الصين تزيح ألمانيا عن مرتبة الدولة الثالثة المنتجة للسيارات

الأوروبيون يتهمون الصينيين بـ «التضحية» بمعايير السلامة لتأمين وفر للزبائن

TT

رغم ان الصناعة الاوروبية توصلت خلال السنوات الاخيرة إلى إقامة مشروعات رئيسية داخل الاقتصادات الآسيوية والصينية التي تتميز بمعدلات نمو سريعة ومرتفعة، ورغم ان الصين قابلت «التوغل» الأوروبي في سوقها الداخلية باقتطاع حصة رئيسية لها في الاسواق الاوروبية، خصوصا في قطاعات صناعة الصلب والسيارات والمنسوجات... أظهرت دراسة جديدة نشرت نتائجها الاسبوع الماضي أن الصين أزاحت ألمانيا من المرتبة العالمية الثالثة في إنتاج سيارات الركاب العادية والشاحنات الصغيرة، فقد ذكرت مؤسسة أبحاث السوق في مدينة اسن الالمانية أن الصين أنتجت خلال العام الماضي 5.9 مليون سيارة مقابل 5.38 مليون سيارة انتجتها المانيا في الوقت الذي احتفظت فيه الولايات المتحدة بالمرتبة الاولى بإنتاجها نحو 11 مليون سيارة، تليها اليابان في المركز الثاني بنحو 10.63 مليون سيارة. ونقلت الدراسة توقع الباحثين في المؤسسة الالمانية أن تتجاوز الصين إنتاج عشرة ملايين سيارة خلال الاعوام العشرة المقبلة لتقترب بذلك من معدلات الانتاج الأميركية واليابانية.واستنادا الى احصاءات المؤسسة بلغ إجمالي عدد السيارات المنتجة في العالم خلال العام الماضي 64 مليون سيارة ركاب وشاحنة صغيرة وهو رقم قياسي عالمي جديد.

ولكن، اضافة الى الانتاج المتنامي لمصانع السيارات الصينية، تشكو صناعة السيارات الاوروبية من التراجع المطرد لارباحها في الصين وترد هذا التراجع إلى إغراق مجموعة من الشركات الصينية السوق بسيارات رخيصة الثمن. وفي هذا السياق تحرص الشركات الاوروبية على الاشارة الى ان »الوفر« المحقق في سعر السيارة الصينية لا يمكن ان تحققه السيارات الاوروبية على اعتبار انه ناتج، بالدرجة الاولى، عن التضحية بعوامل الامان المتقدمة في السيارة. ويعطي المحللون الاوروبيون مثالا على الانتاج الصيني غير المستكمل لمواصفات السلامة الاوروبية السيارة الرياضية «جيانج لينج لاندويند» التي تشبه الى حد كبير سيارة «أوبل/فوكسهول فرونتيرا» والتي منحها اتحاد السيارات الالماني أدنى درجة لاي سيارة اختبرت حتى الان في اختبارات التصادم، فيما حصلت سيارة صينية أخرى هي «شيري كيوكيو» التي تباع بسعر يقل بنحو 4000 يورو عن السيارة الاصلية «شيفروليه ماتيز» على تقرير عن قوة التصادم يعد كارثة في بريطانيا إذ انهارت تماما منطقة المحرك، عند تجربة الاصطدام، ودخلت العجلة الامامية في دواسة السيارة.

ويعتبر بعض المحللين أن هذين المثالين يكشفان في الواقع المشكلات التي تخلقها عملية نقل التقنية ـ وقضايا حقوق الملكية الفكرية التي يعوزها الوضوح ـ على الصعيد التجاري بين الاتحاد الاوروبي والصين.

ولكن العديد من المحللين الاميركيين يردونه الى سياسة الصين النقدية، وتحديدا الى اصرار بكين على الابقاء على سعر صرف رخيص لعملتها حيال الدولار الاميركي، الامر الذي يتيح لمحركات وقطع غيار شركة صينية في شنغهاي، مثل «داتونغ اوتوموبيل اندستريال»، ان تنافس انتاج الشركات الاميركية في عقر دارها.

والجدير بالذكر ان المصدرين الصينيين يعارضون علنا أي تعديل في سعر صرف اليوان الصيني على الدولار الاميركي بداعي ان صادراتهم «لا تتحمله».

ومن المعروف ان صناعة السيارات الصينية المتنامية باطراد كانت تعتمد بشكل اساسي على مستورداتها من الخارج لنسبة كبرى من مكوناتها. الا انها بدأت، منذ العام الماضي، بتصدير مكونات أكثر مما تستورد، إذ قفزت مبيعاتها في السوق الاميركية بنسبة 39 في المائة لتصل قيمتها الى 5.4 مليار دولار.

