الشركات الصينية «تناضل» لتحسين حصتها في سوقها المحلية و«جنرال موتورز» تتفوق على «فولكسفاغن» للمرة الأولى هذا العام

بكين تقبل مبدأ التفاوض على الرسوم الجمركية لمكونات السيارات

TT

جاذبية سوق السيارات المتنامية في الصين لم تعد مقتصرة على الشركات الكبرى فقط، فالكل يتطلع للاستئثار بحصة منها، الا ان السباق على سوق الصين أفرز، حتى الان، اتجاهين رئيسيين:

ـ «الاتجاه الياباني»، المتمثل في تحول السيارات اليابانية، خلال العقد المنصرم، الى منافسين جديين في هذه السوق الواعدة.

ـ «الاتجاه الصيني»، المتمثل في محاولة الشركات المحلية التصدي «للغزو الياباني» الجديد عبر تحسين انتاجها وتوصلها، في الآونة الاخيرة، الى تثبيت اقدامها في سوقها الوطنية.

لسنوات مضت، كانت شركة «فولكسفاغن» الالمانية هي الشركة الاكثر مبيعا في الصين، إلى ان توصلت «جنرال موتورز» الاميركية، هذه السنة، الى التفوق عليها بحجم مبيعاتها بعد ان كانت قد رفعت حصتها في السوق، العام الماضي، بنسبة 11.3 بالمائة.

وقد ساهم الارتفاع الكبير في مبيعات طراز «بويك اكسيل» في زيادة مبيعات «جنرال موتورز» في الصين، العام الماضي، بنسبة 34 بالمائة، كما استفادت الشركة الاميركية ايضا من الاقبال المتزايد على «الفانات» الصغيرة التي تسوقها باسم «وولينغ»، التي لاقت رواجا ملحوظا في المناطق الريفية.

وبالمقابل شهدت «فولكسفاغن» تراجع حصتها في السوق من 50 بالمائة قبل بضع سنوات الى 15.7 بالمائة العام الماضي مسجلة، للمرة الاولى، خسائر في عملياتها في الصين.

وقد اتخذت «فولكسفاغن» تدابير واسعة لخفض نفقاتها ووضع حد لخسائرها، كما أدخلت تغييرا على جهازها الاداري في الصين.

وقد أعلن مسؤول تنفيذي بارز في شركة «فولكسفاغن» في شنغهاي، خلال عرض السيارة «ساجيتار» ـ الطراز الجديد من السيارة «جيتا» ـ في التاسع من الشهر الحالي، أن الشركة تتوقع تحقيق أرباح في السوق الصينية هذا العام. وقال إن المشروعين اللذين تقيمهما «فولكسفاغن» في شنغهاي وتشانجتشوان، يجب أن يدخلا دائرة الربحية العام الحالي، من دون ان يعطي أرقاما محددة للربح المتوقع. وكان المشروعان قد سجلا خسائر في العام الماضي بلغت 119 مليون يورو (144 مليون دولار)، بعد تحملهما لتكاليف خاصة مثل تخفيض المخزون.

وافاد هذا المسؤول أن حصة مجموعة «فولكسفاغن» في السوق الصينية وصلت الى 17.56 بالمائة في مارس (آذار) الماضي، وانه رقم «مرض» بالنسبة للشركة.

والسيارة الجديدة «ساجيتار»، التي صنعت في تشانجتشوان في شمال الصين موجهة بشكل أساسي إلى الزبائن من صغار السن والكثيري العدد في الصين.

وتخطط «فولكسفاغن» إلى طرح ما بين عشرة إلى اثني عشر طرازا جديدا في الصين بحلول 2009 منها سيارات من طراز سكودا العام الحالي.

أما الشركات اليابانية التي استأثرت بـ 27.4 بالمائة من مبيعات السيارات في الصين فقد حققت هذه النتائج معتمدة على السمعة التي كسبتها على صعيدي الثقة والنوعية.

وخلال العام الماضي استفادت شركة «نيسان» من سنة مميزة، إذ رفعت مبيعاتها في الصين بنسبة 137 بالمائة لتصل الى 165.776 سيارة ومركبة. واللافت ان «نيسان» سجلت هذه النتائج الجيدة رغم ما شهدته الصين، العام الماضي، من مظاهرات مناوئة لليابانيين ومن تهديدات بمقاطعة المنتجات اليابانية.

