ليبيا.. ما وراء ناقلة النفط

تراجع فرص الحوار بين شركاء ثورة 17 فبراير فجر الأوضاع الأمنية

TT

ليس من السهل شحن ناقلة نفط بمئات الآلاف من البراميل، وعشرات الملايين من الدولارات، والانطلاق بها في عرض البحر، دون الرجوع إلى الدولة المعنية.

لكن هذا ما حدث الأسبوع الماضي في ليبيا؛ ليظهر ذلك عمق الانقسام الداخلي بين شركاء ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، ويبيِّن أيضا التقاطعات الدولية مع القضية الليبية بشأن الصراع حول النفط.. كما أن قوى سياسية وقبلية وجهوية بدأت تعيد حساباتها حول المستقبل، في وقت تسعى فيه البلاد، بصعوبة، لوضع أول دستور لها منذ عشرات السنين.

ووتتجه الأنظار في الوقت الراهن إلى رجل يدعى إبراهيم الجضران، الذي يأتمر بأمره عدة آلاف من المسلحين في إقليم برقة، وهو الإقليم الذي انطلقت منه الثورة ضد القذافي قبل ثلاثة أعوام. كان الجضران، حتى الصيف الماضي، يشغل منصب آمر حرس المنشآت النفطية، لكنه انقلب على السلطة المركزية، وحاصر الموانئ النفطية، وأسس مجلسا يدعو للحكم الفيدرالي، وهو نظام كان متبعا في عهد الحكم الملكي في خمسينات القرن الماضي. ويقف المجلس بشكل عام، مثل تكتلات أخرى في عموم البلاد، ضد هيمنة الإسلاميين المتشددين على الدولة الليبية، خاصة جماعة الإخوان.

إجمالا يبدو أن الأطراف الليبية الفاعلة على الأرض قد سقطت في ظلمات الانقسامات العميقة التي يصعب علاجها. القوى الرئيسة المسلحة تفرقت اليوم، بعد أن كانت تشكل كيانا واحدا يقاتل القذافي حتى مقتله في العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011. وحين تنظر إلى الواقع، حيث رفاق السلاح يضعون أصابعهم على الزناد في وجوه بعضهم بعضا، تجد من الصعب تصديق أن قوات المنطقة الشرقية حاربت جنبا إلى جنب مع قوات مصراتة، وأن هذه الأخيرة شاركت قوات الجبل الغربي في اجتياح عرين القذافي في «باب العزيزية». لقد تغيرت التحالفات والطموحات.

أما القوى السياسية الحزبية وغير الحزبية، والتي تسعى لإنقاذ ما تبقى من الدولة الليبية، بالحوار، فهي ما زالت ضعيفة، كما يقول عميش، رغم تأسيس عشرات الأحزاب والمراكز الأهلية والحقوقية منذ رحيل القذافي. وحتى لو كانت قوية، فإن لغة السلاح ما زالت أقوى، لأنه يوجد، وفقا لتقديرات غير رسمية، مئات الكيانات المسلحة، ما بين جهادية وأخرى جهوية وثالثة قبلية.. المشكلة أن كل ميليشيا أو كتيبة لها من يدافع عنها في «المؤتمر الوطني العام (أعلى سلطة في البلاد)»، وهو أول جسم منتخب بعد القذافي. وأعطى المؤتمر لنفسه حق الاستمرار في العمل، وإقالة الحكومة، ووضع التشريعات، وشن الحرب، رغم انتهاء مدته القانونية منذ أكثر من شهر، وهو أمر يغضب الكثير من الليبيين.

ويشدد نوري العبار، الرئيس السابق للجنة العليا للانتخابات في ليبيا، عبر آخر حديث له مع «الشرق الأوسط»، من طرابلس، على أهمية الحوار.. وهذا ما يدعو له أيضا إبراهيم عميش، أحد الأعمدة الرئيسة لتحالف المعارضة التي تكونت في ثمانينات القرن الماضي في المنفى ضد القذافي، قبل أن يفرقها الصراع السياسي الحالي. ويقول عميش الذي يشغل حاليا موقع الأمين العام لحزب التحالف الوطني الليبي، لـ«الشرق الأوسط» من مقره في بنغازي: فرص الحوار ضعيفة، و«أصبحت تحتاج لوقت طويل».

