«انكفاء» السيارات الأميركية أمام المنافسة اليابانية حول عرب ميشغان وديترويت الى أكبر المتضررين

هنري فورد جاء بالعرب إلى أميركا.. وتويوتا وهوندا ونيسان قد تعيدهم إلى بلادهم

TT

أحدث قرار شركة فورد الاميركية لتصنيع السيارات، إلغاء 30 الف وظيفة ضمن خطة لتقليص العمالة تستمر ست سنوات، قلقاً بالغاً وسط «الاميركيين العرب»، الذين عاشوا عقوداً تلو عقود منذ عهد الأجداد وهم يعملون في مصانع هذه الشركة العملاقة.

وصف رشيد النزيلي، عضو المجلس العربي الاميركي الكلداني، القرار بأنه «كارثي» على الاميركيين العرب في ولاية ميشغان، ومدينة ديترويت بكيفية خاصة، فيما يتخوف الكثيرون من أن يكون العصر الذهبي لولاية ميشغان ولّى الى غير رجعة.

وكانت شركة فورد، وهي ثاني اكبر ثلاث شركات اميركية لتصنيع السيارات في الولايات المتحدة، اعلنت الاسبوع الماضي عزمها اغلاق 14 مصنعاً والتخلص من 30 الف وظيفة خلال الست سنوات المقبلة.

واعلنت شركة جنرال موتورز بدورها الاستغناء عن 30 الف وظيفة واغلاق 12 مصنعاً قبل نهاية عام 2008. وكان قطاع صناعة السيارات الاميركي، وبسبب المنافسة اليابانية الحادة، قد تراجعت مبيعاته واضطر بالتالي لخسارة حوالي 200 الف وظيفة خلال الخمس سنوات الماضية، وذلك على الرغم من النجاح النسبي الذي حققته الشركة الثالثة «كرايسلر».

وفي غضون ذلك، سجلت ثلاث شركات يابانية تقدماً كاسحاً، وهي «تويوتا» و«هوندا» و«نيسان».

كانت الشركات الاميركية الثلاث الكبرى تهيمن على 75 بالمائة من سوق صناعة السيارات عام 1986، مقابل 15 بالمائة للشركات اليابانية، و10 بالمائة للشركات الاخرى، وظلت هذه النسب عرضة للتغييرات لصالح اليابانيين الى ان تقلصت، العام الماضي، حصة الشركات الاميركية في السوق الى 58 بالمائة، وارتفعت حصة اليابانيين الى 28 بالمائة، فيما اقتطعت الشركات الاخرى نسبة 14 بالمائة.

وفي عام 1993، كان هناك 11 مصنعاً يابانياً للسيارات في الولايات المتحدة، أما الآن فإنه من المتوقع ان يصل عدد هذه المصانع الى 28 مصنعاً خلال هذه السنة. وبالنسبة لشركة فورد، فإن حصتها من السوق انخفضت الى 17.4 بالمائة بعد أن كانت تصل الى حوالي 24 بالمائة.

ويقول وليام فورد، رئيس مجلس إدارة الشركة، إن فورد تحتاج الى تغيير نمط الانتاج المستمر منذ عقود في مصانعها. فيما يعتبر مارك فيليدز، نائب الرئيس التنفيذي للشركة ـ في معرض تفسيره لازمة فورد ـ أن المنافسين يواصلون إغراق السوق بالسيارات.. إنهم يمطرون الأسواق بشكل غير مسبوق.

وإزاء هذا الوضع اضطرت شركة فورد الى وضع خطة تقليص صارمة لانتاجها ونفقاتها، الامر الذي أحدث «هزة» في ولاية ميشغان، التي عرفت اول هجرة عربية مع بداية القرن الماضي، كان الجذب الابرز لها فرص العمل في شركة فورد.

وكان هنري فورد، مؤسس الشركة، قد زار الشرق الاوسط عام 1914 ولاحظ مثابرة وقوة تحمل العمال في منطقتي الشام واليمن، فقرر جلب العمالة من هناك، وهكذا بدأت الافواج الاولى من المهاجرين اللبنانيين واليمنيين في الوصول الى ديترويت، وتزايدت هجرتهم بعد أن بدأت فورد بتطبيق نظام خط الانتاج الواحد (التجميع) للسيارات.