أما الشركات الصينية فقد حسنت حصتها من السوق بالطريقة التقليدية التي تتبعها آي شركة صينية في مواجهة المنافسة الاجنبية، أي عرض اسعار أرخص لمنتجاتها. وفي اطار هذه السياسة التسويقية سجلت سيارة شيري QQ الصغيرة الحجم زيادة في مبيعاتها، العام الماضي، بلغت نسبتها 136 بالمائة بطرحها لهذا الطراز بسعر لا يتجاوز الاربعة آلاف دولار، الامر الذي يجعله في متناول شريحة واسعة من الزبائن. لكن هذا الطراز من شيري لم يخل من الاشكالات، فقد ادعت «جنرال موتورز» الاميركية انه مجرد «نسخة» عن طراز «سبارك»، الذي تنتجه مصانعها، وأقامت دعوى قضائية على الشركة الصينية المتهمة «بنسخ» هذا الطراز. لكن النزاع سوّي «حبّيا»، خارج المحاكم، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ظهور هذه الطرازات الصينية الرخيصة كان الظاهرة الابرز على صعيد الانتاج الصيني للسيارات، فهي لم تثبت اقدام الشركات المحلية في سوقها الوطنية فحسب، بل أتاحت للصين فرصة التحول، العام الماضي، الى دولة مصدرة للسيارات، إذ بلغ حجم صادرات الصين من السيارات 172.800 مقابل واردات بلغت 161.900 سيارة.

وكانت شركة «هوندا» اليابانية قد افتتحت العام الماضي مصنعا لتجميع السيارات في مدينة غوانزو، في جنوب الصين، على ان يسوق انتاجه بالكامل في أوروبا.

عاملان ساعدا الصين على التحول الى دولة مصدرة للسيارات، اولهما تطبيق استراتيجية الانتاج «بالجملة»، أي تكثيف الانتاج. وثانيهما رخص مكونات السيارات المصنعة محليا. الا ان فارق السعر بين المكونات المصنعة في الصين والمكونات المستوردة من الخارج ـ الذي تحتاجه مصانع تجميع السيارات الاجنبية في الصين ـ تسبب بنزاع مع الاتحاد الاوروبي الذي شكا من ارتفاع الرسوم الجمركية التي تفرضها الصين على المكونات المستوردة، فكان ان تقدم الجانبان الاوروبي والاميركي بشكويين منفصلتين إلى منظمة التجارة العالمية للمطالبة بإلزام الصين بتخفيض التعريفة الجمركية على استيراد مكونات السيارات وتعد هذه هي المرة الاولى التي يلجأ فيها الاتحاد الاوروبي إلى آلية حل النزاعات منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، بينما قامت الولايات المتحدة باتباع هذه الالية عام 2004، لتسوية نزاع حول قطاع أشباه الموصلات. وتفرض بكين رسوماً جمركية على مستوردي هذه المكونات تساوي تلك التي تفرضها على استيراد سيارات كاملة، إذا تعدت تلك المكونات المستوردة 60 بالمائة من كامل السيارة.

ويعتبر الاتحاد الاوروبي أن تلك الرسوم تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية وتضر بالمصنعين الاوروبيين، فيما تصب في صالح نظرائهم الصينيين.

غير أن بكين تدافع عن إجراءاتها في هذا الشأن مشيرة إلى قيام بعض المصنعين الاجانب بتفكيك السيارات قبل ادخالها إلى الصين، ثم إعادة تجميعها داخل البلاد من أجل تجنب الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات المستوردة، والتي تفوق الرسوم على مكونات السيارات.

وفي أوائل الشهر الحالي، ذكرت صحيفة «تشينا دايلي» الصينية، أن بكين وافقت على التفاوض مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في إطار منظمة التجارة العالمية حول الرسوم الجمركية التي تفرضها على استيراد مكونات السيارات.

وطبقاً للآلية المتبعة في المنظمة بشأن حل النزاعات فسيتم منح الاطراف المتنازعة مهلة 60 يوماً لتسوية الخلافات في ما بينها. ولم يتم بعد تحديد موعد ومكان المفاوضات التي ستعقد بين الصين من ناحية والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى لحل ذلك الخلاف.