من جنوب البلاد، اقترح زعيم قبيلة التبو، عيسى عبد المجيد، ردا على أسئلة «الشرق الأوسط»، نقل السلطة إلى رئيس المحكمة العليا وإجراء مصالحة وعفو شامل على غرار تجربة جنوب أفريقيا. وعلى الجانب الآخر تبدو الكتل القبلية غير واضحة المعالم في ولائها. فبعضها ممن جرى تهميشها بسبب اتهامات عن عملها في السابق مع القذافي، تعيش في الظل، لكن توجد اتصالات تحتية لعدد من قادتها مع معارضي المتشددين الإسلاميين، وفقا للمصادر الليبية. وهناك القبائل التي شاركت بقوة في الانتفاضة المسلحة ضد القذافي، وتبحث عن موقع قدم في ترتيبات الحكم مستقبلا، لكنها غير مطمئنة للتداعيات الجارية والشكوك بشأن قدرة حكام طرابلس، على إدارة دفة الأمور في البلاد، خاصة أن جماعة الإخوان متهمة بأنها هي التي تقف وراء الكواليس لتوجيه الواقفين على خشبة المسرح. ويقول أحد الزعامات القبلية عبر الهاتف من مدينة البيضاء: الإخوان يخشون من الفشل في ليبيا كما فشلوا في مصر، «ولهذا يتحركون للأمام بسرعة كبيرة يمكن أن تفسد كل شيء».

وفيما عدا التلاسن والتهديدات والتفجيرات والاغتيالات، كانت غالبية الأطراف الليبية السابقة كامنة «محلك سر» بسبب جمود الوضع السياسي في البلاد، حتى عشرة أيام مضت، بما في ذلك «جمود» محاولات إقالة رئيس الحكومة الدكتور علي زيدان.

لكن، وبداية من يوم السبت قبل الماضي، بدأت الشقوق تتسع في جدران البيت الليبي، حين اندفعت ناقلة النفط «مورنينغ غلوري» وسط عباب البحر المتوسط، لتقف في ميناء السدرة (نحو 180 كلم شرق سرت)، وتقوم بشحن نحو 350 ألف برميل (نحو 37 ألف طن) بما قيمته 36 مليون دولار. ويسيطر على هذا الميناء، وأربعة موانئ نفطية أخرى، مجموعة الجضران.

انكشف أمر الناقلة، فقرعت طرابلس طبول الحرب، رغم أن السلطة المركزية تفتقر إلى جيش قوي، وتفتقر أيضا إلى التوافق. وهذه نقطة ضعف يعلمها قادة إقليم برقة، وقاموا باستغلالها في استكمال شحن الناقلة بالنفط والوقوف في وجه تهديدات طرابلس، بل حشدوا قوات وتوجهوا ناحية مدينة سرت (450 كلم شرق العاصمة) في محاولة لتأكيد السيادة على أراضي الإقليم وما فيه من مصاف وحقول نفطية. ويتهم قادة برقة جماعة الإخوان أيضا باستغلال بعض الميليشيات من مصراتة وأخرى تابعة للجهاديين، في التلويح بشن هجوم لـ«تحرير موانئ النفط» في الشرق.

ويقول مفتاح رشيد، القيادي في «حركة شباب برقة»، وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن الحرب الصغيرة التي جرت سريعا على الأرض أثناء أزمة ناقلة النفط الأسبوع الماضي: «قواتنا تقدمت على ميليشيات مصراتة وقوات الإخوان القادمة من الغرب.. نحن الآن في منطقة الوادي الأحمر (قرب سرت من ناحية الشرق)، وتقدمنا غربا مترجلين، وفي انتظار باقي القوات.. نحن نقصد الوصول إلى سرت، وأن نرد قوات مصراتة والإخوان للمكان الذي جاءوا منه. هذه قوات غازية، وسنصد العدوان».

