السعودية.. أيادي الخير

الرياض قدمت مساعدات إنسانية بمليارات الدولارات دون اعتبارات حزبية أو مذهبية أو دينية

TT

وجدت المساعدات الإنسانية التي قدمتها السعودية في الفترة الأخيرة ارتياحا بالغا لدى الأوساط الإقليمية والدولية التي وصفتها بأنها «نموذج يحتذى» وخالية من أي اعتبارات عرقية أو مذهبية.

وقدمت السعودية مساعدات إنسانية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة أكثر من تسعة مليارات دولار، بينها نصف مليار دولار للنازحين العراقيين، جراء الأحداث الأمنية الأخيرة التي شهدتها بلادهم، و448 مليون دولار في صورة برامج متنوعة للمتضررين في سوريا، إضافة إلى ثلاثة مليارات دولار قدمتها أمام مؤتمر المانحين لليمن، وخمسة مليارات أخرى خصصت لدعم الاقتصاد المصري في عام 2014.

وتأتي المساعدات السعودية في إطار مؤازرتها لشعوب المنطقة والعالم للوقوف معها أثناء الكوارث والحروب. وقد وجدت المساعدات للشعب العراقي والتي تقدر بنصف مليار دولار ترحيبا دوليا كبيرا. وأشادت وزارة الخارجية الأميركية بالخطوة، وقالت إن السعودية قامت بخطوة كبيرة ترمز للالتزام الجاد تجاه جارتها، مؤكدة أن العراق يعاني من أزمة بسبب الفروق الدينية من شيعة وسنة ومسيحيين بالإضافة إلى الأكراد، والأزمة تسوء كل يوم، وأن دعم السعودية الجاد سيكون أساسيا لكل العراقيين الذين اضطروا لترك منازلهم بسبب أحداث العنف.

يقول الشيخ محمد الحاج حسن، رئيس التيار الشيعي الحر في لبنان، لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية فاجأت اللبنانيين بعد حرب يوليو (تموز) التي وقعت مع إسرائيل في عام 2006، بتقديم المساعدات لكل الشرائح الاجتماعية والمؤسسات، بغض النظر عن انتمائها الحزبي أو الديني أو الطائفي، ومن بين ذلك مؤسسات (حزب الله) دون أن تنظر لأي حسابات سياسية».

وأضاف أن البعض يدعي أن السعودية دولة متعصبة وراعية للإرهاب، لكنها تدحض ذلك في كل حدث، وتقدم الدعم للجميع بقدر متساوٍ، ومواقفها تنفي ادعاءات رعايتها للتقسيم والفتنة المذهبية.

وأوضح الحاج حسن، أن السعودية هي بلد الخير والعطاء، وهي المسؤولة عن المجتمعات العربية، بصفتها الأم الحاضنة للمجتمع العربي، وأشكال الدعم الذي بذلته لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الدعم الأخوي والمسؤولية تجاه الأشقاء والأصدقاء، مؤكدا أنه على الرغم من التصعيد من بعض الأطراف اللبنانية من جهة، والسعودية من جهة أخرى، لم تنظر السعودية لهذا الجانب، وتعاطت في إطار إنساني وليس سياسيا في خضم الأزمات، مؤكدا أنهم لم يروا تراجعا منها في مجال دعم ورعاية المؤسسات الخيرية والاجتماعية.

ولفت رئيس التيار الشيعي الحر، إلى حكمة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وإرادة المجتمع السعودي الطيبة، في ضرورة أن تبقى الشعوب العربية متآزرة، حتى وإن كان هناك اختلاف سياسي، مشددا على أن ما صدر أخيرا من مطالبة أطراف لبنانية بإلزام الزوار الخليجيين بالحصول على تأشيرة لدخول لبنان، أساء لهم شخصيا، وللشعب اللبناني بشكل عام.

وأكد أن السعودية لم تكن بمنأى عن الإرهاب، وآخرها ما جرى في منفذ الوديعة الحدودي جنوب السعودية. وأضاف أنها أكبر من زمجرات السذّج، الذين لا يريدون وفاقا بين العرب، مبينا أن المعنى الإنساني للتحركات السعودية، هو دائما في الطليعة، وهي تسعى لزرع بستان الأخوة والصداقة مع الجميع، مراهنا على أن الأجيال المقبلة سوف تجني ثمارا إيجابية لتلك الجسور.

