ديترويت تحمل المنافسة الأجنبية وتكاليف الرعاية الصحية عثراتها والمراقبون يدعونها لتركيز استثماراتها على تحسين نوعية إنتاجها

عرض كريكوريان زيادة حصته في جنرال موتورز يرفع سعر سهمها

TT

في وقت تتحدث فيه مؤسسات التصنيف الائتماني والتقويم المالي في الولايات المتحدة، وبصوت عال، عن الاوضاع «المثيرة للقلق» بالنسبة لسندات اثنتين من كبرى شركات السيارات في الولايات المتحدة هي فورد وجنرال موتورز، وفيما تحمل جنرال موتورز وفورد ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية للعاملين لديهما وتراجع حصتيهما من السوق العالمية في ظل المنافسة الشرسة من جانب شركات السيارات الاسيوية والاوروبية، مسؤولية عثراتهما التجارية، يشكك بعض المحللين الاميركيين في تبريرات عملاقي صناعة السيارات الاميركية لتراجع تصنيف سنداتهما، ويتهمون صناعة السيارات الاميركية بانها اصبحت تنتج سيارات أفضل قليلا من المستوي الوسطي لسيارة القرن الحادي والعشرين في وقت تتطلب فيه منافسة السيارات الاوروبية واليابانية قفزة جبارة في نوعية انتاجها.

وقد يكون أفضل دليل على ان باسطاعة جنرال موتورز تحسين صورتها بتحسين نوعية طرازاتها المعروفة، ارتفاع سعر أسهمها في الاسواق المالية بمجرد اعلان الملياردير الاميركي العجوز، كيرك كريكوريان، عن رغبته في رفع حصته في الشركة من 4 في المائةالى 8.8 في المائة... فلكريكوريان سجلا مشجعا على صعيد الاستثمار في قطاع السيارات إذ سبق له ان اشترى اسهما في شركة كرايزلر يوم كانت الشركة تجهد، في مطلع التسعينات، لتجنب الافلاس فلعب دورا ناشطا في اعادة تأهيلها وقطف ثمارا مجزية من عودتها الى الربحية. سوق المال الاميركية تجوبت بسرعة مع قرار كريكوريان فارتفع سعر سهم جنرال موتورز بنسبة 18 في المائة، الخميس الماضي، بعد ان كانت اسهما قد فقدت نصف قيمتها منذ يناير(كانون الثاني) 2004.

هل يعيد كريكوريان جنرال موتورز السيناريو الذي وضعه لكرايزل قبل خمسة عشر عاما تقريبا؟

السؤال اصبح مطروحا اليوم بجدية.

ولكن السندات التي طرحتها شركة فورد موتور كورب ـ ثاني أكبر شركة سيارات في الولايات المتحدة وثالث أكبر شركة سيارات في العالم ـ حصلت في تقويم مؤسسات التصنيف الائتماني والمالي، على أقل تصنيف استثماري ممكن من جانب مؤسسة «ستاندرد أند بورز». وأي تخفيض جديد للتصنيف الائتماني لسندات فورد يعني هبوطها إلى مستوى «السندات عالية المخاطر».

وكانت فورد قد حذرت منذ اسابيع قليلة، من مقر رئاستها في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان ـ خارج ديترويت عاصمة صناعة السيارات الأميركية ـ من تراجع أرباحها خلال العام الحالي مقارنة بالتوقعات التي كانت قد أعلنتها في وقت سابق. وفي ما بعد رفضت الكشف عن توقعاتها بشأن أرباح العام المقبل.