وعن السبب الذي يجعله يعتقد أن الإخوان هم من أوعزوا لتلك القوات بالتحرك في اتجاه إقليم برقة، يوضح رشيد قائلا: «لدينا معلومات عن تجنيد الإخوان للعديد من عناصر الميليشيات للعمل معهم، خاصة في الشهور الأخيرة، بسبب فشلهم في حكم مصر.. الإخوان في ليبيا مصابون بصدمة، بعد أن أصبحوا ملاحقين في كثير من دول العالم.. يتعاملون مع الوضع في ليبيا على أنه معركة حياة أو موت بالنسبة لهم».

ويدافع رشيد عن قرار إقليم برقة بالهيمنة على موانئ النفط، متهما إخوان ليبيا بقيامهم بعد سقوط القذافي بـ«السيطرة على النفط ماليا وإداريا.. مسؤول النفط موالٍ لهم، لكن، عسكريا، غير قادرين على العودة لاستغلال النفط كما في السابق، لأن غالبية نفط ليبيا موجود في إقليم برقة الذي لا يوجد فيه عدد كبير من الإخوان».

وعما إذا كانت إقالة زيدان وتعيين وزير الدفاع قائما بأعمال الحكومة بدلا منه، يمكن أن تسهم في حل مشكلة الخلافات في ليبيا، أوضح قائلا إن مدة عمل وزير الدفاع كقائم بأعمال الحكومة أسبوعين فقط، «وهذه المدة، في حد ذاتها، لا تغير أي شيء.. المشكلة ليست في أشخاص، ولكنها قضية وطنية بالأساس».

في الأسبوع الماضي، بعد مرور نحو ثلاثة أيام على وجودها في ميناء السدرة، بالتزامن مع ظهور بوادر لعدم قدرة السلطة المركزية في طرابلس على منعها من شحن النفط، والخروج به من المياه الإقليمية الليبية، بدا أن العديد من هواتف شركات النفط ومكاتب رجال الأعمال الكبار حول العالم ترن بلا توقف، تبعتها تصريحات لمسؤولين من الولايات المتحدة الأميركية ومن كوريا الشمالية.. كل ذلك بسبب نقطتين أساسيتين.

النقطة الأولى تخص ملكية الناقلة، وهو أمر تحدثت عنه «بيونغ يانغ»، والثانية تدور حول قضية جوهرية، وهي أن النفط الليبي ليس ملكا لليبيين وحدهم، بل للشركات الدولية التي لها، منذ سنوات، تعاقدات على حقول بترول ومصاف، وهو ما أشارت إليه «واشنطن» بشكل غير مباشر.

ويقول المحلل الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط، شريف الحلوة، وهو أميركي من أصل مصري، إن نحو 40 شركة بترول أجنبية لها تعاقدات في ليبيا، وأن منها ما بين ست إلى سبع شركات، أميركية.

ويسيطر المطالبون بالحكم الفيدرالي في برقة على جميع موانئ النفط في شرق البلاد، منذ يوليو (تموز) الماضي، ما تسبب في تراجع صادرات ليبيا من النفط إلى نحو ربع مليون برميل يوميا، بعد أن كان يصل إلى نحو 1.5 مليون برميل يوميا قبل الإطاحة بالقذافي.

ويضيف الحلوة، ردا على أسئلة «الشرق الأوسط»، أن بعض الشركات الأميركية لها حقول نفطية ومصاف في رأس لانوف، أي في إقليم برقة نفسه، وفي أماكن مختلفة من البلاد، مشيرا إلى أن العديد من شركات البترول الدولية الأخرى لها أسهم بلا شك في مجموعة الشركات الرئيسة المتعاقدة على النفط الليبي.