وأشار الحاج حسن إلى أن الفتنة المذهبية ليست في صالح أحد، مؤكدا أن أي مصاب لبلد عربي يجعلهم في غاية الحزن والألم. وأضاف أن هناك أمورا تفرض على الشعب العربي، إلا أنه يجب تجاوز الغيمة السوداء، التي تلوح فوق رؤوس الجميع.

وكان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمر في الأول من يوليو الحالي، بتقديم نصف مليار دولار كمساعدة إنسانية للمتضررين والنازحين من الشعب العراقي جراء الأحداث الحالية في بلادهم، وأفاد مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، بأن خادم الحرمين الشريفين، أمر بتقديم مبلغ وقدره خمسمائة مليون دولار كمساعدة إنسانية للشعب العراقي الشقيق المتضرر من الأحداث المؤلمة، بمن فيهم النازحون، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية.

ووفقا لمسؤول الخارجية، فإنه جرى إبلاغ أمين عام الأمم المتحدة بتلك المساعدات، التي ستقدم عبر مؤسسات الأمم المتحدة للشعب العراقي فقط، مشيرا إلى أن السعودية ستتابع تلك الجهود لضمان وصول المساعدات للمتضررين من أطياف الشعب العراقي الشقيق كافة.

وفي سياق متصل، ذكر عمران رضا، الممثل الإقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى دول مجلس التعاون الخليجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن النزوح الجماعي الأخير في العراق يذكرنا بأن منظومة العمل الإنساني في تطور مستمر لتواكب النمو المتزايد لمتطلبات الاستجابة الإنسانية لإغاثة مئات الآلاف ممن يعانون من ويلات النزوح واللجوء.

وأكد أن الدور الريادي والمشهود للسعودية في مجال العمل الإنساني يظهر جليا مرة أخرى من خلال التبرع الأخير المقدم من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمبلغ 500 مليون دولار للنازحين العراقيين، الذين تجاوز عددهم نحو المليون نازح منذ يناير (كانون الثاني) 2014، بحسب أحدث إحصاءات المفوضية، متطلعا إلى مزيد من الشراكة والتعاون الاستراتيجي مع السعودية التي وصفها بـ«مملكة الإنسانية»، في إطار مساعدة اللاجئين والنازحين السوريين والعراقيين وغيرهم ممن تُعنى بهم المفوضية في مختلف مناطق العالم.

من جانبه، قال الشيخ خليل الميس، مفتي مدينة البقاع اللبنانية التي يقطنها آلاف النازحين من سوريا لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية دائما تتوجه إلى الشعب عبر الحاكم، وهي توجهت للشعب السوري المنكوب الذي دمر وتوزع، ومن الطبيعي أن نرى السعوديين من السباقين»، مؤكدا أن الدعم الخيري ظل متواصلا منذ اليوم الأول للأزمة ولا يزال العطاء مستمرا ومتناميا ومتطورا.

وأوضح الميس أن اللبنانيين سرهم أيضا دعم السعودية للجيش اللبناني، ليتمكن من احتضان الوطن والمواطن، ويستغني لبنان بالجيش عن غيره ممن يزاحمه هنا وهناك، ويدعي أن الجيش قاصر، مضيفا أن الغرض من الدعم هو أن يكون الجيش اللبناني لكل المواطنين، وهكذا تتعامل السعودية وهي مشكورة في كل ما قامت به، وأتمنى لها دوام الاستقرار.

وذكر أن الجمعيات الخيرية التابعة للسعودية هي جمعيات متميزة في إيصال الحق إلى مستحقيه وهي تفي بوعودها، وتضع الشيء في محله، وتلغي الوسطاء، وتشارك الجمعيات الأهلية في البلد بالإشراف، واصفا عملها بالمنظم، لافتا إلى أنه في الفترة التي أعقبت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، قامت السعودية بمساعدة اللبنانيين دون تمييز ديني أو طائفي.

اللجان الإغاثية السعودية عرف ولي العهد ووزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بأنه المشرف العام على اللجان الإغاثية السعودية للشعوب الأجنبية والعربية المنكوبة، والتي نالت اعترافات بدورها الإيجابي والمؤثر على الصعيد الإنساني، من قبل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وأهمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ومنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية.

سوريا في منتصف عام 2012، صدر أمر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بتأسيس حملة وطنية سعودية لنصرة الأشقاء في سوريا، للعمل على تنظيم حملة لجمع التبرعات في المناطق السعودية كافة، وفق ضوابط وآليات تقديم التبرعات العينية والنقدية، ووضع النظم والدراسات والخطط التي تضمن وصول تلك المساعدات إلى مستحقيها بشكل مباشر.