ويقول النزيلي، عضو «المجلس العربي الاميركي»، وهو من ابرز المنظمات التي ترعى شؤون الجالية العربية في ميشغان، إن أول مدينة تضررت من قرار فورد كانت «ويكسوم»، لكن عدد العرب المقيمين فيها قليل جداً. بيد أن النزيلي يتوقع ان تحل «الطامة الكبرى» بالجالية العربية مع بدء فورد تطبيق خطتها المعلنة للاستغناء عن 30 الف وظيفة. واشار في هذا الصدد الى أن هذه الجالية ستخسر ايضاً وظائفها في الصناعات الرديفة لصناعة السيارات، مثل الزجاج ومحطات الوقود، حيث يملك العرب أكثر من 300 محطة وقود في ميشغان.

ويتوقع ان يكون الضرر كبيراً في مصانع الحديد والمطاط والزجاج والاجهزة الإلكترونية وقطع غيار السيارات ومحطات الوقود، وتقول الاحصاءات إن كل 100 وظيفة في قطاع صناعة السيارات، تقابلها 460 وظيفة في الصناعات الرديفة.

ويقول النزيلي إن «المجلس العربي الاميركي الكلداني»، الذي تترأسه هيفاء فاخوري، وضع برامجا لتوجيه العاطلين ومساعدتهم، وهو يعتقد أن هذه المهمة ستتسع مع أزمة فورد، المشغل الاول للعرب في اميركا.

واغلب اعضاء الجالية العربية في ميشغان من اللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين والاردنيين والعراقيين (معظمهم من الكلدان)، والمصريين. وكان تعداد هذه الجالية قد تضاعف في الستينات اثناء حرب فيتنام حين اضطر عدد كبير من الاميركيين الى الذهاب الى القتال هناك وبدأت معظم المصانع تعاني من نقص في العمالة، مما دفع شركات السيارات الى جلب عمالة منطقة الشرق الاوسط.

وقال النزيلي إن المجلس العربي الاميركي لا يملك أرقاماً دقيقة لعدد افراد الجالية العربية الذين يمكن أن يفقدوا وظائفهم بعد قرار شركة فورد تقليص وظائفها، مشيراً الى انهم ربما سيعرفون هذا العدد في وقت لاحق. ويعزو مصدر في قطاع تسويق السيارات «انكفاء» الشركات الاميركية امام الشركات اليابانية الى تدني اسعار السيارات اليابانية، والى تفضيل معظم المواطنين من أصول أميركية لاتينية للسيارات اليابانية. ويعتقد هيثم الاطرش، من وكالة «مايك بالون»، التي تبيع السيارات اليابانية والاميركية على حد سواء، ان الاقبال على السيارات اليابانية مرده الى أن هذه السيارات تصلح في دول اميركا الجنوبية، حيث توجد طرق كثيرة غير معبدة، كما انهم يقبلون عليها نظراً لتعودهم على السيارات اليابانية في بلدانهم الأصلية، خاصة السيارات ذات الدفع الرباعي، لكن هيثم يقول إنه لم يلمس بعد تراجعاً في مبيعات السيارات الاميركية، نظراً لان الشركات الاميركية تقدم حسومات على الاسعار، اضافة الى الخدمة الجيدة ما بعد البيع، كما ان السيارة الاميركية اكثر راحة في القيادة، على حد رأيه. أما مستعملو السيارات اليابانية، فيقولون إنهم يفضلونها لانها أقل استهلاكاً للوقود.

وإذا تفاقمت أزمة صناعات السيارات الاميركية في الولايات المتحدة، فإن أحفاد «عرب ميشغان» في شمال الولايات المتحدة، قد يجدون أنفسهم أمام هجرة جديدة.. نحو العالم العربي، لكن بجوازات اميركية هذه المرة!.