رغم كل شيء، تمكنت الناقلة، التي كانت ترفع علم دولة كوريا الشمالية، من الخروج من ميناء السدرة الليبي. وهدد زيدان، قبل استقالته بيومين، بأن الجيش الليبي سيقصفها إذا حاولت مغادرة الميناء. لكنها كانت قد توجهت بالفعل إلى المياه الدولية في البحر المتوسط. ومن هنا بدأت الأصوات ترتفع من الشرق والغرب بشأن القضية وملابساتها. أولا أسرعت «بيونغ يانغ» بإخطار سلطات طرابلس والسلطات الملاحية الأخرى، بأنها قطعت كل صلاتها بالسفينة بسبب حمولتها المهربة. وذكر سفير كوريا الشمالية في جنيف، سو سي بيونغ، في معرض حديثه الذي نقلته «رويترز»، أن شركة الشحن، التي تسببت في المشكلة، تتخذ من مصر مقرا لها.

وبينما قال أحد المصادر المصرية المطلعة لـ«الشرق الأوسط» في حينه، إن القاهرة بدأت في البحث في أمر الشركة، وإن مقرها ربما يكون في مدينة الإسكندرية، شمال غربي العاصمة، و«متخصصة في عمليات التشهيل وتقديم الخدمات اللوجستية»، فإنه نفى وجود السفينة في المياه الإقليمية المصرية، ردا على ما زعمه أحد وزراء طرابلس وقتها، أي بعد أن تحركت النقالة بيومين.

لكن، وعلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، حيث دولة قبرص والسفن الحربية الأميركية، كانت التحقيقات والمراقبة لمسيرة الناقلة تجري على قدم وساق.. خرجت تسريبات ما زالت قيد التحري تقول إن عملية البيع والشراء جرت عن طريق وسطاء أجانب، وإن الملاك الأصليين للناقلة اثنان من العرب، أحدهما يعتقد أنه لبناني والثاني يعتقد أنه ذو أصل مصري، إلا أن إقليم برقة رد لحسم الموضوع بقوله إنه قام بشراء الناقلة، وإنها «أصبحت مملوكة لشركة النفط في برقة».

وكانت الولايات المتحدة قد قالت ما معناه إن هناك شركات أميركية لها حصص في النفط الليبي، أي عن طريق تعاقدات سابقة، واتهمت من سمتهم «المسلحين المنشقين في شرق ليبيا» بمحاولة تصدير شحنة من النفط، قائلة إنهم «يسرقون» نفط الشعب الليبي. وهددت بفرض عقوبات عليهم. وقالت جنيفر بساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، في بيان، إن «النفط يخص مؤسسة النفط الوطنية الليبية وشركاءها»، وأن من بين هؤلاء الشركاء الولايات المتحدة. كما أضافت أن «أي مبيعات للنفط من دون إذن هذه الأطراف يعرض الشارين لخطر الملاحقة المدنية والإجراءات الجزائية وغيرها من العقوبات المحتملة».

وتزامنت التصريحات الدولية بخصوص الناقلة النفطية، مع إصدار أوامر لقوات الجيش الليبي والميليشيات المتعاونة معه، بتوقيف الناقلة قبل مغادرتها من جانب، وتوجيه قوات لـ«تحرير» موانئ التصدير في شرق البلاد من الجانب الآخر، لكن، مرة أخرى، اتسمت تحركات السلطة المركزية بالارتباك. وفي آخر حديث له، عقب إقالته من الحكومة، كشف زيدان عن أن قرارات المؤتمر الوطني العام بتشكيل قوة لإنهاء «حصار» الموانئ النفطية، بالتزامن مع دخول ناقلة النفط إلى ميناء سدرة، أربكت الحكومة. وقال إن القوات الليبية التي كان يمكنها التدخل في الأزمة كانت تتلقى أوامرها من ثلاث جهات، هي الحكومة، والمؤتمر الوطني، ورئاسة الأركان.

