مواجهة بيئية ـ تجارية بين لوبي السيارات والاتحاد الأوروبي

بسبب خطة بروكسل لخفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون

TT

في خطوة مهمة على طريق الحفاظ على البيئة وحماية دول المجموعة الاوروبية من التلوث اقرت المفوضية الأوروبية (الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي) خطة عملية مفصلة لمكافحة واحتواء انبعاث ثاني اوكسيد الكربون من السيارات والمركبات الخاصة والعاملة داخل الدول الاوروبية.

مصادر المؤسسات الاوروبية في بروكسل اعتبرت الاقتراحات التي أعلنت عنها في السابع من فبراير (شباط) الحالي لخفض مستويات التلوث البيئي بمثابة «الخطوة الاولى» على طريق اعتماد الخطة والذي يشمل احالتها الى البرلمان الاوروبي لدراستها ثم اعتمادها من جانب البرلمانات الوطنية لدول المجموعة قبل تقديمها الى المجلس الوزاري الاوروبي والذي يشكل الخطوة الاخيرة قبل دخولها حيز التنفيذ.

تفاصيل الخطة الأوروبية الجديدة، التي اعلنها مفوض البيئة سترافوس ديماس ومفوض المؤسسات والصناعة غونتر فيرهوغن في بروكسل، تشمل ضرورة الحد من كمية انبعاث ثاني اوكسيد الكربون من السيارات والمركبات بنسبة لا تتجاوز 130غراما في الكيلومتر الواحد، أي خفض يوازي خمس المستوى الحالي للتلوث، وذلك بحلول عام 2012. وقالت المفوضية ان مؤسسات تصنيع السيارات والمعنيين الآخرين في بناء المركبات، مثل مصنعي إطارات العجلات وأنظمة التكييف سيجبرون ايضا على التأقلم مع القوانين الجديدة على اعتبار انه يمكن خفض 10 غرامات من انبعاث ثاني أوكسيد الكربون في الكيلومتر الواحد عبر التحكم بضغط الهواء في الاطارات، وفي استعمال جهاز التبريد وفي تطبيق عدد من الاجراءات الاخرى. وفي هذا السياق اقترح مفوض المؤسسات، الصناعة في الاتحاد الاوروبي، فيرهوغن، على مصنعي السيارات «تطوير استخدام الوقود الحيوي وتحسين مواصفات إطارات السيارات والعمل على جعل أجهزة التبريد أقل استهلاكا للوقود ووضع مؤشرات لتغيير سرعة السيارة للتوصل إلى تخفيض آخر قدره 10 غرامات لكل كيلومتر».

إلا أن الخطة الاوروبية للحد من الاحتباس الحراري والتلوث البيئي تواجه معارضة قوية من لوبي صناعة السيارات النافذ في اوروبا، خاصة مؤسسات تصنيع السيارات الألمانية، خصوصا ان معظم الاوروبيين يقدمون الاعتبار «القومي» على أي اعتبار آخر في اختيارهم لسياراتهم. فعلى سبيل المثال تسعة من اصل كل عشر سيارات بيعت في فرنسا عام 2005 كانت فرنسية الصنع، وكذلك في المانيا تحتل السيارات الالمانية الصنع رأس قائمة المبيعات. وفي ايطاليا احتلت طرازات فيات ولانسيا المراتب الثلاث الاولى على قائمة مبيعات السيارات، فيما يؤكد السويديون، باستمرار، تفضيلهم لسيارات فولفو وساب على سيارات أي ماركة أجنبية. جاء الاعتراض الابرز على شروط المفوضية الاوروبية من المانيا التي طالبت بآلية لتصنيف السيارات حسب حجمها وحسب مجالات استعمالها وبالتالي تحاشي وضع تعميم شامل بالنسبة لتقويم انبعاث ثاني اوكسيد الكربون.

واوضح المسؤول الاوروبي ان المفوضية قد تدرس هذه الاشكالية في وقت لاحق ولكن الهدف الحالي هو المساهمة الفعلية في انقاذ البيئة والحد من تنامي الاحتباس الحراري بشكل بات يهدد البشرية. وفيما اعترف فيرهوغن أن قطاع صناعة السيارات لا يمكن، بمفرده، تحمل أعباء تنفيذ الاستراتيجية البيئية الجديدة، طالب بتضافر جهود كافة الأطراف المعنية بهذه المشكلة للتوصل الى الحفاظ على سلامة البيئة.

وقال المسؤول الأوروبي أن المشكلة لا تكمن في كبار المنتجين الذين لن يتأثروا كثيرا بزيادة تكلفة الإنتاج نتيجة هذه الخطوة، وإنما المشكلة تكمن في الشركات المتوسطة والصغيرة التي قد تتأثر بذلك وقد تتجه إلى عمليات إعادة هيكلة خاصة في اسبانيا وبريطانيا، مبدياً خشيته من ان يؤدي هذا إلى «خفض عدد الوظائف وإغلاق بعض خطوط الإنتاج لتقليل النفقات».

لكن فيرهوغن دعا منتجي السيارات الأوروبيين إلى تحمل مسؤولياتهم ومواجهة المنافسة العالمية حتى لا يتوجه المواطن الأوروبي إلى شراء سيارات أرخص وأكثر حماية للبيئة من دول أخرى من العالم، كالسيارات اليابانية. وأكد فيرهوغن على ضرورة التوفيق بين متطلبات النشاط الاقتصادي ومعايير حماية البيئة، فيما دعا المفوض الأوروبي المكلف بشؤون البيئة، ستافروس ديماس الى وضع تسهيلات ضريبية تشجع المستهلك على اقتناء سيارات أكثر حفاظا على البيئة. وفيما يتوقع بعض المراقبين ان يكسب لوبي السيارات بعض الجولات مع المفوضية الاوروبية يشيرون الى ان المفوضية الاوروبية لم تعد وحدها حاملة لواء المحافظة على البيئة، فالعديد من الحكومات الاوروبية والسلطات المحلية في مدنها الكبرى تدرس بجدية ربط مستويات انبعاث ثاني اوكسيد الكربون بالرسوم والضرائب التي تجبيها على السيارات العاملة في مناطقها، الامر الذي ينبئ بأن التغيير في مستويات انبعاث الغازات من عوادم السيارات آت، وربما في القريب العاجل.