشل، حتى قبل أن تبدأ.

ويرجع السبب وراء ذلك في المقام الأول إلى عدم المرونة التي أبداها الملا فضل الله في المواقف السابقة خلال اتصالاته مع الحكومة وقوات الأمن. فقد كان وسيلة مساعدة في كثير من الهجمات التي جرى شنها على القوات الأمنية الباكستانية عبر الحدود في أفغانستان، حيث يقطن هناك منذ عام 2009 بعد هزيمة قواته في عملية عسكرية شنها الجيش الباكستاني ضده في وادي سوات.

في عام 2009، انتهك الملا فضل الله اتفاقية سلام كان قد أبرمها هو ووالد زوجته مع الحكومة الباكستانية في سوات، وأسس حكومة موازية في الوادي الجبلي، واستمر في تنفيذ قانون أخلاقي صارم على السكان المحليين.

ينتمي الملا فضل الله إلى فصيل داخل حركة طالبان الباكستانية، يعارض بشدة إجراء أي مصالحة مع الحكومة الباكستانية. وقد استطاعت الاستخبارات الباكستانية أن ترصد مكان وجوده منذ عامين في ولاية کُونار الأفغانية الواقعة على الحدود مع باكستان، وطلبت من القوات الأميركية المتمركزة في أفغانستان وكذلك الحكومة الأفغانية إلقاء القبض عليه على الفور.

وقال مسؤولون باكستانيون لـ«الشرق الأوسط» إنه جرت إعادة إرسال طلب اعتقال الملا فضل الله إلى القوات الأميركية والحكومة الأفغانية مع الإلحاح في ذلك لأنه كان يقوم بشن غارات في الأراضي الباكستانية ضد نقاط تفتيش باكستانية.

وأشار مسؤول بارز إلى أن القوات الأميركية والحكومة الأفغانية لم تقم بأي إجراء ضد الملا فضل الله، حتى عندما جرى إمدادهم بالمعلومات عن مكان وجود الملا راديو في كونار.

يقول أحد المسؤولين الأمنيين في بيشاور «نعرف بالتحديد مكانه (فضل الله) في أفغانستان.. وقد طلبنا من الأميركيين والأفغان إلقاء القبض عليه، ولكنهم على ما يبدو غير مهتمين باتخاذ أي تحرك ضده».

وما زال الملا فضل الله يقيم في أفغانستان حتى بعد اختياره رئيسا لطالبان الباكستانية. ويتواصل الملا فضل الله مع بعض الصحافيين الباكستانيين في بيشاور، عبر هاتف يعمل عن طريق الأقمار الصناعية ويخبرهم صراحة بشأن أماكن وجوده.

وفي الوقت الراهن، تبددت آمال المسؤولين في إسلام آباد بأن يكون لدى حكومة باكستان قدرة على فتح قنوات اتصال مع حركة طالبان الباكستانية، بعد انتخاب الملا فضل الله رئيسا للحركة. وصرح بعض الوزراء الباكستانيون لـ«الشرق الأوسط» بأن إجراء محادثات مع حركة طالبان غير محتمل في الوقت الراهن.

ونادرا ما كان الوضع الأمني، خلال السنوات الـ10 الأخيرة، في المناطق القبلية المضطربة في باكستان مرهونا بتعنت وعدم مرونة فرد واحد؛ فكيف صار ذلك الفرد (الملا فضل الله) بهذه القوة والنفوذ الهائلين؟ بيد أنه يمكن وصف رحلته من عامل تليفريك بسيط في وادي سوات إلى أهم قائد محارب في المناطق القبلية الباكستانية بالقصة المثيرة.

ذاع صيت الملا فضل الله للمرة الأولى في سوات، عندما بدأ إلقاء الخطب الدينية عبر أثير الإذاعة، وهذا ما أكسبه لقب «الملا راديو» في عام 2005. وهو صهر مولانا صوفي محمد مؤسس حركة «تحريك إنفاذ الشريعة المحمدية»، وهي جماعة محظورة تهدف إلى فرض تطبيق الشريعة في البلاد. وقد تلقى أيضا تعليمه الديني، حتى وصوله إلى الصف الخامس، في المدرسة الدينية لمولانا صوفي، التي يطلق عليها «مظاهر العلوم»، في منطقة ميدان، في مدينة دير في باكستان.

