شركات السيارات الأميركية تتجه لأقلمة إنتاجها

نتيجة أسعار الوقود وضغوط أصدقاء البيئة

TT

عاصمة السيارات الاميركية ـ والدولية حتى الآن ـ ما زالت تعاني من شظف الدهر.. فالزيادة الكبيرة في أسعار النفط وما خلفته من تراكم الديون على المستهلك الاميركي العادي، بدأ ينعكس تحولا جذريا في نظرة المواطن الاميركي الى سيارته في وقت بدأ يقدم فيه على اقتناء السيارات الكبيرة الحجم والمتعددة الاستخدام، والشرهة في استهلاكها للوقود.

ما بدا مشكلة دولية بدأ يتحول الى مأزق عميق لشركات السيارات الأميركية العملاقة، فالعديد من المستهلكين الاميركيين بدأوا يشعرون بوطأة ارتفاع اسعار البنزين على ميزانياتهم الشخصية وأخذوا يتجهون، بالتالي، إلى شراء سيارات تعمل بمحرك هجين أقل استهلاكا للوقود وأكثر مداراة للبيئة، في وقت بدأت ترتفع فيه اصوات المطالبين بخفض التلوث المنبعث من عوادم السيارات، وإن أدى ذلك الى تطوير محركات أقل سرعة من المحركات العاملة على البنزين أو المازوت. ولأن هذه السيارات غير متاحة اليوم في السوق على نطاق تجاري واسع اتجه العديد من الاميركيين الى شراء السيارات اليابانية الاقل استهلاكا للوقود، الامر الذي انعش مبيعات تويوتا ونيسان وهوندا على حساب السيارات الاميركية الصنع.

ولا يخفى أثر هذا التحول على شركات السيارات الأميركية مثل جنرال موتورز، أكبر منتج سيارات في العالم، أو فورد، خصوصا ان هذه الشركات تخسر مليارات الدولارات سنويا فيما انخفض تصنيفها الائتماني إلى مستوى «خطير» وهو ما يعني زيادة كبيرة في تكلفة حصول هذه الشركات على أي قروض في المستقبل.

وكانت الشركات الأميركية قد اعتمدت، خلال السنوات العشر الماضية، على الشاحنات الكبيرة والسيارات متعددة الاغراض ذات الدفع الرباعي للحصول على الجزء الاكبر من إيراداتها، لكن سوق السيارات الأميركية تشهد الآن تراجعا في مبيعات هذا النوع من السيارات في أجواء منافسة شرسة من قبل السيارات الاصغر حجما ومعظمها سيارات أجنبية تستأثر السيارات اليابانية الصنع بالحصة الاكبر بينها.

ومما زاد الامور تعقيدا بالنسبة لصناعة السيارات الأميركية، أن هذا التحول في السوق تزأمن مع انهيار كامل لبنية صناعة السيارات الأميركية، التي اعتمدت على عمال يحصلون على أجور مرتفعة ويتمتعون بمزايا الرعاية الصحية والتقاعد، وهي نفقات أصبحت تفوق امكانات احتمال هذه الشركات لاعبائها.

ورغم ذلك كان الشعور السائد حتى وقت قريب هو أن شركات السيارات الأميركية العملاقة ستتمكن من تجاوز محنتها قبل أن تتحول إلى أزمة حقيقية، لكن إعلان إفلاس شركة مكونات السيارات الأميركية العملاقة «ديلفي» قبل اسابيع معدودة، أظهر أن العد التنازلي للشركات الأميركية الكبرى، مثل فورد وجنرال موتورز، قد بدأ.

تجدر الاشارة الى ان عدد عمال شركة «ديلفي» يبلغ 185 ألف عامل، وخلال العام الماضي بلغت إيراداتها 28.6 مليار دولار، لكنها ذكرت أن الاجور التي كانت تعطيها لعمالها في زمن الرخاء تحولت إلى عبء في الفترة الاخيرة وحدت كثيرا من قدرتها على منافسة الشركات الاجنبية.

كما أن تكاليف تأمين الرعاية الصحية ومخصصات التقاعد لاكثر من 50 ألف عامل أجبرتها على التقدم بطلب لحمايتها من الافلاس وفقا للفصل الحادي عشر من قانون الشركات الأميركي، حتى تتمكن الشركة من إعادة تنظيم نفسها وتتفاوض مع النقابات العمالية بشأن الاجور والتقديمات الاخرى.

ويشبه محللون اقتصاديون حالة صناعة السيارات الأميركية، في الوقت الراهن، بأنها حصيلة تضافر الارتفاع الحاد في اسعار الوقود وسوء إدارة تمثلت في غياب الرؤية المستقبلية لقطاع صناعة السيارات في آن واحد. وفي هذا السياق، يعتبر زعماء النقابات العمالية في الولايات المتحدة أن مشكلة صناعة السيارات الأميركية ليست ناجمة عن أجور العمال ولا عن التقديمات التي توفرها لهم هذه الشركات، إنما عن غياب الرؤية الابداعية على المستويات العليا للادارة وتفضيل هذه الادارة تبني سياسات تخدم مصالحها على المدى القصير فحسب.

ومهما كانت أسباب الازمة، فإن الحقيقة المؤكدة هي أن صناعة السيارات الأميركية التي كانت في وقت من الاوقات درة تاج الاقتصاد الأميركي عندما كانت مدينة ديترويت الأميركية عاصمة صناعة السيارات في العالم، أصبحت الآن في مهب رياح اسعار الوقود وفي حاجة ملحة الى تطوير السيارات الهجين، المقتصدة في استهلاك الوقود والمحابية للبيئة، قبل ان يسبقها اليابانيون والاوروبيون الى هذا القطاع.