السيارة المصفحة مؤشر أمني وطبقي معا في ظل استمرار الأوضاع المتوترة في لبنان

بيروت تتحول إلى عاصمة «تصفيح السيارات» في الشرق الأوسط

TT

أصبح المقياس العملي لتخوف اللبنانيين من ان يعيد التاريخ نفسه ويغرق بلدهم، من جديد، في حرب أهلية جديدة تطور ثلاثة نشاطات لم تعد غريبة عن لبنان منذ حربه الاهلية الأخيرة: أولها زيادة وكلاء السيارات في بيروت من عدد السيارات المصفحة المعدة للتسويق في لبنان، وثانيها عروض تأجير السيارات المصفحة للراغبين من الزبائن مقابل 1500 دولار أميركي لليوم الواحد، ثالثها ـ وأكثرها ازدهارا في الوقت الراهن ـ انتشار عمليات تصفيح السيارات التي يتجول بها السياسيون.

وتترافق هذه الظواهر الامنية مع ازدياد الطلب على الحراس الشخصيين والمدربين، فضلا عن تعميم كاميرات المراقبة في الشوارع المارة قرب البنوك والمتاجر الكبرى.

ولأن معظم الاغتيالات السياسية في لبنان استهدفت المسؤولين والسياسيين إبان تنقلهم بسياراتهم، ولأن تخوف العديد من المسؤولين والشخصيات اللبنانية من التعرض لمحاولة اغتيال في هذا «العنوان المتجول»، أصبح تخوفا عاما في ظل التوتر السياسي الراهن، ولأن «مصائب قوم عند قوم فوائد».. أخذت صناعة تصفيح السيارات ضد أي طلق ناري وتحصينها ضد أي انفجار محتمل لعبوة قد تمر السيارة بقربها تنتعش محليا بشكل لم يكن متوقعا.

ومن المعروف أن لبنان يمر حاليا بأسوأ أزمة سياسية واجهها منذ انتهاء الحرب الاهلية عام 1990.

وكان يوم إضراب لمدة يوم واحد في 23 و25 يناير (كانون الثاني) الماضي، قد تسبب باشتباكات بدأت طلابية داخل حرم الجامعة العربية، ثم امتدت الى شوارع بيروت المحيطة بها، مما أسفرعن مقتل ستة أشخاص وجرح أكثر من مائتين آخرين.

هذه التطورات ساهمت في إثارة مخاوف العديد من اللبنانيين من احتمال انزلاق بلادهم مجددا نحو حرب أهلية.

إلا ان اللافت ان ارباب صناعة تحصين السيارات ما زالوا يزاولونها «بخفر» ويتجنبون الاعلان عن صناعتهم، لذلك يفضلون نشر إعلاناتهم في الصحف المحلية مكتفين بذكر أرقام هواتفهم من دون اسمائهم أو علامتهم التجارية وتأكيد قدرتهم على تصفيح أي سيارة كانت ومن أي ماركة معروفة وجعلها مقاومة لطلقات الرصاص والقذائف الصاروخية.

ويعترف العاملون في صناعة تصفيح السيارات انهم يتعاملون مع زبائنهم «بسرية تامة»، بهدف الحفاظ على سلامتهم، لان هذه السرية جزء من خطة السلامة التي يتوخاها الزبائن من تصفيح سياراتهم، خصوصا أن معظمهم معروفون في لبنان، كونهم إما من كبار المسؤولين السياسيين أو من أصحاب بنوك أو من ذوي المناصب الرفيعة في الدولة.

واللافت ان الطلب يزداد في لبنان على عمليات تصفيح السيارات، رغم أنها عملية باهظة التكاليف لا يستطيع تحمل تكاليفها، إلا المقتدرون ماليا، إضافة الى كونها عملية معقدة وصعبة تستدعي إضافة الكثير من المعادن الى هيكل السيارة وتغيير زجاج النوافذ واستبدال الاطارات.. أي عمليا «إنتاج» سيارة جديدة من السيارة المطلوب تصفيحها.