الأجور المتدنية وقوانين العمل المرنة حولت أوروبا الشرقية إلى «ميني ديترويت»

تشيكيا وسلوفاكيا والمجر وبولندا تتنافس على استقطاب الاستثمارات الأجنبية

TT

تتضافر مجموعة عوامل اقتصادية وجغرافية في تحويل دول أوروبا الشرقية الـ«مين ديترويت» لقطاع السيارات العالمي. اقتصاديا، تجتذب الاجور المتدنية لليد العاملة، والتي توازي ربع معدلات الاجور في اوروبا الغربية، العديد من الشركات الغربية وتحفزها على افتتاح مصانع تجميع فيها.

وعلى صعيد موقعها الجغرافي على مشارف اسواق اوروبا الغربية، يشجع هذا العامل الشركات الغربية على بناء مصانع لسياراتها تستفيد، إلى جانب رخص اليد العاملة، من قربها من اسواق اوروبا الغربية، إضافة الى وجودها في وسط اسواق اوروبا الشرقية التي ترتفع باطراد القوة الشرائية لمواطنيها. وفي هذا السياق، يبدو ان جمهوريتي تشيكيا وسلوفاكيا نجحتا في اجتذاب معظم الاستثمارات الموظفة في قطاع السيارات، فتشيكيا تتميز بموقعها الجغرافي الوسطي في اوروبا اضافة الى توفر اليد العاملة المدربة والبنى التحتية الجيدة. واما سلوفاكيا فتتميز برخص الاجور فيها وبقوانين عمل مرنة وبتقديمات سخية للاستثمارات الاجنبية. وبالنسبة للشركات الاسيوية، مثل تويوتا وهيونداي، تشكل اوروبا الشرقية المنطلق الطبيعي لاستراتيجية اختراق اسواق اوروبا الغربية.

هذا الاستقطاب الاوروبي الشرقي المتزايد للاستثمارات الاجنبية في قطاع تصنيع السيارات حول دول اوروبا الشرقية الى البقعة الجغرافية التي تشهد اسرع نمو لصناعة السيارات في العالم، بعد الصين.

أحدث المقبلين الى أوروبا الشرقية شركة هيونداي الكورية الجنوبية التي ستعلن، في بحر شهر ابريل (نيسان) المقبل عن اختيار جمهورية التشيك كمقر لبناء مصنع تجميع لسياراتها تبلغ تكلفته 800 مليون يورو (نحو مليار دولار).

وكانت شركة هيونداي قد اتخذت في ديسمبر (كانون أول) قرارا ببناء مصنع منخفض التكلفة لانتاج سيارات صغيرة للسوق الاوروبية فيما أكدت الحكومة التشيكية أن المحادثات بهذا الشأن دخلت «المرحلة النهائية» وأنها لن تغير موقفها تجاه المشروع. وبموجب الخطة التي وضعتها هيونداي سوف يبدأ المصنع بالانتاج عام 2008 ـ وسوف تكون الطاقة الانتاجية لهذا المصنع، المقرر اقامته في نوسوفيشي، 300 ألف سيارة في السنة. وهذا يعني انه بحلول عام 2008 سوف يكون بمقدور الجمهورية التشيكية وجارتها، سلوفاكيا، انتاج مليون سيارة في كل منهما. تيار نزوح صناعة السيارات الى دول أوروبا الشرقية بدأ عام 2002 حين اختارت شركتا تويوتا وبيجو ـ سيتروين بلدة كولين، التي تبعد 50 كيلومترا عن العاصمة براغ، لاقامة مشروع مشترك برأسمال يبلغ 1.3 مليار يورو. وقد دخل مصنع كولين مرحلة الانتاج العام الماضي، ومن المتوقع ان ينتج هذه السنة 300 ألف سيارة من الماركات الثلاث.