أما في إقليم برقة، وفي نفس التوقيت تقريبا، فقد شدد رئيس المكتب التنفيذي لمجلس الإقليم، عبد ربه البرعصي، على أن أي مساس من جانب طرابلس بالناقلة أو غيرها مما يخص الإقليم، سيكون بمثابة «إعلان حرب»، بينما كان يونس المبروك، القيادي في فيدرالية الإقليم المعلنة من جانب واحد، يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، بثقة كبيرة، عن عدم قدرة الجيش الليبي «متواضع الإمكانات» على توقيف السفينة لا في ميناء السدرة ولا في عرض البحر بعد أن توغلت فيه مبتعدة عن سواحل برقة. وفي اليوم التالي أرسل المبروك لـ«الشرق الأوسط» رسالة إلكترونية من خط المواجهة بين قوات طرابلس وقوات برقة.

ويقول نص الرسالة: «اشتباكات جارية بين قوة دفاع برقة وميليشيات مصراتة، الجناح العسكري للإخوان المسلمين في ليبيا.. سيارات الإسعاف تنقل الجرحى من مدينة سرت إلى أجدابيا وبنغازي.. ثوار برقة يتوافدون على مدينة أجدابيا للتجهيز والتصدي لهذه الميليشيات». ويضيف: «تتجمع قوات دفاع برقة في الوادي الأحمر الآن، لكي تدافع عن أمن الإقليم».

ولا توجد معلومات تفصيلية عن طبيعة المواجهات التي يبدو أنها كانت محدودة حتى أواخر الأسبوع الماضي. لكن المبروك واصل قائلا عبر الهاتف: «نحن على استعداد لمواجهة الحكومة.. توجد قوة عسكرية كبيرة لدينا. فوق ما يتصور»، مشيرا إلى أن القوات الحكومية «ليست جيش، لأنه لا يوجد جيش ليبي، ولكن هناك ميليشيات مسلحة مدعومة من الحكومة وتتحرك لخدمة مصالح أحزاب معينة منها حزب جماعة الإخوان».

وأضاف أن «صفقة بيع النفط جرت بعقود سليمة مائة في المائة، بين حكومة المكتب التنفيذي في برقة، والمشترين»، دون مزيد من التفاصيل.

ووفقا للمبروك أيضا فإن إقليم برقة يسيطر على الموانئ النفطية التالية: «الحريقة، والسدرة، والزويتينة، ومرسى البريقة، ورأس لانوف». وقال إن «70 في المائة من النفط الليبي موجود في إقليم برقة».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن القائد في الجيش الليبي السابق، خليفة حفتر، الذي اتهمته السلطات في طرابلس الشهر الماضي، بمحاولة الانقلاب العسكري على المؤتمر الوطني وعلى الحكومة، انتقل للإقامة في مكان ما في بنغازي، لكن يبدو أنه لا أحد في المنطقة الشرقية يريد أن يتحدث عما يقوم به حفتر في الوقت الراهن، وما إذا كان له تعاون أو تنسيق مع قوات الجضران، مع العلم أن المصادر تحدثت عن وجود خيوط اتصال بين حفتر، وميليشيات مناهضة للحكومة من منطقة الجبل في غرب طرابلس، بالإضافة إلى بعض القبائل في جنوب البلاد الغنية بالنفط أيضا.

لكن عميش يقول إنه لا يوجد التفاف كبير حول مجموعة الجضران في برقة، مشيرا إلى أنه يمكن أن يقاتل (القوات القادمة من طرابلس) في منطقة أجدابيا (غرب بنغازي بنحو 70 كلم)، لكنه شدد على أن «الموقف في مجمله ما زال غامضا»، متهما جماعة الإخوان كذلك بأنها تضع يدها على مراكز القوى في الدولة الليبية، و«هم أقلية في ليبيا، لكنهم ما زالوا يملكون القدرة على تغيير الأمور، ويتحالفون مع القوى المتطرفة التي معها سلاح كتنظيم القاعدة». وينفي الشيخ بشير الكبتي، مسؤول إخوان ليبيا، أي صلة لجماعته بالعنف، كما يدافع المؤتمر الوطني عن قراراته واستمرار عمله رغم انتهاء مدته. ويقول أحد زعماء كتلة الوفاء ذات السطوة في المؤتمر، إن إنهاء عمل المؤتمر العام يؤدي إلى فراغ في السلطة في ليبيا.