وأتاحت تلك الحملة المجال أمام المحسنين لتقديم تبرعاتهم العينية والنقدية للمساهمة في تخفيف معاناة المتضررين من أبناء الشعب السوري، وعملت على تقديم كل أشكال العمل الإغاثي والإنساني الذي يلبي احتياجات السوريين في الجوانب الإيوائية والغذائية والصحية والتعليمية والاجتماعية، بالإضافة إلى إيجاد شراكات فاعلة في العمل مع المؤسسات والمنظمات الدولية الإقليمية والمحلية في أماكن وجود المتضررين.

ومع تزايد النازحين السوريين في دول الجوار، دشنت السعودية جسرا جويا بعدد عشر طائرات، بحمولة ألف طن من الغذاء والأدوية، وأقامت مخيما داخل الأراضي السورية، بالتعاون مع الائتلاف السوري، بتكلفة وصلت إلى أربعة ملايين دولار، وجرى تأمين 3600 كرافان (بيت جاهز) جديد للاجئين في مخيمي الزعتري والرمثا في الأردن، وإنشاء وتجهيز 2500 وحدة سكنية هناك، إضافة إلى تأمين ثلاثة آلاف خيمة للاجئين في تركيا، وتغطية إيجارات سكن الأسر السورية في لبنان، وتوفير العيادات الطبية لهم، علاوة على التكفل بالإنفاق على 3000 طالب سوري يدرسون في المراحل التعليمية كافة بالمدارس اللبنانية، وتقدر التكلفة المالية للمشروع بنحو ثمانية ملايين ريال.

وبلغت التكلفة الإجمالية للبرامج الإغاثية الـ86، التي قدمتها السعودية للسوريين داخل بلادهم وفي مواقع تجمعاتهم بالدول المجاورة أكثر من 565 مليون ريال، تضم المواد الغذائية والصحية والإيوائية والتعليمية وأغطية الشتاء، وأحيت السعودية في الـ25 من فبراير (شباط) من العام الحالي، يوما للتضامن مع أطفال سوريا، الذين يقدر عدد اللاجئين منهم بمليون ومائة ألف يعانون اضطرابات نفسية بسبب الحرب، ومقتل ذويهم.

فلسطين منذ عام 2005 قدمت اللجنة السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني نحو 17 مليون دولار، واستخدمت تلك الأموال لشراء ما يزيد على 14 ألف طن من المساعدات الغذائية التي استفاد منها 170 ألف شخص من المستضعفين، وكان الدعم الإغاثي السعودي ملموسا، وانعكس على الاقتصاد الفلسطيني - وفق ما أكده برنامج الغذاء العالمي - بعد أن قامت اللجنة السعودية بشراء سلع الإغاثة من السوق المحلية الفلسطينية؛ رغبة في دعم ذلك الاقتصاد.

وقدمت السعودية على مر السنين الماضية دعما قويا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل الفلسطينيين (الأونروا) التي تعنى بقرابة أربعة ملايين ونصف المليون لاجئ، من خلال سلسلة من المساعدات السخية، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، وأبدت السعودية - حسب الأونروا - روحا إنسانية نموذجية، من خلال رغبتها الواضحة في التخفيف من الفقر والمعاناة، والصعوبات والمحن في أوساط الفلسطينيين، بسبب الاحتلال والحصار.

تسونامي تسببت موجات التسونامي الآسيوية الشهيرة عام 2004 في قتل ما يزيد على 35 ألف شخص وتشريد مليون شخص من سريلانكا، وبلغت تقديرات الخسائر نحو مليار دولار، ووقعت كل من المنظمة الدولية للهجرة، والحملة الخيرية السعودية لإيواء ضحايا الزلازل والمد البحري في شرق آسيا (تسونامي) عام 2007 اتفاقية لتشييد مدينة سكنية نموذجية في أكارايباتو، بمنطقة أمبارا على الساحل الشرقي لسريلانكا، واستهدفت تلك المدينة إيواء منكوبي تسونامي بتكلفة قدرها 11 مليون دولار، وتوفير سبل العيش للمتضررين في أمبارا، وهي من أشد المناطق تضررا من الكارثة، وجرى بناء المدينة السكنية التي أعادت إعمار المنطقة الساحلية، طبقا للمواصفات المحلية والدولية على مساحة 25 هكتارا تبرعت بها الحكومة السريلانكية، وتشتمل المدينة على 500 وحدة سكنية دائمة عالية الجودة.