وبعد عشرين دقيقة فقط من إصدار الشركة بيانات أرباحها أعلنت مؤسسة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني تخفيض تصنيفها لسندات فورد من مستقر إلى سلبي وهي أدنى درجة تحصل عليها سندات هذه الشركة التي يقترب عمرها من مائة عام. وهذا التصنيف يجعل شبح الهبوط إلى درجة «سندات عالية المخاطر» خطرا يهدد حملة سندات فورد. وهذا الوضع المأساوي الذي يخيم على شركة تمثل أحد رموز صناعة السيارات في الولايات المتحدة لم يقتصر عليها فقط، فشركة جنرال موتورز كورب، أكبر منتج للسيارات في العالم ـ و مقرها ديترويت ـ تعاني من وضع مشابه. وقبل بضعة اسابيع، أي قبل شيوع اهتمام كريكوريان باسهما، قلصت مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيفها لسندات جنرال موتورز إلى فئة سلبي. وكانت مؤسسة «ستاندرد أند بورز» قد اتخذت خطوة مماثلة بالنسبة للشركة في وقت سابق.

وجاء هذا التدهور في تصنيف سندات جنرال موتورز بعد إعلانها الشهر الماضي تقليص توقعاتها لأرباح العام الحالي الى ما بين دولار ودولارين للسهم الواحد مقابل 4 و5 دولارات للسهم الواحد في توقعاتها سابقة. شيفروليه فقط كانت الفرع الوحيد فيها الذي توصل،خلال الربع الاول من العام الحالي، الى بيع سيارات أميركية الصنع أكثر مما باعت شركة فورد. متاعب جنرال موتورز تعتبر مؤثرة بالنسبة للاقتصاد الاميركي، فرغم تراجع حصتها في السوق على مدى الثلاثين عاما المنصرمة، لا تزال الشركة تصنف كمصدر دخل قومي وافر يعادل حوالي الواحد في المائة من الناتج المحلي الاجمالي في الولايات المتحدة. وفيما يعترف المتخصصون بان تكاليف الرعاية الصحية تضيف 1.500 دولار على سعر كل سيارة تنتجها جنرال موتورز ـ الامر الذي يدفع مصممو سيارات الشركة إلى الاستعانة بالمواد الاقل كلفة في تصنيع سيارات الشركة ـ يأخذون عليها إنفاق احتياطياتها المالية على استملاك سيارات أجنبية (مثل «ساب» السويدية والصفقة المحبطة مع «فيات» الايطالية) عوض استثمارها في تطوير انتاجها الذاتيوطرازلتها العريقة، كما تفعل الشركات اليابانية، ويعطون دليلا على جدوى هذا الاستثمار في النجاح الذي حققته كرايزلر بطرازها 300 ـ سيدان الرباعي الدفع.

وفيما تستثمر شركتا تويوتا وهوندا اموالها في تطوير السيارات الهجين التي تعمل بمحركات على الوقود والكهرباء،تنفق جنرال موتورز على ابحاث وتجارب تطوير سيارات تعمل بالهيدروجين، البعيدة التحقيق حتى الآن... وان كانت تعد بان تكون سيارات المستقبل. ويبدو ان من الصعوبة بمكان أن تنجح أي من الشركتين الاميركيتين في مواجهة الازمة في المستقبل المنظور، بعد ان تراجعت حصتا الشركتين من السوق الأميركية، خلال الفترة الاخيرة، إلى أدنى مستوياتهما منذ عدة عقود.

في المقابل فإن شركات السيارات الاسيوية،و خاصة تويوتا وهوندا اليابانيتين وهيونداي الكورية الجنوبية تلتهم السوق الأميركية للسيارات الشعبية على حساب الشركات الأميركية العريقة. في حين أن سيارات بي. إم. دبليو ومرسيدس وفولفو وليكزس وإنفينتي الاوروبية واليابانية تلتهم سوق السيارات الفخمة في الولايات المتحدة.

ويأخذ ببعض المراقبين على شركتي جنرال موتورز وفورد انهما، تتلبد السحب، حاليا، في سماء ديترويت مهددة صناعة السيارات الأميركية ـ الرائدة في العالم ـ بغروب شمسها ما لم تعيد الاسماء البراقة في هذه الصناعة تأهيل نفسها بنفسها والتركيز على تطوير انتاجها نوعيا لا كميا فحسب.