ومن وجهة نظر عميش، فإن فرص الحوار بين الفرقاء الليبيين، أصبحت معقدة. ويضيف: «الحوار أمامه وقت طويل.. الآن هناك حديث حول إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، بسبب تزايد الغضب ضد التمديد للمؤتمر الوطني»، مشيرا إلى أن «الهيئة التأسيسية لوضع الدستور الليبي، ما زال مستقبلها غامضا»، حيث جرى انتخاب 47 فقط، قبل أسبوعين، من 60 عضوا مطلوبين لتشكيل هيئة الدستور.

وكانت عدة قطاعات من الليبيين قاطعت انتخابات هيئة وضع الدستور، من بينهم الأمازيغ والطوارق والتبو. وقال زعيم قبيلة التبو الليبية، عيسى عبد المجيد، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، إن «كل شيء في ليبيا ينبغي أن يحل بالحوار». وكانت قوات موالية للحكومة قد هاجمت، قبل شهرين، هذه القبيلة التي يتركز وجوها في جنوب البلاد وشرقها، مما أدى لسقوط قتلى.

وأضاف عبد المجيد معلقا على التداعيات التي طفت على السطح مع قضية الناقلة النفطية وإقالة زيدان: «نتمنى حقن دماء الليبيين». وأضاف عن قرار المؤتمر الوطني «تحرير الموانئ النفطية بالقوة في إقليم برقة»، بقوله: «المؤتمر صلاحيته انتهت، ورغم ذلك اتخذ قرارا بتشكيل قوة لفك الحصار عن الموانئ.. هذا الأمر لا بد أن يحل بالحوار». وتابع قائلا: «كفانا اقتتالا في الشرق والغرب والجنوب. نتمنى إجراء مصالحة وعفو شامل في ليبيا على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا».

وطالب عبد المجيد المؤتمر الوطني بتسليم السلطة لرئيس المحكمة الليبية العليا «حتى تنتهي المشكلة، ونحن على استعداد لنكون وسطاء بين الشرق والغرب. كل عدد سكان ليبيا ستة ملايين نسمة، وندعو للمصالحة الشاملة لمن لم يرتكبوا جرائم». ومثل كثير من السياسيين والمراقبين الليبيين، حمل عيسى عبد المجيد المتشددين الإسلاميين، بمن فيهم نواب في المؤتمر الوطني، مسؤولية الاضطرابات في ليبيا، بالتعاون مع المتشددين من جماعة الإخوان. وأضاف أن «بعض الإخوان الليبيين يميلون إلى الاعتدال، لكن المتشددين منهم يرفضون ذلك، خاصة أولئك الذين كانوا في السابق (يقاتلون في) الشيشان وأفغانستان».

وبينما ينفتح باب الجدل عن ضرورة ترتيب الأوضاع في ليبيا في أسرع وقت ممكن، قبل السقوط في هاوية الاحتراب الأهلي، سيطرت قوات أميركية، في عرض البحر المتوسط، على الناقلة التي تسببت في عاصفة سياسية في ليبيا، وذلك في المياه الدولية قبالة قبرص قبل يومين، بناء على طلب من حكومتي ليبيا وقبرص. وجرت العملية دون خسائر تذكر وفي أقل من ساعتين، حيث جرى القبض على ثلاثة ليبيين. وبينما وصف الجضران ذلك بالقرصنة، قال مسؤول في الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط» إن الناقلة في طريقها إلى أحد الموانئ التي تسيطر عليها السلطات قرب طرابلس، لكنه لم يعط جوابا واضحا عن التداعيات الجديدة المحتملة في بلاده على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.