رينو F1 الفرنسية .. محرك جبار وتسارع مدهش

بعد أن فازت ببطولة العالم في سباق السيارات عامي 2005 و 2006

TT

الطريق التي تسلكها سيارتنا الكبيرة بركابها السبعة، بعد أن تركنا وراءنا مدينة مرسيليا الفرنسية المتوسطية ومطارها حيث حطت طائرتنا القادمة من باريس، تتعرج وتتلوى وتتزايد صعودا كلما زاد توغلنا باتجاه حلبة «لو كاستوليه» التي تبعد عن مرسيليا نحو ساعة ونصف الساعة بالسيارة. لم تبد سائقتنا الجميلة التي تهوى على ما يبدو الموسيقى العالية تبرما بالازدحام. فنحن في مساء الجمعة والموظفون تركوا مكاتبهم وسكان مرسيليا وضواحيها، ككافة سكان المدن الكبرى، يخرجون نهاية الأسبوع الى القرى الجبلية المحيطة أو يتوجهون الى المنتجعات البحرية على الريفيرا الفرنسية... وكل ذلك يفضي الى «زحمة» مرحة.

وتتمايل السيارة بنا على طرقات متعرجة وضيقة في منطقة تعبق فيها رائحة اشجار الصنوبر المتكاثرة في هذه الناحية من فرنسا (منطقة لو فار) فيما نتحضر نحن الصحافيين لخوض غمار تجربة جديدة: أن نتحول، على مدى «ويك إند»، الى متنافسين في سباقات الرالي المعروفة باسم «فورمولا 1 » أي بكلام أكثر بساطة: أن نتشبه بمايكل شوماخر أو فرناندو ألونسو أو ... والسبب أن شركة «رينو» اختارت أن نتجرع هذه الكأس على الحلبة المسماة «حلبة بول ريكور» التي شهدت أول سباقات للسيارات عام 1971 وبقيت حتى العام 1991 أحد أهم ميادين السباق في العالم قبل أن تنتقل السباقات، بطلب من الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران الى حلبة مانيي كور، القريبة من مدينة نفير، المعقل الانتخابي للرئيس الاشتراكي.

ونصل الى فندق «لو كاستوليه»، المسمى على اسم حلبة السباق، مساء لنجد بانتظارنا عددا من مسؤولي شركة «رينو» التي حازت العام الحالي، وللمرة الثانية على التوالي، لقب البطولة المزدوجة: بطولة القيادة مع الإسباني فرناندو ألونسو البالغ من العمر 25 عاما وبطولة الشركة الصانعة.. متقدمة بذلك على منافسيها العالميين.

ولشركة «رينو»، وخاصة فرعها الرياضي العائدة اليه نشاطات السباقات، قصة حب طويلة مع هذه الحلبة: ففي العام 1982 كانت «رينو» بطلة العالم مع السائق الفرنسي الشهير رينيه ارنو. وفي العام التالي حاز فرنسى آخر، هو ألان بروست، البطولة على سيارة «رينو» ايضا. ولكن «راليات» السيارات لم تعد في هذا الزمن كما كانت عليه قبل عشرين عاما. ذلك أن العولمة والنقل المباشر للسباقات الى كل أنحاء الأرض بفضل الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية جعلا من السباقات حدثا عالميا يتابعه عدة مليارات من الناس في ساعة حدوثه. ولذا فإن فوز «رينو» بالجائزتين (القيادة و الشركة الصانعة) لعامين متتاليين (2005 و 2006) يعد حدثا استثنائيا من شأنه تعزيز شهرة هذه الشركة وتأكيد حضورها على المستوى العالمي. والواقع، وبعد التجربة التي عاشها فريقنا على حلبة «لو كاستوليه»، يمكن القول إن مشاهدة السباق على شاشة التلفزة والأحاسيس التي تغمر المشاهد أمر.. والتحول الى متنافس في سيارة السباق وعلى حلبته.. أمر آخر. قبل أن نذهب الى غرفنا للخلود الى الراحة جاءتنا التعليمات من مسؤولي الشركة: التجمع في الساعة السادسة صباحا لأن «يوما طويلا» بانتظارنا... وذهب كل منا الى فراشه وهو ينسج في ذهنه ملاحم وأساطير عن أرقام قياسية سيحققها وأخرى سيحطمها وسيخلدها مصورون ومشاهدون. غير أن نهارنا الذي بدأ باكرا بالفعل حفل بالكثير من الاجتماعات والتحضيرات. فمسؤولو الشركة يعرفون أن هناك حاجة لتحضير المتنافسين أمثالنا جسديا ونفسيا وقبل كل ذلك تأهيلهم بل وضعهم في سيارات السباق والإذن لهم بإدارة المحرك والانطلاق بسيارة لا يجمعها شيء بسيارة الأيام العادية.

بدأ نهارنا بارتداء الثياب الخاصة بالسباق وبالخوذة الواقية والقفازات. وكل ذلك متوافر بكل المقاسات. وأخذنا نشعر سريعا أن المغامرة حقيقية. ثم جاء زمن التعرف على الحلبة التي يبلغ طولها 3848 مترا.