وفي عام 2003 قررت بيجو ان تبني مصنعا خاصا بها في مدينة ترنافا، غرب سلوفاكيا ثم قررت، العام الماضي، التوسع في الانتاج في هذه البلدة على أن يبدأ في مايو (أيار) المقبل مما يرفع مجموع استثماراتها في سلوفاكيا الى المليار يورو وطاقتها الانتاجية المتوقعة بحلول عام 2009 الى 450 ألف سيارة.

وفي عام 2004اختارت كيا بلدة زيلينا في شمال غرب سلوفاكيا موقعا لبناء مصنعها الاول في اوروبا. وهذا المصنع، الذي انفقت عليه 835 مليون يورو، سوف يدخل مرحلة الانتاج الفعلي في ديسمبر (كانون الاول) المقبل ويتوقع ان يصل انتاجه الى 300 الف سيارة سنويا بحلول عام 2008.

والى جانب مشاريع بناء المصانع الجديدة في اوروبا الشرقية نشطت مشاريع دعم الانتاج المحلي فيها، فقد قدمت شركة فولكسفاغن التمويل اللازم لتوسيع مصنع سكودا ورفع انتاجه الى الـ 500 الف سيارة هذا العام على ان يرتفع هذا الانتاج، بحلول العام 2008، الى 600 الف سيارة في السنة.

أما شركة فيات فلا تزال المصنع الاكبر للسيارات في بولندا. وخلال العام الماضي رفعت، هي ايضا، انتاجها الى 300 الف سيارة، فيما تخطط سوزوكي، المنتج الاكبر للسيارات في المجر، لرفع انتاجها، هذا العام، الى 250 الف سيارة. وخلال الاسبوع الماضي أعلنت شركة نيفكو اليابانية لصناعة اللدائن ومكونات السيارات اعتزامها استثمار 800 مليون زلوتي بولندي (250 مليون دولار) لاقامة مصنع في مدينة سويدنيكا جنوب بولندا على أن يبدأ بالانتاج في ربيع 2007. وهذا المصنع سيكون الثالث للشركة اليابانية في أوروبا بعد مصنعيها في بريطانيا واسبانيا.

وتستهدف الشركة منتجي السيارات الاوروبيين واليابانيين والكوريين الذين يعملون في أوروبا لتسويق منتجات مصنعها الجديد لمكونات السيارات.

في سلوفاكيا حافظت شركة فولكسفاغن على معدل انتاجها في مصنعها في براتيسلافا بحدود الـ 250 ألف سيارة في السنة إلا ان القيمة الشرائية لهذا الانتاج ارتفعت بالمقابل.

ولكن بعض المراقبين يتساءلون اليوم عما إذا كان هذا النمو السريع للانتاج في اوروبا الشرقية سيجعل اقتصاد دول المنطقة اكثر اعتمادا في مستقبله على قطاع السيارات، الامرالذي قد يعرضه لانتكاسة في حال قررت شركات السيارات، الاجنبية اصلا، نقل مصانعها، مجددا، الى مناطق أو دول أكثر ملاءمة لتكاليف الانتاج التي بدأت ترتفع في أوروبا الشرقية، فعلى سبيل المثال يشكل قطاع السيارات 17 في المائة من الانتاج الصناعي لجمهورية تشيكيا و20 في المائة من صادراتها الصناعية. وفي سلوفاكيا ارتفع معدل نمو الانتاج الصناعي للسيارات بنسبة اسرع إذ ارتفع من 14.3 في المائة، عام 1998 الى 26.5 في المائة العام الماضي. ويعتقد بعض المراقبين ان هذه «الطفرة» بدأت تهدأ الآن إذ بدأت الشركات المصنعة تشكو من تراجع الوفرة السابقة في اليد العاملة ومن ارتفاع الاجور وايضا من ارتفاع اسعار صرف العملات المحلية.

ربما جاء على هذه الخلفية قرار شركة سكودا التخلي عن مشروع توسيع مصنعها في تشيكيا والتركيز على المساهمة في مشاريع مصانع جديدة في دول آسيوية او حتى دول اوروبية شرقية خارج تشيكيا وسلوفاكيا.

«هيونداي»... صنع تشيكيا