آمال كربول.. المرأة التي تهوى المصاعب

وزيرة السياحة التونسية كانت محور أول أزمة لحكومة مهدي جمعة

TT

في الأسبوع الأخير من شهر يناير (كانون الثاني) 2014 وبمجرد بداية تسريب الأسماء التي ستتكون منها حكومة مهدي جمعة المستقلة التي خلفت حكومة علي العريض، سارع الكثير من المهتمين بالساحة السياسية التونسية وحتى بعض المواطنين العاديين في البحث عبر شبكة الإنترنت عن هوية الوزراء الجدد وخاصة أولئك الذين وقع استقدامهم من الخارج وغير المعروفين في تونس.

ولفت الانتباه بالخصوص مقطع فيديو تظهر فيه امرأة شابة تتحرك بأناقة وثقة وهي تلقي محاضرة أمام عدد من الأوروبيين بلغة إنجليزية راقية... إنها آمال كربول المرشحة لتشغل منصب وزيرة السياحة التونسية. هكذا تعرف عليها التونسيون.. ولكنهم سيتعرفون عليها أكثر بعد ذلك لأنها ستكون محور أول أزمة اصطدمت بها حكومة مهدي جمعة الجديدة وذلك حتى قبل أن تتسلم مهامها رسميا. خلال الجلسة التي عقدها المجلس الوطني التـأسيسي (البرلمان التونسي) لمنح الثقة للحكومة الجديدة، كشف أحد النواب عن أن آمال كربول المرشحة لوزارة الصحة «زارت إسرائيل». جاءت بعض التدخلات عنيفة جدا وأكد عدد من النواب أنهم «لن يمنحوا الثقة لوزيرة زارت إسرائيل». هذه الجلسة وقع بثها على الهواء في التلفزيون الرسمي التونسي. وركزت الكاميرا ليلتها أكثر من مرة على ملامح آمال كربول التي بدا عليها شيء من الاضطراب، لكنها بقيت متماسكة إلى حين تناول مهدي جمعة الكلمة للرد على تدخلات النواب وليقول إن وزيرة السياحة المرشحة أكدت له أن «زيارتها لإسرائيل لا تعدو أن تكون سوى توقف في مطار تل أبيب في طريق توجهها للأراضي المحتلة في إطار مهمة نظمتها منظمة أممية لصالح شباب فلسطينيين ستقوم بتكوينهم، وأن السلطات الإسرائيلية أساءت معاملتها لأنها تونسية وعربية ومسلمة».

تعهد مهدي جمعة ليلتها بأنه مستعد «في حالة ثبوت أي مآخذ جدية على آمال كربول أو أي مرشح آخر لمنصب حكومي لإعادة النظر في تركيبة حكومته».

* في قلب العاصفة وضعت هذه الحادثة آمال كربول في «قلب العاصفة»، وأصبحت محور كل الأحاديث والحوارات في وسائل الإعلام. وانقسمت الطبقة السياسية وحتى عموم التونسيين إلى مساند للوزيرة أو معارض لها. وحفلت صفحات «فيسبوك» بالتعليقات واختلطت الحقائق بالشائعات. وقام البعض بإحداث صفحات مؤيدة للوزيرة، في حين قام آخرون بإحداث صفحات معارضة لها تطالب بعدم ضمها للحكومة. وتجند كل طرف للدفاع عن وجهة نظره. وقام البعض بنشر صور عائلية خاصة للوزيرة على صفحات التواصل الاجتماعي الشيء الذي «أثار غضبها»، حسب قول أحد المقربين منها.

صمدت الوزيرة وصمتت إلى حين أدائها القسم عضوا للحكومة الجديدة لتقول بعد ذلك مباشرة إنها «وضعت استقالتها على مكتب رئيس الحكومة ليتخذ ما يراه صالحا لو ثبت عكس الرواية التي قدمتها حول زيارتها لإسرائيل». ورأى أحد المراقبين للشأن السياسي التونسي أن قضيتها «أول امتحان صعب ليس للوزيرة فحسب بل لرئيس الحكومة نفسه».