أرض الحلبة من ألوان عديدة. وهي ككل حلبات السباق تتجمع فيها كل التحديات خصوصا المنعطفات الحادة وحتى الدائرية وفيها الخط المستقيم حيث سيارات السباق تزمجر وتهدر وحيث يسهل التجاوز. وكانت التعليمة الأولى التي أوصلها الينا غيوم غرويه هي أنه لا يجوز لنا بأي حال من الاحوال أن نتجاوز السيارة السائرة أمامنا إلا بعبور الخط المستقيم مخافة وقوع حوادث لا تحمد عقباها. وما بين دروس أولية في علم «الإيروديناميك» وكيفية تصرف السيارة في حال استعمال المكابح وما بين التأقلم مع شكل المقود الذي لا علاقة له بمقود السيارة العادية، أخذت رؤوسنا تضج بمئات الأفكار والمعلومات المتزاحمة: وزن السيارة، كيفية التعامل معها، كيفية استخدام محول السرعة، الحدود القصوى والحدود الدنيا... وكانت التعليمة الرئيسية التي أوصلها الينا غيوم غرويه هي التالية: إذا أفلتت السيارة من السيطرة، يتعين استخدام الفرامل حتى التوقف النهائي. ومن «النصائح» التي أسداها الينا أنه يتعين علينا أن ننسى كيف نسوق سيارتنا العادية إذ أن استخدام المكابح مختلف: المطلوب ليس الانتقال من مكان الى مكان وهو وظيفة السيارة العادية. ما هو مطلوب حقيقة أن نقوم بهذه المهمة ولكن بأقصر وقت ممكن أي بتحقيق أعلى سرعة ممكنة. ولذا فإن استخدام المكابح سيتم بطريقة مختلفة. وبحسب الشروح، يتعين علينا أن نضغط بأقصى قدراتنا على المكبح بداية ثم شيئا فشيئا نخفف الضغط. ومن قواعد «السلامة» تحاشي تغيير السرعة في المنعطفات وتحاشي القيادة «المتوترة». وباختصار: يتعين علينا أن نفهم السيارة وأن نستخدمها بالشكل الأفضل.

بعد التحضير «العلمي» جاء دور التحضير الجسدي. فقيادة سيارات السباق رياضة تتطلب حدا أدنى من اللياقة البدنية. وترافق التحضير مع إلزامنا باجتراع محلول خاص للمحافظة على كمية مرتفعة من السكر في الدم.

ثم جاء الامتحان الحقيقي: الصعود في سيارة السباق للمرة الأولى. ولهذه المرة، السيارات التي طلب منا ركوبها سيارات قوية من طراز رينو F 1 ولكنها «تربوية» أو بكلام آخر غرضها تحضيرنا للمرحلة الثانية وهي امتطاء سيارات السباق التي لا يميزها عن سيارة ألونسو سوى قوة المحرك. ومحرك هذه السيارة قوته 650 حصانا ويستطيع الانتقال الى سرعة 200 كلم بخمس ثوان. وهنا، كل حركة تتطلب تركيزا وبالدرجة الإنزلاق في السيارة و«التمدد» فيها، علما بأنها ضيقة خصوصا في مقدمتها حيث عانى الكثيرون من صعوبة الدخول والإنزلاق. ثم امامك مدرب يعطيك التعليمات بالإشارة: إدارة المحرك، إيصاله الى عدد ثابت من الدورات الضرورية للتقليع (5000 دورة/ دقيقة) بعد ذلك محاولة التقدم برفع الرجل على مهل عن مكبس تحويل السرعات. وكم كان «خجل» عدد من الزملاء كبيرا حيث لم ينجحوا في التقدم إلا بعد ثلاث أو أربع محاولات...

وتحدث «الاعجوبة» وتتقدم السيارة الى الحلبة وهنا تأخذ الأمور منحى آخر. فالمخروطات بالألوان المختلفة تتعاقب أمامنا وخوف اللحظات الأولى تحول بعد عدة دقائق الى رغبة في التجربة والمحاولة خصوصا أن مدوس السرعة يتجاوب كلما ضغطت عليه. ولا حاجة في هذه الحال الى الابتداع والتبجح. فالسيارة مجهزة بمجسات تنقل كل تفاصيل القيادة الى كومبيوتر مركزي تسجل عليه كل المعطيات ويخرج باشكال بيانية منها للسرعة ومنها للمحرك ومنها للمكابح... ولكل منا إضبارته التي نقلت اليه مصحوبة بشروح ونصائح من المشرف على التمرين. والخلاصة التي يصل اليها المتسابق أن التحول الى بطل للسباق يحتاج الى جهد وعمل وتواضع.. حيث لا يفيد التبجح.

وما يؤكد هذه الخلاصة أن المشرفين علينا أرادوا «إفهامنا» أحاسيس السباق الحقيقية حيث عرض علينا ركوب سيار سباق مزدوجة المقاعد مع سائق ممتهن. وهنا شعرنا بالفرق بين ما قمنا به نحن وما عشناه مع المتسابق الممتهن. وفي بعض المنعطفات التي كان المتسابق يتعامل معها بسرعة 200 كلم، كان همنا أن تنتهي الأمور على خير وأن ننزل من السيارة ونحن بكامل قوانا واعضائنا الجسدية.