عندما قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، عبر مولانا صوفي محمد وكثير من الباكستانيين إلى أفغانستان لمحاربة القوات الأجنبية. وكان فضل الله من بين هؤلاء الأشخاص، وقد جرى إلقاء القبض عليه لدى عودته من أفغانستان وقضى 17 شهرا في سجن مدينة ديرة إسماعيل خان الباكستانية.

وفي عام 2006، بدأ الملا فضل الله إنشاء مدرسة دينية في مسقط رأسه. وخلال العام نفسه، تصاعدت حدة التوتر في وادي سوات عندما استهدفت طائرة أميركية من دون طيار مدرسة في دامادولا، بمنطقة باجور، في 13 يناير (كانون الثاني) 2006، حيث أسفر ذلك الهجوم عن مقتل 85 طالبا، والذي كان من بينهم فاضل وحيد، شقيق الملا فضل الله.

ويبدو أن فضل الله قد صعد إلى السلطة عندما صار الوضع في سوات أكثر خطورة، وزادت القلاقل بشكل أكبر، حتى جرى منحه قيادة قوات حركة طالبان في سوات في عام 2007، حيث كان يحاول فرض الشريعة في المنطقة.

وبعد ذلك بفترة وجيزة، أبرمت الحكومة الباكستانية ثلاث اتفاقيات سلام مع فضل الله، حيث كانت الاتفاقيتان الأوليان مع الحكومة المركزية، التي انهارت، في حين كانت الثالثة مع حكومة الشرطة الوطنية الأفغانية في خيبر بختونخوا، وبعدها شن الجيش عملية ضد فضل الله ورفاقه في سوات.

وقد جرى شن أول هجوم عسكري في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وأُطلق عليه اسم «Rah - e - Haq»، وتبعه عملية أخرى سُميت ب Rah - e - Rast»». وجرى شن آخر عملية عسكرية في 5 مايو (أيار) 2009، التي أجبرت فضل الله على الفرار إلى أفغانستان.

ووفقا لما ذكره المواطنون القاطنون في مسقط رأسه، مدينة إمام ظهراي، كان الملا فضل الله يهوى ممارسة الصيد في نهر سوات، عندما كان طالبا، وكان لديه طبيعة عدوانية عندما كان صغيرا.

وفي أعقاب عملية المسجد الأحمر التي وقعت في إسلام آباد في يوليو (تموز) عام 2007، قام الملا فضل الله بدمج جماعته مع مقاتلي حركة «تحريك طالبان باكستان»، وبدأ، بعد ذلك، في تلقي الأوامر من بيت الله محسود، القائد الأعلى لحركة طالبان، الذي قُتل في هجوم طائرة من دون طيار.

في إحدى مراحل مسيرته كقائد مقاتل، نجح الملا فضل الله في تأسيس حكومة موازية ومحاكم لتطبيق الشريعة في وادي سوات. كما اعتاد القضاء بين الناس، حتى إنه أصدر أحكاما بالإعدام على سكان محليين.

أسس الملا فضل الله، بدعم أكثر من 4500 مقاتل، «حكومة موازية»، أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2007 في 59 قرية في وادي سوات، وبدأت المحاكم الإسلامية تطبيق أحكام الشريعة.

وقد سلطت وسائل الإعلام الباكستانية الضوء على حملاته ضد وكالات الإغاثة الأجنبية والمنظمات غير الحكومية المهتمة بالقضايا الصحية في سوات. ونفذ خططا اتسمت بالعنف ضد وكالات الإغاثة الدولية والمنظمات غير الحكومية الأجنبية، مما أجبرهم على الفرار من وادي سوات.

وعلى الرغم من دمج قواته ضمن قوات تحريك طالبان باكستان في عام 2007، فإنه ظل مستقلا في نواحٍ عدة على صعيد العمليات. فعمل بشكل مستقل عن بيت الله محسود زعيم تحريك طالبان باكستان في ذلك الوقت. ويرى الخبراء والمحللون اختلافين رئيسين بين قيادة تحريك طالبان باكستان في المناطق القبلية والملا فضل الله أو الملا راديو الذي كان نشأ في المدينة، في منطقة حضرية من وادي سوات، على عكس قيادة تحريك طالبان باكستان الذين يتخذون من المناطق القبلية قاعدة لهم.