* شخصية قوية أظهرت آمال كربول منذ توليها وزارة السياحة أنها تتمتع بشخصية قوية وتجلى ذلك من خلال أول القرارات التي اتخذتها في الوزارة؛ ففي حين لم يقم بعض وزراء حكومة جمعة إلى حد الآن بأي تغيير في دواوينهم، ولا بمراجعة أي تعيين في الفريق المحيط بهم، بادرت وزيرة السياحة منذ الأسابيع الأولى لتوليها مهمتها بتعيين رئيس ديوان جديد، واستقدمت من خارج الوزارة مديرة للتسويق الخارجي. ولئن لم تثر هذه التعيينات ردود فعل كبيرة وقتها فإن إقدام الوزيرة على إقالة المدير العام لديوان السياحة، وهي الخطة التي تعد من أبرز المناصب في الوزارة قد أثار ضجة جديدة، خاصة أن الإقالة تمت والرجل في مهمة رسمية بالخارج.

ورأى البعض في هذه الإقالة دليلا على قوة شخصية الوزيرة وتمسكها بممارسة صلاحياتها بالكامل، في حين رأى آخرون في هذه الإقالة نوعا من التجني، مبينين أنه كان من الأفضل أن تجري بشكل مغاير.

أما التصريحات الإعلامية للوزيرة فجاءت «بعيدة عن اللغة الخشبة» حسب وصف أحد أصدقائها الذي أضاف أنها «تقول بتلقائية كاملة ما تفكر فيه»، معترفا بأن البعض نصحها بضرورة «انتقاء عباراتها» وهو ما يفسر قلة تدخلاتها الإعلامية فيما بعد.

* روح شبابية الضجة الكبيرة الثانية التي أثيرت حول وزيرة السياحة التونسية كانت بمناسبة إشرافها على تظاهرة للموسيقى الرقمية «التكنو» أقيمت في جنوب البلاد على مشارف الصحراء التونسية حيث فاق الحضور وخاصة من بين الشباب التونسي والسياح الأجانب كل التوقعات. وخاطبت يومها الوزيرة الحاضرين بروح شبابية وبكثير من الحماس والتلقائية. ولكن بعض مقاطع الفيديو أظهرت أن عددا من الحاضرين كانوا بصدد تناول مشروبات كحولية، وهو ما عده البعض ترويجا لـ«ثقافة مائعة» وفيه «تشويه لصورة تونس»، حسب رأيهم. ورغم النجاح الجماهيري والإعلامي الذي حققته هذه التظاهرة فقد تعرضت الوزيرة إلى حملة جديدة واسعة من الانتقادات شارك فيها بعض نواب المجلس الوطني التأسيسي ورجال الدين، لكن الوزيرة وجدت السند من جديد من كثير الجهات التي دافعت عنها داعية إلى أهمية تجنب تحميلها وزر تصرفات فردية لسياح أو لشباب شاركوا في هذه التظاهرة.

* قدرات متعددة وبعيدا عن هذا الجدل الذي فرضته بعض المستجدات العابرة، ماذا عن القدرات المهنية لآمال كربول؟ هل يمكن وصفها بأنها الشخص المناسب في المكان المناسب؟ وهل بإمكانها أن تخدم السياحة التونسية وأن تقدم الإضافة لقطاع يعاني منذ ثلاث سنوات أزمة خانقة؟

يرى أحد المختصين في القطاع السياحي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، وهو أيضا صاحب وكالة أسفار تونسية تتعامل منذ عقود مع السوق الأوروبية، أن الوزيرة «بحكم إقامتها لسنوات كثيرة في أوروبا تعرف جيدا ما ينتظره السائح الأوروبي من السوق التونسية وهي لذلك أشارت منذ الأيام الأولى لتوليها الوزارة لأهمية النظافة والعناية بالمحيط. كما عبرت عن رغبتها في إقامة مشاريع مشتركة مع وزارة الثقافة لاستقطاب نوعية جديدة من السياح تبحث عن أشياء أخرى عدا أشعة الشمس وشواطئ البحر»، مضيفا أن «إتقان الوزيرة وبشكل جيد جدا لثلاث لغات أجنبية هي الألمانية والإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى اللغة العربية، يعد شيئا مهما جدا سيساعدها على الترويج للسوق التونسية».

وأشار من جهة أخرى إلى أن «معرفة الوزيرة بواقع السياحة التونسية أمر مؤكد؛ فهي من أبناء جزيرة جربة من أبرز معاقل السياحة التونسية وقد أمكن لها التعرف على القطاع لأنها غالبا ما قضت عطلتها في هذه الجزيرة وتعرف جيدا نقاط الضعف التي يجب الاشتغال عليها بشكل عاجل».