وقد وضعت صناعة السيارات الصينية هدفا تعمل على بلوغه بحلول العام 2010، هو رفع قيمة صادراته من المكونات والقطع الى 70 مليار دولار، أي سبعة اضعاف قيمتها الراهنة.

وداخليا، أدى النمو الاقتصادي المتسارع في السنوات الاخيرة في الصين الى تحفيز الطلب الضخم على السيارات التي بدورها رفعت احتياجات البلاد الى المزيد من الواردات النفطية. وبحسب بيانات صينية رسمية فإن هناك نحو 30 مليون سيارة تسير في شوارع الصين ولكن هذا الرقم يظل ضئيلا مقارنة بالعدد الهائل للسكان والذي تجاوز المليار نسمة منذ زمن. لكن السيارات صارت متاحة بقدر أكبر للاعداد المتزايدة من الصينيين الراغبين في اقتناء سيارة.

وتقول مصادر مطلعة على صناعة السيارات أنه تم بيع نحو 5.7 مليون سيارة في الصين العام الماضي وان من المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 9.6 مليون في غضون الاعوام الاربع المقبلة. وإذا ما استمر المعدل الحالي فإن من المتوقع ان يصل عدد السيارات في شوارع الصين، بحلول عام 2020، إلى 140 مليون سيارة الامر الذي سيشكل تحديا هائلا للبنى الاساسية وقطاع الطاقة. لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تستثمر كبريات شركات السيارات الاوروبية، وفي مقدمتها فولكسفاغن، بقوة في مشاريع صينية مشتركة. ولغاية عام 2003 كانت فولكسفاغن شركة السيارات الالمانية الرائدة في السوق الصينية بحصة تبلغ 35 في المائة. ولكن بحلول نهاية العام الماضي تراجعت هذه الحصة إلى 17 في المائة.

وحاليا تعكف فولكسفاغن/أودي على عملية إعادة هيكلة لمشاريعها في الصين فصارت واحدة من كبار رعاة دورة الالعاب الاوليمبية التي ستقام في بكين عام 2008 وذلك في مسعى منها لاستعادة الحصة التي فقدتها في سوق السيارات المحلية. ويبدو ان هذه العملية بدأت تعطي ثمارها إذ باعت فولكسفاغن/أودي، في الشهور السبعة الاولى من العام الحالي، 400 ألف سيارة وذلك بزيادة قدرها 30 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

غير أن المنافسة القوية وحالة التشبع في سوق السيارات الصينية ستؤديان في نهاية المطاف الى تقليص هامش الربح الذي تجنيه فولكسفاغن. وذكر الاتحاد الصيني لشركات صناعة السيارات أن أعداد السيارات التي لم يتم بيعها من طرز بولو وغولف وأودي «ايه 6 » كان أعلى من المعتاد. ويأتي هذا بعد أن اعتبرت السوق الصينية لفترة طويلة سوقا لايمكن أن تتشبع. كما ان شركتي تويوتا وجنرال موتورز زادتا من حجم استثماراتهما في المشروعات المشتركة في الصين.

ومن جهة اخرى هناك نحو 150 شركة صينية محلية تطرح إنتاجها في السوق بأسعار إغراق في مسعى للاستحواذ على حصة من تلك السوق من شركات المشروعات المشتركة الاجنبية. وأكثر السيارات مبيعاً في سوق السيارات الصينية الجديدة هي السيارة مينيفان «وولنج تشي جوانج».

وبالمقابل فإن شركات انتاج السيارات الصينية مثل «جيلي» و«بريلاينس» و«ننجنج» تستعد لغزو أسواق السيارات في أميركا الشمالية وأوروبا. وتركز «جيلي»، وهي أكثر الشركات نجاحا في السوق الاسيوية، بشكل أقل على التصميم والشكل الخارجي، وبشكل اكبر على التكلفة بغية خفض سعر منتجها.

ولكن خبراء سوق السيارات يعتقدون أنه لايكفي بالنسبة للصين أن تعمد، ببساطة، إلى طرح سيارات بنصف ثمن نظيراتها الاوروبية او الاميركية لتنافس الصناعة الغربية، فعلى شركات السيارات الصينية أن تطرح سيارات تعمل بمحركات ديزل إذا كانت تطمح في انتزاع حصة من السوق الاوروبية وأن تحسن مواصفات الامان ومعايير الكفاءة وأن تطرح في ذات الوقت تصميمات أكثر قدرة على إثارة الخيال.

وفي ما يبدو خطوة أولى على هذا الطريق اعلنت شركة السيارات الصينية سياك موتور كورب عن اتفاق مع شركة بي ام دبليو الالمانية بشأن الحقوق الخاصة بسيارة روفر. وبموجب هذا الاتفاق حصلت شركة سياك على حقوق تصميم بالنسبة للسيارة» روفر 75 و«روفر 25» وكذلك حق تصنيع سيارات تستوحي هذا التصميم في مسعى لاختراق السوق الاوروبية.