وقد أثارت حملته الشرسة التي شنها على حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في وادي سوات في عام 2007 اهتمام وسائل الإعلام الدولية، حيث اعتاد التصريح بأن حملة التطعيم ضد شلل الأطفال تهدف إلى بقاء الأجيال الجديدة من المسلمين «عقيمة». وفي المقابل، أشار الملا فضل الله على وكالات الإغاثة الدولية بتركيز اهتمامها على استئصال مرض التهاب الكبد الفيروسي، الذي يعتبر قضية أكثر أهمية للسكان المحليين.

وقد فرض الملا فضل الله حظرا على تعليم المرأة في وادي سوات حينما كان يسيطر عليه. وعلاوة على ذلك، أُغلقت نحو 400 مدرسة في وادي سوات أثناء تلك الفترة، مما نتج عنه حرمان 40 ألف طالبة من فرصة الحصول على التعليم في المدارس الحكومية والخاصة.

وبلغ من معارضته الشديدة لتعليم المرأة أن أصدر أمرا باغتيال ملالا يوسف زاي، ابنة أحد التربويين المحليين، التي كانت تشترك في حملة لترويج تعليم الإناث في سوات في عام 2012.

وقد فقدت الحكومة الباكستانية، التي وصلت إلى الحكم في يونيو (حزيران) الماضي، وكان لديها حماس كبير لبدء المفاوضات مع طالبان، أي أمل في بدء حوار مع حركة طالبان بعد تولي الملا فضل الله منصب القائد الأعلى لحركة طالبان في باكستان.

وأدى وجوده في أفغانستان والإحجام الواضح من جانب القوات الأميركية لاتخاذ أي تحرك ضده إلى تعقيد الوضع الرهن هناك. وانطلاقا من قاعدته في ولاية كونار الأفغانية، شن الملا فضل الله عددا من العمليات ضد النقاط الحدودية الأمنية في باكستان الواقعة على الحدود الأفغانية - الباكستانية. وقد صرح المسؤولون العسكريون في باكستان لـ«الشرق الأوسط» أنهم أخبروا الأميركيين أكثر من مرة عن أماكن وجوده في أفغانستان، إلا أنهم (الأميركيين) لم يتخذوا أي إجراء حتى الآن ضد الملا فضل الله.

السؤال الآن، هل سيظل الملا فضل الله يقود طالبان الباكستانية بينما هو جالس في ولاية كونار الأفغانية على سمع وبصر قوات الأمن الأميركية؟ أم سيحاول العودة إلى المناطق القبلية الباكستانية لقيادة طالبان من هناك؟ بيد أن الشيء الأكيد هو أنه ببساطة لا يستطيع الملا فضل الله العودة إلى قاعدته الأم في سوات التي يفرض عليها الجيش الباكستاني رقابة شديدة. والكثير من المحللين يتوقعون أن لا يسمح الجيش الباكستاني للملا فضل الله حتى بالعودة إلى المناطق القبلية.

وبالنظر إلى سجله السابق يتوقع أن تكون طالبان في ظل قيادة الملا فضل الله أكثر عنفا وعتادا عما كانت عليه إبان زعيم طالبان السابق الذي كان يقيم في المناطق القبلية، والذي قُتل في غارة لطائرة من دون طيار.

وقد اعرب قادة طالبان بالفعل عن نيتهم تنفيذ هجمات إرهابية على المدن والجيش والمؤسسات الحكومية. ويرى أحد المحللين أن وجود فصيلين في طالبان في الوقت الراهن يقدم العزاء للحكومة الباكستانية، لأن الملا فضل الله غير موجود في المناطق القبلية لقيادة طالبان. والأمر الثاني أن هناك صراعا على السلطة في صفوف طالبان في أعقاب مقتل زعيمهم، حكيم الله محسود. ويتوقع الخبراء أن يواجه الملا فضل الله صعوبة في السيطرة على طالبان في المناطق القبلية الباكستانية في قاعدته بأفغانستان، مع وجود صراع على السلطة في صفوف الجماعة.