يقول أحد المسؤولين العاملين منذ سنوات بوزارة السياحة لـ«الشرق الأوسط» إن الوزيرة «مختلفة عمن سبقوها في طريقة عملها»، وإنها «تعمل كثيرا ولا تعترف بالمصاعب»، مضيفا قوله إنها «تبدو وكأنها تبحث دوما عن المصاعب إلى حد التحدي وبشيء من الاستفزاز أحيانا»، على حد قوله. ويرى أن «اختصاص الوزيرة في ميدان تطوير الموارد البشرية قد تستفيد منه الوزارة في حسن توظيف قدراتها والعمل الجماعي ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب».

ولعل من حسن حظ الوزيرة أن التقديرات تشير إلى ارتفاع نسق حجوزات السياح من مختلف الجنسيات نحو تونس استعدادا للموسم السياحي الصيفي المقبل، ولكن ذلك يعود بالأساس حسب المختصين إلى الانفراج السياسي الذي عرفته البلاد بعد تشكيل حكومة مستقلة والمصادقة على دستور جديد للبلاد وليس لعمل وزارة السياحة التي هي الآن بصدد ضبط خطط عمل جديدة.

ولدت آمال كربول في 25 أبريل (نيسان) سنة 1973 بتونس العاصمة من عائلة تعود أصولها إلى جزيرة جربة السياحية (500 كلم جنوب شرقي العاصمة التونسية)، وهي عائلة ليست غريبة تماما عن عالم السياسة حيث تحمل والدها محمد كربول في السابق مسؤوليات حزبية في التجمع الدستوري الديمقراطي ووظائف حكومية ودبلوماسية كما شغل منصب سفير تونس لدى ألمانيا، وهو ما يفسر اختيارها القيام بدراستها الجامعية في ألمانيا في مرحلة أولى قبل أن تواصلها في كل من إنجلترا والولايات المتحدة.

تشغل منذ سنة 2013 منصب سفيرة المصلحة العامة لدى مؤسسة «بي إم دبليو ستيفتونغ هربرت كوندت» ببرلين ولندن. أسست سنة 2007 مؤسسة «تشاينج ليدرشيب وبارتنر» تونس، كولونيا، ولندن، وتشرف على إدارتها. وعملت مستشارة دولية، وطورت خبرات في مجالات التأهيل والريادة ووضع استراتيجيات التصرف، والتصورات المجددة والتوظيف الأمثل للعمل في صلب مجموعة. كما عملت في عدة شركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأدارت عدة ورشات عمل في دول مختلفة، وعملت أستاذة زائرة في جامعة بسويسرا، وهي متزوجة وأم لبنتين.

* شعبية كبرى لدى النساء وتحظى آمال كربول وزيرة السياحة التونسية بشعبية لدى شريحة مهمة من النساء التونسيات بفضل أناقتها التي تحولت إلى موضوع للنقاش على صفحات «فيسبوك» وحتى إلى مقارنات في مجال المظهر والذوق مع نساء أخريات سبقنها في تحمل مسؤوليات سياسية في تونس.

وقد تناولت الكثير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بالنقاش حضور وزيرة السياحة ومظهرها، كما يجري نشر كل صورها الجديدة بانتظام ولم يخف الكثير من المتفاعلين مع هذه الصفحات والصور إعجابهم بهندام الوزيرة وتصميمات بدلاتها وعدوها «خير سفيرة للمرأة التونسية» و«خير صورة للترويج للسياحة التونسية» حسب تلك المواقع. كما لفتت الوزيرة الانتباه أيضا عند حضورها بعض التظاهرات العامة بلباس تقليدي تونسي مزج بين الحداثة والأصالة التونسية.

ورغم كل هذا الجدل الذي أثير حتى الآن حول شخصية وزيرة السياحة التونسية آمال كربول ورغم أنه ليس هناك إجماع حول شخصها وطريقة عملها فإن عددا من التونسيين ينظرون إليها وإلى باقي أعضاء الحكومة التونسية الذين وقع استقدامهم من الخارج باحترام، خاصة أن بعضهم ابتعد عن عائلته وأبنائه على غرار وزيرة السياحة التي تركت طفلتين صغيرتين في إنجلترا لتعيش بعيدا عنهما وهما في أشد الحاجة إليها.

كما أنهم يقدرون تضحيات هؤلاء الوزراء بقبولهم الالتحاق بحكومة مهدي جمعة وتخليهم عن مناصب كبرى في شركات عالمية مشهورة وعن امتيازات مالية مهمة. ويأملون أن يسهم هؤلاء في تجاوز تونس للمصاعب التي تمر بها خاصة على المستوى الاقتصادي واستكمالها للمرحلة الانتقالية الحالية بنجاح.